|
هل يتمكن الانسان من خلق الحياة ؟
حامد علوان
الحوار المتمدن-العدد: 1828 - 2007 / 2 / 16 - 06:40
المحور:
الطب , والعلوم
في سلسلة مقالات سابقة نشرت في موقع كتابات تعرضت بشيئ من التفصيل لنظرية التطور الاحيائي بجانبيها الدارويني والوراثي . وعلى الرغم من مرور شهور عديدة على نشر تلك المقالات لاتزال رسائل غير قليلة تصلني من بعض القراء الباحثين عن الحقيقة ، بعضها يحمل ملاحظات وأخرى يطلب اصحابها اجابات عن امور لم يتيسر لهم فهمها . نظرية التطور ليست بالشيئ الجديد وقد كتب عنها المئات من الكتب والمقالات ولكن يبدو ان شغف القراء العراقيين بها جاء لكونها عرضت باسلوب بعيد عن التعقيد العلمي المتخصص ولانها تعكس مفهوما مناقضا للمفاهيم السائدة الآن في العراق والتي تحث الخطى للعودة بالفكر الى الخلف مئات السنين على العكس تماما مما يفعل العالم المتمدن . وقد اتحفتنا الاخبار حديثا ان المناهج التربوية في المدارس سوف تخضع لرقابة المرجعية النجفية ، ولنا ان نتصور كيف ستطرح المواضيع العلمية امام الطلبة الناشئين ، اما ما يخص نظرية التطور فلا اشك انها ستزال من كتب الاحياء تماما ولن يبقى لها اثر وستستبدل بمفاهيم الخلق الدينية . ولكن على المراجع في النجف ان يتذكروا القول الاثير كل محظور مرغوب ، وان حجب العلم الذي يخالف رؤاهم لن يعيق المتعطشين للمعرفة عن ايجادها في منابعها سيما وان شبكة الانترنت اصبحت متاحة للجميع . أما اولئك الذين يعوون وراء الركب من مدمني الخرافات والاساطير فأن عصيهم لن توقف عجلات التقدم الفكري لدى الانسان ، وسوف يأتي يوم لن يجدوا فيه موضعا لتسويق بضاعتهم الكاسدة . نحن نعتز بتاريخنا ولكنه تاريخ مضى وانقضى ولن نجعله حفرة نقع فيها فلا نخرج منها الى عالم يتقدم بسرعة الريح . لم يتقدم العلم بسبب نظرية وضعها آية الله الفلاني قدس سره أو مد ظله أو طال ذقنه حول حتمية الظهور واسعاد البشرية ، بل تقدم العلم لاسعاد البشرية بسبب نظريات وضعها علماء عظماء ليس لديهم سر مقدس أو ظل يطول ، علماء اجلاء يسميهم ذوو الظلال الممدودة كفرة .
نظرية التطور الحديثة او ما يعرف بالتطور الجزيئي تشير الى ان اول خلية حية قد نشأت في بركة ماء دافئة في مكان ما على سطح هذا الكوكب قبل ما يقرب من 3500 مليون سنة ، ويعود هذا التاريخ الى عمر الصخور التي وجدت فيها متحجرات تلك الخلايا . هذه الخلية البسيطة الاولى تشكلت بعد سلسلة تفاعلات طويلة في الزمن تحت ظروف معينة من جزيئات عديدة تكونت منها الاحماض النووية (ر ن أ و د ن أ) والبروتينات . وقد اثبتت التجارب المختبرية التي صممت لتحاكي بيئة الارض في ذلك الزمان السحيق ان تشكل المواد العضوية من مواد لاعضوية امر ممكن ، على سبيل المثال تشكل الاحماض الامينية (وحدات بناء البروتين) من غازات الامونيا والميثان وثاني اكسيد الكربون .
وقبل الاجابة على سؤال هذا المقال لا بد من تعريف مفهوم الخلية الحية ، ماهي ؟ . ومن دون تعقيد فان ابسط تعريف للخلية الحية هو تلك الوحدة العضوية التي تستطيع ان تخلف وراءها نسلا مطابقا لها . أما العامل الحاسم في هذا التكاثر فهو جزيئة الـ د ن أ (الحامض النووي الريبوزي منقوص الاوكسجين) والتي اصبح تركيبها معروفا بأدق تفاصيله وهو تركيب واحد لاغير في كل الاحياء من البكتيريا وحتى الانسان . أما الاختلاف بين الاحياء فهو في جوهره ليس الا اختلاف عدد وحدات بناء هذه الجزيئة (النيوكليوتيدات) ، اختلاف ترتيب النيوكليوتيدات وراء بعضها واختلاف عدد الجزيئات (اي عدد الكروموسومات) . هذا الاختلاف وحده لاغير هو الذي يعطى كل كائن حي صفاته الخاصة . ولكن السؤال المحوري الذي يقفز الى الذهن بعد هذا التعريف هو اذا كان الانسان قد عرف بدقة بالغة مم تتركب الخلية فلماذا لايستطيع خلق خلية حية . وعلى الرغم من حساسية هذا السؤال لانه تدخل في عمل الخالق الا ان العلم لايعرف سوى التحدي للوصول الى الحقيقة . العلم لايعرف الا الممكن اما غير الممكن فهو بكل بساطة مسألة وقت ليس الا قبل ان يصبح ممكنا ، ومن يصعب عليه هضم هذا الكلام فليتصور ماذا كان بين ايدي البشر قبل مائة عام وماذا بين ايديهم الآن . جهاز الحاسوب الذي امامك تقرأ فيه هذا المقال كان قبل خمسين سنة بحجم الغرفة التي تجلس فيها ، أما قبل مائة سنة فكان معظم سكان العالم يعدون ويحسبون بأصابعهم .. وهكذا . . أما الاجابة على عنوان هذا المقال فهي : نعم .
الفيروس هو ابسط كائن حي معروف على الارض ، وهو يصبح حيا اي قادرا على التكاثر عندما يلج في خلية كائن حي آخر نبات كان او حيوان أو حتى خلايا البكتريا . خلية الفيروس ليس فيها اي تعقيد فهي مكونة من لب صغير مؤلف من شريط قصير من الحامض النووي (أما رن أ أو د ن أ) يحيط به غلاف من البروتين . شفرته الوراثية قصيرة جدا لا تتعدى بضعة جينات ، فهل يستطيع الانسان ان يخلق فيروسا !! . في العام 1918 أصاب الانسان مرض خطير وكان الاسوأ في تاريخ البشرية اذ قضى على 50 مليون نفس في اماكن متفرقة من العالم . ولان العلم في ذلك الزمن لم يكن بعد يعرف ما هي الفيروسات فلم يدرك احد مسبب المرض الحقيقي ولم يتمكن احد من عزل عامل المرض فضاع ذلك الفيروس من السجل الطبي ، أما المرض فقد سمي بالانفلونزا الاسبانية . منذ بضعة سنين لمعت في اذهان بعض العلماء فكرة اعادة تخليق ذلك الفيروس لغرض دراسته وايجاد اللقاح الخاص به في حال ظهر للوجود من جديد ، ولكن لكي يفعلوا ذلك لابد ان تكون عندهم شفرته الوراثية اي خارطة جيناته . ما فعلوه هو انهم لجأوا الى المستشفيات بحثا عن انسجة أو بقايا نسيجية لقتلى ذلك المرض فكان ان عثروا على قطع رئوية لبض المصابين محفوظة في مادة الفورمالين العادمة داخل عبوات زجاجية ، كذلك حالفهم الحظ بالعثور صدفة على جثة امرأة ماتت بالمرض مطمورة في ثلوج الاسكا . في الانسجة الرئوية العتيقة عثروا على كسرات متفرقة من الحامض النووي لذلك الفيروس ، وبعد جهد مضن تمكنوا من تخطيط الحامض النووي بالكامل . هنا تكون اصعب مرحلة قد انجزت لان صناعة حامض نووي قصير في المختبر حسب التخطيط المرغوب صار من الف باء الهندسة الوراثية . وهذا ما تم فقد صنعوا الحامض النووي مختبريا واحاطوه بالبروتين . لم يكن احد يدري ماذا سيحصل ، هل هذه الخلية المخلقة ستكتسب الحياة ام لا ، وكانت الدهشة الكبيرة ان هذا الفيروس تكاثر حالما زرق داخل فأر !. لقد خلقوا الفيروس .. واليوم يحتفظ العلماء بهذا الفيروس الخطير داخل مختبر محكم جدا .
ولكن ليس هذا كل شيئ ، لقد اراد فريق علماء ثان من جامعة نيو يورك تخليق فايروس آخر من الصفر !. وكلمة الصفر تعني انهم لن يستخدموا اي مادة مأخوذة من ذلك الفيروس . فريق العمل هذا لم يتصل باية جهة علمية بل عمدوا للبحث عن الخارطة الوراثية للفيروس المعروف بأسم بوليو في الانترنت ، وعندما عثروا عليها قرروا تخليق الفيروس في المختبر من الجزيئات الكيميائية التي عندهم أي النيوكليوتيدات (وحدات بناء الحامض النووي) . بعد فترة وجيزة تم لهم ما أرادوا وخلقوا ذلك الفيروس وعند حقنه في الفأر تكاثر كأي فيروس من الطبيعة. لقد كان هذا انجازا مذهلا . أما خلايا البكتيريا فهي أعقد بكثير في شفرتها الوراثية من الفيروس وتتكون خارطتها الوراثية من عشرات الآلاف من النيوكليوتيدات . يقول العلماء ان تخليق خلية بكتيرية ليس امرا عسيرا ولكنه يتطلب وقتا طويلا ، أو كما صرح الدكتور أيكارد ويمر ، أحد اعضاء الفريق ان على العالم ان يهيئ نفسه لهذا الحدث .. انها الحقيقة الجديدة !. الحقيقة التي تؤكد ان الحياة بدأت من الصفر بعد تفاعلات كيميائية استمرت زمنا طويلا وليس بسبب قولة كن فيكون .
وسأدعك ايها القارئ الكريم ان تتخيل ماذا يستطيع العقل البشري ان يفعل اذا عمل بحرية فكرية لا قيود عليها . لقد طرح العلماء الاوائل أمثال دارون فكرة النشوء الكيميائي للخلايا الحية وهاهم رواد اليوم يثبتون صحة ذلك التنبؤ الصائب .
#حامد_علوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
!!من يريد انتظار المهدي فليعش اربعة مليارات سنة
المزيد.....
-
احذر من هذه المكملات الغذائية الثلاثة الشهيرة واعرف مخاطرها
...
-
سوسو الثرثارة ليش بتحكي للجيران.. تردد قناة كراميش 2024 KAR
...
-
عيادات الإقلاع عن التدخين فى المبادرة الرئاسية.. حيل نفسية ل
...
-
مَتّى المسكين.. راهب مصري عارض البابا شنودة واعتزل في مغارة
...
-
أمريكية تستيقظ بالمستشفى من دون تذكر ولادتها لثلاثي توائم
-
قناة أطفال الوطن العربي.. تردد قناة كرتون نتورك بالعربية الج
...
-
أطعمة تجنبها إذا كنت تعانى من هذه الحالة المزمنة فى الكبد
-
واحة خضراء غير متوقعة وسط صحراء العين بالإمارات تُحدث ثورة ف
...
-
علاج البلغم..6 خطوات يمكن القيام بها في المنزل
-
طريقة تحضير شوربة الخيار
المزيد.....
-
هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟
/ جواد بشارة
-
المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
-
-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط
...
/ هيثم الفقى
-
بعض الحقائق العلمية الحديثة
/ جواد بشارة
-
هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟
/ مصعب قاسم عزاوي
-
المادة البيضاء والمرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت
...
/ عاهد جمعة الخطيب
-
المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين
/ عاهد جمعة الخطيب
-
دور المايكروبات في المناعة الذاتية
/ عاهد جمعة الخطيب
المزيد.....
|