عساسي عبدالحميد
الحوار المتمدن-العدد: 1830 - 2007 / 2 / 18 - 05:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أثناء مسيرة عمالية حاشدة بمدينة الرباط بمناسبة عيد الشغل " فاتح ماي" ردد بعض المحسوبين على تيار أبي جهل الشعار التالي « يا للعار يا للعار... يهودي مستشار .....» في إشارة واضحة للمستشار المغربي السيد " أندري أزولاي "!!!... شعارات لا مسؤولة قد تدفع ببعض المتهورين و ما أكثرهم على ارتكاب الأسوء، وما الأحداث الإرهابية التي شهدت فصولها مدينة الدار البيضاء في ماي 2003 والتي أدت إلى خسائر فادحة في الأرواح و الممتلكات، و ما مقتل المغربيين من ديانة يهودية "ألبير ربيبو" بالدار البيضاء و "ايلي أفرياط " بمدينة مكناس في شتنبر من نفس السنة إلا دليل قاطع على قدرة هذه الشعارات في اختراق العقل الباطن للمنومة عقولهم والمصادرة جماجمهم و شحن عزيمة من لا تساوي عندهم الدنيا جناح بعوضة على ارتكاب المزيد من الحماقات ... تهديدات و تصرفات قد تجبر ما تبقى من يهود المغرب على التفكير في مغادرة أرض أجدادهم والبحث عن ملاذ آمن ؟؟ وجدير بالذكر أن السيد " أزولاي" خبير اقتصادي من الطراز الرفيع، وتتمنى حكومات دولية أشخاص في كفاءة و مهنية هذا الرجل ...
============
شعارات كهذه رفعت في إحدى التظاهرات لنصرة الشعب الفلسطيني، وما يحز في النفس أن التظاهرة حضرها المناضل اليهودي المهندس "أبرهام السرفاتي " الذي حضر صحبة زوجته بكرسيه المتحرك لافا حول عنقه كوفية فلسطينية، و لكي يشكروا الرجل و ينوهوا بموقفه لأنه آثر الحضور لنصرة فلسطين على البقاء في سريره الدافئ فقد أسمعوه و أكرموه بسيل عرم من المتفجرات الخيبرية المأثورة من قبيل «الله أكبر عاصفة على اليهود ناسفة »..... « خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود »........هناك من اليهود المغاربة من كان يحضر هذه التظاهرات من منطلقات مبدئية ثم قاطعها نهائيا، كعضو المكتب السياسي لحزب التقدم و الاشتراكية المغربي "شمعون ليفي"، فكيف يمكنه أن يسير وسط قطعان طمس الدجل والخرافة بصيرتها ، أو أن يقف في تظاهرة إلى جانب كائن مسلوب الإرادة ينتظر من حجر الصوان أن يتكلم ليدله على ذبيحة يهودية تعتقه من نار جهنم و تقربه من مناكح وعاهرات الجنان ....
============
في تصريح له لوسائل الإعلام قال أحد الوجوه البارزة في ميدان الكوميديا المغربية : على اليهود المغاربة أن يعلنوها صراحة، و يوضحوا للرأي العام موقفهم الحقيقي من الصراع العربي الإسرائيلي دون لف أو دوران !!!....يا ســـــــــــــــــــلام!!!.... وماذا يمكن لليهود أو المسلمين المغاربة أن يقدموه أو يأخروه وهم على بعد 6000 كلم من حائط المبكى؟؟؟ و حكام دول الطوق مستعدون ليس لبيع فلسطين فحسب بل لبيع شعوبهم إن اقتضى الأمر في سوق النخاسة والمتاجرة في دمائهم و أعضائهم شريطة أن يبقوا هم متربعين على عروشهم المخملية ...
============
من حق اليهود و غير اليهود أن يتجنسوا بأي جنسية تلائمهم و تليق بهم ....بيد أن الشيء الرائع و المفرح هو أن يظل المغاربة بإسرائيل من الجيل الأول و الثاني و الثالث على صلة ببلدهم الأم يزورون أقربائهم و أضرحة أجدادهم و يحيون مواسم أولياء الله الصالحين الذين تزخر بهم أرض المغرب بالمئات وهذا ما هو حاصل ....كما أن هناك من الأسر المغربية بإسرائيل من لا تزال تعلق على جدران بيوتها صورة الملك الراحل محمد الخامس «1910 – 1961» و ما زال العديد يتذكر موقف هذا الملك الذي رفض أوامر حكومة "الماريشال بيتان " النازية التي استولت على السلطة بباريس في الفترة ما بين 1940 و 1944، كان المغرب وقتها تحت الحماية الفرنسية عندما طلبت حكومة "الماريشال بيتان " السيئة الصيت من الملك محمد الخامس تقديم جرد كامل لممتلكات اليهود قصد مصادرتها، ورغم صعوبة الظرف فقد وقف الملك محمد الخامس أمام هذا المخطط النازي بحزم لا يلين و حذر من أي مساس بحقوق اليهود و أي اعتداء قد يطالهم بصفتهم أبناء له أسوة بباقي المغاربة.
ولهذا نرى اليهود الذين عايشوا محمد الخامس يكنون له كل الحب و التقدير و يحفظونه في قلوبهم ذكرى رقيقة لا تنسى ، و الكثير من الحاخامات يدعون له بالرحمة في صلواتهم و دعواتهم ...و يترحمون كذلك على الملك الحسن الثاني و يدعون بالتوفيق و النجاح للملك الحالي للبلاد...
============
إن الوطن غفور رحيم.... كلمة مأثورة قالها الراحل الحسن الثاني في دعوة للانفصاليين الصحراويين الذين يرغبون في العودة إلى أرض الوطن وقد عاد بالفعل جزء كبير منهم مكرما معززا ....
والوطن يقدر ظروف جميع أبنائه، فالذي دفع يهود المغرب للهجرة نحو إسرائيل هو الرغبة في تحسين الوضعية المادية
ثم هناك الدعاية الصهيونية التي بالغت في تصوير أرض الميعاد على أنها جنة تفيض لبنا و عسلا ، ومن بين العوامل المهمة التي ساعدت في التعجيل بترحيل السواد الأعظم من اليهود المغاربة الخطابات القومية وتصاعد الخط العروبي الناصري و البعثاني الذي لقي صدى و قبولا منذ مطلع الخمسينيات من القرن الفارط و أحدث خلطا فظيعا لدى المواطن البسيط بين اليهودية كدين سماوي و إيديولوجيات و أفكار أخرى، و قد تركت صورة و صوت الزعيم عبد الناصر أثرا لدى الكثير من أشباه المثقفين و رأوا في هذا القائد الكاريزماتي القادم من صعيد مصر و الذي كان يلهب المشاعر بخطاباته الحماسية الجياشة أملا في الوحدة العربية المنشودة و ﺇعادة أمجاد هذه الأمة التليدة و أملا في إزالة دولة إسرائيل و محوها من الوجود و رمي اليهود الأنجاس في بحر عكا و البحر الميت وبحر الجليل أضف ﺇلى ذالك الخلفية الدينية الخاطئة و ارتباط اليهود عند الكثيرين بالكفرة الفجرة و خونة العهود و المواثيق و قتلة الأنبياء و لنا في مأثور السلف الصالح خير مثل و مرجع ( أبناء القردة و الخنازير .....) ومما زاد الأمور تعقيدا بعد قيام الدولة العبرية التي نالت الاعتراف من المنتظم الدولي سنة 1948 و العدوان الثلاثي على مصر عبد الناصر بعد مبادرة تأميم السويس سنة 1956 حرب حزيران 1967 " حرب الستة أيام " والتي تلقت فيها الجيوش العربية هزيمة نكراء فخسرت مصر شبه جزيرة سيناء بأكملها و التي تكبر مساحتها فلسطين ثلاث مرات كما خسرت سوريا مرتفعات الجولان اﻹستراتيجية بينما فر النشامى من الضفة الغربية و مدينة القدس تاركين المجال فارغا للجنرال " موشي ديان " الذي كانت حربه عبارة عن نزهة فتجول بين أزقة القدس العتيقة و صلى أمام " حائط المبكى "
============
» فريحا».... يهودية مغربية في العقد الثامن من عمرها، هاجرت في أواخر الستينيات من القرن الماضي إلى دولة إسرائيل صحبة أولادها، كانت فريحا جارة لجدتي وكانت بناتها صديقات لأمي، و في منزل فريحا تعلمت أمي و خالاتي فنون الخياطة إلى درجة الإتقان، بعد قرابة ثلاثة عقود تفاجئنا جارتنا القديمة التي تركت المغرب بزيارتها لنا التي تزامنت مع زيارتها كذلك لموسم اليهودي الصالح الرابي «عمرام بن ديوان» المتوفى في آواخر القرن الثامن عشر والذي يعرف ضريحه وفود اليهود المغاربة سواء القاطنين بالمغرب أو المقيمين بأرض المهجر ...
التقت فريحا بجدتي، تعانقتا طويلا و بكيتا بحرقة تفوق حد الوصف و بكى كل من كان حاضرا بالمنزل ....وأثناء مكوثها معنا قامت فريحا صحبة جدتي بجولة في أحياء مدينة « وزان» العتيقة و كانت تنظر لكل جدار و لكل عتبة بيت و كل شرفة نظرة غريبة و كأني بها تناجي كل زاوية من زوايا الحي و كأني بالحي القديم يرد عليها قائلا: لقد عرفتك أنت.... يا من تدرجت بين أزقتي و باحاتي.... أنت يا من تسلقت شجرة الزيتون....ويا من كانت تصنع عرائس القصب بأناملها الرقيقة و تردد مع صبايا الدرب أغاني« البوريم » الدافئة العذبة و من كانت تقف أمام والدتها يوم " شفات قودش " و هي تقول "مبارك إلهنا رب العالم الذي قدسنا وصاياه و أمرنا بإشعال شموع السبت ".....
============
فريحا و أبنائها هم جزأ من اليهود المغاربة بإسرائيل والذي يفوق تعدادهم في الوقت الحالي النصف مليون ، و فريحا مازالت تحمل الجنسية المغربية إلى يومنا هذا لأن الدستور المغربي لا يسقط جنسية مواطن مغربي حاصل على جنسية بلد آخر، وقد شكل اليهود المغاربة إلى جانب يهود أوروبا الشرقية النواة الصلبة للأمة الجديدة بإسرائيل...واستطاع البعض منهم أن يصل إلى سدة الحكم و مراكز القرار رغم النفوذ الكبير لليهود الغربيين "الأشكيناز" لما كان لهؤلاء من سبق في التنظير و السياسة و التحصيل العلمي فطبيعي أن تسير الأمور وفق هذا المنطق و على هذا المنوال ﺇلا أنه كما قلنا استطاع بعض اليهود المغاربة المنتمون لطبقة " السفارديم" أي اليهود الشرقيين و شمال ﺇفريقية أن يثبتوا و جودهم و يحققوا نجاحات في الكثير من الحقول ويمكننا ذكر بعض الشخصيات من أصول مغربية و التي تقلدت مناصب مهمة داخل الدولة العبرية كوزير الخارجية السابق" دفيد ليفي " و " شلومو بن عامي " ووزير الدفاع "عمير بيريتز" وزعيم حزب شاس " أرييل درعي " و كبير الحاخامات ليهود السافارديم "موشي عمار" و عالم الذرة " مردخاي فعنونو " . وللإشارة فانه يتوزع كذلك قرابة 200000 يهودي من أصول مغربية بين أوروبا و كندا و الولايات المتحدة الأمريكية.....
#عساسي_عبدالحميد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟