|
الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهةً ولا لعبا بالكلمات2
سلام إبراهيم
روائي
(Salam Ibrahim)
الحوار المتمدن-العدد: 1833 - 2007 / 2 / 21 - 11:48
المحور:
سيرة ذاتية
أقصد هنا تحديد الموقف مما يجري هنا في الراهن المجتمعي. ففي مطلع سبعينيات القرن الماضي، تمفّصل كل شيء وكما يود البعث الحاكم بوسطه الأدبي المحدود والفقير، شيوعيون حلفاء بوسطهم الأدبي الأوسع، وقوميون أكراد بوسطهم الأدبي، وكان البعث يعد العدة لذبحهما، أما التيار الشيعي فكان يذبح على طول الخط. ونُفِذَ السيناريو بدقة. جرى التخلص من الكل الواحد بعد الآخر ليصبح البعث وشخص الطاغية مهيمنا على كل شيء بتبعيث المجتمع بواسطة قانون رقم (200) تمهيدا لإشعال الحرب. ليبلغ العنف ذروته. أين موقع الأديب والكاتب المستقل في هذه اللوحة المضطربة؟!. وما أفرزت تلك الظروف العنيفة والكابوسية من وضع ثقافي داخل العراق؟!. لم يكن أمام العديد من الكتاب اليساريين المحسوبين على الحزب الشيوعي العراقي شاءوا أم أبوا أي خيار، فأما التحول إلى بوق من أبواق الدعاية لإعلام النظام أو التغييب في المعتقلات، مما أضطرهم للهرب خارج العراق، ولغرض التوثيق لابد من ذكر ما تسعفني به الذاكرة من أسماء: سعدي يوسف، هاشم شفيق، فوزي كريم، هاتف الجنابي، كريم عبد، علي عبد العال، هيثم الجنابي، محي الأشيقر، عواد ناصر، عزيز سماوي، شاكر السماوي، خالد المعالي، فيصل لعيبي، يوسف الناصر، شاكر لعيبي، إبراهيم أحمد، عبد جعفر، أحمد ناهد، رياض النعماني، رشيد الخيون، أناهيد سركيس، زهير الجزائري، هادي العلوي، مشرق الغانم، فاضل الربيعي، فاضل السلطاني، حسين الموزاني، فاروق صبري، يوسف أبو الفوز، نجم والي، سلام صادق، صادق الصائغ، فالح عبد الجبار، عصام الخفاجي، عدنان الزيادي عبد الكريم كاصد، مهدي محمد علي، نبيل ياسين، عدا العديد من الكتاب الذين كانوا وقتها خارج العراق ولم يعودوا بسبب تلك الظروف المهولة أذكر منهم: غائب طعمة فرمان، برهان الخطيب، فاضل العزاوي، جبار ياسين، فاضل سوداني، جواد الأسدي، صلاح نيازي، سميرة المانع، هيفاء زنكنة، سالمة صالح، أسعد الجبوري، مؤيد الراوي، شريف الربيعي، مظفر النواب، ومحمد مهدي الجواهري. والعديد من الأسماء التي لا تحضرني الآن. وإزاء هذا الكم من الأسماء لابد أن يتبلور في المنفى لاحقا مفهوم أدب المنفى وثقافته التي تميزت وبشدة في نصوص الكتاب المذكورين بذلك التعلق الصوفي بتفاصيل بقعة ما بين النهرين الدامية هذه السمة خاصة في النص العراقي المكتوب بالمنفى، وهذا ليس موضع القول هنا.أعود إلى دوافع كتابة هذه الشهادة عما جرى في ظل ذلك الاضطراب المرعب، وأنت تحس أن رقبتك عارية تحت حد السكين في كل لحظة، ليس كونك كاتبا فحسب، بل كونك عراقياً محكوماً بالعيش في أمكنتك الحميمة، بيت أهلك شارعك والمدرسة والمقهى والنادي والجامع ومكان العمل. هذا الشعور بالتهديد السائد وقتها سممَّ المشاعر والجسد والعلاقات. كيف سلك الكاتب والفنان ممن لم يلقِ ضميره جانباً في ظل تلك الظروف؟!. كان من أكثر الأهوال فداحةًَ كونك شاعراً معروفاً. أما أن تكتب بالعامية فتلك طامة كبرى بسبب توجه السلطة التي منعت الشعر الشعبي في أواسط السبعينيات بسبب هوى الشعراء الشعبيين المعارض ومثلهم الأعلى الحاج زاير ومظفر النواب. عادت إليه بشدة في الفترة الحرجة عقب سيطرة صدام على الحكم بشكل كامل عام 1979 وتنظيم مؤسسات السلطة الثقافية لمهرجانات خاصة للشعراء الذين يكتبون بالعامية كان يحضرها الطاغية شخصياً وتعرض بشكلٍ حي على شاشة التلفزيون العراقي ليستمتع الطاغية منتشياً بذلك المديح المهول المتماهي مع صفات النبوة. في ذلك الجو المحموم، الهستيري، في الفترة ما بين إزاحة "أحمد حسن البكر" وإعلان الحرب على إيران. ماذا يفعل شاعر عامي معروف أصدر ديوانا مشتركاً عام 1970 "خطوات على الماء" مع شاعرين آخرين، الأول طارق ياسين مات عام 1975، والثاني "عزيز السماوي" هرب خارج العراق وقتها؟!. لا بد من الإشارة أن الديوان وقتها كان له صدىً طيباً في الوسط الثقافي العراقي إذ كتب مقدمته الشاعر اليساري وقتها "يوسف الصايغ" ورسم لوحة الغلاف واللوحات الداخلية الفنان التشكيلي غريب الأطوار "نايف السامرائي". كيف تصرف "علي الشباني" الذي بقى حياً إلى لحظة سقوط الطاغية وهو الآن في الديوانية التي لم يغادرها أبدا حاله حال القاص "محمد خضير" في ظل ذلك الظرف الذي بلغ ذروة العنف، وديوانه الوحيد "أيام الشمس" منعه الرقيب عام 1975؟!. ("مخطوطة الديوان" أتمنى أن تكون ما تزال في مكتبتي بالعراق، فهي طريفة كون الكتاب سمح له أول وهلة لكن "علي" كان فقيراً بحيث لم يوفر المبلغ الكافي لطبعه، وعندما هيأ المبلغ كان قد مرَّ على ذلك ستة أشهر مما توجب إعادة عرضه على الرقيب الذي منعه، فطمغ الرقيب قرار المنع على كل صفحة من المخطوط وتحت كلمة مسموح). أول ما فعله في وسطه الاجتماعي وكان موظفا بسيطا في دائرة المبايعات الحكومية في ـ الديوانية ـ أنه أشاع بالاتفاق معي ومع العديد من الأصدقاء أنه ترك الشعر. وعندما يسأله أحد عن قصيدته الجديدة يسخر من الشعر والشعراء. كان ذلك في وقت مبكر أي قبل الحرب مع إيران، فالشباني خبر دموية البعث عندما أعتقل عام 1963 على أثر سرقته مع رفاق لهم مطبعة مدرسة وطبع بيان تحريضي، فقضى في السجن حتى عام 1967. هو الآخر حاول الهرب من العراق لكنه اعتقل وهو يحاول الحصول على جواز سفر من دائرة السفر والجنسية ببغداد أواخر عام 1978 بوشاية غامضة حتى الآن. وعندما لمته على محاولته الطائشة تلك وهو المتورط بزوجة وأربعة أطفال، وليس لديه أية علاقة بالحزب الشيوعي العراقي، بل كنا نسخر وقتها من فرحهم بجبهتهم الوطنية قال: ـ الأمر ليس في التغرب، لكن هؤلاء القتلة سيجردوننا من شرفنا!. سيجعلوننا بلا كرامة!. أكمل جملته بعناء مغالبا سعاله الذي أنفجر. كان قاحل القسمات فمنذ ساعات أطلقوا سراحه، يستلقي على فراشه في زاوية غرفة الضيوف ملفوفا ببطانية. كنت أدرك فداحة ذل من يعتقل في الأمن العام، وكنت مثله حائراً في ذلك المستقبل الغامض لأمثالنا ممن يتمسك بذلك الشيء الحميم الثقيل، الخفي الصعب المسمى ـ الضمير ـ تحت ظل سكين مشحوذة وأعناق مهيأ للقطاف وهنا أستعير ما نشره أخيرا الشاعر ـ أدونيس ـ من خواطر يومية في صحيفة الحياة بتاريخ 15/5/2003 عن زيارته المفردة إلى العراق عام 1969. هو أحس فعلا بحدسه ما تخبئه الأيام، لكنه لم يحترم هول ما كنا فيه وهو ينشر تلك الأحاسيس بعد زوال الطاغية، وكأنه يتشفى بنا لا يتضامن معنا. وما أسرده الآن من حكاية صديقي الشباني ما هو إلا عبرة للمثقفين والكتاب العرب، ممن يكتب عن العراق وما جرى من أمكنته الوفيرة الآمنة، وكأنه سائح يبدي انطباعاً عن سفرة ما قديمة، معرضاً عن عذاب تلك الأعناق التي قال عنها أنها مهيأة للقطع.. وأنا وصديقي الشاعر وكل أسم يرد في هذا المقال ما هو إلا عنق كان تحت حد السكين ونجا. فليسمع أدونيس وغيره من المبدعين والمثقفين العرب مواويل تلك الأعناق المسكينة التي أروي طرفاً منها الآن.
#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)
Salam_Ibrahim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهةً ولا لعباً بالكلمات 3
-
الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهةً ولا لعباً بالكلمات 4
-
الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهة ولا لعبا بالكلمات 5
-
الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهة ولا لعبا بالكلمات-1
-
الكاتب النص الحياة الكتابة ليست نزهةً ولا لعبا بالكلمات6
-
في أروقة الذاكرة رواية هيفاء زنكنة القسم الثاني
-
رواية في أروقة الذاكرة لهيفاء زنكنه رواية تؤرخ لتجربة الق
...
-
المنفى يضرب أعمق العلاقات الإنسانية-خريف المدن- مجموعة حسين
...
-
حافة القيامة- رواية -زهير الجزائري بحث فني في طبيعة الديكتات
...
-
وطن آخر مجموعة -بثينة الناصري القصصية تزييف عذاب المنفى وتم
...
-
في أروقة الذاكرة رواية هيفاء زنكنة القسم الأول
-
عن مقتل صديقي الزنجي عادل تركي
-
ليل البلاد رواية جنان جاسم حلاوي نص يرسم جحيم العراق بالكلم
...
-
عن العالم السفلى لنعيم شريف العراقي يحمل جرح الحروب في الوج
...
-
خسوف برهان الكتبي للطفية الدليمي كيف تنعكس ظروف القمع على ا
...
-
سرير الرمل
-
قسوة
-
التآكل
-
جورية الجيران
-
نخلة في غرفة
المزيد.....
-
معالجات Qualcomm القادمة تحدث نقلة نوعية في عالم الحواسب
-
ألمانيا تصنع سفن استطلاع عسكرية من جيل جديد
-
المبادئ الغذائية الأساسية للمصابين بأمراض القلب والأوعية الد
...
-
-كلنا أموات بعد 72 دقيقة-.. ضابط متقاعد ينصح بايدن بعدم التر
...
-
نتنياهو يعطل اتفاقا مع حماس إرضاء لبن غفير وسموتريتش
-
التحقيقات بمقتل الحاخام بالإمارات تستبعد تورط إيران
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|