عماد الطيب
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 8518 - 2025 / 11 / 6 - 02:23
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
المفترض أن تكون المستشفيات الأهلية رديفاً وسنداً للمستشفيات الحكومية التي تعاني من ضغط المراجعين، وقلة الأجهزة، وضعف الإمكانات، إلا أن الواقع يشير إلى انحراف هذا الهدف في كثير من الحالات نحو منطق الربح أولاً، والإنسان أخيراً. فقد تحولت بعض تلك المستشفيات إلى مشاريع تجارية ترتدي معطف الطب لتسويق الوهم بالرفاهية والخدمة المتميزة، بينما هي في الحقيقة تنتهك أبسط المبادئ الإنسانية التي يقوم عليها الطب: "إنقاذ حياة الإنسان لا المتاجرة بها".
تتجلى المأساة حين تصبح حياة المريض مرهونة بمقدار ما يدفع، لا بمقدار ما يعاني. نرى ذلك في الأخطاء الطبية المتكررة التي تتسبب بها قلة الخبرة، أو الإهمال، أو انعدام الرقابة. إحدى الحالات المؤلمة كانت لمريضة تعاني من الربو، أُعطيت جرعة مخدر أعلى من المسموح به، دون مراعاة تاريخها المرضي، فكانت النتيجة مضاعفات كبيرة لصحة المريضة . هذه ليست مجرد "حادثة"، بل جرس إنذار يقرع ضمير المهنة، ويفضح غياب المحاسبة والرقابة الصحية الجادة على عمل تلك المؤسسات.
لكن الأخطر من ذلك هو أن يتحول الإنسان إلى وسيلة للابتزاز المالي. ففي بعض مستشفيات الولادة، باتت "ردهة الخدّج" وسيلة ضغط على ذوي الأطفال بحجة وجود مضاعفات تستوجب بقاء المولود تحت المراقبة. والحقيقة – كما كشفها أحد الأطباء – أن كثيراً من هؤلاء الأطفال لا يعانون أي مشكلة صحية تُذكر، بل يوضعون هناك لزيادة الفاتورة واستنزاف الأهالي. أي انحدار أخلاقي أعظم من أن يُتخذ الطفل جسراً لجمع المال؟
إن هذه الممارسات تمثل خللاً خطيراً في بنية النظام الصحي الأهلي، حيث غابت الرقابة الصارمة، وضعف تطبيق المعايير الطبية والإنسانية. فالمستشفى الذي يُفترض أن يكون بيتاً للرحمة، يتحول في بعض الحالات إلى مؤسسة تجارية بلا ضمير، شعارها "الربح بأي ثمن"، حتى وإن كان الثمن حياة مريض أو معاناة أسرة.
ما يحتاجه القطاع الصحي الأهلي اليوم ليس المزيد من الأبنية الفخمة أو الإعلانات البراقة، بل منظومة صارمة من الرقابة والمحاسبة، تُعيد للطب هيبته، وللإنسان كرامته. فالمهنة التي تفقد إنسانيتها تتحول إلى تجارة، والتجارة حين تُمارس على أجساد المرضى لا تُسمى نجاحاً، بل سقوطاً أخلاقياً مدوّياً. فليُرفع شعار جديد: الطب مسؤولية لا استثمار، ورسالة لا تجارة.
#عماد_الطيب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟