أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - لبنان.. مرآة الوجع العربي وسؤال الدولة الغائبة














المزيد.....

لبنان.. مرآة الوجع العربي وسؤال الدولة الغائبة


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8498 - 2025 / 10 / 17 - 10:27
المحور: قضايا ثقافية
    


لبنانُ اليومَ يشبهُ مرآةً مشوّهة؛ صورةٌ جميلةٌ تشقّها الشقوق، فتتكسّرُ فيها المداراتُ القديمةُ للحياةِ والسياسةِ والاقتصاد. هناك، في ذلك البلد الذي كان يومًا مسرحًا للانفتاح ومدنَ الليلِ الطويلة، تتكدّسُ المشاهد: انهيارُ مؤسسات، وتآكلُ قيمٍ عامة، وتنافسٌ على صلاحياتٍ حقيقيةٍ تبدو في ظاهرها نزاعًا على السلاح، وفي باطنها صراعٌ على معنى الدولةِ ذاتها.إنّ هذا لا يخصُّ اللبنانيين وحدهم؛ فلبنانُ — بحجمهِ الرمزيِّ في الوجدانِ العربي — يرسلُ موجاتٍ تمتدُّ خارج حدوده، وتخترقُ فضاءاتِ القرارِ في محيطٍ إقليميٍ مشتعل.
سؤالُ السيادةِ هنا ليس شِعارًا يُرفعُ في مناسباتٍ رسمية، بل اختبارٌ فلسفيٌّ عملي: ما قيمةُ دولةٍ تُجزَّأُ سلطاتها؟..عندما يتحوّلُ السلاحُ إلى قرارٍ موازٍ، يصبحُ حكمُ القانونِ عرضةً للتشوّه، وتغدو النظرةُ إلى الدولةِ ككيانٍ جامعٍ متزعزعةً.إنّ تثبيتَ مبدأِ احتكارِ العنفِ الشرعي بيدِ الدولةِ ليس رغبةً بل ضرورةً تُعيدُ للحياةِ الضوءَ والانتظام، وإلّا فالبديلُ هو بقاءُ حالةِ التبعيةِ لمرجعياتٍ خارجيةٍ تفرضُ على الداخلِ قواعدَ لعبةٍ لا علاقةَ للمواطنِ اللبناني بها.هذا الخيطُ بين السلاحِ والسيادةِ هو الذي يضعُ لبنانَ في خضمِّ مفارقةٍ حادّة: إمّا أن يستعيدَ الدولةَ أدواتها، أو يظلَّ مسرحًا لتنازعٍ يُكلّفُ شعبَهُ ثمناً باهظًا.الانهيارُ الاقتصاديُّ الذي رافقَ السنواتَ الأخيرة لم يكن حادثةً منفصلة، بل نتيجةُ تراكماتٍ سياسيّةٍ وهيكليّةٍ جعلت من لبنان حالةً استثنائيةً في العالم العربي من حيث عمق الأزمة وتأثيرها على الناس: هروبُ رؤوسِ الأموال، وانهيارُ العملة، وتراجعُ الخدمات العامة جعلَ من البقاءِ اليوميِّ عملةَ تفاوضٍ مرّة.هذه الضرباتُ الاقتصاديةُ لم تَحِدْ عن كونها إضعافًا لقدرةِ لبنان على أن يكون لاعبًا فاعلًا أو مرجعًا إقليميًا؛ فكلّما تدهورت أوضاعهُ الداخلية، زادَ احتمالُ عزلتِه أو استغلاله كحقلٍ للضغطِ وساحةٍ للصراعاتِ بالوكالة.ولا ينفصلُ البُعدُ الأمنيُّ عن البُعدِ النفسيِّ والسياسيّ؛ فالتصعيداتُ المتكرّرةُ على طولِ الحدودِ الجنوبيةِ وتبادلُ الضرباتِ بين الفصائلِ والقوّاتِ المجاورةِ لا تكلّفُ الجغرافيا وحدها، بل تتركُ ندوبًا في الوعيِ العام، وتُغيّرُ حساباتِ الفاعلين المحليين والإقليميين.
إنّ كلَّ غارةٍ تُنفَّذُ، وكلَّ صاروخٍ يُطلَق، يُذكّر بأنّ لبنانَ لم يخرج بعدُ من دائرةِ الضعفِ التي تسمحُ للدولِ والإداراتِ الخارجيةِ بالتدخّلِ في شؤونهِ عبرَ منافذَ لا تمسُّها سيادةٌ حقيقية.
تأثيرُ لبنانَ على الواقعِ السياسيِّ العربيِّ ليس في حجمهِ الجغرافي، بل في رمزيتهِ العميقة: هو مختبرٌ للتنوّعِ الطائفيِّ والثقافيِّ والسياسي، ولذلك فإنّ أيَّ تزعزعٍ فيه يُولّدُ قلقًا إقليميًا.الأسواقُ القريبةُ تشعرُ بذبذباتِ الخوف، والاستثماراتُ تتراجعُ، والمؤسساتُ الإقليميةُ تُعيدُ رسمَ خرائطِ المخاطر.
دروسُ لبنان الاقتصادية والسياسية تُنذرُ بأنّ انهيارَ أيِّ بلدٍ يملكُ شبكةَ علاقاتٍ تاريخيةٍ في المنطقة يمكن أن يتحوّلَ إلى عدوىٍ صغيرةٍ تُعيدُ رسمَ توازناتِ القوةِ في الشرق الأوسط.
لكنّ الرؤيةَ الفلسفيةَ هنا لا تقبلُ الاستسلامَ لليأس: فالأزمةُ، مهما بلغت، تكشفُ عن الإمكاناتِ والفرصِ معًا.إنّ إعادةَ تكوينِ الدولةِ لا تبدأُ بمخططاتٍ فنيةٍ أو وعودٍ دوليةٍ، بل بانضاجٍ داخليٍّ يُعيدُ مصلحةَ المواطنِ إلى مركزِ المعادلة.المسألةُ أخلاقيةٌ قبل أن تكون تقنية: هل نريدُ دولةً تُحمي الناس، أم منظومةً تُعيدُ إنتاجَ مصالحِ القوى المتصارعة؟
أين يكمنُ العقدُ الاجتماعيُّ الجديد؟ وهل يمكنُ أن يستعيدَ لبنانُ مكانتَه الثقافيةَ والاقتصاديةَ إذا ما تحرّرَ القرارُ من ازدواجيةِ القوى، وعادَ الأداءُ السياسيُّ إلى جوهرِه الوطنيّ؟..الخلاصُ السياسيُّ يحتاجُ إلى جرأةٍ في اتخاذِ القرار، وحكمةٍ في توزيعه، ورؤيةٍ لا تُقصي أحدًا، لكنها لا تُجامِلُ ضعفًا.إنّ مصالحةَ الداخلِ مع ذاته، وحسمَ مسألةِ السلاحِ لصالحِ مؤسساتٍ قادرةٍ على حمايةِ السيادة، وإطلاقَ برامجِ إنعاشٍ اقتصاديٍّ تحمي الفئاتِ الأضعف، ليست أحلامًا طوباوية، بل خطواتٍ صعبةً ممكنةً إن تبنّاها لبنانُ بصوتٍ واحدٍ لا بصدى الانقسامات.في النهاية، يبقى لبنانُ بالنسبةِ للعربِ ليس مجرّدَ حالةٍ طارئة، بل اختبارًا لمفهومِ الدولةِ الجامعةِ في زمنِ الوكالاتِ والمصالحِ العابرةِ للحدود.فإذا تعلّمتِ المنطقةُ من مآسيه، فقد تتحوّلُ تجربةُ لبنان المؤلمةُ إلى درسٍ يُعيدُ تشكيلَ فهمِ السيادةِ والاقتصادِ والأمنِ في عالمٍ ما بعد الارتباك.
وإلّا، فستبقى صورةُ ذلك البلدِ في وجدانِ العربِ مرآةً لما كنا نخشاه: أن تنهارَ المؤسساتُ قبل أن تنهارَ الكلمات.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذيولُ والبندقية: مهرجانُ الطوائف في بلادٍ لا تبرح أن تكون ...
- يا امرأةً تمشي على حرير الغواية
- الغيرة الشريفة... فلسفة النقاء في زمن الابتذال
- الشرق الأوسط بين إعادة التوازن وتفكيك النفوذ الإيراني
- في ذكرى المجزرة..مدرسة بلاط الشهداء وجريمة إيران
- العراق.. حلم اللقاء المتحقق في مرايا النفط والسياسة
- عطرُ حضوركِ
- ريما… الجنون الذي أحببتُه بلا حدود
- اعذريني يا بنت الحرير-
- سامي آغا شامي الجيزاني.. ابن البصرة الذي كتب المنافي على جدا ...
- العراق.. جمهورية الجسور المكسورة
- حين بدأ الحب يتفتّت بصمت
- لماذا نجعل دائمًا من هزائمنا انتصارًا؟
- -الخنجر المتكرر… سردية الغدر عبر العصور-
- غزة: أنين الروح المحاصرة
- أنتخبهم… حتى يُباع الوطن في سوق الوهم
- البستان الذي ينام في الخراب
- ريما...
- حين يتكلّم الركام ويصمت العالم
- عندما تعزف طبول الحرب لحن الفلسفة


المزيد.....




- رغم نجاح صفقات ترامب الشخصية في الشرق الأوسط.. إلا أنها لن ت ...
- -شكرًا لإعادتها في تابوت-.. عائلات الرهائن القتلى تنتقد نتني ...
- ماذا تعرف عن القرية المصرية الصغيرة التي تنتج أكثر من نصف يا ...
- وزير الداخلية الفرنسي الجديد لوران نونيز ينوي -استئناف الحوا ...
- هل اتفقت قسد مع الحكومة السورية على طريقة الاندماج؟
- مرشحة عراقية تثير الجدل بمنشور ضد برشلونة ووعد بتزويج مشجعي ...
- أشياء لم تكن تعرفها عن تطبيق الملاحظات في -آيفون-
- إيران تعدم شخصا بتهمة التجسس لصالح إسرائيل
- باكستان وأفغانستان تؤكدان على دور قطر وتركيا لتثبيت وقف التص ...
- غارديان: أطفال غزة بحاجة للغذاء والدواء ونوم دون خوف


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - لبنان.. مرآة الوجع العربي وسؤال الدولة الغائبة