أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسر يونس - من المتناقضات في التاريخ الإسلامي 5















المزيد.....

من المتناقضات في التاريخ الإسلامي 5


ياسر يونس
شاعر ومترجم وكاتب

(Yasser Younes)


الحوار المتمدن-العدد: 1831 - 2007 / 2 / 19 - 05:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لقد أقدمت على كتابة سلسلة المتناقضات في التاريخ الإسلامي من أجل بيان حقائق التاريخ لمن لا يعرفها وإبرازها لمن لا يعثر عليها في خضم الروايات المتضاربة هنا وهناك، والتي لها دور كبير في إحداث التناقض في فكر وتفكير الإنسان العادي الذي لم يدربه نظام التعليم على التفكير النقدي ولا على التفكير أصلاً وإنما أشبعه تلقيناً وتكراراً وتبجيلاً للأفعال المتناقضة وللبشر الذين صدرت عنهم هذه الأفعال.

إن المرء لو تأمل أحداث التاريخ مثلما نقلت في الكتب القديمة وكما أصر، للأسف، كتابنا ومؤرخونا وشيوخنا المعاصرون على عدم المساس بها لا بالنقد ولا بالتفكير والتحليل، لوجد نفسه وسط حالة عبثية خارجة عن أي سياق ولا يمكن فهمها ولا الخروج منها بنتيجة منطقية واحدة. ففلان " صحابي جليل" ولكن فلاناً هذا قتل بغير وجه حق وسلب ونهب وسبى، ولكنه يظل دائماً أبداً ذلك "الصحابي الجليل". إن ترديد الأقوال والأفعال وتقديسها على هذا النحو أحد أسباب أزمة العقل والفكر التي نعيشها. والهدف المنشود هو أن نناقش تاريخنا ونفهمه لكي نتمكن من تدبير الحاضر ثم الانطلاق إلى المستقبل، بدلاً من أن نظل محكومين بآراء وأفعال من وارتهم القبور صواباً كانت أم خطأ.

إن التفكير النقدي يجعلنا نفهم الأحداث ونردها لأسبابها بدلاً من أن تصبح هذه الأحداث في نظرنا أحداثاً فوقية تعلو على أي علاقة سببية ولا يمكن ردها إلا إلى علات وهمية صارخة التناقض فيما بينها، فتارة نقبلها إن كان الشخص المعني من "المبجلين" وتارة نرفضها هي ذاتها إن كان صاحبها من "الملعونين".

وسأورد هنا نموذجاً لهذا التناقض الصارخ وسأكتفي بتلخيص الأحداث تجنباً للإطالة وإذا أراد القارىء الاطلاع على الأحداث كاملة فيمكن الرجوع إلى مصادرها المذكورة.


" اللهم إني أبرأ أليك مما صنع خالد بن الوليد " عبارة قالها الرسول بعد أن غدر خالد ببني جذيمة حين أرسله إليهم وفيما يلي نص الرواية :

" وفي هذه السنة كانت غزوة خالد بن الوليد بني جذيمة، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد بعث السرايا بعد الفتح فيما حول مكة يدعون الناس إلى الإسلام ولم يأمرهم بقتال، وكان ممن بعث خالد بن الوليد، بعثه داعياً ولم يبعثه مقاتلاً، فنزل على الغميصاء من مياه جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة، وكانت جذيمة أصابت في الجاهلية عوف بن عبد عوف أبا عبد الرحمن بن عوف، والفاكه بن المغيرة عم خالد، كانا أقبلا تاجرين من اليمن، فأخذت ما معهما وقتلتهما، فلما نزل خالد ذلك الماء أخذ بنو جذيمة السلاح، فقال لهم خالد: ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا. فوضعوا السلاح، فأمر خالد بهم فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل منهم من قتل.
فلما انتهى الخبر إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، رفع يديه إلى السماء ثم قال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ! ثم أرسل علياً ومعه مال وأمره أن ينظر في أمرهم، فودى لهم الدماء والأموال.
وقيل: إن خالداً اعتذر وقال إن عبد الله بن حذافة السهمي أمره بذلك عن رسول الله، وكان بين عبد الرحمن بن عوف وخالد كلام في ذلك، فقال له: عملت بأمر الجاهلية في الإسلام. فقال خالد: إنما ثأرت بأبيك. فقال عبد الرحمن: كذبت، قد قتلت أنا قاتل أبي ولكنك إنما ثأرت بعمك الفاكه." حتى كان بينهما شر، فبلغ ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: مهلاً يا خالد، دع عنك أصحابي، فو الله لو كان لك أحدٌ ذهباً ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة أحدهم ولا روحته. " ( الكامل لابن الأثير ).
إن خالداً أمر بتكتيف بن جذيمة وقتلهم بعد أن أسلموا ووضعوا السلاح ثأراً لمقتل عمه الفاكه منذ زمن بعيد وقد أغضب هذا التصرف الرسول فقال " اللهم إني أبرأ أليك مما صنع خالد" وأرسل علياً ليدفع ديات القتلى. إنه حدث لا يحتاج إلى تعليق.

إن عبارة " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" تكفي تماماً للحكم على ما فعله، وشيوخنا الأفاضل يصبون لعناتهم على أمور تعد من التوافه إذا قيست بهذه الفعلة، ولكنهم يصبون لعناتهم علينا حين نتعرض بالنقد لشخصية كخالد بن الوليد وهم بذلك يضفون عليه قداسة ينكرون من الأصل وجودها في الإسلام ويتخذونها تكئة لنقد بقية الأديان إذ إنهم يرون أنها تتضمن تقديساً للأشخاص .

فأي تناقض صارخ هذا أضاع العقل والمنطق، وتسبب في ما نراه يومياً من تناقض في التفكير والحكم على الأمور وتناقض بين السلوك والتفكير وبين التفكير والتفكير وبين التفكير والعمل وبين العمل والعمل. ولكن القصة لم تنته بعد حيث كررها خالد بحذافيرها كما يلي:

" فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر معه من نبي ثعلبة بن يربوع ، من عاصم وعبيد وعرين وجعفر ، فاختلفت السرية فيهم ، وفيهم أبو قتادة ؛ فكان فيمن شهد أنهم قد أذنوا وأقاموا وصلوا........ كان مالك بن نويرة من أكثر الناس شعراً ؛ وإن أهل العسكر أثفوا برءوسهم القدور ، فما منهم رأس إلا وصلت النار إلى بشرته ما خلا مالكاً ، فإن القدر نضجت وما نضج رأسه من كثرة شعره............... وكان ممن شهد لمالك بالإسلام أبو قتادة الحارث بن ربعي أخو بني سلمة ، وقد كان عاهد الله ألا يشهد مع خالد بن الوليد حرباً أبداً بعدها ؛ وكان يحدث أنهم لما غشوا القوم راعوهم تحت الليل ، فأخذ القوم السلاح . قال : فقلنا : إنا المسلمون ، فقالوا : ونحن المسلمون ، قلنا : فما بال السلاح معكم ! قالوا لنا : فما بال السلاح معكم ! قلنا : فإن كنتم كما تقولون فضعوا السلاح ، قال : فوضعوها ؛ ثم صلينا وصلوا . وكان خالد يعتذر في قتله أنه قال له وهو يراجعه : ما إخال صاحبكم إلا وقد كان يقول كذا وكذا . قال : أو ما تعده لك صاحباً ! ثم قدمه فضرب عنقه وأعناق أصحابه ، فلما بلغ قتلهم عمر بن الخطاب ، تكلم فيه عند أبي بكر فأكثر ، وقال : عدو الله عدا على امرئ مسلم فقتله ، ثم نزا على امرأته ! وأقبل خالد بن الوليد قافلا حتى دخل المسجد وعليه قباء له عليه صدأ الحديد ، معتجراً بعمامة له ، قد غرز في عمامته أسهماً ؛ فلما أن دخل المسجد قام إليه عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحطمها ، ثم قال : أرئاء ! قتلت امرأ مسلما ، ثم نزوت على امرأته ! والله لأرجمنك بأحجارك - ولا يكلمه خالد بن الوليد ، ولا يظن إلا أن رأى أبي بكر على مثل رأى عمر فيه - حتى دخل على أبي بكر ، فلما أن دخل عليه أخبره الخبر ، واعتذر إليه فعذره أبو بكر ، وتجاوز عنه ما كان في حربه تلك . قال : فخرج خالد حين رضى عنه أبو بكر ، وعمر جالس في المسجد ، فقال : هلم إلى يا بن أم شملة ! قال : فعرف عمر أن أبا بكر قد رضى عنه فلم يكلمه ، ودخل بيته." ( تاريخ الرسل والملوك لكبري ).

هذه فعلة أخرى تتسق مع السابقة وتبين سيرة خالد المتوائمة مع بعضها، فالرجل لم يخرج عما عهدناه فيه فقتل الأسرى دون سبب حتى ممن لم يحاربوه وهم للتذكرة مسلمون وصل إليهم وهم يهمون بالصلاة، وتزوج أرملة مالك بن نويرة دون انتظار لانقضاء العدة حسب التعاليم الإسلامية، ووضع رأسه تحت القدر ليطبخ طعامه مع أرملة بن نويرة.

لا أظن أحداً يستطيع تصور مشاعر تلك المرأة، فقد قتل زوجها وبعضاً من عشيرتها و "تزوجها" في نفس الليلة وطبخ طعامهما على رأس زوجها القتيل.
ولم يشعر بأدنى تأنيب للضمير ولا ندم حيث ذهب إلى الخليفة غارزاً سهم بن نويرة في عمامته ثم سخر من عمر بن الخطاب حين وبخه على فعلته. ولعلنا نفهم الآن لماذا عزله عمر بعد توليه الخلافة.
ولكن بماذا يدافع المدافعون عن خالد؟ إنهم يدافعون عنه بالرواية التالية:
" فلما اختلفوا فيهم أمر بهم فحبسوا في ليلة باردة لا يقوم لها شيء ؛ وجعلت تزداد برداً ، فأمر خالد منادياً فنادى : ((أدفئوا أسراكم)) ، وكانت في لغة كنانة إذا قالوا : دثروا الرجل فأدفئوه ، دفئه قتله وفي لغة غيرهم : أدفه فاقتله ، فظن القوم - وهي في لغتهم القتل - أنه أراد القتل ، فقتلوهم. " ( تاريخ الرسل والملوك للطبري ).

النص لا يحتاج إلى تعليق. فهل استشرت لغة كنانة فجأة في معسكر خالد؟ وهل أمر القتل يصدر بهذه السهولة وينفذ بهذه السهولة؟

ثم أن هناك روايات تذكر أنه قتل في حضور خالد نفسه فلا يمكن أن يقع لبس في الأمر، وإذا ألغينا عقولنا وصدقنا رواية
" ادفئوا أسراكم" فماذا عن الدخول بامرأته قبل العدة بل في نفس اليوم، وهو ما حدا بعمر بن الخطاب أن يطالب بإقامة حد الزنا على خالد، وماذا أيضاً عن التمثيل برأس مالك بن نويرة هل حدث أيضاً بسبب عبارة " أدفئوا أسراكم" ، وماذا عن بني جذيمة هل قال فيهم أيضاً " ادفئوا أسراكم" ؟

خالد يقتل ويسبي ولا يحترم العدة ويمثل برأس مقطوعة، والرسول يبرأ مما صنع خالد. وعمر يطلب من أبي بكر عزله وإقامة حد الزنا عليه وخالد يغرز سهم ضحيته في عمامته ويسخر من عمر، وعمر يعزله بعد أن يتولى الخلافة.
ولكن يظل خالد "سيف الله المسلول" "والصحابي الجليل".

إنهم يريدون أن نؤمن بأن أبا بكر على حق في عدم عزل خالد وعلى حق في تسمية خالد سيف الله المسلول، وأن عمر على حق في عزل خالد وعلى حق في طلب إقامة الحد عليه، وأن خالداً على حق في ما فعل ببني جذيمة وبمالك بن نويرة وامرأته وعشيرتهما.

ما كل هذا التناقض الذي لا يترك من العقل مسكة إلا أفسدها !!!
إنهم يحاولون تمجيد العنف ونحن نريد تمجيد العدل. إنهم يريدون الإسلام مصحفاً وسيفاً ونحن نريده مصحفاً ورحمة.



#ياسر_يونس (هاشتاغ)       Yasser_Younes#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من المتناقضات في التاريخ الإسلامي 4
- من المتناقضات في التاريخ الإسلامي 3
- من المتناقضات في التاريخ الإسلامي 2
- من المتناقضات في التاريخ الإسلامي 1
- عن المراة والحجاب
- ذهنية العنف


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسر يونس - من المتناقضات في التاريخ الإسلامي 5