طرحت ورقة عمل المهام السياسية الأساسية مهمة إعادة النظر في مفهوم الدولة الوطنية في ظروفنا الحالية، وبناءً على ذلك تناقش المادة التالية هذا الموضوع:
إن ماجرى ويجري في العراق الشقيق من احتلال مباشر لأرضه وقضاء مبرم على مؤسسات دولته وأجهزتها الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية هو بلا ريب نقطة تستحق كل التفكر والتفكير واستخلاص العبر والدروس.
فالقضاء على النظام السياسي متمثلاً بدكتاتورية صدام حسين وأجهزة قمعه الأمنية وحرسه الجمهوري ليسا مطلب قوات الاحتلال الأنغلوأمريكية المتصهينة، بل للاحتلال أهداف مرسومة تتمثل في تحطيم بنى الدولة لإعادة تشكيلها وفق ماتريده قوى الاحتلال، ولكنها تناست قوى الشعب العراقي والذي بدأ يتحرك لمقاومة الاحتلال وبناء مؤسساته الخاصة والتي ستشكل حتماً نواة الدولة المقبلة، لكن الشعب العراقي والمضطهد منذ عشرات السنين والرازح تحت نير الدكتاتورية لايمتلك بناه البديلة المعاصرة بل يمتلك بنى عشائرية وطائفية ومذهبية وقومية مختلفة تنتسب إلى عهود سابقة مثل الإقطاع وغيره وانقطاع التراكم التاريخي لتجارب تلك البنى والمؤسسات الشعبية سيطرح أمامها مهام جسيمة لابد من إيجاد حلول معاصرة لها كي تؤتي ثمارها الصالحة مستقبلاً، كي لايظهر ديكتاتور آخر أو أنظمة متفرقة إثنية الطابع تعمل على تجزئة البلد الواحد، أو طوائف تعمل على خلق كانتونات طائفية، والدرس الأهم المستفاد أن نظام حكم الحزب الواحد قد فقد تاريخياً أي مبرر له ولم يعد يلائم المرحلة المعاصرة ولاحاجات الشعوب ومتطلباتها ولايخدم مستقبلها نحو التكامل الاقتصادي العالمي.
ولنا في موضوع النفط إنموذج واضح لذلك فهل قدر الشعب العراقي على مر السنين أن يكون نفطه ملكاً لصدام حسين وأعوانه أو ملكاً للاحتلال الأنغلوأمريكي المتصهين؟ وأين حق الشعب العراقي في ثروات بلاده؟.
وهدف آخر للاحتلال (خدمة مجانية للصهيونية) وهي السرقة المنظمة لآثار بغداد ومتاحفها خصوصاً آثار بابل وتقديمها إلى الكيان الإسرائيلي الصهيوني لتزوير الحقائق مستقبلاً وفي الوقت المناسب ولكي يصبح لإسرائيل ماهو ليس لها أبداً (التاريخ) ومدى تأثير ذلك عبر تأثر الشعوب بالمثيولوجيا.
ويجب أن نتوقع في المستقبل القريب أيضاً أن تظهر (ادعاءات)، دلائل عن مكتشفات أثارية في الكيان الصهيوني تزعم العثور على دلائل لهيكل سليمان أو لدولة إسرائيل المزعومة، وطبعاً كل هذه الدلائل ستكون مزيفة مثل الكيان الإسرائيلي الكامل (نفسه) الذي يزعم أن حدوده من الفرات إلى النيل.
ومسألة مغيبة إعلامياً حاضرة في الممارسة السياسية هي مسألة علماء العراق وملاحقتهم باعتبارهم (كما يدعي الاحتلال) أعوان النظام السياسي البائد بينما هم حقيقة من مقومات الدولة في العراق الشقيق وإنجازاتهم العلمية ملك للشعب العراقي والعربي والإنساني عامة، والمعطى التاريخي يؤكد بلا أدنى شك حالة مشابهة للعلماء الألمان أيام الهتلرية الألمانية وكيف توزعوا في دول متعددة في العالم وكان للولايات المتحدة الأمريكية الحصة الوافرة منهم.
وإذا عدنا إلى الموضوع الأهم وهو الدولة الوطنية في العالم العربي فإن أول نقاط الابتداء في هذا الموضوع هو النظر إلى تراكم التجرية التاريخية في هذا الموضوع وعدم النظر إليها انطلاقاً من الصفر، كما أن القول بإعادة النظر بالدولة الوطنية لاتعني بالضرورة نفي هذه الدولة ودورها التاريخي وأهميته بل هو تأكيد على ضرورة تطوير كل تلك المفاهيم التي بنينا وفقها دولنا الوطنية في العالم العربي، والاتجاه بأسس البناء تلك نحو مواكبة الحضارة الراهنة كمشاركين في صنع الحضارة وليس استهلاكها فقط والاتجاه قدماً نحو تعزيز مصالح الشعب العربي ومتطلباته وتطلعاته وحقوقه في العيش كمواطنين وليس كأبناء عشائر أو طوائف أو أقليات قومية أو إثنية أو دينية… وهذا يعني في جملة ما يعني أن مكاسب جزئية قد تحققت، علينا الاستناد اليها لتطوير ماتم إنجازه وجعله ملبياً لمصالح الشعب وليس مصالح النخب الحاكمة، ولاشك أن هذه المهام ليست حكراً على الآنظمة الرسمية (لأنها السبب الرئيسي في الوصول إلى تلك الحالة الراهنة) بل هذه المهام هي من أهم واجبات الشعب العربي وكل فئاته وأحزابه السياسية وقواه الاجتماعية ومنها النقابات العمالية والتي يجب أن تمارس دورها في الدفاع عن مصالح العمال ومطالبهم وتحسين أوضاعهم المعاشية وزيادة إنتاجهم، والتصدي للاتجاهات الاقتصادية المطالبة بتغيير الأفق الاقتصادي السياسي في البلاد العربية نحو اقتصاد السوق والانخراط في العولمة الاقتصادية عبر التجارة الحرة دون تأمين المتطلبات الوطنية اللازمة (سياسياً واقتصادياً واجتماعياً).
ولمواجهة هذه العولمة المتمثلة أولاً في حل المشاكل الاجتماعية وتخفيف عبء الاستغلال الواقع على القوى المنتجة في العالم العربي والعالم، وضرورة الدعوة إلى أن يتحمل أرباب العمل ودولهم الجزء الأكبر من عبء هذا الاستغلال عبر التخفيف من أرباح شركاتهم وجشع إداراتهم الاقتصادية والسياسية في الوقت الذي يطلبون فيه من القوى المنتجة التنازل عن لقمة عيشها وبالتالي إفقار هذه القوى المنتجة إلى الحد المهدد بموتها مما يعني موت أرباب العمل مستقبلاً، وهذا يعني بلا ريب أن النظام الرأسمالي العالمي في مرحلته الحالية (النيو إمبرالية) أي الإمبرالية الجديدة، يعاني من سكرات الموت أكثر من أي يوم مضى، مما يؤسس لضرورة طرح البديل الذي اعتبر مستنفداً بدون وجه حق وهو الاشتراكية العلمية الجديدة التي تنفي الاستغلال وتطرح تكامل العمل والقوى المنتجة مع رأس المال والإنتاج عبر توزيع عادل للثروات على الصعيد العالمي كله، ورفض مبدأ الاحتكار للثروات البشرية لأي جهة كانت، ولنا في مثال احتكار وسائل الاتصال والمعلوماتية في تجليها الإعلامي (وسائل الإعلام) خير دليل على نموذج الظلم السائد والبديل الواضح في إمكانية تأمين عدالة توزيع وسائل الإعلام على كل دول العالم وجني العوائد المالية وتوزيعها بنسب عادلة تحقق تكامل الحقوق وليس تكريس تفرد الدول الأقوى عسكرياً مثلاً.
من المفاهيم التي عفى عليها الزمن مفهوم الدول الغنية والدول الفقيرة، فهل توجد دولة في العالم اليوم تستطيع الاستغناء عن باقي دول العالم؟ أعتقد أن الجواب الواضح هو لا، وحتى أقوى دولة في العالم الآن (الولايات المتحدة الأمريكية) لاتستطيع أن تؤكد ذلك وهذا يعني بأنها ليست غنية، فهي بحاجة إلى الدول الأخرى.
وهذا ما يؤكد ضرورة إعادة النظر بالدولة الوطنية وطرح العقد الاجتماعي بمفاهيم جديدة تواكب المتغيرات العالمية الراهنة في ظل العولمة والقطب الواحد اعتماداً على تحصين الداخل واستكماله لشروط الانخراط في العالم البديل كشريك فاعل وليس كتابع.
■ اللاذقية ـ خضر سليمان
قاسيون