|
أشخاص عاينوا الموت
أسبوعية المشعل المغربية
الحوار المتمدن-العدد: 1830 - 2007 / 2 / 18 - 05:23
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
كل عام يعود المئات من غيبوبتهم، محملين بآلاف القصص الغريبة بعد رحلة استثنائية في عوالم ما بين الحياة والموت، حياة أشبه بالبرزخ، قد يختلط فيها الواقع بالحلم أو الخيال، وقد تُنْسَجٌ في رحابها قصص دون قصد من أصحابها، بل يجدون أنفسهم داخل أحداثها بعدما واجهوا الموت، بدم بارد، إن لم نقل ذاقوا سكراته الحتمية؛ في هذا الباب حاولنا التنقيب عن أولئك الذين وجدوا أنفسهم وجها لوجه مع الموت، وركبنا وإياهم زورق البوح للإبحار في عالم ميتافيزقي غريب، بغية الوصول إلى أفق تنكشف فيه الرؤى وتستشف فيه الأنفس مآربها المتمثلة في إيجاد أجوبة لأسئلتها الصعبة، ليبقى السؤال الذي عجز العلماء عن تفسير حيثياته ملوحا في الأفق البعيد، هو: ما الذي يحدث بين الحياة والموت؟ المشعل تنبش في ذاكرة أحياء عاشوا تجربة الموت فاطنة" المرأة التي قضت أسبوعا كاملا في مستودع الأموات أحيانا يجد المرء الذي انتشله القدر من موت محقق عبر حادث ما، أن الأيام التي يعيشها مجرد ربح أو هبة حباه الله بها، كما قد تجده سجين ذكريات أليمة حفرت أخاديدا عميقة في دواخله أو أنه أسير صور تولدت إثر خطأ لتشيخ في صدره مع مرور الوقت، خصوصا إذا كان المعني بالأمر قد واجه الموت رفقة ذويه وأهله أو أن ظروفا خارجة عن دائرة حساباته قادته صحبة أصدقائه وخلانه إلى الغوص في عوالم الموت التي تمتزج فيه الألوان والأشكال، ليجد نفسه وحيدا يلوك أنينه أو يتحسس أعضاءه بين الأجساد الآدمية متناثرة الأطراف وسط برك من ا لدم المختر الذي ارتشفت الأرض أمصاله بسخاء، فهناك حالات كثيرة تملصت من الحدث (الموت) بأعجوبة، كما لا زالت العديد من نقاط الاستفهام تحملهم لطرح الأسئلة حول الكيفية التي أمّنت لهم العيش مرة ثانية، في أواسط التسعينيات من القرن الماضي، وجدت فاطنة بلخطاب نفسها داخل غرفة الإنعاش بمستشفى محمد الخامس بالجديدة، محفوفة بروائح نتنة تميل إلى العفن منبعثة من جسدها المليء بالكسور والجروح،، كانت أسمالها الممزقة شاهدة على أنها تعرضت لحادث عنيف رمى بها على جنبات طريق معشوشبة، حتى أن دمها الذي امتزج بالتراب تحجر فوق ثيابها مما زاد من حجم معاناتها، خصوصا لما أفاقت من غيبوبتها التي امتدت أسبوعا كاملا، كانت فاطنة القادمة من مدينة اليوسفية على متن سيارة أجرة تجد صعوبة في التنفس، داخل فضاء الطاكسي الضيق، خصوصا أنها استقلته رفقة خمسة ركاب قادمين من هناك، كانت وجهتها دوار العمامرة، حيث منزلها المحاذي للطريق المؤدية إلى "أربعاء العونات"، تقول فاطنة "لازلت لا أذكر ماذا وقع آنذاك، كنت شاردة الذهن، في لحظة سهو عميقة، حتى تصاعد صياح الركاب من حولي لتمتص أضلعي صدمة قوية لم أعرف مصدرها، انتقلت فجأة إلى عالم يسوده هدوء تام، عالم شاسع لا نبات فيه، ولا بشر، به الألوان غير الألوان، لم تخفني وحشة المكان، وإنما أحسست بالخلود، كانت المشاهد هناك أشبه بالأحلام، تتغير فيها الفضاءات وتتعدد الأزمة في آن واحد، عشت هناك ردحا من الزمن، صادفت أناسا من مختلف الأجناس، في لحظة ما وجدت نفسي مستلقية تحت ظلال شيء ما، ينبعث منه بين الفينة والأخرى ضوء قزحي شفاف، لأسمع صوتا ما يناديني "فاطنة، فاطنة"، أحسست حينها أن العالم الرائع الذي اخترقته منذ مدة أخذ يتملص من جسدي رويدا وريدا، وكانت صوره البديعة كلما ابتعدت إلا وأحسست بألم ما في أطرافي، وهكذا حتى وجدت نفسي أمام أضواء كاشفة، وقد تحلقت حولي بعض الممرضات، اللواتي بذلن جهدا لإنقاذي، وعلمت فيما بعد أني قضيت أسبوعا داخل مستودع الأموات، وسبب إنقاذي هو أن إحدى الممرضات كانت ترافق رجلين للتعرف على متغيب يظنون أنه ضمن الموتى في المستودع، ليلفت انتباهها أنين خفيف منبعث من إحدى الصناديق"، كانت فاطنة تجد صعوبة في استدراك أيامها الصعبة تلك، فبعد أن عثرت عليها إحدى الممرضات، حملتها الدهشة والاستغراب إلى التوجس من حالتها، إلا أنها أخبرت الطاقم المشرف على مثل هذه الحالات ليتم حملها إلى غرفة الإنعاش.. تضيف فاطنة " لقد توفي كل من في سيارة الأجرة بمن فيهم سائقها، حتى أنهم لم يجدوا أمتعتي التي تحتوي على بطاقتي الوطنية، لكن ما آلمني هو أنهم لم يتعرفوا على هويتي إلا بعد مرور عشرة أيام". وهناك العديد من أمثال فاطنة الذين واجهوا الموت بدم بارد، فمنهم من وجد نفسه على مشارفها ومنهم من ولج عوالمها ليعود من حيث أتى إلى دروب الحياة المتشابكة، محملا بصور غريبة لا يفك شفراتها إلا من عاش نفس التجربة. تجارب بعض العائدين من الموت "ملي عرفتها الموت، شهدت واستسلمت" "ملي عرفتها الموت، شهدت واستسلمت"عبارة أطلقها علي (طالب جامعي، 22 سنة) مصحوبة بتنهيدة، تمددت بحجم السنوات التي مرت على الفاجعة، عاد بذاكرته سنتين إلى الواء، حين حملته رغبته إلى ركوب الأمواج والغوص في مياهها الدافئة، غير آبه لخطورة شاطئ "عين الذئاب" بالدار البيضاء الذي ابتلعت تياراته المئات دون التمييز بين الجنسين، وكذا أعمارهم؛ ففي صيف 2004 تأبط علي حقيبته رفقة أصدقائه، وتوجهوا مشيا على الأقدام إلى الشاطئ، طيلة المسافة الفاصلة بين المدينة القديمة و"عين الذئاب" التي مارس خلالها علي وأصدقاؤه شغب الشباب، المفعم بالحيوية، كان صديقه عادل يحمل آلة تسجيل على كتفه تنبعث منها أغنية للشاب خالد " من وهران لمارساي". يقول علي "بعد أن أخذت حمام شمس على رمال الشاطئ قررت أن أعانق البحر، كان مكتظا بعشاق السباحة، وشيئا فشيئا أخذت مكاني بينهم، كنت أحس أن شيئا ما يجذبني إليه، حتى أن خطواتي المثقلة أخذت تتسارع إلى الأمام وكأنها تهرول إلى المجهول، فما إن التفت خلفي حتى أصبت بالدهشة، واعتراني خوف شديد لكوني ابتعدت بحوالي ستة أمتار عن الأجساد التي تسبح بحذر، فرغم أني أجيد السباحة، إلا أن دقات قلبي المتسارعة وكذا إصابتي بتشنج عضلي على مستوى قدمي (كلاكاج) حال دون عودتي أو حتى التجديف للخروج إلى بر الأمان، حاولت الصراخ إلا أني تنفست الماء بحجم رئتاي وأصبت بسعال حاد وسط مياه البحر المالحة، جحظت عيناي ولم أعد أرى سوى البياض، كنت أصرخ بشدة، لكن لا أحد يسمع، في لحظة ما أحسست أني ولجت عالما آخر "يستدرك علي الذي رحلت به ذاكرته إلى عالم غيبي يختلط فيه الواقع بالخيال أو الغرابة إن لم نقل عالما ميتافيزيقيا مليئا بصور غير صور الحياة المادية، يضيف علي " في اللحظة التي كنت أترنح فيها وسط المياه، استرجعت شريط حياتي، بأدق تفاصيله إلى آخر لحظة امتلأت فيها رئتاي بمياه البحر المالحة، لأشعر أني أغط في نوم عميق، كنت كمن عاش ألف عام أو أكثر، رأيت أشياء غريبة والتقيت بأناس كنت قد رأيتهم في صغري، جالست جدي الذي توفي قرابة عشر سنوات، وسط هذا الهدوء التام، أحسست بألم شديد في بطني، ما إن ينجلي حتى يعود من جديد، سعلت ثم فتحت عيناي بصعوبة لأرى حولي أجسادا عارية، أدركت أنهم مسعفون من فرقة الوقاية المدنية، كان أحدهم يضغط على بطني بكل ما أتاه الله من قوة. لقد ذقت الموت، بل ولجت عالمه الغريب، أيقنت ساعتها أن هناك حياة أخرى بعد الموت، لكن ما استغربت له هو أن المدة بين الغرق والإنقاذ لم تتعد سوى خمس دقائق حسب ما صرح لي به أحد أصدقائي، لكنني عشت سنوات طوال في غيبوبتي أو موتي إن صح التعبير. العقرب أو المفتاح إلى العالم الآخر وهناك حالة أخرى تتقاطع مع حالة علي، إلا أنها تختلف عنها شيئا ما اعتبارا لخصوصيتها واختلاف فضائها، ففي صيف 2000، وجد محمد نفسه مضطرا للاستيقاظ من نومه العميق، فقد تذكر أن الأبقار في "الكوري" لم يأخذوا نصيبهم في العلف، آنذاك توجه نحو مستودع أوراق الشمندر، وحمل منه مقدار ما ضمت يداه، لم يمض سوى خطوتين حتى أصيب بلدغة عقرب سوداء من النوع الذي يحتوي ذيلها على سبعة عقد، أحس حينها بما يشبه فيالق من النمل تدب عبر أوردة ذراعه النحيف، توجه نحو منزله الذي يبعد عن المستودع بحوالي 10 أمتار وأيقظ أهله، ليستفيقوا على هول الفاجعة التي ألمت بمحمد، سارع والده إلى ربط ذراعه بمنديل والدته ثم سارع أخوه إلى إعداد العربة لنقله إلى المستوصف الذي يبعد بحوالي 15 كيلومتر لكن عمه أصر على أن يخضعوا مكان اللدغ لغاز القنينة الذي قد يحدث برودته وقفا في انتشار سم العقرب، بعد ذلك حمله أخوه رفقة والده إلى رجل مشهور بينهم في علاجه لدغات العقارب، فور وصولهم إليه حمل هذا الأخير شفرة حلاقة وأخذ يمزق مكان اللدغ، فتارة يمتص الدم من ذراعه وتارات أخرى يحدث جروح عميقة على مساحة ذراعه، حتى فقد محمد وعيه، يقول عبد الله (أخ محمد) بدا وجهه أزرقا، فيما درجة حرارته انخفضت، ليصبح جسمه النحيف شديد البرودة، حملته على وجه السرعة إلى منزل "بوشعيب" الذي يمتلك شاحنة، ثم توجهنا نحو "فيلاج أحد ولاد فرج" حيث المستوصف الذي يعالج مثل هذه الحالات، وهنا يصف محمد تجربته مع الموت المحقق، "لقد فقدت الإحساس بالأشياء التي تملأ فضاء الأمكنة التي انتقلت إليها، كان السكون يخترقني شيئا فشيئا، بدءا من أخمص قدمي إلى رأسي الذي كان بردا كجليد. ثم فجأة وجدت نفسي في فضاء مخالف تماما عن "فضاء الدوار"، لقد رأيت نفسي جثة هامدة على سرير في مستوصف "أحد ولاد فرج" ورأيت أسرتي وهي تتساءل عن مصيري، حاولت التحدث إليهم، لكن لا أحد يسمعني، ثم أحسست بأن قوى الجاذبية لا تنطبق على جسمي النحيف، لقد عشت لحظات لا أظن أني سأعيشها في حياتي إلا عندما ألج عالم الموت، وفي إحدى اللحظات أحسست بدفء ما يتخلل جسدي، ليخترق مسمعي صوت والدتي التي كانت تنوح وتنذب حظي التعيس، حاولت النظر لكن عيناي كانتا مثقلتين". لقد توحد محمد في تجربة الموت، مع باقي الحالات التي صادفنها، فكلهم أقروا أنهم عاشوا حياة أخرى خيالية أقرب إلى الواقع، خصوصا أنهم تحسسوا الأشياء التي صادفوها في رحلتهم تلك، غير أن هذه الحالات تستدعي دراسات معمقة للوقوف على مادية هذه الحياة الغيبية، وبالتالي إنتاج تفسير علمي لظاهرة العيش في حيز شاسع مليء بالصور والمحطات المختلفة بين الحياة والموت. بوجمعة "الله يسمح لي شفت جهنم حقيقية" لازال ذاك اليوم موشوما في ذاكرتي، أتذكره كلما وجدت نفسي شارد الذهن، ففي شهر رمضان الكريم (سنة 1997) أفقت من نوم عميق على الساعة الرابعة بعد الزوال، كانت ساعتان فقط تفصلنا عن آذان المغرب، سمعت آنذاك والدتي تحدث أختي عن طهو السمك، وكذا الإعداد لمائدة الفطور، ثم عدت إلى مضجعي لأن الصوم بلغ بي أشده، استغرقت في النوم، إلا أنني استيقظت مرة ثانية على صوت والدتي التي كانت تحاول إيقاظي قائلة "نوض أولدي البوطا غاز غادة تفرقع"، نهضت بسرعة متوجها نحو المطبخ، لأجد الغاز منبعثا من القنينة بكمية هائلة، أشبه بفوهة بركان، اندلع فجأة. لم أتردد في حمل قنينة الغاز إلى الخارج، أحسست بهستيريا عميقة، كنت ساعتها أرى باب المنزل الذي لا يفصلني عنه سوى أربعة أمتار خلاصا لعائلتي، غير أني لم أنتبه إلى قنينة غاز أخرى كانت قرب الباب، كانت والدتي قد أعدت على لهيبها قدرا من "الحريرة". وكان همي آنذاك هو أن أخرج القنينة الأولى إلى زقاق الحي، غير أني لم أنتبه إلى قنينة الغاز الثانية، فما إن مررت بجانبها حتى اندلعت النيران في المنزل بكامله بحكم الغاز الذي تسرب في أرجاء البيت، إلى درجة أن ضغط النار أحدث رجة كبرى في المنزل، أغلق على إثره الباب الذي كنت أرى فيه الخلاص لباقي الأسرة، تسمرت في مكاني وقلت في نفسي هذا آخر يوم في حياتي، حتى أن النار اندلعت في ثيابي وظهري وامتدت إلى وجهي ثم كل أطرافي، كنت كمن يسبح في وعاء من النار، كان الصياح يتعالى من روائي، لم انتبه إلى وجود أختي وكذا حماة خالي التي زارتنا في ذاك اليوم، كان اعتقادي آنذاك أني إن رميت القنينة الملتهبة بين يدي سيحدث انفجار قد ينهار بسببه المنزل، وأول ما تذكرته آنذاك هو رؤية، كنت قد شاهدتها في يقظتي قبل يومين من وقوع الحادث، وهي أني رأيت نفسي في منطقة الواليدية بمدينة الجديدة أحمل على ظهري قنينة الأدوية التي يعالج بها الفلاحون النباتات ويرشون بها الحشرات لإبادتها، ورأيت أن تلك القنينة التي تحتوي على مبيد للحشرات قد انفجرت فوق ظهري، ساعتها أيقنت أن الرؤية تحققت، وما علي إلا أن أنطق الشهادتين، التفت ورائي فإذا بحماة خالي شبه متفحمة، بينما أختي هي الأخرى تعاني من حر ألسنة النار التي حفت كل من في المنزل، وما هي إلا لحظات حتى رميت القنينة من يداي اللتان تورمتا لتتدحرج القنينة إلى الوراء، ساعتها أيقنت أنها النهاية، لم يعد يفصلني عن الموت إلا دقائق معدودات خصوصا أني فقدت الحركة، وما هي إلا عشر ثواني على أبعد تقدير حتى دوى انفجار ضخم اقتلع على إثره باب المنزل، لأجد نفسي محمولا في الهواء رفقة أختي وحماة خالي حتى اصطدمنا بحائط المنزل المجاور لبيتنا، بعد ذلك توجهت نحو بقال بحينا وجلست أمامه، كان المارة يعتقدون أن أحد ما أفرغ علي كيسا من الدقيق، لأن لون جسدي كان أبيض بفعل الحروق البليغة التي أحدثتها النيران آنذاك وما حز في نفسي هو تأخر سيارة الإسعاف التي كان من المفروض أن تأتي على وجه السرعة فور تلقيها نبأ الحادثة، وبعد أن تم نقلنا إلى مستشفى ابن رشد بالدار البيضاء، توجه نحوي رجال الشرطة يستفسرون عن أسباب الفاجعة، أما أختي فقد تعرضت للإهمال إلى درجة أنها فقدت لحم ساقيها مما استدعى الأطباء هناك إلى زرع لحم ظهرها لتعويض ما ضاع من ساقيها، أما حماة خالي فقد توفيت بعد يومين. والدتي هي الأخرى لم تسلم من لهيب النار التي حصدت متاع المنزل بكامله، لازالت تلك المشاهد الرهيبة تجثم في مخيلتي، كيف لا وقد دخلت عالم الموت من أبوابه الواسعة " الله يسمح ليا شفت جهنم حقيقية" وهنا سأعترف بشيء ظل منذ وقوع الحادث ينخر في جسدي "كليت رمضان الله يسمح ليا"، لم أصم يومين، وسبب ذلك هو أنني رأيت بعض شباب الحي يأكلون في واضحة النهار، وقلت في نفسي ما الفرق بيني وبينهم، إنهم يتميزون بصحة جيدة ومع ذلك لم يصدر في حقهم أي عقاب إلاهي كما يتداول الناس في مابينهم، حتى أن أحد أصدقائي بعدما اكتشف أمري قال لي "ما غديش يدوز عليك العام حتى يخرج فيك رمضان" وبالفعل أول ما تبادر إلى ذهني وأنا أغوص في ألسنة النيران أن العدالة الإلهية تحققت، ساعتها أدركت أنها النهاية ولو لا نطقي بالشهادتين لتفحمت جثتي وأصبحت ذكرى يتداولها شباب الحي، لكن ما خفف من معاناتي وانا ملقى على سرير طبي بمستشفى ابن رشد هو أن حادثتي تزامنت مع حادثة "مليكة سرسري" تلك الشابة التي صب عليها عشيقها البنزين وأضرم فيها النار دون شفقة، كانت تزورني بين الفينة والأخرى، لقد وجدت فيها صدرا رحبا اتسع لامتصاص معاناتي وتحويلها إلى أمل في العيش، كان الخوف يتملكني، اعتقدت أن وجهي سيحمل تشوهات أبدية جراء الحروق البليغة التي ألمت به، لكنها كانت تواسيني وتزرع الأمل الذي كانت هي نفسها قد فقدته، من حسن الصدف أن صالتها كنت تجاور صالتي، وكانت تزوروني دون قناع، أدركت فيما بعد أنها كانت تحاول أن تكسر كل الحواجز التي قد تمنع التواصل فيما بيننا، وكانت تقول لي "يجب عليك أن تشكر الله كثيرا، أنظر ماذا حدث لي، فآلامي تضاعف آلامك، لكنني أحمد الله عز وجل"، فرغم أن قضيتها أحدثت ضجة في البلاد، وتم تداولها في وسائل الإعلام إلا أنها نبهت القناة الثانية التي زارتها في صالتها على وجود شاب في الصالة المجاورة يعاني من حروق بليغة جراء انفجار قنينة الغاز، لترافق طاقم القناة للوقوف على حالتي، لقد تعاطف مع عائلتي العديدون، فقد أصدر عامل عمالة سيدي عثمان، آنذاك أوامره على تتبع حالتي، إلا أن ذلك لم يتم، وكان بعض المحسنين، وكذا المتعاطفين هم من تولوا رعاية العائلة، حتى أن شركة التأمين حملتنا المسؤولية، بدافع أننا لم نحترم شروط إشعال قنينة الغاز، فمن السخرية أن يقولوا أننا لم نحترم المسافة الفاصلة بين القنينتين المتمثلة في أربعة أمتار، فقد كان حريا أن يروجوا عبر وصلات الإشهار في حملات توعية كيفية استعمال قنينة الغاز وكذا الشروط المؤدية إلى عدم حدوث ما لا يحمد عقباه، لا أن تحملنا شركة التأمين المسؤولية.
#أسبوعية_المشعل_المغربية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التغطية الصحية للفنانين المغاربة
-
هل هي بداية التخلي عن الأغلبية الحكومية؟
-
هل يتدخل الملك لإلغاء تعويضات الوزراء السابقين
-
كيف تورط الحكومة الملك
-
هل تراهن الإدارة الأمريكية على الانتخابات المغربية المقبلة؟
-
محمد الكحص
-
العلاقات المغاربية – الفرنسية
-
فضاء المظالم
-
الزعامة السياسية وحقيقة الديمقراطية الحزبية
-
إدريس بنزكري أو -أبو منجل- المناضل الذي فضل الالتزام السياسي
...
-
حوار مع المخرج محمد الكغاط
-
رحمة بأبناء الوطن
-
الفساد الانتخابي
-
أسماء بعض الجن: مازر، كمطم، طيكل، قسورةاستخراج الكنز حقيقة أ
...
-
هل من حق المغاربة معرفة الحياة الخاصة للملك؟
-
مائة عدد من -المقاومة- وصنع المستحيل
-
حكمت عليها الظروف.. تشرب الكاس وترضي الخواطر
-
عبد الله الحريف الكاتب العام لحزب النهج الديمقراطي ..لابد لك
...
-
ثقافة التكريمات بالمغرب
-
هل تاريخنا يعيد نفسه؟
المزيد.....
-
سحب الدخان تغطي الضاحية الجنوبية.. والجيش الإسرائيلي يعلن قص
...
-
السفير يوسف العتيبة: مقتل الحاخام كوغان هجوم على الإمارات
-
النعمة صارت نقمة.. أمطار بعد أشهر من الجفاف تتسبب في انهيارا
...
-
لأول مرة منذ صدور مذكرة الاعتقال.. غالانت يتوجه لواشنطن ويلت
...
-
فيتسو: الغرب يريد إضعاف روسيا وهذا لا يمكن تحقيقه
-
-حزب الله- وتدمير الدبابات الإسرائيلية.. هل يتكرر سيناريو -م
...
-
-الروس يستمرون في الانتصار-.. خبير بريطاني يعلق على الوضع في
...
-
-حزب الله- ينفذ أكبر عدد من العمليات ضد إسرائيل في يوم واحد
...
-
اندلاع حريق بمحرك طائرة ركاب روسية أثناء هبوطها في مطار أنطا
...
-
روسيا للغرب.. ضربة صاروخ -أوريشنيك- ستكون بالغة
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|