أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - غالب المسعودي - الديمقراطية كإشكالية فلسفية















المزيد.....

الديمقراطية كإشكالية فلسفية


غالب المسعودي
(Galb Masudi)


الحوار المتمدن-العدد: 8498 - 2025 / 10 / 17 - 12:45
المحور: قضايا ثقافية
    


الشرعية السياسية
تُعد الشرعية السياسية محور التحولات في السياق السياسي الحديث. تنقسم الشرعية إلى وصفية، وتشير إلى معتقدات الناس تجاه السلطة السياسية، ومعيارية، وتتعلق بما يجب أن تكون عليه هذه السلطة. في الأنظمة الديمقراطية، أصبحت الشرعية تُستمد أساسًا من الشعب، بغض النظر عن شكل الحكومة. ويفرض هذا المفهوم على المؤسسات السياسية احترام القيم الديمقراطية.

النظرية المؤسساتية التاريخية واستقلالية الدولة
أدت الإخفاقات في مسارات التحول الديمقراطي إلى تطوير منظور المؤسساتية الجديدة، الذي يركز على "العامل المؤسسي" لتفسير كيفية حدوث التحول الديمقراطي. وقد أظهرت النظرية المؤسساتية التاريخية قدرة تفسيرية كبيرة عبر التركيز على استقلالية الدولة وسلطتها، وتحليل تفاعل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية.

يُشدد هذا المنظور على أن إرساء الديمقراطية يتطلب مسارًا من "التغيير التدريجي" يسمح بترسيخها على نحو جيد. هذا يعني أن النظام القائم يجب أن يُعاد هندسته مؤسسياً ليتلاءم مع القيم الديمقراطية، بدلاً من مجرد إسقاطه واستبداله بإجراءات انتخابية. ومن أهم القضايا التي تبرزها المؤسساتية هي الحاجة إلى وضع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية تحت السيطرة المدنية وإعادة تعريف أدوارها لغرس مبادئ جديدة تجاه المواطنين، تستبدل القمع بالحماية. ويجب أن تسبق هذه الإصلاحات الهيكلية للنظام القائم أي انتقال ديمقراطي فعال.

حكم القانون كشرط مؤسسي أساسي
إن الشرط المؤسسي الأكثر أهمية لنجاح التحول هو سيادة حكم القانون واستقرار مؤسسات الدولة الوطنية وحياديتها. تفشل الديمقراطية في إحداث نتائج إيجابية إذا لم تكن مدعومة بنظام قانوني فعال ومحايد.

يشير تحليل التحولات إلى أن غياب سيادة القانون يحوّل آليات كالانتخابات الدورية وتداول السلطة إلى واجهات شكلية تفتقر للمضامين والنتائج الديمقراطية. وقد تؤدي هذه الحالة إلى تعميق التوترات المجتمعية، كما ظهر في حالات متعددة في الشرق الاوسط. وبالتالي، فمن الأوجب على النخب العمل على التأسيس لحكم القانون ولبناء الدولة الوطنية القادرة ذات المؤسسات المستقرة والحيادية، عوضاً عن إجراء انتخابات تشريعية غير مجدية.

تُعد الديمقراطية عملية تتعلق بكيفية اتخاذ القرارات، وتعتمد على المؤسسات والقواعد التي تنظم وتدير النظام السياسي. ومن الإجراءات المؤسسية التي تُحوّل القيم الديمقراطية إلى واقع عملي، مبدأ الفصل بين السلطات (التشريعية، التنفيذية، القضائية) لضمان "الحكم المقيد". هذا الفصل يحد من السلطة المطلقة للحاكم، مما يمثل تحولاً جوهرياً في طبيعة النظام القائم.

الديمقراطية من الأسفل
على الرغم من أولوية النظام القادر، فإن الدفع الحقيقي للإصلاح يأتي من المجتمع. يحمل المجتمع المدني، بمكوناته المتعددة كالأحزاب السياسية، والنقابات المهنية والعمالية، والمنظمات غير الحكومية، وظيفة الحد من استبداد النظم السياسية ودكتاتوريتها.

يُشكل المجتمع المدني آليات كفيلة بترشيد أنظمة الحكم من خلال إعادة النظر في طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع، وتحويلها من علاقة سيطرة وهيمنة إلى علاقة ترابط. فوجود مجتمع مدني فعال ومستقل يتيح فرصاً للتنافس السلمي مع النظم السياسية، ويكون مسؤولاً عن التنشئة والتوعية السياسية، مما يرسي الثقافة المجتمعية الضرورية للحكم الرشيد.

إن العلاقة بين المؤسسات الرسمية (النظام) والممارسات غير الرسمية (المجتمع المدني) هي علاقة ديناميكية. فالمؤسسات تحدد شكل الديمقراطية، لكن القيم الديمقراطية والمطالب الاجتماعية هي التي تدفع نحو تطوير وتصحيح هذه المؤسسات. لا يمكن أن يوجد مجتمع مدني فعال إلا في إطار دولة قوية، ومع ذلك، يحتاج النظام القوي لضغط المجتمع المدني لضمان ترشيد الحكم وتجديد الشرعية السياسية.

موجات الديمقراطية ومسارات التحول
أشار صموئيل هنتنجتون إلى أن التحول الديمقراطي يمر بثلاث موجات رئيسية، بدءاً من الموجة الأولى (1828-1926)، مروراً بالثانية (بعد الحرب العالمية الثانية)، وصولاً إلى الموجة الثالثة (بدءاً من السبعينيات)، والتي شهدت تحولات واسعة.

يُحدد التحول الديمقراطي عادةً بثلاث مراحل: انهيار النظام السلطوي القديم، إقامة النظام الديمقراطي، وتوطيد هذا النظام. وتُعتبر مرحلة الانتقال أخطرها، نظراً لإمكانية تعرض النظام لانتكاسات والصراع بين النظام السابق والممارسة الديمقراطية الجديدة. هذا يوضح أن النظام القائم يجب أن ينهار أولاً ليسمح بنشأة الديمقراطية.

يُظهر التاريخ أن الدوافع الديمقراطية تنشأ من أسفل، ففي جنوب أوروبا الغربية (اليونان، البرتغال، إسبانيا)، جاء التحول السلمي انعكاساً للتحولات الفكرية والاجتماعية وظهور مؤسسات المجتمع المدني (الحركات الطلابية والعمالية). هذه القوى المجتمعية هي التي تخلق قناعات شعبية ورسمية بضرورة الإصلاح السياسي وتجديد أسس الشرعية السياسية وصياغة عقد اجتماعي جديد.

إن العلاقة بين الديمقراطية والتنمية هي علاقة دعم متبادل وليست سببية أحادية. فالحكم الديمقراطي يُعد أساسياً لتحقيق مكاسب إنمائية مستدامة (من منظور قائم على الحقوق)، لأن وجود أساس ديمقراطي يتيح لمجموعة واسعة من أصحاب المصلحة المشاركة في مناقشة السياسات، مما يزيد من فعالية عمليات التنمية.

الديمقراطية بين القيمة والنظام
الديمقراطية كقيمة سابقة (الديمقراطية تخلق النظام): تتمثل في الأولوية الفلسفية للسيادة الشعبية والحقوق الفردية، وهي القوة الدافعة التاريخية لإنهاء الاستبداد. وهذه القيمة هي التي تجعل أنظمة الحكم تستمد شرعيتها من الشعب.

الديمقراطية كنظام لاحق (النظام يخلق الديمقراطية): تتطلب الديمقراطية مؤسسات قوية وفعالة (دولة وطنية، حكم قانون، فصل سلطات) لترجمة القيم إلى إجراءات عملية قابلة للتطبيق. الدولة (النظام) هي الإطار الذي يحمي حقوق المواطنين وحرياتهم، والمواطنون لديهم مسؤولية المشاركة في النظام السياسي الذي يحمي حقوقهم.

لا يمكن للديمقراطية الليبرالية المستدامة أن تزدهر في غياب الدولة القادرة والحيادية. النظام القائم يجب أن يكون قادراً على احتكار القوة، وضمان سيادة القانون، وتقديم الخدمات المدنية الأساسية. هذا يمثل المطلب لوجود نظام منظم قبل الشروع في بناء الحريات. يظهر التحليل أن الخطر الأكبر يكمن في "الفخ السلطوي"، حيث تتمكن الأنظمة السلطوية من بناء بعض المؤسسات الاقتصادية، لكنها ترفض تأسيس "حكم القانون" الحيادي خوفاً من المساس بامتيازات النخب الحاكمة. في هذه الحالة، تفشل الديمقراطية كنظام سياسي، لأنها لا تجد الإطار المؤسسي القادر على تنظيم وحل الصراعات بشكل محايد.

الاستنتاجات الرئيسية
الأولوية الهيكلية للنظام القادر: يجب أن تسبق قدرة الدولة (استقرار المؤسسات الوطنية وحياديتها) عملية التحول الديمقراطي، وإلا فإن الديمقراطية ستتحول إلى مجرد إجراءات شكلية أو قد تفاقم الصراعات المجتمعية.

الديمقراطية كشرط للشرعية: الديمقراطية هي المصدر الأوحد المقبول للشرعية السياسية في العصر الحديث، مما يجبر أنظمة الحكم على التكيف مع قيمها (المساواة، الحرية، سيادة القانون).

حتمية التزامن: لا يوجد تسلسل عالمي موحد، بل يجب أن يكون التحول الديمقراطي نابعاً من ثقافة المجتمع ويأخذ مسار التغيير التدريجي الذي يسمح بترسيخ حكم القانون بالتوازي مع دعم نمو الطبقة الوسطى.

المراجع

"ديمقراطية - ويكيبيديا". (تاريخ الوصول). ويكيبيديا، متاح على: ar.wikipedia.org.
"أنظمة الحــكم والديمقراطية (دراسة مقارنة)". (تاريخ غير محدد). المجلة الأكاديمية الدولية للعلوم الإنسانية، متاح على: iasj.rdd.edu.iq.
"مفهوم السيادة والسلطة المطلقة فلسفة جان بودان". (تاريخ غير محدد). مجلة كلية الآداب للعلوم الإنسانية والاجتماعية، متاح على: jfhsc.journals.ekb.eg.
"الشرعية السياسية". (تاريخ غير محدد). مركز البيان للدراسات والتخطيط، متاح على: bayancenter.org.



#غالب_المسعودي (هاشتاغ)       Galb__Masudi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحالف الاستراتيجي بين الرأسمالية الريعية والثيوقراطية
- التباين الإبستمولوجي بين العلموية والماهيات الوجودية في الفل ...
- مغالطة الاحتكام إلى التقليد في العقلانية المعاصرة
- ومغالطة الاحتكام إلى التقليد العقلانية المعاصرة
- العقلنة، البيروقراطية، والاستلاب الجديد
- الفصل الثالث والثلاثون من كتاب العدم السريالي
- العلاقة بين أفول القارئ وتراجع سلطة المثقف
- الفصل الثالث عشر: من كتاب العد م السريالي-عظام الوجود ومِطرق ...
- كِتَابُ اَلْعَدَمِ اَلسِّرْيَالِيِّ
- إله سبينوزا والإله الوجودي: الجوهر المحايث ونسق الوجود
- الرأسمالية وخلق النخب الموالية
- العلاقة الجدلية بين الفن والثيوقراطية: دراسة فلسفية
- جدلية الفن والواقع: بين المحاكاة والإبداع
- النزعة البدائية والانا المثالية في تشكيل الهوية: مقاربة فلسف ...
- التضارب الأخلاقي في عصر التكنولوجيا: مقاربة فلسفية
- الكسل الفلسفي معضلة وجودية
- المسألة الهومرية: من الذاكرة الحية إلى سلطة النص
- معضلة الشر والحرب فلسفيا
- صولون: فيلسوف، وسياسي، وشاعر يوناني قديم
- جمهورية أفلاطون والمدينة الفاضلة عند الفارابي


المزيد.....




- رغم نجاح صفقات ترامب الشخصية في الشرق الأوسط.. إلا أنها لن ت ...
- -شكرًا لإعادتها في تابوت-.. عائلات الرهائن القتلى تنتقد نتني ...
- ماذا تعرف عن القرية المصرية الصغيرة التي تنتج أكثر من نصف يا ...
- وزير الداخلية الفرنسي الجديد لوران نونيز ينوي -استئناف الحوا ...
- هل اتفقت قسد مع الحكومة السورية على طريقة الاندماج؟
- مرشحة عراقية تثير الجدل بمنشور ضد برشلونة ووعد بتزويج مشجعي ...
- أشياء لم تكن تعرفها عن تطبيق الملاحظات في -آيفون-
- إيران تعدم شخصا بتهمة التجسس لصالح إسرائيل
- باكستان وأفغانستان تؤكدان على دور قطر وتركيا لتثبيت وقف التص ...
- غارديان: أطفال غزة بحاجة للغذاء والدواء ونوم دون خوف


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - غالب المسعودي - الديمقراطية كإشكالية فلسفية