أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد بسام العمري - الحلم العربي














المزيد.....

الحلم العربي


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8498 - 2025 / 10 / 17 - 07:46
المحور: قضايا ثقافية
    


إنّ الحلم العربي ليس مجرد رغبة رومانسية أو حنينٍ إلى ماضٍ زاهر، بل هو ظاهرة فكرية واجتماعية عميقة تُجسّد توق الإنسان العربي إلى الخلاص من الجمود، وبحثه الدائم عن المعنى والكرامة والحرية. هذا الحلم الممتد عبر العصور، يتجاوز السياسة والاقتصاد ليغدو رؤية حضارية شاملة، تتفاعل فيها عناصر العقل والعاطفة، المادة والروح، الفرد والمجتمع، في معركة متواصلة بين الأمل واليأس، بين النور والظلام.
فمنذ فجر التاريخ، حين سعى الإنسان الأول إلى بناء المدينة الأولى، ظلّ الحلم رفيقًا لتطوره؛ فالعلوم الاجتماعية ترى أنّ الحلم الجمعي هو جوهر الوعي الحضاري، لأنه يجمع بين الخيال والإرادة، ويحوّل التمنّي إلى مشروع. أما الفلاسفة، من أرسطو إلى هيغل، فاعتبروا أنّ نهضة الأمم تبدأ من فكرة، وأن الفكرة لا تحيا إلا إذا سكنت ضمير الجماعة وتحولت إلى سلوك أخلاقي مشترك. وقد أشار ابن خلدون في مقدمته إلى أنّ عمران البشر لا يقوم إلا على التعاون، وأنّ غياب العصبية الصالحة يُفضي إلى الانحلال والضعف. وهذا ما يعانيه العالم العربي اليوم، حيث ضعف التضامن وتشتت الغاية وانحسار الثقة بين الحاكم والمحكوم.
أما العلوم الحديثة، فيربط علم الاجتماع بين انهيار القيم وتراجع التنمية، مؤكدًا أن أي مشروع نهضوي يحتاج إلى نظامٍ أخلاقيٍّ متينٍ يحكم العلاقات الاجتماعية والسياسية. فدوركهايم رأى أنّ الأخلاق هي «الإسمنت الذي يربط المجتمع»، بينما عدّ ماكس فيبر أنّ القيم الداخلية — لا الموارد الخارجية — هي المحرك الأساسي لتقدم الأمم. ومن هنا تبرز أهمية الإنسان العربي بوصفه الكائن المسؤول عن تجديد ذاته، لا مجرد ضحيةٍ للظروف أو التاريخ. فالفكر الإنساني برمّته، من أفلاطون الذي حلم بجمهوريته الفاضلة إلى محمد إقبال الذي دعا إلى يقظة الروح في الشرق، يجتمع على حقيقة واحدة: أنّ التغيير يبدأ من الداخل، من وعي الفرد بذاته وقدرته على تجاوز الضعف إلى الفعل الخلّاق.
لكنّ الحلم العربي اليوم يعيش بين مطرقة الواقع وسندان الطموح؛ بين أزمات اقتصادية متراكمة، وانقسامات سياسية عميقة، واغترابٍ اجتماعي يجعل الإنسان يشعر وكأنه غريب في وطنه. ومع ذلك، فإنّ التجارب التاريخية تؤكد أن الشعوب لا تموت بالحروب أو الفقر، بل تموت حين تفقد الإيمان بذاتها. لقد نهضت أوروبا من دمار الحربين العالميتين حين استثمرت في التعليم والعقل والعلم، ونهضت اليابان من رماد هيروشيما بفضل ثقافة العمل الجماعي والانضباط الأخلاقي، وتعافت رواندا من مذابحها المروّعة بفضل مشروعٍ وطني قائم على المصالحة والعدالة. هذه النماذج تُثبت أن الحلم لا يتحقق بالخطابات، بل بالإرادة المشتركة، وبترسيخ الثقة بين الأفراد والجماعات، وبجعل العلم والأخلاق جناحين للتحرر.
وفي العالم العربي، تظلّ بذور النهضة كامنة رغم العواصف؛ في عقول الشباب الذين يؤمنون بالبحث العلمي والتكنولوجيا، وفي مبادرات المجتمع المدني التي تسعى لترسيخ قيم المواطنة، وفي الفن الذي يُعيد للإنسان إحساسه بالجمال والكرامة. إنّ الإنسان العربي، حين يدرك أن التغيير لا يُفرض من فوق بل يُبنى من القاعدة، سيستعيد قدرته على الحلم، لا كترفٍ ثقافي، بل كفعلٍ تحرريٍّ يرسم ملامح المستقبل.
لقد قال المفكر الجزائري مالك بن نبي: "الأمم تُبنى حين تتحول الأفكار إلى قوةٍ اجتماعية"، وهذه هي المعادلة الكبرى التي على العرب أن يفهموها؛ فالفكرة وحدها لا تكفي إن لم تجد مجتمعًا يصدّقها، وإن لم تتحول إلى ممارسةٍ في التعليم والإدارة والسياسة والفن.
إنّ الحلم العربي ليس نقيض الواقع، بل تجاوزه الإيجابي؛ إنه رؤية تسعى لدمج الأصالة بالمعاصرة، والروح بالعلم، والماضي بالمستقبل. قد يبدو الطريق طويلًا، لكنّ مسيرة ألف ميل تبدأ بخطوة، والخطوة الأولى هي الوعي. حين يفهم الفرد أنّ مسؤوليته لا تتوقف عند حدود ذاته، وحين تؤمن الجماعة بأنّ خلاصها لا يتحقق إلا بالتضامن، يصبح الأمل طاقة واقعية لا مجرد حلم عابر.
لقد أثبت التاريخ أن الشعوب التي توحدت حول فكرة كبرى استطاعت أن تنهض رغم القهر والاستعمار، كما فعلت الجزائر في ثورتها المجيدة، وكما فعلت شعوب آسيا وأمريكا اللاتينية حين حولت المقاومة إلى مشروع تنمية. إنّ داخل كل إنسان عربيٍّ مشروع نهضةٍ صغير ينتظر أن يُوقظ فيه الإيمان والعزيمة، فكل فكرٍ صادقٍ، وكل مبادرةٍ نزيهةٍ، وكل ضميرٍ حيٍّ هو لبنة في بناء الغد.
وفي نهاية المطاف، يظلّ الحلم العربي حيًّا ما دام في القلوب نبض وفي العقول وعي. فالتاريخ لا يرحم الأمم التي تفقد حلمها، لكنه يجازي الذين يتمسكون به ويصوغونه من جديد بإرادةٍ مستنيرة تجمع بين العلم والأخلاق والعمل. كما قال ابن رشد: "العلم إمام العمل، والعمل تابعه"، فحين يتصالح العقل مع الضمير، ويتعاون الفرد مع الجماعة، ويصبح الحلم مشروعًا وطنيًا مشتركًا، يمكن أن تشرق من جديد شمس النهضة على أرض العرب، وتزهر في ترابهم شجرة الأمل التي لم تمت يومًا، بل تنتظر من يسقيها بإيمانٍ وفعلٍ وصدق



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ-
- أغاني الفراق- و -خيوط الأحلام المنثورة-
- حين يفكر القلب ويتكلم الجمال
- الوعي الإيكولوجي الإفريقي الجديد — حين تتحدث الأرض بذكاء الإ ...
- قهوة فيروزية وحكاية لم تنتهِ
- النهضة الخضراء في إفريقيا — بين صرخة الأرض وذكاء المناخ
- قائمة الموتى
- نهضة الجسد والعقل والذاكرة
- ما بعد الصرخة
- : العقل الإفريقي بين الطباشير والسحابة
- «الصحة والتعليم الرقميان في إفريقيا: الجسد والعقل بين بيانات ...
- البيان الإلهي وأسراره في التأثير على النفس الإنسانية
- التحولات الاقتصادية العالمية الكبرى وأثرها المركّب على دول ا ...
- القارة التي تكتب نفسها — وعي إفريقيا في زمن التحول الرقمي
- الاستعمار الجديد: من الذهب الأسود إلى استعمار البيانات
- الفساد الإداري والمالي،
- أفريقيا: القارة التي تنهض من رمادها
- سحر العيون: نافذة إلى الروح
- إعجاز القرآن الكريم وأثره في النفوس البشرية
- -ابتسامة في أفق الوجود: مرآة الروح وسجاحة الخلق-


المزيد.....




- رغم نجاح صفقات ترامب الشخصية في الشرق الأوسط.. إلا أنها لن ت ...
- -شكرًا لإعادتها في تابوت-.. عائلات الرهائن القتلى تنتقد نتني ...
- ماذا تعرف عن القرية المصرية الصغيرة التي تنتج أكثر من نصف يا ...
- وزير الداخلية الفرنسي الجديد لوران نونيز ينوي -استئناف الحوا ...
- هل اتفقت قسد مع الحكومة السورية على طريقة الاندماج؟
- مرشحة عراقية تثير الجدل بمنشور ضد برشلونة ووعد بتزويج مشجعي ...
- أشياء لم تكن تعرفها عن تطبيق الملاحظات في -آيفون-
- إيران تعدم شخصا بتهمة التجسس لصالح إسرائيل
- باكستان وأفغانستان تؤكدان على دور قطر وتركيا لتثبيت وقف التص ...
- غارديان: أطفال غزة بحاجة للغذاء والدواء ونوم دون خوف


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد بسام العمري - الحلم العربي