|
لماذا يتقدم الغرب ويتخلف المسلمون؟
أحمد سوكارنو عبد الحافظ
الحوار المتمدن-العدد: 1829 - 2007 / 2 / 17 - 06:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
انزعج الكثيرون عندما لم يجدوا أية جامعة عربية أو إسلامية فى قائمة الجامعات العالمية، ولا أدرى ما سبب هذا الانزعاج أو العويل على حال جامعاتنا. ومن الغريب أن من تصدوا لهذا الأمر لم يمعنوا النظر فى الدول والأمم التى تحتضن تلك الجامعات التى تتصدر القائمة، وهى فى معظمها دول غربية يتمتع أهلها بالديمقراطية والحرية بينما معظم الشعوب العربية لم تتذوق حرية التعبير وحرية اختيار من يحكمها. وبالرغم من أن هذه الدول الغربية تدار وفق معايير الديمقراطية والحرية السياسية التى ساهمت فى تقدمها وتفوق جامعاتها ومؤسساتها العلمية إلا أن هناك أمور أخرى نغفل دائما فى تحديدها أو الإشارة إليها، وهى أمور تتعلق بالمبادئ الأخلاقية التى دأبنا على ترديدها وتلقينها لأطفالنا سواء من خلال المؤسسات التعليمية أو الدينية، ورغم ذلك لم تنجح هذه المبادئ فى أن تجد مكانا لها فى الشارع العربى أو الإسلامي. لقد صدق الإمام محمد عبده حين قال بعد عودته من فرنسا: ذهبت إلى بلد وجدت فيه الإسلام ولم أجد مسلمين وجئت إلى بلد وجدت فيه مسلمين ولم أجد الإسلام، ويقصد بالبلد الأول فرنسا التى زارها أما البلد الثانى فهى مصر قلب الأمة العربية وعقلها المدبر. والجدير بالذكر أن السواد الأعظم من مواطنى الدول الغربية يطبقون مبادئ إسلامية راسخة رغم أنهم لا يعتنقون الديانة الإسلامية. ومن أهم تعاليم الإسلام التى تطبق فى هذه الدول هى الوفاء بالوعد والصدق فى القول والأمانة. ومن الملاحظ أن معظم مواطنى هذه الدول اعتادوا على احترام الوعود والوفاء بها. أذكر أننى كنت على موعد مع أستاذة بجامعة نيويورك تتولى الإشراف على رسالتى العلمية وتأخرت خمس دقائق فقط، فلم أجدها. ورغم أن هذه فترة زمنية لا قيمة لها فى ثقافتنا إلا أنها تعنى الكثير فى الثقافات الأخرى. وربما يعتقد البعض أن الدول التى يقوم اقتصادها على الرأسمالية واقتصاد السوق تفتقر إلى قيم أخلاقية كالصدق والأمانة. ورغم أن مثل هذه الأفكار تسود وتنتشر بين الخاصة والعامة فى بلادنا إلا أنها لا تعكس طبيعة الحياة فى تلك البلاد حيث تحرص الشركات والمؤسسات التجارية على كسب ثقة المواطنين من خلال تطبيق مبادئ الصدق والأمانة. اذكر أننى كنت أتجول فى أحد المراكز التجارية الكبرى فى مدينة من مدن ولاية نيويورك وهى مدينة بفلو المتاخمة للحدود الكندية وذلك لشراء قميص، فعثرت على قميصين مماثلين لا يختلفان إلا فى السعر، فأحدهما قيمته عشرون دولارا والآخر –أرجو ألا يندهش القارئ العزيز—لا يتجاوز سعره عن دولارين. وأمضيت الوقت وأنا افحص القميصين لعلنى أجد مبررا لهذا التباين فى السعر. ولما باءت كل محاولاتى بالفشل توجهت إلى الموظف المختص الذى بين لى أن هناك عيبا فى تصنيع القميص ذى السعر المنخفض ولا يمكن تحديد هذا العيب بالعين المجردة. فهذا الموقف يوضح بجلاء أن الصدق والأمانة من أهم القيم والمبادئ التى يحرص عليها أصحاب المال ورجال الأعمال. أما الكذب فى هذه البلاد فجريمة لا تغتفر حتى إذا اقترفه السياسيون. ففى السبعينيات من القرن الماضى اضطر الرئيس ريتشارد نيكسون إلى تقديم استقالته فى أعقاب فضيحة ووترجيت، وكان الذنب الذى ارتكبه الرئيس الأمريكي هو محاولته إنكار صلته بجريمة التجسس على مقر الحزب الديمقراطى الكائن بمبنى "ووترجيت" فى العاصمة واشنطن وقد أثبتت التحقيقات تورطه فى هذه الفضيحة. ولم يكن نيكسون هو السياسى الوحيد الذى لجأ للكذب دفاعا عن نفسه. فقد حدث فى الثمانينيات أن توجه مرشح الرئاسة الديمقراطى جارى هارت إلى رحلة على متن يخت يمتلكه أحد أصدقائه وبصحبتهما فتاتين، فلما سأل أحد الصحفيين هارت عن هذه الواقعة فى مؤتمر صحفى يبث وقائعه على الهواء مباشرة أنكر معرفته وصلته بالفتاة التى كانت بصحبته، فاخرج له الصحفى صورة الفتاة وهى جالسة على ركبتيه، فاسقط فى يده واضطر على أثرها إلى الانسحاب من حلبة الانتخابات الرئاسية بل انسحب كليا من الساحة السياسية. ومن الملاحظ أن قيم الوفاء بالوعد والصدق والأمانة من المفروض أن تكون ذات أهمية بالغة للمسلمين الذين يتخذون من القرآن والسنة منهاجا ونبراسا لهم فى الحياة، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم أية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا أؤتمن خان. ومما سبق يتضح لنا أن المجتمعات التى لا تعتنق الديانة الإسلامية تطبق القيم والمبادئ الإسلامية وتؤمن بمبادئ الديمقراطية والحرية ومن ثم تأتى فى مقدمة الدول حضاريا وعلميا وتتصدر جامعاتها ومعاهدها العلمية قائمة الجامعات العالمية. وفى المقابل نجد أن المواطنين فى الدول العربية على النقيض من ذلك تماما: فرغم أن معظمهم يتخذون الإسلام دينا إلا أنهم لا يعتنقون القيم والمبادئ والأخلاقيات الإسلامية ولا يؤمن حكامها بالديمقراطية والحرية ومن ثم لا تجد جامعاتها ومؤسساتها العلمية مكانا لها بين جامعات العالم.
#أحمد_سوكارنو_عبد_الحافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا تتعاطف أمريكا مع إسرائيل ؟
-
هل يدعو الإسلام للعنف والإرهاب؟
-
الديمقراطية وأدب الحوار
-
ثقافة تجاهل وعدم احترام القوانين
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|