-النهج الديمقراطي- بين مطرقة الماضي و سندان الحاضر
خالد المهدي
2007 / 2 / 19 - 12:41
صدر في العددين 1775 و 1776 من بوابة الحوار المتمدن الجزء الأول من كتاب "من هم المدافعون الجدد عن الماركسية وكيف يهاجمونها؟" موقعا باسم خالد الصقر، ومباشرة بعد صدور الجزء الأول من القسم الأول من هذا الكتاب، سوف يتناوله "الحسين العنايت"- "عضو بالنهج الديمقراطي" بالنقد. ونظرا لما أثاره مقال خالد الصقر، أو النقد الموجه إليه من نقاش وما أبرزه من أفكار وعقليات داخل جزء كبير من الماركسيين المغاربة، تعكس إلى هذا الحد أو ذاك واقع الحركة الشيوعية بالمغرب وبالتالي اتجاهات النضال المباشرة على الجبهة الإيديولوجية والسياسية. لذلك أجد من المناسب، بل من الضروري المساهمة في هذا النقاش مادام الأمر يتعلق بواقع مسيرة تهم كل الشيوعيين(ات) ببلادنا.
نموذج من كوادر "النهج الديمقراطي": الحسين لعنايت
في معرض تعليقه على الجزء الأول من نقد خالد الصقر لمقال عبد الله الحريف أكد السيد الحسين لعنايت والعديد من مناضلي النهج الديمقراطي" أنه لم يجد في ذلك ولو بزوغ فكرة أو طرح إشكالية ما للنقاش " في حين أننا يمكن أن نجد في تعليق الحسين لعنايت العديد من الأفكار المتواضعة والمهمة أيضا.
وسوف نبدأ بهذه الملاحظة العبقرية التي أدلى بها عضو النهج الديمقراطي لعنايت، فهو يؤكد على أن مقال الحريف كان يهدف إلى " الرد على التوجهات التشكيكية في الاشتراكية "، داخل ما اسماه " اليسار الجذري بالمغرب". فكيف يمكن إذن نقد مقال بهذا الحجم دون التعبير عن فكرة واحدة (متواضعة أو مهمة) بغض النظر عن صحتها أو عدم صحتها؟
وهنا لا نجد تفسيرا أو جوابا عن هذا السؤال سوى فيما يلي:
إما أن خالد الصقر قد انتقد بدوره مقالا "يخلو من أية فكرة أو طرح إشكالية ما للنقاش" وبذلك قد يكون نقده هو الآخر أيضا خاليا من أية فكرة أو طرح إشكالية ما للنقاش" وهذا التفسير ملغى بحكم أن لعنايت يقر بان مقال ع الله الحريف كان يهدف إلى الرد عن التوجهات التشكيكية في الاشتراكية"!! حيث لا يعقل أن يخلوا مقال بمرتبة الرد على التوجهات التشكيكية في الاشتراكية من أية فكرة ( متواضعة أو مهمة) بغض النظر عن صحتها أو عدم صحتها.
أو أن لعنايت لم يجد سبيلا للرد على نقد خ الصقر فأعفى نفسه من النقاش ومن الرد وأقر منذ البداية أن نقد هذا الأخير لا يتضمن" ولو بزوغ فكرة أو طرح إشكالية ما للنقاش" وهو ما يعني بلغة أخرى العجز عن النقاش.
وما يؤكد هذا التفسير هو ما يقوله لعنايت بعد ذلك بنفسه.
فبعد أن يصرح أن مقال خ الصقر يخلو من أية فكرة لا يجد حرجا في أن يصرح مباشرة بعد ذلك أن مقال خ الصقر هو " مجموعة من البديهيات منقولة من كتيبات بوليتزر!!" فهل يعني ذلك ان كتيبات بوليتزر خالية هي الأخرى من أية فكرة؟ وهل هذا هو السبب في أن قيادة النهج الديمقراطي توصي القواعد بالاهتمام بالثقافة الحقوقية على حساب الثقافة التي تنشرها كتيبات بوليتزر؟ ربما!!.
لكن حتى وإن كان ذلك صحيحا ( بالرغم من أنني شخصيا لم أجد ما كتبه خالد الصقر في كتيبتات جورج بوليتزر) فأن ينتقد المرء مقالا بحجم " الرد على التوجهات التشكييكية في الاشتراكية" ببديهيات بوليتزر فإن هذه الحجة له وليس عليه.
وهنا أنا أضم صوتي الى السيد لعنايت بان ما قاله خ الصقر هو بديهيات في الماركسية. فالعمل الذي قام به هذا الأخير كان في أحد جوانبه تذكيرا بما قاله مؤسسو نظرية البروليتاريا في ميادين الفلسفة والسياسة والاقتصاد السياسي.[1]
لكن كل ذلك لم يكن هاجس عضو النهج الديمقراطي الحسين لعنايت بقدر ما كان هاجسه هو معرفة خ الصقر !! ليس معرفته كأفكار ( صحيحة أو خاطئة، متواضعة أو مهمة) بل معرفة إسمه الحقيقي !! هذا هو معنى استمرارية وامتداد حزب النهج الديمقراطي العلني لمنظمة إلى الأمام السرية من وجهة نظر عضو النهج الديمقراطي الحسين لعنايت. فهذا الأخير لا يدري "لماذا اختار هذا "الصقر" إسما مستعارا. وهو أيضا لا يظن "بأن الدافع هو الخوف من القمع المخزني" لأنه بالنسبة للسيد لعنايت "جميع المناضلين الماركسيين اللينينيين المغاربة الذين ناضلوا في السرية وعانوا من القمع المخزني والدهاليز السرية، وعاهدوا الشهداء على الاستمرار في النضال الثوري( !!) هم أعضاء في النهج الديمقراطي...".
فلا داعي إذن أيها الماركسيون اللينينيون المغاربة للسرية مادام النهج الديمقراطي العلني موجودا. هكذا تكون الحجة الدامغة لنبذ السرية، "فالمناضلون الماركسيون اللينينيون المغاربة الذين ناضلوا في السرية"... هم اليوم "أعضاء في النهج الديمقراطي". إن هذه الحجة العبقرية تستدعي أن تنحني شعوب إفريقيا كلها أمام عظمة هذا المناضل الذي "عاهد الشهداء على الاستمرار في النضال الثوري".
إن ما أدلى به السيد لعنايت هو بعيد جدا عن الصواب. فأولا ليس "كل المناضلين الماركسيين اللينينيين المغاربة الذين ناضلوا في السرية وعانوا من القمع المخزني والدهاليز السرية، ...هم أعضاء في النهج الديمقراطي". فالسيد لعنايت يعلم جيدا أن هذه مغالطة كبيرة تحاول – بوعي أو بدونه- سد الطريق أمام تقييم جدي وحقيقي لتجربة الحملم ولتجربة الاعتقال...الخ. فالسيد لعنايت كغيره يعلم أن بعض هؤلاء " المناضلين" أصبحوا اليوم خداما أذلاء للنظام القائم فمن بنزكري مرورا بحرزني و...واللائحة طويلة تؤكد غياب الحقيقة التاريخية في كلام السيد لعنايت، وهناك أيضا بعض هؤلاء "المناضلين" المتواجدين في إطارات أخرى مثل اليسار الاشتراكي الموحد، إذا أردنا مثالا لا يبتعد عن النهج الديمقراطي كثيرا. وهناك أيضا مناضلين لم ينجرفوا مع التيار الهائل الذي انطلق مع مسلسل التجميع في بدايات التسعينات و...و...
إذن فالسيد لعنايت لا يمكن اتهامه أبدا بأنه غير مطلع على هذا التاريخ وعلى هذا الواقع. فلماذا إذن كان مصرا على إخفاء هذه الحقيقة؟
الجواب سوف نجده في نهاية تعليقه عندما عبر عن اقتناعه: "بأن جميع المتشبعين بالفكر الماركسي- اللينيني مكانهم الطبيعي داخل النهج الديمقراطي". فبشرى للماركسيين اللينينيين المغاربة على هذا الإنجاز، فالسيد لعنايت قد حل مسألة الحزب من جذورها آخذا استهزاء الشيخ إمام نصيحة جدية : "إحنا نحلها رباني ونموت كل الجيعانين" ليصيغها على النحو التالي: "إحنا نحلها نهجاوي و نموت كل الثوريين".
لكن لماذا يوصي السيد لعنايت المناضلين للالتحاق بالنهج الديمقراطي فقط؟ لماذا لا يفتح لهم مجالا أوسع للاختيار ويوصيهم بالانخراط في حزب الطليعة أو في الحزب الاشتراكي الموحد أو حتى داخل المؤتمر الاتحادي؟ وبذلك قد يقدم حلولا جذرية أيضا للاحتقان الذي يعاني منه "تجمع اليسار الديمقراطي"، فمادام الأمر يتعلق بتحالف استراتيجي أو حتى إن كان تكتيكيا فالتحاق هؤلاء المناضلين بتلك الأحزاب قد يفيد النهج الديمقراطي بشكل كبير في أفق وضع دستور ديمقراطي !!. إن هؤلاء الذين عاهدوا سعيدة وزروال على الاستمرار في النضال الثوري لا يجدون حرجا في التحالف مع أكثر التعفنات التي لفظتها الحركة الماركسية اللينينية المغربية، ومع أكثر الانتهازيين الذي ساوموا على دماء الشهيد التهاني أمين وغيره.
هكذا يكون بالفعل "العهد للشهداء على الاستمرار في النضال الثوري" بعدما كان "الرد على التوجهات التشكيكية في الاشتراكية" هو اتهام ماركس و انجلز بالإطلاقية ونعت تقييماتهم بـــ"الكارثية".
غير أن السيد لعنايت لا يقف عند هذا الحد، بل يبتدع أيضا الأكاذيب، فهو يتهم خالد الصقر بأنه صرح بأن: "هجمات النهج الديمقراطي تشكل خطرا أكبر بكثير من كل الهجمات الأخرى"، في حين اطلعت على كتاب خالد الصقر كله وليس فقط جزئه الأول ولم أجد هذا الكلام. فخالد الصقر قال:" بأن الهجمات التي تتعرض لها الماركسية من الداخل أي: من القول بالماركسية من اجل النيل منها وتغيير مضامينها وأهدافها هي التي تشكل خطرا أكبر بكثير من كل الهجمات الأخرى". وهذه الفكرة التي صاغها خالد الصقر بهذا الشكل هي ايضا من البديهيات التي نجدها في كتيبات بوليتزر، ونجدها أيضا في كل أعمال لينين حول التحريفية. بل إن السيد لعنايت يتهم خالد الصقر بأنه قال :"بأن إعادة بناء أ وط م من داخل الجامعة يتطلب... مواجهة النهج الديمقراطي"(بالرغم من أن الكل يعلم أن هذا الأخير لا وجود له على الساحة الطلابية) و "بان انعتاق الطبقة العاملة يمر أولا بتصفية النهج الديمقراطي" و "بأن النهج الديمقراطي هو خطر على الحركة الجماهيرية"[2] .
لا أدري صراحة أين وجد السيد لعنايت هذه المقولات داخل مقال خالد الصقر، أو ربما أن هذا النهج الذي ينسب للآخرين ما لم يقولوه، هو نهج فكري داخل "النهج الديمقراطي". فمادام الكاتب الوطني للنهج الديمقراطي يقول بأن ماركس قد أضفى صفة المطلق على الرأسمالية التنافسية وعلى المرحلة الصناعية ويقول بأن لينين "يعتبر أن الامبريالية هي تغير للرأسمالية من حيث الشكل حتى تستمر من حيث الجوهر" فلا غرابة أن نجد عضو النهج الديمقراطي السيد لعنايت يقول على خالد الصقر كل تلك المغالطات.
لكن السيد لعنايت لن يقف عند هذا الحد أيضا ، بل إنه يصف خالد الصقر بأنه" يصطاد في الماء العكر"، ويصف مقالته" بالمؤامرة" رغم أن تاريخ كتابة ذلك الكتاب يعود إلى ربيع سنة 2004. فليكن السيد لعنايت جريئا ويفصح لكل المناضلين عن هذا "الماء العكر" وعن هذه "المؤامرة". فما دمتم تنبذون السرية و تؤمنون بالجماهير فلتكن لكم الشجاعة لفضح المؤامرة.
إن هذا المستوى من النقاش هو بكل تأكيد أقل بكثير وبكثير جدا حتى من البديهيات التي نجدها في كتيبات بوليتزر. إنه بكل بساطة نوع من الإرهاب الفكري الذي حاول أن يسلطه حتى على بعض رفاقه الذين اتهمهم " بالمندسين" هكذا يكون حل الاختلافات وهكذا يكون بالفعل التمييز بين "التناقضات الأساسية والرئيسة والثانوية" !!! فحسب لعنايات كل من خالفه الرأي و كل من اعترض على مواقف معينة داخل الحزب هو مندس. فماذا يمكن أن نقول على هذه الرؤية غير الإرهاب الفكري.
لنترك جانبا مهاترات السيد لعنايت، ولنترك السخرية جانبا وننتقل إلى النقاش الجدي الذي يمكنه خدمة مصلحة الشعب المغربي ومصلحة الحركة الشيوعية ببلادنا.
مشروع " الاستمرارية" في خطاب "النهج الديمقراطي"
لم تتعرض أية نظرية للهجوم والتشويه كما تعرضت له نظرية البروليتاريا. والسبب في ذلك يرجع من جهة إلى كونها نظرية للتغيير تعلن صراحة انحيازها للطبقة العاملة وهو ما يجعلها عرضة لهجمات الطبقات المستغلة ( بكسر الغين). ومن جهة ثانية كون الرأسمال قد حقق اختراقا هائلا وسط الطبقة العاملة، منشأً بذلك ما أصطلحت عليه الأدبيات الكلاسيكية بالارستقراطية العمالية، التي بدافع من مصالحها الطبقية تعمل جاهدة على تشويه الماركسية بعدما برهنت هذه الأخيرة على قوتها في صفوف الحركة العمالية. هكذا كان تاريخ الماركسية، صراع دائم ومستمر ضد الطبقات المستغِلة وعملائها وممثليها داخل الطبقات المستغَلة وعلى رأسها الطبقة العاملة. وقد أثبت هذا التاريخ الطويل على صحة الموضوعة اللينينية القائلة بأن الخطر الأساسي الذي يحدق بالماركسية ليس هو ذاك الذي يأتي من خارجها، بل إنه ذاك الذي ينطلق من داخلها. فلن يستطيع أحد تشويه الماركسية ما لم تشوه نفسها بنفسها، غير أن تشويه الماركسية من طرف الانتهازية ليس وحيد الشكل، بل إنه يأخذ أشكالا فائقة التنوع والاختلاف تعكس إلى هذا الحد أو ذاك، تنوع واختلاف مجريات الصراع الطبقي ومواقع كل طبقة في هذا البلد أو ذاك، في هذه المرحلة أو تلك.
لكن ورغم هذا التنوع في الشكل نجد أن مضمون الهجوم الذي تشنه الطبقات المستغِلة والانتهازية على حد سواء هو مضمون واحد: شق وحدة الطبقة العاملة ككل، تغليب مصالح فئة مستفيدة على مصالح الطبقة العاملة ككل، نبذ الأعمال الثورية وزرع الأوهام التوافقية والحقوقية داخل صفوف العمال والكادحين. لذلك كانت مهمة الدفاع عن أسس الماركسية ضدا على التشويهات التي تتعرض لها واجبا ثوريا على كل مناضل ومناضلة شيوعيين حقا. في هذا الإطار يمكن أن ندرج المحاولة التي قام بها خالد الصقر في نقده لأطروحات الكاتب الوطني للنهج الديمقراطي ع الحريف فاتحا بذلك نقاشا جوهريا حول الماركسية بالمغرب.
لقد اتخذ الجزء الأول من كتاب خ الصقر المنشور ببوابة الحوار المتمدن اتجاهين أساسيين: أولهما ذو بعد تاريخي اعتمد فيه على ما قاله مؤسسو الماركسية حول العديد من القضايا الفلسفية والسياسية والاقتصادية مقابلا إياه بما نسبه لهم ع الحريف في مقالته موضوع نقد خ الصقر. وقد استطاع خ الصقر في هذا الاتجاه من الرد على ما نسبه الحريف لماركس وانجلز ولينين بشكل لا يدع مجالا للمناورة إلى درجة أن بعض الردود قالت عن ما كتبه خ الصقر بأنه بديهيات من كتيبات بوليتزر !! أما الاتجاه الثاني في نقده فقد أخد بعدا تحليليا حاول من خلاله خ الصقر الكشف عن خلفيات ما قاله ع الحريف وقد توصل الكاتب على هذا المستوى إلى خلاصة جوهرية ودقيقة تؤكدها كل المعطيات السياسية الحالية وقد صاغها على النحو التالي:
" إن ما يلمح له الحريف واضح جدا، فعندما يقول بان الماركسية سديدة في جوهرها وليس في الصيغ التي اتخذتها في هذه المرحلة أو تلك فهو لا يقصد طبعا شيء آخر سوى مرحلة ماركس و انجلز ومرحلة لينين ومرحلة ماو تسي تونغ...ولا يمكن أن يكون شيء آخر غير ذلك. فالأستاذ "المحترم والمحترم جدا" يقول لنا: كونوا ماركسيين لكن ليس كما كان ماركس و انجلز ولا كما كان لينين ولا كما كان ماو تسي تونغ وهذا هو الجوهر الحي لكل مرافعة السيد الحريف" خالد الصقر
وهو ما يعني بكل تأكيد إلغاء مشروع الثورة التي شكلت جوهر ومضمون كل تحاليل هؤلاء الرواد وتعويضها بمشروع انتهازي يحمل عنوان "التغيير الدستوري" أو في أحسن الأحوال "النضال الديقراطي الجماهيري".
وهكذا فالجزء الأول من كتاب خ الصقر قد توفق في كشف شكل هجوم الانتهازية[3] على الماركسية بما هو تزوير للتاريخ ولما قاله المعلمون الكبار وأيضا تعرية مضمونها الذي يوصي الماركسيين بتعويض النضال الثوري من أجل السلطة السياسية " بالنضال" من أجل "التغيير الدستوري".
لكن كل ذلك لا يمنع من التقدم في النقاش، بل إن تلك الخلاصات تستدعي المزيد من التدقيق فهي على كل حال مدخل جيد لإثارة العديد من القضايا التي تؤرق تفكير كل الشيوعيين والشيوعيات ببلادنا.
وسوف نبدأ بما استهل به خ.الصقر مقاله ونتساءل حول الشروط التي كتب فيها مقال ع الحريف؟ فهي على كل حال سوف تلقي المزيد من الضوء على مضامين ما قيل فيها.
كتب مقال " دفاعا عن الجوهر الحي للماركسية" سنة 1996، وقد اعتبره صاحبه ورفاقه بمثابة " رد على الهجمات التشكيكية التي تتعرض لها الاشتراكية، داخل اليسار الجذري بالمغرب". وقد نشر المقال في كراس تحت عنوان " الاشتراكية إلى أين؟" إلى جانب حوار قيل عنه تاريخي – وهو كذلك بالفعل- بين أبراهام السرفاتي الذي كان عضوا مؤسسا لمنظمة إلى الأمام وعانى هو الآخر من ويلات التعذيب والسجون كغيره من المناضلين الماركسيين الذين تعرضوا إلى الاعتقال، لكنه لا يوجد اليوم داخل النهج، بل هو الآن مجرد مرتد حقير يعمل لحساب "العاهل الشاب" (فليذكر ذلك جيدا الأستاذ لعنايت)، وبين أرنست مانديل أحد أقطاب جناح الأمانة الموحدة للأممية الرابعة. وهذا الحوار " التاريخي" له طبعا دلالته السياسية العميقة ودلالته التاريخية في صيرورة تطور الخط الفكري "للنهج الديمقراطي".
سنة 1996 التي كتب فيها المقال كانت سنة تتويج لمسار دام أزيد من ست سنوات من محاولات التجميع[4] تجميع "المناضلين الجذريين والتيارات الجذرية" في إطار سياسي جديد، جديد من حيث الشكل والمضمون ومن حيث المهام والأدوات أيضا. مسار أعلنت خلاله عمليا حل منظمة "إلى الأمام" السرية ( وبدون حتى بيان رسمي) وعوضت بتيار النهج الديمقراطي الذي بدأ مسلسل النضال من أجل "الشرعية" وأعلن تبعا لذلك احتكار النهج لتجربة "إلى الأمام" من خلال شعار خادع يحمل عنوان " النهج استمرارية لتجربة منظمة إلى الأمام"، والتبرير النظري والسياسي لذلك هو ضرورة مراعاة المستجدات( !!) وتجاوز الأخطاء التي سقطت فيها التجربة في مرحلة السبعينات، بل ونقد أخطاء ماركس ولينين الذي تميزت تحليلاتهم بالإطلاقية ( هذا ما قاله ع الحريف في مقاله السالف الذكر) وتوقعاتهم "الكارثية" ( هذا أيضا ما قاله الحريف في مقاله)، وعلى ذات النهج ها هو اليوم أحد أعضاء "النهج الديمقراطي" يستهزأ بمن لا زال يفكر بالسرية بنفس الطريقة التي هاجم فيها عبد الرحمان النوضة منظمة "إلى الأمام" أو لنقل بعض أعضاء المنظمة بداية التسعينات بعد صدور وثيقة " الأهداف التكتيكية والبرنامج الثوري : ضرورة تمفصلهما الجدلي" التي أعلنت الهجوم السياسي على من يسعى إلى الشرعية. لكن قبل ان نوضح في مسألة السرية وفي شعار استمرارية النهج لتجربة " إلى الأمام" سوف نقول بعض الكلمات حول "اليسار الجذري" الذي وجه له ع الحريف مقاله. فهذا "اليسار الجذري" الذي يتكلم عنه أصحابنا هو ذاته الذي وضع الإعلان عن حل منظمة إلى الأمام كشرط مسبق للاستمرار في النقاش، هذا "اليسار الجذري" هو الذي انتقد الإزدواجية التنظيمية (سرية /علنية) لديكم آنذاك، وطالب بالوضوح* وبالتبني المبدئي للشرعية وهو ما استجبتم إليه [5] . إن هذا "اليسار الجذري" الذي أعلن صراحة عن عدائه للماركسة اللينينية وعدائه لكل تجربة الحملم وارتمائه في أحضان القوى الانتهازية والنظام وبدون شروط هو أبعد من أن يكون توجها تشكيكيا في الاشتراكية. فعن أي يسار تتكلمون وعن أية جذرية؟
إننا لا يمكن أن نفهم، تبعا لذلك أن ما قاله ع الحريف ينم عن نزعة وسطية توفيقية بين من هم على "اليسار" ومن هم على "اليمين". فمجمل المناورات التي قام بها ما تسمونه "اليسار الجذري" هي بكل تأكيد من سرع[6] من وثيرة إنتقالكم الكلي والشامل إلى الموقع الذي احتكره حزب " الطليعة" على طول مرحلة طويلة من الصراع ( فلتتذكروا مضمون نقدكم آنذاك لها) وهذا "اليسار الجذري" هو اليوم الذي يسرع بسحبكم إلى الموقع الذي احتلته" منظمة العمل" والذي اعتبرته "إلى الأمام" موقعا تصفويا وإصلاحيا وتخادليا.
وعلى كل حال، فكل المناضلين اليوم بمن فيهم جزء كبير من مناضلي النهج الديمقراطي لا يشكون إطلاقا في أن مقولة "اليسار الجذري" ليست سوى غطاءا إيديولوجيا للنزعة اليمينية الحادة التي يطالب أصحابها باستكمال مشروع " الاستمرارية" والدخول في مستنقع المؤسسات والانتخابات، وإن غدا لنظيره لقريب!.
وهكذا فالخلفية السياسية التي تحكمت أساسا في صياغة مقال ع الحريف هي من جهة تقديم أكبر حد من التنازلات المبدئية لصالح هذا "اليسار الجذري" إلى درجة التهجم على ماركس ولينين إرضاء لاستراتيجية التقارب والوحدة( !!) وتماشيا مع التيار اليميني الذي ساد داخل معظم الحركات الثورية عالميا، ومن جهة أخرى الحفاظ على التميز والحفاظ على ما قد يفيد الشعار الديماغوجي حول استمرارية النهج لتجربة "إلى الأمام" خصوصا في تواجد قاعدة من المناضلين ظلت إلى حدود الأمس مرتبطة بشعارات المنظمة وهو ما يعكسه مغازلة الماركسية وترديد مقولات وتأكيدات حول صحة الماركسية لكن ليس كما عرفناها عند ماركس وانجلز ولينين وماو، بل كما هي في "جوهرها الحي" الذي لا يقول ولا كلمة حول ضرورة الثورة فما بالكم بآنيتها.
حول السرية و العلنية
بدون أن نغوص كثيرا داخل التجارب الثورية العالمية، يمكن التأكيد على أن الحزب أو التيار الذي يقدم نفسه مساهما في التغيير الجدري يجب أن يجمع في نضاله بين ما هو سري وما هو علني. وأن يعرف جيدا كيف يرسم الحدود بين هذا الشكل أو ذاك. فالحدود بين السرية والعلنية ليست قارة بل هي خاضعة لموازين القوى السياسية وللأوضاع الاجتماعية ككل، فما قد يكون سريا في هذه المرحلة من أشكال نضالية قد يصبح ذا طابع علني في أوضاع أخرى. لكن مع كل ذلك يظل العمل السري هو مرتكز أي حزب أو تيار ينسجم في ممارسته مع الأهداف التي يعلنها أي التغيير.
إن السرية في ظل سيطرة الطبقات المستغلة (بكسر الغين) سواء في الدول التبعية أو داخل الدول الامبريالية التي تتغنى بالديمقراطية والحريات، ليس خياراً مطروحا من بين خيارات أخرى، بل إنها ضرورة. لأن تاريخ الصراع كله يوضح لنا كيف تستقبل الطبقات المستغلة (بكسر الغين) تحركات الطبقات المستغلة الساعية إلى إزالة سلطتها. صحيح أن مجال العمل العلني قد يأخذ أبعادا أكثر اتساعا في هذه المرحلة أو تلك، لكنه لن يكون على حساب العمل السري ولن يكون هو مرتكز العمل لأن الماركسيين يعلمون جيدا أن مراحل تطور الصراع الطبقي ليست قارة ولا تتطور في خط مستقيم وقار، فما هو علني اليوم قد يغدو هو الآخر سريا غدا. وإذا ما اعتمد حزب أو تيار يهدف إلى التغيير أو المساهمة فيه، العلنية كمرتكز في عمله في مرحلة من المراحل، فإنه بذلك لا يفعل سوى على عرض جيوشه التي يسهل اقتناصها والانقضاض عليها عند أول منعطف حقيقي يفرض عليه المساهمة في النضال الثوري. وإذاً فإن اختيار العلنية –التي تفرضها شروط معينة– كمرتكز للبناء وللعمل السياسي من طرف تيار أو حزب يدعي الرغبة في التغيير تطرح العديد من الأسئلة. أولها حول مفهوم التغيير الذي ينادي به هذا الحزب وحول جدية هذا الادعاء.
فمن يقول بالماركسية يقول بعدم استقرار مجرى الصراع الطبقي، يقول بالانعطافات والقفزات، وهو ما يعني بكل تأكيد تغيير أساليب وأشكال النضال. فمع النهوض الجماهيري يجب أن يعرف الحزب كيف ينظم الجماهير وكيف يوحدها ويوحد نضالاتها و أن يرقى بها نحو مستويات أعلى، ومع كل هجوم للطبقات المستغلة يجب أن يعرف كيف ينظم مقاومة الجماهير، قد تأخذ هذه المقاومة بعدا دفاعيا أو هجوميا، حسب الأوضاع. وإن فرضت الأوضاع ضرورة الهجوم للرد على المستغلين فإن حزبا علنيا سوف يجد نفسه في أحد الأوضاع التالية:
إما أن يساهم في حركة الجماهير هذه ويضع نفسه في فوهة بندقية المستغلين، وهو ما يعني اجتثاثه في بعض الحالات بحكم أنه حزب أو تيار علني، فكل مناضليه معروفين، وكل أشكاله وتنظيماته معروفة ليس للجماهير فقط، بل أساسا للأجهزة القمعية.
وإما أن يترك الجماهير تواجه مصيرها لوحدها وينسحب من الساحة بشكل كلي حفاظا على أطره وقواعده، وهو هنا لن يستحق سوى اسم حزب متخاذل.
وإما أن يحاول إقناع الجماهير بعدم جدوى الهجوم والرد على هجمات المستغلين تحت يافطة "الأوضاع غير مناسبة" أو ما شابه ذلك، بمعنى أن يأخذ دور ملجم نضالات الجماهير ومروضها للقبول بالأوضاع القائمة.
وإما أن يندد بعمل الجماهير ويحاول شق صفوفها بالحديث عن "العقلاء" وعن "الغوغاء" الخ. وهنا سوف يأخذ دور الخادم الذليل للنظام ويلتحق بمن سبقوه إلى حظيرة النظام النتنة.
وهكذا فأخذ العلنية كمرتكز لحزب ينادي بالتغيير الجذري –فما بالكم بحزب ينبذ السرية– ليس اختيارا نقيم صحته أو عدم صحته بحجم التنازلات السياسية التي يقدمها، بل إنها ترسم وتحدد مستقبل هذا الحزب أو ذاك داخل مجرى تطورات الصراع الطبقي.
إن حزب النهج الديمقراطي وتفاديا لكل ما قد يضعه في إحدى تلك المواقع سوف يقول لنا منذ البداية بأن أوضاعا مثل تلك التي تفرض على الجماهير ضرورة الرد على هجمات المستغلين هي غير مطروحة على الإطلاق في المرحلة الراهنة. وحتى إن أثبتت الجماهير بانتفاضتها إفلاس هذه النظرة، فإن حزب النهج يمجد هذه التحركات لكنه يصفها ويضعها في خانة التحركات العفوية، وهي كذلك، أي التحركات التي تفتقد إلى الوعي والتخطيط، وكيف تتجاوز العفوية وما الوعي الذي يجب إنمائه داخل الجماهير، إنه الوعي بالمرحلة الحالية والانخراط في صفوف النهج!! أو في مشروعه من أجل تغيير الدستور!! أو ما شابه. وهكذا يصبح حزب النهج الديمقراطي ملجما لفعل الجماهير ومشوها لوعيها. إن هذه الأوضاع ليست هي مستقبل النهج، بل حاضره، فنضالات المعطلين أثبتت هذه الخلاصة، بل وأكثر منها، فمناضلو النهج داخل هذه الحركة شكل هجومهم اللاذع على المعطلين والمعطلات الذين اندفعوا لتكسير الإجماع والتشهير بجرائم النظام المرتكبة ضد الشعب المغربي، البند الأول من برنامجهم النضالي داخل حركة المعطلين. أما داخل الحركة العمالية وبدعوى الشروط الموضوعية وطبيعة المرحلة سوف يتحول النضال ضد "مدونة الشغل الرجعية" (حتى حسب تصنيفهم) إلى "النضال" من أجل تطبيق بنودها.
طبعا مناضلو النهج لهم خيار آخر غير ذلك أي المساهمة النشيطة في تنمية كفاح الجماهير وتجذيره وتقديمه نحو الأمام، لكنهم يعلمون أن عملا مثل هذا يعني الدخول في الصدام المباشر مع النظام، يعني الاستعداد لتقديم التضحيات (التي بدى واضحا أن جزءاً كبيراً من جيل السبعينات المتواجد داخل النهج قد رسخ في دهن المناضلين عدم جدواها في المرحلة)، لكن فقدان الثقة في الجماهير والخوف من نتائج عمل مثل هذا يمنع بكل تأكيد ولوج هذا الخيار.
إن المناضلين الذين لازالوا يعتقدون ويؤمنون بالتغيير الجذري وبضرورة إنماء كفاح الجماهير وتنظيم صفوفها لمواجهة العدو الطبقي، إنما يرتكبون خطأً جسيما إن هم اعتمدوا العلنية مركزا لعملهم السياسي والتنظيمي، فهم سيكونون أول ضحايا أول هجمة قمعية للنظام مع أول انعطاف جدي وحقيقي داخل الصراع الطبقي ببلادنا.
يجب ألا ننسى أبدا أن كل مرحلة "هدوء" نسبي لمجريات الصراع الطبقي تعقبها مرحلة نهوض جماهيري، لن نستطيع أبدا المساهمة الإيجابية فيه إذا لم نخضع أشكال نضالنا الحالي وفقا لهذا التطور النظري التي أثبتت كل مراحل الصراع الطبقي ببلادنا صحته المطلقة. هذا بالطبع بدون أن ندخل في نقاش اتجاه ومنحى الصراع الطبقي محليا وعلى النطاق العالمي الذي هو منحى الثورة، وكل الوقائع الحالية (محليا وعالميا) تنذر بقرب انعطافة حقيقية، من لم يعمل على استيعابها حاليا و تهييئ متطلباتها السياسية و التنظيمية، فلن يكون مصيره سوى تكرار الهزائم أو في أسوء الأحوال مزبلة التاريخ.
وهكذا فمسألة العلنية والسرية لا تطرح من زاوية تقييم الوضع السياسي الحالي، أي لا تطرح من خلال تحديد طبيعة المرحلة الراهنة. بل إنها تطرح من منظور الأهداف الاستراتيجية وليست التكتيكية، فهذه الأخيرة لا يكون تأثيرها سوى على ضيق أو اتساع النشاط العلني.
نحن هنا طرحنا بعض الأفكار حول العلنية والسرية، أما في ما يخص الشرعية التي "ناضل" النهج الديمقراطي من أجل نيلها فلن نتناولها سوى بالتذكير بما ختمت به منظمة "23 مارس" رسالتها إلى قيادة منظمة "إلى الأمام" سنة 1980: "وللتاريخ جواب". بهذا اختتمت "23 مارس" رسالتها. ونحن على بعد 26 سنة عن تلك الرسالة نقول إن التاريخ بالفعل قد قدم جوابه: لقد تم الالتحاق بالركب والمسار لازال مستمرا على نفس الطريق، فهل لازال هناك من قد يستوعب هذه الدروس؟
أي "حزب للطبقة العاملة وعموم الكادحين" يريده النهج الديمقراطي؟
إن النهج الديمقراطي يضع اليوم أحد أولوياته السياسية : المساهمة في بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين!. فهو لا يعتبر نفسه إلى حدود اليوم حزبا ممثلا للطبقة العاملة ولا لعموم الكادحين. وبدون الدخول الآن في نقاش هذه الصيغة سوف نتساءل هل يمكن لحزب النهج الديمقراطي أن يساهم في عملية البناء هذه التي تشكل أولوية كل الشيوعيين والشيوعيات في بلادنا؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فكيف ذلك؟
وهنا نحن طبعا نطرح السؤال حول حزب النهج الديمقراطي كما هو عليه الآن، أي من خلال وثائقه وخطه الإيديولوجي والسياسي، وليس من خلال ما قد يكتبه هذا العضو أو ذاك من أعضائه، فهناك بكل تأكيد مناضلون من داخله لا زالوا إلى اليوم يقاومون هذا التيار الجارف نحو اليمين ويستحق أن نسمعهم وننصت إليهم لكن ذلك لا يمنعنا من القول بأنهم واهمون كيفما كانت درجات مبدئيتهم وإخلاصهم للجماهير، فالأمر لا يتعلق بالإرادات أو الرغبات، بل بصيرورة تطور محكومة بقوانين موضوعية خارج عن إرادة أكثر المخلصين. ولنا في تجربة الرفاق الذين قاوموا تحويل "إلى الأمام" إلى النهج الديمقراطي عبرة ودروس كبيرة نتمنى أن يدرسها هؤلاء المناضلون والمناضلات إن وجدوا فعلا و انسجموا في ممارستهم مع أفكارهم.
فما هو الحزب الذي يريد النهج الديمقراطي أن يساهم في بنائه؟ بمعنى ما هو خطه الفكري والسياسي؟ أو على الأقل ملامح هذا الخط. هل يريد النهج بالفعل المساهمة في بناء حزب الطبقة العاملة الذي لن يكون بكل تأكيد سوى حزبا ثوريا. الخط السياسي لحزب النهج الديمقراطي يجيب بالنفي. فلا يمكن ان نتصور حزبا ثوريا لا يضع على جدول أعماله التهييء للثورة. فسوف يكون من المضحك بناء حزب ثوري بدون ثورة. وحتى وإن قال البعض بضرورة استبعاد المفاهيم الثورية في المرحلة الراهنة كمنهج" تكتيكي" يراعي المعطيات السياسية الحالية" فمن حق الكل أن يتساءل عن هذا التكتيك"( من خلال التساؤل عن من يتوجه النهج الديمقراطي إليهم للمساهمة في عملية البناء هذه، ومن حق الكل أن يتساءل هل تيارات "التيار اليساري الديمقراطي" يمكن أن تشكل عاملا مساعدا في طريق عملية البناء المنشود، أم هي عامل إعاقة وتخريب لهذا المسار. وهو ما لا يمكن أن تراود أي ماركسي أو ماركسية أية ذرة شك على أنه تخريب شامل لهذه العملية حتى وإن كان الأمر يتعلق ببناء حزب ديمقراطي برجوازي صغير وليس ثوري.
لكن لندع كل ذلك فهو ليس بالأهمية التي يمكن أن يحضى بها سؤال الخط السياسي للنهج الديمقراطي ومدى إمكانيات مساهمته في عملية بناء حزب الطبقة العاملة، فهو يعكس إلى حد كبير طبيعة الخط السياسي للحزب المنشود.
إذا رجعنا إلى تاريخ الحركة العمالية وتاريخ الحركة الشيوعية فأين يمكن أن نقيم تجربة النهج داخل مسار تطور الحملم. وليسمح لنا بعض السادة للرجوع إلى تجربة البلاشفة وإلى موضوعات لينين- رغم أنها لا تروقهم فذاك على كل حال شأنهم- إن تلك التجربة الغنية تؤكد على أن الجماعات والأحزاب التي تلغي وتحذف من خطها السياسي ضرورة الثورة وضرورة حسم السلطة السياسية وضرورة العمل السري في أية مرحلة من مراحل تطورها قبل حسم السلطة السياسية هي جماعات تصفوية، وهذا بالضبط ما قام به النهج الديمقراطي بتجربة إلى الأمام التي كانت ترفع شعار الثورة وتلتزم بالعمل السري...الخ.
لكن التصفوية لا يجب أن نفهمها كنتيجة لتخادل البعض أو انهزاميته أو سوء نيته، بل إنها تيار ينمو في ظل شروط مادية توفرها التحولات التي يعرفها الصراع الطبقي في هذا البلد أو ذاك، فالاتجاهات التصفوية التي ظهرت على طول تجربة الحركة الشيوعية العالمية، وتجربة الحملم جزء منها- قد انبثقت على إثر الهزائم التي تلقتها الطبقة العاملة والحركة الشيوعية في روسيا بعد هزيمة الثورة الأولى 1905-1907 كما في المغرب مع نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، وفي مرحلة بداية التسعينات.
إن الهبوط المعنوي لدى الجماهير وتقدم الطبقات المستغِلة في هجومها على الجماهير الكادحة ( سياسيا وفكريا واقتصاديا) يشكل الأساس والمرتكز المادي الأول لفقدان الثقة في المشروع السياسي الكلي للطبقة العاملة تترافق معه عدم القدرة على تحليل أسباب الهزيمة ليعطي نمو التصفوية كاتجاه سياسي ينادي بالتخلي عن كل الأهداف وتصفيتها، سواء بشكل علني واضح وسافر أو بشكل ضمني كما هو حال الإنسحابية التي وصفها لينين بالتصفوية بالمقلوب.
وإذا رجعنا إلى تاريخ الحملم فالنداء الموجه إلى الشباب لم يكن يعبر عن خيانة أصحابه بالقدر الذي عبر عن مستوى الهزيمة ودرجتها الحادة التي ألحقها النظام بالحملم مع نهاية السبعينات والتقييم الذي انطلق آنذاك معيدا الثقة مجددا في الأحزاب التي سميت كذبا " بالوطنية والديمقراطية" هي ذاتها الشروط التي نمت فيها التصفوية في بداية التسعينات مع تغيرات جدية في منحى ظهورها وأشكالها، عكسته التغيرات التي عرفها الصراع الطبقي على المستوى المحلي والعالمي، إلى درجة أن "إلى الأمام" السرية أعلنت أن " النضال من أجل فرض الديمقراطية ودولة الحق والقانون [7]هو مرتكز نضالها العام في تلك المرحلة !!
إن ذاك المسار هو الذي سوف يتوج في آخر المطاف بالإعلان عن ميلاد تيار " النهج الديمقراطي"، المسار الذي لا يمكن ان ننفي تعرض منظمة "إلى الأمام" خلاله للعديد من الضغوطات الحقيقية والكبيرة سواء تلك التي مارسها بعض من مناضليها أو تلك التي مورست عليها من طرف جل التيارات التي كانت داخل " التجميع".
فأعلن الطلاق مع المعيار الأخير لتنظيم ثوري أي السرية بعدما تم سابقا إعلان الطلاق مع كل ما له علاقة بالنضال الثوري كما كانت تتبناه "إلى الأمام" السبعينات الذي يختلف جوهريا بكل تأكيد عن ما كان سائدا في مرحلة التسعينات.
وهكذا فإذا أخدنا المقاييس اللينينية-التي ينبدها النهج- فيمكن القول على أنه تيار تصفوي بامتياز[8]، صفى كل ما له علاقة بالعمل الثوري سياسيا وتنظيميا. فهل إذن يمكن لتيار تصفوي أن يساهم في بناء حزب من الطراز اللينيني؟ أبدا. وهل يمكن لتيار تصفوي أن يساهم في بناء حزب ما؟ أجل بكل تأكيد لكنه لا يمكن أن يكون إلا حزبا متشبعا في خطه السياسي والفكري بما هو متشبع به الخط السياسي والفكري لهذا التيار الذي نجده معلنا العداء لللينينية- وبالتالي للماركسية، إذ لا ماركسية بدون لينينية- ونجده على مستوى الممارسة يطرح مليون ألف سؤال داخل الحركة الجماهيرية.
صحيح أن هناك مناضلين ومناضلات من داخل هذا الحزب لا زالوا يتعاطون بشكل شريف مع هموم ونضالات الجماهير- وهو أمر على أية حال قد نجده أيضا لدى قواعد العديد من الأحزاب البرجوازية الصغيرة- لكن لننظر إلى الاتجاه العام للنضال داخل الحركة الجماهيرية.
في صفوف الطلاب المحاولات جارية على قدم وساق لإفساد وعيهم وتشويهه واستيعابهم داخل نوادي "حقوق الانسان" التي تصدى لها بعض المناضلون في المؤتمر الأخير لشبيبة النهج. داخل حركة المعطلين الهم الرئيسي لمناضلي النهج يكمن أساسا في تلجيم نضالات المعطلين وفي الهجوم على كل الذين واللواتي يردن إعطاء بعد كفاحي حقيقي للجمعية، فلا يمر أي تحرك دون تسجيل هجومهم على كل القواعد المعطلة التي تكسر الإجماع وتندد بالجرائم التي يرتكبها النظام القائم إلى درجة أن المؤتمر الأخير للجمعية سجل هجوم هؤلاء حتى على مقولة "الصراع الطبقي" وإصرارهم على " الصراع الاجتماعي" رغم أنها مقولة !!. في صفوف النساء لا كلام سوى عن "الحق" في المساواة. أما داخل الحركة النقابية فحدث ولا حرج إلى درجة أننا لن نجازف إذا ما قلنا أن هناك فئة من السماسرة- واعتذر هنا لبعض مناضلي النهج لكن هذا هو الواقع ويجب أن نكشفه كما هو-. وحتى أولئك الذين يخلصون إلى العمال لا ينشرون وسطهم سوى الانهزامية والاستسلام للباطرونا، حيث وصل الأمر بالعديد من النقابيين إلى درجة أنهم هم من أصبح يبحث للباطرونا عن مجالات لتسويق بضائعهم حتى لا يسرح العمال، أمر يحسب لهم طبعا كما كان يحسب من قبل لأوين وفورييه[9] وغيرهم من الاشتراكيين الطوباويين. إن هذا الاتجاه هو الذي أدى بالعديد من النقابيين والنقابيات الذين رفعوا النضال ضد المدونة إلى " النضال من أجل تطبيق بنودها" بالرغم من أننا نعرف ما تعنيه، وبالرغم من أنهم يصفونها بالرجعية والكارثية. وهذا ما أصبح الخط السائد داخل هذا المجال الجماهيري. إنه خط التنازل للرأسماليين، خط تشويه وعي العمال وإيهامهم بإمكانية تحسين مستقر لأوضاعهم في ظل الأوضاع الطبقية الراهنة.
هذه ملامح للخط الفكري والسياسي لحزب "النهج الديمقراطي"[10] في الوقت الراهن، فكيف يمكن أن يكون مضمون الخط الفكري والسياسي لحزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين الذي يحاول النهج المساهمة في بنائه. إن كل ذلك يستدعي من المناضلين ضرورة التمعن في كل المتاع الفكري الذي يحملونه وضرورة إطلاق سيرورة تقييم جدي وحقيقي وثوري لتجربة الحملم و لتجربتهم هم بالذات. غير أن كل ذلك غير كافي في اعتقادي، لأن الأمر الجوهري والمهمة الرئيسية تكمن أساسا لا في نقد أطروحات النهج أو غيره من التلاوين، بل إن المهمة الجوهرية تكمن في المزيد من بدل الجهود من طرف الشيوعيين والشيوعيات الحقيقيين(ات) ببلادنا من أجل بناء بديل حقيقي يحمل الفروق بين الثوريين واللاثوريين في قلب معارك الجماهير ونضالاتها.
فمزيدا من الجهود والتضحيات
لما فيه خدمة لمصالح الشعب المغربي
وعلى رأسه الطبقة العاملة حاملة مشروع التحرير.
خالد المهدي
22 يناير 2007
--------------------------------------------------------------------------------
[1] وأنا لا اتفق مع بعض المناضلين الذين اتهموا مقال خ الصقر بالدغمائية لأن عمل خ الصقر استهدف تفنيد هجمات ع الله الحريف على ماركس وانجلز ولينين من خلال مقابلة ما نسبه ع الله الحريف إليهم بما قالوه هم بأنفسهم،ولذلك كان من الطبيعي وجود ذلك الكم من الاستشهادات.
[2] صحيح أن خالد الصقر لم يقل بذلك، لكن لنطرح السؤال عن مضمون عمل العديد من " مناضلي النهج" ( ليس جميعهم) داخل الحركة الجماهيرية، أليس هؤلاء "المناضلين" هم من يهاجمون العمال والفلاحين والمعطلين عندما يرفعون الشعارات ضد جرائم النظام، أليس هؤلاء " المناضلين" هم من ينشرون الدعاية لانتخابات داخل صفوف العمال بدعوى ضرورات العمل النقابي؟! أليس كل ذلك يشكل خطرا حقيقيا...
[3] نحن طبعا هنا بعيدون جدا على اخذ مفهوم الانتهازية كقدح لشخص ع الحريف، بل إن هذا المفهوم هو مفهوم سياسي يرمز إلى خط نما وترعرع داخل الحركة العمالية منذ نهاية القرن التاسع عشر
[4] لا نستحضر هنا ما تعنيه أيضا هذه المرحلة بالنسبة لواقع الحركة الشيوعية العالمية ولما ساد من هبوط معنوي حاد للجماهير بفعل الانتصارات المؤقتة التي حققتها الامبريالية خصوصا الأمريكية منها والتي وصلت حد الاعلان عن نهاية التاريخ !!
[5] لقد كان هذا الرد الذي وجهه الزايدي وغيره بعد المحاولات التي قام بها بعض مناضلي إلى الأمام الرافضين لهذا المسار من خلال الكتابة على الجدران بإسم المنظمة. وقد كان رد "القيادة" أنذاك هي استيعاب هؤلاء المناضلين من خلال منحهم مسؤوليات إقليمية ومحلية داخل النهج الديمقراطي، فقبلوا بذلك واهمين بإمكانية العمل داخل النهج فآل بهم الوضع لما هم عليه اليوم.
[6] وهنا أنا أسطر على كلمة سرع فالمناورات الناجحة التي قام بها هذا "اليسار الجذري" ليست هي السبب، بل كانت مجرد محفز (Cataliseur) لتسريع عملية الانتقال ليس إلا. أما السبب فنجده في قلب صيرورة تطور منظمة"إلى الأمام" ككل.
[7] أنظر على الخصوص كلمة العدد الأول من مجلة "إلى الأمام" بتاريخ 1992 وكذا افتتاحية العدد التاسع مارس 1994" المغرب في حالة انتظار".
[8] وهذا ليس قدحا بل مفهوم سياسي أبدعته الماركسية اللينينية.
[9] لقد كان تعاطف فورييه عظيما مع العمال الى درجة انه أشركهم في ملكية معمل الغزل الذي كان يمتلكه، لكن ذلك لم يمنع ماركس من توجيه النقد النظري له ولكل الطوباويين.
[10] وهذا ليس قدحا بل مفهوم سياسي أبدعته الماركسية اللينينية.