قبع في بيته السنوات الأخيرة .. أنهك الجسد من عناء المجاهدة للوطن، ومعاناة الوفاء بمتطلبات حياة شريفة متعففة، وسيجارة سمح لها أن تفعل بجسده النحيل ما لم تفعله سنوات كفاح امتدت من أربعينيات القرن الماضي .. لكن الذهن كان يتقد أكثر وأكثر كلما عجز الجسد عن أن يحمله إلى حيث يكون السعي من أجل حياة أفضل لمصر، مثل كثيرين من بني جيله حزبهم الوفد كتيار عام حمل راية النضال الوطني وقدراً من التوجه الاجتماعي .
صاحبت سنوات نضج شيخنا الراحل إعلان مصطفى النحاس ، إلغاء اتفاقية 1936 ، وكانت الثورة على الأبواب .. وتحققت إحدى تجلياتها بحركة الضباط الأحرار .
كغيره من بني جيله – جيل الطلبة والعمال في الأربعينيات – ظل محمد عيد يبحث في كل التوجهات والجبهويات عن الوطن والحرية والديمقراطية للشعب، متمتعاً بشفافية وطهارة وعفة يد ولسان .. وبقدر ما أدرك المصالح العامة بقدر ما كانت صداقته وخصومته مع الآخرين .. تأثر بمصطفى النحاس أيما تأثير . كان الزعيم كما عرف بين العاملين بالعمل السياسي صلباً . شريفاً . عفيفاً . ودوماً يتابعك بمودة لا تستطيع ملاحقتها .. عكس إدراكه وإحساسه الوطني على انتمائه لحزب الوفد، فكان مؤثراً في الجميع . المحامين زملاء المهنة ورفاق البحث عن الوطن . أحب الجميع وأحبه الجميع الذين افتقدوا برحيله رمزاً وطنياً شريفاً شجاعاً .. التقى في مأتمه الجميع بأنفسهم وبالجميع . في ذكرى الأربعين التقى العديد من الأصدقاء والأحبة عند قبره لقراءة الفاتحة . لكن شجون الوطن التي عاش لها كانت بالطبع متزايدة بافتقاده .. عزاء للوطن في أبناءه الأبرار .
قد يرحل الجسد . ويبقى النموذج ماثلاً .. .. مؤثراً
أبو العز الحريري
جريدة التجمع – العدد 112