أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - بوتان زيباري - نردد نشيد الحرّية في صمت الجبال الكوردية














المزيد.....

نردد نشيد الحرّية في صمت الجبال الكوردية


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8518 - 2025 / 11 / 6 - 21:59
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


في زحام الأيام التي رحلت، وحُلمُ الخلافة السوداء يفترّ كالظل عند أطراف قريةٍ الباغوز، تهدّأ النفس فاعتقدت أنّ الرعب قد سلّم سلاحه وارتمى في النسيان. لكن من يمشي اليوم على تراب الرقة المهشّم، أو يتجوّل في خيمة الشتات بمحاذاة الحسكة، يدرك أنّ الإرهاب لم يعطِ نفسه استراحة، بل تغيّرت أدواره وتنكّرت أنفاسه. صار همساً في الفجر، ووجوداً مكثفاً في فراغٍ أشدّ فتكاً من زحف الجيوش العارية. وأينما انصرف البصر الدولي، زحف الفكرُ على خفايا الإخلال. وفي ذلك الفراغ، انطلق جيلٌ جديد؛ أطفالٌ لم يعرفوا بعد حروف الهجاء، ومع ذلك يردّدون شعارات آبائهم، فتنكشف الحقيقة: الإرهاب ليس مشروعاً عسكرياً فحسب، بل صيغة نفسية وثقافية واجتماعية تُروى من جفاف الأمل وقلة الثمر.

ومن بين ثنايا هذا المشهد، يتجلّى سؤال فلسفي عميق في هوية الكورد ووعي الإنسان معاً: كيف ينطلق الإنسان صوب تنظيمٍ يرتكز على القسوة المطلقة، قادرٍ على السحل والقتل والاستعباد بلا ذرة خجل أو ندم؟ إن الجواب لا يكمن في حبل العقيدة وحده، بل في سيل عاطفة جارف يقوده إلى الفراغ، وإلى البحث عن معنى حين تُفقد الأرض المعنى. في حفرة الفراغ، يقف التنظيم ليمنح هوية مفقودة، جماعة تحتضن اليأس، ومعنى يملأ حياةً بدت بلا قيمة. ويحطم الآخر من إنسانيته، يحوّله إلى شيءٍ يستحق الموت، أو يُقدّم له ذلك على أنه خلاص. وهكذا تراها شباب العراق وسوريا، نشؤوا في دورةٍ لا نهاية لها من الفقر والمهانة والحروب التي فَتّتت نسيج وجودهم، وجعلت مصيرهم معلّقاً في انتظارٍ لا يفي. وفي هذا المشهد الممزّق، تُقدّم أيديولوجيا الرعب بريقها الزائف: القوة، والاصطفاء، والنقاء، وتشرح لهم بساطة عذاباتهم: «اللوم على الآخر، على الغرب، وعلى الخونة الطغاة».

ولننظر، يا صديقي، إلى تجربة الكورد: هذا الشعب الذي عاش منذ قرونٍ في جبالٍ وأوديةٍ محدّقة، بين أعالي زاغروس وامتداد جبال طوروس، بين نهري دجلة والفرات. لقد اقتطع التاريخ قطعةً من أرضه، قسمها أربع جهات، فبقي الشعب متحدّاً بروحه قبل حدود ترسّخها دولٌ ومِنحنيات جيوسياسية.

في هذا التقسيم نشأت هويةٌ كوردية صامدة، تنجو رغم المنع والاحتواء: ففي فترةٍ من الفترات منعوا لغة الكورد من أن تُعلَن، وقال البعض إنّها لُغةٌ تحتضر.

فكانت الكلمة الكوردية، والنشيد، والدفعة الفولاذية للغة، قبل أن تكون أرضاً أو سُلطة، بمثابة مقاومةٍ صامتة. وها هي أرواح الكورد تتذكّر في كل «بَاكور» و«باشور» و«روجافا» و«روجهلات» أنّ الحدود التي فرضها الآخر، لم تكن سوى حدودٌ في ذهنٍ، وأنهم كانوا وما زالوا يقيمون وطنهم في اللغة، في الجسد، في الوجع والأنشودة معاً.

ولأنّ الكورد عايشوا تجارب الانتماء والانقسام والمعاناة، فقد كان بحثهم عن الكرامة بمثابة نهج وجوديّ: فبين ثوراتٍ صغيرة مثل جمهورية مه‌آباد (1946) التي لم تدم طويلاً لكنها وضعت حجر الأساس لهوية كوردية حديثة،

وبين مقاومة اللغة والقرى والهوية، قام كوردٌ يحفر بحروفه قصةً لا تُمحى. إنّ ما علينا فهمه هو أنّ تجربة الكورد تعلّمنا أنّ الهوية ليست ورقة تُطوى، بل جرحٌ وشجرة تُروى، وأنّ الوجعَ حين يُعاد بناؤه بكرامة، يصبح سلاحاً أكثر فتكاً من الرصاص.

في هذا الرّهاب الكامن بين الصفحات، ترصد التنظيمات الإرهابية كيف يستعيد الإنسان معنىً مفقوداً ويحوّله إلى ذهنية موت. لكن الكورد يعلمون — لأنهم عاشوا الحصار، والملاحقة، ونَفي اللسان — أنّ المعنى يُبنى ليس من الهيمنة، بل من الكرامة: من تعليمٍ يُحرّر، وعدالةٍ تُعيد، وجرحٍ يُدارى وليس يُنسى. إنّ كوردستان لم ترمِ سيفها في الأرض مرّةً، بل رفعت كلمتها في الجبال والوديان، فحينما يُقتل الأب، يُزرع الابن حكمةً في البذرة، وحينما تُدمّر قرية، يُقام النشيد في قلب الطفل.

وها نحن اليوم، وسط هذه العتمة التي لا تعرف إلا أن تزرع الخوف، نقف أمام مهمة إنسانية وكوردية معاً: أن نُعيد بناء الكرامة في نفس الإنسان، أن نُعيد لروحه معنى لا يسلمه للذئب القاسي. إنّ الإرهاب ليس غريباً عن روح البشر، بل هو أفقٌ مظلم ينمو من ضعفهم، من شعورهم باللاجدوى، ومن عزلتهم، كما علّمتنا تجارب الكورد. ولأنه إنساني، يُمكن أن يُهزم بوسائل إنسانية: لغة تتحدّث القلب، تعليم يحرّر العقل، عدالة تردّ الاعتبار للإنسان، وأن نرى في الآخر إنساناً. لأنّه حيثما تنمو الكرامة، يموت الإرهاب، وعندها تشرق شمس كوردستان في روح الإنسان الحرّ.



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في حضرة المرايا المكسورة: رقصة السلاطين على أنغام الصحراء وا ...
- حكمة الصخر ورنين الروح: في مقام الكينونة الكوردية ونداء السل ...
- حجر الواقع ووهم الأمة الديمقراطية: صرخة الوجدان الكوردي في ل ...
- النار لا تُحرر… إن لم تكن في يد واعية!
- سجال القيادة وسيف السجن: أي فجر ينتظر كُردستان؟
- رقصة النار والماء: الأكراد وسوريا، بين الفلسفة الجريحة وبلاغ ...
- صرخة المعرفة في زمن الغياب
- شعلة نوروز: فلسفة الوجود ووجع النكران
- صوت الشلومية الذي لم يهن: مزكين حسكو وسرمدية الروح الكوردستا ...
- أن تكون كوردياً: شهادة لا تُمحى على جبين التاريخ
- أنقرة والخوف من الظل الكوردي
- رقصة الأقنعة على رمال الشرق المتحركة
- رؤية في دهاليز السياسة: حينما يصبح الحل هو الُمشكل
- صدى الروح في ميزان الشرق: جدل السياسة والإنسان
- الصواريخ لا تُنبئ بالسلام.. والدم الكردي ليس وقوداً للهيبة
- نحو وطنٍ لا يُبنى على أنقاض الهوية: بين فيدرالية الحقوق وخيا ...
- صدى الدم في قاعة الانتخابات: عندما تُكتب الديمقراطية بدموع ا ...
- سوريا في مفترق طرق: بين الأيديولوجيا والتقسيم
- الظل والضوء: حين يُستدعى التاريخ ليحاكم الحاضر
- صمت الدم: حين تُكتب الخريطة بدم العلويين والدروز…


المزيد.....




- القادة الأوروبيون يقترحون قيادة قوة متعددة الجنسيات في أوكر ...
- لقاء أوروبي لدعم أوكرانيا وزيادة العقوبات على كيانات روسية
- الجيش اللبناني يعتقل 38 سوريا في عمليات دهم منازل ومخيمات في ...
- ترامب يعلن تصنيف مخدر الفنتانيل سلاح دمار شامل
- تونس: بدء محاكمة مسؤولين بجمعية بتهم مساعدة مهاجرين وسط انتق ...
- جدل حول هوية المشتبك مع منفذ هجوم سيدني
- إنقاذ مسنّة مغربية حاصرتها السيول في مدينة آسفي
- إسرائيل أمام العدالة الدولية: معركة قضائية تكسر حصانة الإفلا ...
- قطاع غزة يعيش واقعا مأساويا مع تجدد الأمطار وغرق آلاف الخيام ...
- جولة برلين الثانية: ماذا حققت مفاوضات أميركا وأوكرانيا؟


المزيد.....

- اشتراكيون ديموقراطيون ام ماركسيون / سعيد العليمى
- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - بوتان زيباري - نردد نشيد الحرّية في صمت الجبال الكوردية