القضية الكردية في المعادلة الدولية ودورها
في مستقبل الشرق الاوسط
الإستفتاء يقول بتشكيل دولة كردستانية ولكن؟ (3) /5
خالد يونس خالد
مواقف متباينة
هناك مؤسسات أوربية وأمريكية وكردية تُحبذ تشكيل دولة كردية في الجزء الجنوبي من كردستان (كردستان العراق) ، لكن القيادات الكردستانية في الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يترأه البارزاني الإبن، والإتحاد الوطني الكردستاني الذي يترأسه السيد الطالباني يفضلون البقاء ضمن العراق. في حين هناك قوى كردستانية أخرى تعمل بشكل منظم ومن خلال قنوات سياسية ودبلوماسية من أجل تشكيل دولة كردية. فعلى سبيل المثال وليس الحصر "المؤتمر الوطني الكردستاني" الذي يترأسه السيد جواد ملا ومقره في لندن، وموقف الحزب الإسلامي الكردستاني الذي يترأسه السيد محمد صالح كابوري، إضافة إلى مواقف شخصيات كردية معروفة مثل السيد جمال نبز في ألمانيا.
لنأخذ مثلا رسالة جواد ملا رئيس المؤتمر الوطني الكردستاني إلى رئيس الوزراء البريطاني السابق جون ميجر بعد الغزو العراقي للكويت، والداعية بتأييد دولة كردية. وكان موقف ميجر واضحا من خلال رسالة جوابية أوصلها . S. Wall J بأن القيادات الكردية تفضل البقاء في حدود العراق وترفض دولة كردستانية. وقد جاءت في الرسالة:
"نحن نؤيد الحكم الذاتي وليس الإستقلال للمنطقة الكردية في شمال العراق. القيادات السياسية في المجتمع الكردي قد أخبرتنا بأن هذا ما يريدونه". (أنظرمجلة Kurdname لسان حال تنظيم كاك، العدد 21 ، يونيو 1992، ص 1، باللغة الأنكليزية). وبطبيعة الحال عقد المؤتمر الوطني الكردستاني عدة مؤتمرات في أوربا، محددة أهدافها بضرورة تأسيس دولة كردستانية مستقلة على عموم التراب الكردستاني.
الإستفتاء يقول بتشكيل دولة كردستانية مستقلة
أجرى مركز أبحاث المكتبة الكردية في نيويورك ، والتي تترأسها الأميركية مدام فيرا أول إحصائية للرأي العام الكردي من نوعها في المهجر، بصدد مجموعة من القضايا الهامة والمتعلقة بالقضية الكردية، والمطروحة على الساحة الكردستانية والدولية. وقد وزع المركز إستمارة تتضمن عشرين سؤالا باللغة الإنكليزية على المجموعات المختلفة للجواب على الأسئلة.
العنوان "عرض الرأي العام الكردي". ونشرت نتائج الإحصاء في مجلة أمريكية يصدرها المركز بأسم ”Kurdish life” ، نيويورك ، عام 1992.
نحن هنا لسنا بصدد طرح جميع الأسئلة والأجوبة إنما نشير إلى السؤال الكبير: ماذا يريد الأكراد؟
وهذا السؤال يتكون من أسئلة فرعية نأخذ سؤالين إثنين.
أولهما: "هل تقتنع بالحقوق الثقافية والمدنية للأكراد في الدولة التي ولدتَ فيها؟"
وجوابا على هذا السؤال قال 87% لا لم أقتنع. وضمن هذه النسبة المئوية جاوب:
94% من أكراد كردستان تركيا بالنفي.
90% من أكراد كردستان العراق بالنفي
67% من أكراد كردستان إيران بالنفي.
أغلبية أكراد كردستان سوريا جاوبوا بالنفي.
والسؤال الثاني: هل تريد أن ترى دولة كردستانية مستقلة في الشرق الأوسط؟
كان الجواب بالشكل التالي:
100% من أكراد كردستان تركيا وسوريا بالإيجاب. (نعم نريد دولة كردية).
99% من أكراد كردستان العراق بالإيجاب.
67% من أكراد كردستان إيران بالإيجاب.
وجاوب 95% من الأكراد بشكل عام بأنهم مستعدون للنضال من أجل كردستان مستقلة. واعتقد 97% من الأكراد بأن "كردستان مستقلة" هدف يستدعي النضال من أجله".
الراعي والرعية ولكن مَن هو الرئيس؟
يتمتع الكرد بشكل عام بحساسية بالغة في تقبل النقد، خاصة إذا كان هذا النقد صادر من قبل كردي، فيعتبر النقد تهجما بحجة أن الظروف التي تمر بها كردستان حساسة. والكردي حذر إلى أبعد الحدود في صياغة عباراته، والإبتعاد عن التشخيص، في حين أنه يعطي لنفسه الحق كل الحق في إمتلاك النقد للآخرين من غير الكرد. طبيعي هذه الخاصية تُصعب على الكردي تشخيص أخطائه بنفسه، وبهذا تتكرر الأخطاء. فتاريخ الكرد بشكل عام هو تاريخ المآسي والنكسات، لعدة أسباب أهمها أن كردستان محتلة ومقسمة، إضافة إلى خيانة بعض القيادات الكردية لبعضها البعض والإقتتال الداخلي بين الكرد أنفسهم. فإذا إرتكب زعيم كردي خطأ ما يجد الزعيم الآخر حجة لضربه، فيلتقي الجمعان، وتسير شلالات من الدماء، لاتهدأ قبل أن تتدخل جهة غير كردية للتصالح، أو يصفي أحدهما الآخر.
ومن هذا المنطلق، ورغم أن الوضع الكردي أصبح جيدا بعد تشكيل المنطقة الآمنة في كردستان العراق من قبل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية عام 1991، ثم إجراء إنتخابات ديمقراطية لإنتخاب ممثلي البرلمان الكردستاني في أيار عام 1992، فإن الشعب الكردي لم يجد قناعة لإنتخاب رئيس يكون بمثابة راعي يرعى الرعية في أقليم كردستان العراق. وقد جرت إنتخابات لإختيار رئيس من بين أبرز أربعة مرشحين وهم:
مسعود البارزاني
جلال الطالباني
محمود عثمان
رسول مامند
ولم يستطع أي من هؤلاء الحصول على نسبة 51% من الأصوات ليكون رئيسا. وبقيت أقليم كردستان العراق منذ الإنتخابات ولحد اليوم بدون رئيس. لكن في المقابل جعل كل رئيس حزب نفسه رئيسا، وجمع حوله أنصار حزبه، ودخل في صراع مع الآخرين.
وفي إستطلاع أجرته بعض المنظمات فيما إذا كانت السلطة بيد الأمريكيين أو حزب كردستاني معين إختارت الاغلبية حكم الأمريكيين. ولعل لهذا الموقف دلالته، وهو مايتمتع الفرد الكردي من حساسية تجاه القيادة، رغم الأجواء الديمقراطية في أقليم كردستان، والتقدم الكبير في الماديات وبناء القصور الفخمة التي تمتلكها عناصر قيادية، والحروب الداخلية والتصفيات الجسدية، والعقلية الحزبية المتزمتة، والتعامل مع المواطنين بمعايير حزبية وليست وطنية وعلمية وإخلاص ومسؤولية. مما أدى إلى هجرة مئات الآلاف من الكرد إلى خارج كردستان في فترة السلام والديمقراطية والحرية في المنطقة الآمنة من كردستان التي تحررت من ظلم حكم البعث وصدام حسين. ومهما يكن من أمر فالوضع الكردي في المنطقة المحررة أفضل من جميع النواحي من المناطق التي كانت ترزح تحت حكم دكتاتورية صدام حسين ودمويته وسياساته الإستبدادية بحق الشعب العراقي ككل من عرب وكرد واقليات.
العلم الكردستاني
يبدو أن سلطات الإحتلال إعترفت بالعلم الكردستاني ذات الألوان الخضراء والبيضاء والحمراء تتوسطها قرص الشمس الصفراء. وبذلك قررت السلطات الكردستانية التي تقبض على السلطة في أقليم كردستان بمركزيه أربيل والسليمانية برفع العلم الكردستاني على المباني والمؤسسات الكردية في المدن الكردستانية. وبهذه الخطوة تقدمت القضية الكردية خطوات كبيرة إلى الأمام نحو تثبيت الشخصية الكردستانية على جغرافية كردستان العراق. فالعلم رمز شرف الشعب، وعنوان وجوده وإثبات ذاته إضافة إلى الدلالة السياسية الكبيرة في الإعتراف بالوجود الكردي، وبمعاني ما تحملها الألوان الزاهية التي تزين العلم. والأهم من كل ذلك، القوة السيكولوجية للإنسان الكردي، وشعوره القومي والوطني بالدفاع عن ذلك العلم الذي يرمز كرامته، ويعبرعن الإعتراف بوطنه.
سيناريوهات تدويل القضية الكردية في المرحلة الراهنة
هناك مشكلة إزاء القضية الكردية في الشرق الأوسط، وهي أن الأنظمة التي تتحكم بكردستان لا تفهم لغة الحوار والديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها. وبدأ الكرد يفهمون بأنه لابد أن يكونوا طرفا في المعادلة الدولية في الشرق الأوسط. فالمنطقة قادمة نحو التغيير والتفاعل مع التطورات الدولية بفعل النظام العالمي الجديد، وضرورة مقاومة الإرهاب، والتحول نحو الديمقراطية والحرية وبأساليب جديدة وفعالة مبنية على الفكر النير والممارسة السلمية والتعاون الدولي.
الوضع الكردستاني والأقليمي والدولي يتطلب من القوى الكردستانية كافة أن تميز بين الأصدقاء والأعداء بعيدا عن الأهواء، وبعيدا عن الإرهاب وعبادة الشخصية. فالقضية الكردية تبلورت بشكل فعال في الساحة الشرق أوسطية، وإمكانية الإستفادة منها في المعادلة العراقية نحو هدف معين يؤدي إلى التوازن الإستراتيجي في المنطقة لصالح عملية السلام الشرق أوسطي، وتحقيق الإستقرار الإستراتيجي الذي يحكمه القطب الواحد. وأنا لا أعني هنا بأن الإستقرار الإستراتيجي هو الإستقرار والأمن في المنطقة فحسب، بل تحقيق ما يصبو إليه السيد الذي يريد أن يحكم العالم ضمن الإستراتيجية المرسومة في سياسة الأمن القومي.
ولكن بالنسبة للكرد فأن هناك عدة سيناريوهات تحكم القضية:
1. عراق ديمقراطي فدرالي تعددي برلماني يتمتع فيه الشعب الكردي بحقوقه ضمن وحدة العراق، وضرورة دخول العراق في معادلة السلام العربي الإسرائيلي، والإستقرار الإستراتيجي.
2. تشكيل دولة كردية في الأقليم الجنوبي الذي يسمى بكردستان العراق، ومساحته 73 ألف كليومتر مربع، للقيام بعملية توازن إستراتيجي (أبحث هذا الموضوع في الحلقة الخامسة من هذه السلسلة).
3. تحريك الكرد في عموم كردستان للدخول في المعادلة.
4. ضرب الحركة التحررية الكردية أو تهميش الدور الكردي إذا تطلب الإستقرار الإستراتيجي ذلك.
5. بقاء القوات الأميركية في العراق، وتشكيل نوع من الإتحاد بين العراق وبعض دول الجوار.
6. الإبقاء على الحالة الراهنة في العراق، وخلق المتاعب والإضطرابات في بعض دول الجوار.
7. إعطاء دور مميز لبعض القيادات الكردية في العراق وتوحيدها، وتصفية المعارضة الكردية.
الإشكاليات الكردية التي تحكم القضية الكردية في المعادلة الدولية
قلنا أكثر من مرة بأن القضية الكردية دخلت اللعبة الدولية، ولكن هناك في هذه اللعبة إشكاليات من قبل الكرد وقياداتهم بشكل يُضعف القضية الكردية على كافة المستويات الكردستانية والأقليمية والدولية. ومن أهم هذه الإشكاليات:
1. التطرف الديني المذهبي الكردي الذي يحكم بعض الجماعات الإسلاموية وربطها بالجهات الإرهابية. وقد حاولت القوات الأمريكية تصفية بعض هذه الجماعات بالتنسيق مع قيادتي الطالباني والبارزاني بعد تحرير العراق ثم إحتلالها.
2. لازال تدويل القضية الكردية على مستوى محدد أقليميا رغم أن هذا التدويل دخل اللعبة العالمية ولكن بشكل غير مؤثر لخمسة أسباب أساسية وهي:
أولا: عدم وجود زعيم كردي واحد يقود الحركة التحررية الكردية في أي جزء من أجزاء كردستان، بل هناك قيادات متنافسة ومتناحرة. كل واحد يعتبر نفسه زعيما، ولكن أحدا لم يُنتخَب من قبل الشعب بأغلبية، إنما أُنتُخبَ من قبل حزبه. فلم يستطع أحد من المرشحين، كما ذكرنا أعلاه، الحصول على 51% من أصوات الناخبين في إنتخابات عام 1992 في كردستان العراق ليصبح رئيسا للأقليم.
ثانيا: عدم وجود خطاب كردي موحد في المحافل الدولية.
ثالثا: العداء المبطن بين القيادات. فبينما نجد بأن قياديي الكرد، وما أكثرهم، يتبادلون القبلات في كل مناسبة صغيرة كانت أم كبيرة، نجد بأن القلق وعدم الثقة والشكوك تحكم العلاقات بين القواعد. كما أنه إذا ما إنحاز مستقل لهذا الجانب أو ذاك، يصبح الجانب الآخر ضده.
رابعا: العقلية الحزبية المتزمتة، والإنتماء الحزبي هو المعيار للوطنية، في حين أن الكفاءات تقف في الصفوف الاخيرة، مما جعل آلاف الكرد يهاجرون إلى الخارج.
خامسا: الخوف من الآخر. وأعني خوف الكردي من الكردي، والتملق للقائد، وتحول بعض الحزبيين إلى جواسيس لكتابة التقارير على إخوانهم من الكرد لمجرد نقد بسيط يتفوه به بحق حزب كردي معين.
خروج الكرد من المعادلة الدولية هو خروج من التاريخ
كثيرا ما نسمع في المؤتمرات والسيمينارات وبين الباحثين والمتخصصين من الكرد وغير الكرد بان الخوف يتأتى من هذا الحزب الكردي أو ذاك إذا وجد الحزب بأن دوره مهدد من قبل الحزب الآخر. وبمجرد تحليل بسيط للوضع في أي جزء من أجزاء كردستان يعطينا الدليل. لنأخذ على سبيل المثال كردستان العراق. فالإتحاد الوطني الكردستاني توجه نحو إيران في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي لتصفية صديقه الحزب الديمقراطي الكردستاني والسيطرة على مدينة أربيل عاصمة الأقليم، وتوجه الحزب الديمقراطي الكردستاني نحو النظام العراقي البائد لمواجهة التحدي وطرد قوات الإتحاد الوطني الكردستاني من أربيل. وعلى أي حال لا نحتاج الدخول في تفاصيل هذه المأساة ولكن نؤكد بأن المخاطر موجودة.
أنا هنا لست بصدد نقد القيادات الكردية، فأنا أقدرها فيما تقوم به من دور بالشكل الذي يناسبها لخمة الشعب الكردي، لكنني هنا بصدد إلقاء الضوء على الحقيقة المرة التي يصعب لكل عاقل أن يخفي نفسه وراءها بأسم القومية تارة وبأسم إلقاء العتب على الغير تارة أخرى، ونظل ندور وندور في حلقة مفرغة لأننا نخاف من النقد، ونخاف من الآخر، ونخاف من الذات، ونخاف من الفقر، ونخاف من السلطان. وبنفس الدرجة يخاف البعض من الممارسات الإستبدادية التي تمارسها الأنظمة التي تحكم كردستان، وخاصة نظام صدام الفاشي البائد.
لنكون صريحين في قول الحقيقة، بأن تدويل القضية الكردية يجب أن يكون على أساس عالمي وعلى أسس جديدة تكون الحلول فيها دولية ليتمكن الكرد من القيام بدور توازن. وأنا لا أعني بالأساس العالمي حتمية تشكيل دولة كردية إنما أعني ضرورة الإستقرار والتوازن على المحور العراقي أولا بإعتبار أننا عراقيون، وعلى محور الشرق الأوسط ثانيا ثم لتحقيق التوازن والسلام لصالح الجميع ثالثا. أما وأن تكون الحلول جزئية، فإن ازمات الشرق الأوسط ستظل تحكم المنطقة. كما أن تكرار قيادات الكرد لأخطاء الماضي يعني خروج الكرد من التاريخ.
_________________________ باحث وكاتب صحفي عراقي مستقل
يتبع (الحلقة 4 من خمس حلقات)