|
(2)ثلاثة وعشرون عاماً في الرسالة المحمدية - الخلفية
مصطفى حقي
الحوار المتمدن-العدد: 1829 - 2007 / 2 / 17 - 09:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
( لمحة عن الكاتب علي الدشتي في مطلع مقالنا- معجزة القرآن) الحوار المتمدن تاريخ 10/12/2006 غير أن الحال لم يكن كذلك في الحجاز ، , أو على الأقل في مكّة ويثرب ( التي عُرِفَت بعد الهجرة بالمدينة ) . فأهل هاتين المدينتين ، خاصة يثرب و كانوا قد تأثروا بعقائد اليهود والنصارى . وكانت كلمة الله مستخدمة لديهم ز وقد عدّوا أنفسهم من ذرية إبراهيم ، وكانوا على هذا القدر أو ذاك من الاطلاع على قصص بني إسرائيل والعهد القديم . فقصة آدم والشيطان كانت معروفة لديهم بوجه عام . وقد آمنوا بوجود الملائكة وتخيلوها على أنها إناث ، تلك المغالطة التي أشار إليها القرآن مرّات، كما في الآية 21 من سورة النجم : ألكم الذكر وله الأنثى . وعلاوة على هذا ، فقد تبنى أهل المدن هؤلاء شعائر يهودية متعدّدة مثل الختان ، وغسل الجنابة ن وتجنّب المرأة الحائض ، واتخاذ يوم للراحة، اختاروا لها الجمعة بدلاً من السبت . هكذا لم تكن دعوة الإسلام في الحجاز بالجديدة كلّ الجدّة أو الغريبة عن البيئة الاجتماعية . ولم يكن الأمر مقتصراً على وجود بعض الأشخاص من ذوي الحصافة ممّن نأوا بأنفسهم عن عبادة الأوثان ؛ فالوثنيون أنفسهم كانوا قد بدأوا يرون لمحات من النور. وهذا ما ذكره القرآن أيضاً في مواضع متعدّدة ، كما في الآية 87 من سورة الزخرف: ولئن سألتهم مّنْ خَلَقَهُمْ ليَقولُنّ الله. والآية 61 من سورة العنكبوت : ولئن سألتهم خَلَقَ السموات والأرض وسخّر الشمس والقمر ليقولُنّ الله . وكان المشركون في قريش يرون إلى أصنامهم على أنها رموز لقوى الألوهة ووسائل للتقرّب منها . وهذا التصوّر هو ما تشير إليه الآية 3 من سورة الزمر : والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعْبُدُهُم إلا ليُقَرّبونا إلى الله زُلفى . ومع هذا فإنّ الإسلام لم يزدهر في مكّة . فبعد ثلاث عشرة سنة من دعوة محمد ، وبعد نزول السور المكية الرائعة ، لم يتحقق من النجاح سوى القدر الزهيد فلم يكن عدد المعتقدين للإسلام في مكّة ليُقدّر بأكثر من مائة . لقد أخفق كفاح محمد المتواصل كل يوم وليلة من تلك السنوات الثلاث عشرة في أن يكسر مقاومة القرشيين العديدة. ومن بين أولئك الذين استمالهم إلى الإسلام لم تكن سوى قلّة قليلة من ذوي اليسار كأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ن وحمزة بن عبد المطلب، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص . أما البقية فكانوا في معظمهم من الطبقة الدنيا أو بعيدين عن الثروة ، فلم تكن لهم هيبة أو نفوذ في المجتمع المكّي . وكان ورقة بن نوفل ، الذي لم يدخل الإسلام صراحة لكنه لم يتوان عن مؤازرة محمد ، قد أشار عليه باستمالة أبي بكر لما كان له من شدّة الاحترام ولما يمكن أن يمثله قبوله الدعوة من كسب للقضية وتقدّم فيها . فبسبب من إسلام أبي بكر كان أن أسلم كلّ من عثمان بن عفّان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعد بن أبي وقاص ، والزبير بن العوام كانت مثابرة النبيذ محمد واحداً من العوامل الأساسية في دعوة الإسلام ،وهي مثابرة كانت بحد ذاتها دليلاً على إخلاصه لغايته الرفيعة فلم يثنه عن عزمه الإغراء ، أو التهديد، أو الإهانة ، أو اضطهاد أتباعه المستضعفين . وكان محمد في الوقت ذاته واسع الحيلة مستعداً لأن يستخدم كل الوسائل المتاحة . ففي السنة الخامسة من رسالته أرسل بعض أتباعه إلى الحبشة آملاً أن يقوم ملك تلك البلاد النصرانيّ بمدّ يد العون إلى رجلٍ ثار على الوثنية , وهذا ما أثار أشراف قريش فأرسلوا وفداً إلى النجاشي لإقناعه بأن يهمل أمر المهاجرين المسلمين ويردّهم إليهم عصاةً غير مرغوب فيهم . ولعلّ القرشيين لم يتنبّهوا كثيراً إلى دعوة الإسلام في طورها الأول، واكتفوا بالهزء من محمد وما يدعو إليه . لقد وصفوه بالمجنون ، والشاعر ، والمتبجح ، والكاهن ، ، ومن تملكته الجنّ، وولي الشيطان . غير أن إصرار محمد ونجاحه في استمالة بعض الوجوه المحترمة راحا ، مع الوقت ، يثيران قلق القرشيين. وأسباب التفاقم التدريجي في العداوة القرشية لمحمد هي أسباب واضحة . فقد أدرك أشراف قريش بحق أنه إذا ما كُتِبَ النجاح لقضية محمد ، فإنّ رزقهم سيقوّض . فالكعبة كانت مقصد حجيج قبائل العرب, تجتذب الآلاف كل عام . وقد جعلت مكة ملتقى الشعراء والخطباء العرب، وأوجدَت فيه سوقاً سنوية تُقْصد من جميع أرجاء الجزيرة العربية . وكان رزق المكيين وهيبة أشراف قريش متوقفين على هذا الغدو والرواح . ولئن كان العرب يأتون لزيارة الكعبة ، التي كانت معبد الأصنام ، فإنّ ما يقتضيه الدين الجديد من هدْمٍ للأصنام لابد أن يجعلهم يكفون عن المجيء . بعد خمسة عشر عاماً ، حين ظَفِرَ الإسلام ، خشي المسلمون في مكّة على رزقهم أيضاً . فالآيات القرآنية التي نزلت على النبي بعد فتح مكة في العام 8/630 حرّمت على المشركين صراحة دخول الكعبة. ولكن هذا القلق تسكّن بنزول الآية 28 من سورة التوبة : يا أيها الذين آمنوا إنّما المشركون نَجَسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عَيْلَةً فسوف يغنيكم الله من فضله . حين رأى أشراف قريش إصرار محمد على دعوته ، وأدركوا فوق ذلك ما تتهدّدهم به هذه الدعوة من أخطار ، أتوا إلى خطوات أكثر جدية . فقد مشوا في البداية إلى أبي طالب ، إذ حسبوا أنّ نصيحته يمكن أن تثني ابن أخيه عن عزمه ، فسألوه أن يكف محمدا عن دعوته ، ووعدوه لقاء ذلك بأن يكون لمحمد منصب في الكعبة . وحين أخفق أبو طالب في أن يثني ابن أخيه عن دعوته ، قرّ قرار أشراف قريش بأجمعهم تقريباً على مقاطعة بني هاشم . ولبعض الوقت عانى بنو هاشم الأمرّين من تحظير التعامل معهم ، إلى أن عمد في النهاية بعض الأشخاص ، بدافع الحميّة العربية ، إلى مساعدتهم في الخروج من محنتهم . وبعد هذا الأمر ، وبعد وفاة أبي طالب على وجه الخصوص ، لم يبق أمل في إسكات محمد . وعندئذ قرّ قرار أشراف قريش على القيام بفعل عنيف . وكانت أمامهم ثلاثة احتمالات مفتوحة : أن يحبسوا محمداً ، أو ينفوه أو يقتلوه . وانتهت نقاشاتهم في هذه البدائل إلى أنّ قتل محمد هو الخيار الأفضل شريطة أن تصطبغ يد الجميع بدمه ويضيع دمه بين القبائل فلا يتعرّض أيّ منها لثأر بني هاشم . ولقد وُضِعَت هذه الخطة في السنة الثانية عشرة أو الثالثة عشرة من رسالة محمد . وهي ما دفعه إلى اتخاذ قراره بمغادرة مكّة والهجرة إلى المدينة . ( من كتاب : 23 عاماً دراسة في الممارسة النبوية المحمدية ) ( الكـــاتب : علي الدشتي وترجمة ثائر ديب وإصدار رابطة العقلانيين العرب )
#مصطفى_حقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(1) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية - الخلفية
-
الولايات المتحدة العراقية ...؟
-
ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية- ما بعد بعثته ..؟
-
تزايد السكان العشوائي والجهل أهم أسباب جائحة العنوسة..؟
-
ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية - بعثته
-
(2) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية - مسألة النبوّة
-
إذا اجتهدتم لا تشوهوا صورة الخالق ...؟
-
(1) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية - مسألة النبوّة..
-
(2) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية .طفولته
-
(1) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية ... طفولته
-
لجوء الجار العراقي إلى سورية ونجدته واجب إنساني قبل القومي ؟
-
(3) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية... ولادته
-
(2) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية - ولادته
-
(1) ثلاثة وعشون عاماً في الممارسة النبوية - ولادته
-
الفاضلةgrce lady.....
-
العودة إلى الحنبلية وآراء بن تيمية في اتهام الشاب عبد الكريم
...
-
طريق الموت يحصد هذه المرة 26 قتيلاً و5جرحى...؟!
-
(4) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية . الخلاصة
-
(3) ثلاثة وعشرون عاماًفي الممارسة النبوية. الخلاصة
-
هل الإسلام موجود في العراق ...؟
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|