أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصعب فريد حسن - قصة قصيرة - بووووه هااااه














المزيد.....

قصة قصيرة - بووووه هااااه


مصعب فريد حسن

الحوار المتمدن-العدد: 1827 - 2007 / 2 / 15 - 05:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان كل منا ينحت تمثال عزلته بأزميل ضجره , ليضعه في البهو الفسيح لذاته المكتظة بضيقها , وعندما كنا نلتقي في تلك الحانة , كلِِ على طاولته الخاصة به , لم نكن نفعل أكثر من استعراض تلك التماثيل أمام بعضنا البعض وباتفاق ضمني على عدم النظر مباشرة وبشكل علني إلى عزلة الآخر , كان ممنوع على العيون أن تلتقي , لأن تلك التماثيل سريعة العطب تحطمها نظرة قصدية واحدة , مهما كانت رقتها , وإذا تكررت تلك النظرة على أحد ما , كان يضطر هذا ( الأحد ما ) على استعراض فولاذ روحه بأقسى أشكاله . و كريستال العزلة الأكثر لمعانا , كان يجسده كثرة شربك للكحول . إنها حانة الزبون الواحد للطاولة الواحدة , لن تجد أبدا شخصين على نفس الطاولة إلا بالصدفة , وإن وجدا فهما لن يتبادلا الحديث وسيتعاملان وكأنهما حقا على طاولتين مختلفتين , وطبعا بلا عدائية . كنا نبتلع ذواتنا بحيث لا يبقى منا إلا أجسادنا تطفو على سطح كل منا , عيوننا كانت الحد الفاصل بين عالمنا الداخلي وعالمنا الخارجي , عيون محكمة الإغلاق لن يتسرب عبرها شيء من وإلى الداخل أو الخارج , فأنت هنا فقط لترطب عزلتك بماء عزلة الآخرين . حتى أن أحدا لم يكن يكترث لصاحب الحانة وهو يحك أو يلعب بخصيتيه , أو عندما يُدخِل يده داخل سرواله لحكة مفاجئة في أعماق إسته, ثم يعود ويتبِّل بنفس اليد اللحمة التي ستصبح لذيذة بعد قليل .
في هذه الحانة , كما في كل مكان في هذا العالم يجب أن يكون لك فلسفة ما أو هلوسة ما أو زاوية نظر ما , تطل من شرفتها على معدن الكون, فقد تكون فلسفتك من نوع بوووه أو من نوع هااااه , فأنت لا تحتاج من اللغة سوى هذه الأحرف التي قد تكفي للتعبير عن الوجود و الحياة , بحيث يردم الكحول فجوات اللغة والتفكير لتستطيع التوازن أكثر فأكثر .
بووووه بصوت خافت و بنفثة واحدة وكأنها حمم تخرج من بركان خامد منذ الآف السنين وهاهو يعود للتنفس من جديد , بووووه من فم جاري على الطاولة المجاورة يقولها بعد رشفة عظيمة من كأس الكحول , و الشياطين وحدها قد تعلم ماذا يمكن أن تعني هذه البووووه , يقولها ويعود للغرق في كأس الكحول مجددا ليقرأ فيه كل تاريخ البشرية , سأعتبر البووووه فلسفة ,أو وجهة نظر , أو زاوية رؤية , ما إن يزفرها حتى كانت تتشظى وتتناثر في أركان معمورة السكْر هذه , لترتطم بالكون الفلسفي لجاري الآخر على الطاولة المجاورة الأخرى , فتحرض فيه مرجل اللغة والأحاسيس , وبمغازلة أو تعاطف أو إيحاء من بوووه الأول , كان جاري الثاني يقول هااااه بنفس نبرة وخفوت صوت الأول , يقولها و يغرق في كأسه هو الآخر , وأنا هنا أمام كأسي أقبع متخفيا بلامبالاة الآخرين بي , أتجسس من بين شقوق الكحول على هذيان المعنى في طزاجة وبراءة تلك التنفسات الفلسفية في بووووه الأول وهااااه الثاني , كانت تيارات من ألم وأنين وربما فرح وغبطة في زحمة العزلات تلك . لم يكن أحد سوانا نحن الثلاثة يمتلك الرغبة أو القدرة على متابعة دفقات البووووه و الهااااه , هكذا كل يوم وعبر كل سكرة كانت تمر بووووه الحزن وهااااه الفرح أو بووووه الضجر وهااااه الألم .
ويوما بعد يوم , عندما يكون كل منا على طاولته المعتادة , كانت تتوطد تلك المؤامرة الشعورية والنفسية بين البووووه والهااااه من جهة و مراقبتي المتعاطفة من جهة أخرى . اليوم وبعد عدة كؤوس وبلا مقدمات وبلا استئذان ودون اعتراض, وبعد أن أطلق الأول بووووه من العيار الثقيل أطلقها بغصة ومرارة وبطريقة موجعة وغريبة , انتبه إليها رجل الهااااه جيدا لدرجة أنه قام عن طاولته وجلس على طاولة البووووه , دون كلام ودون نظر إلى عينيه قال وبنفس نبرة وغصة البووووه , قال هااااه عظيمة , متعاطفة , و بنفس درجة الغرابة , هااااه بجسد وروح وملامح , بأذرع وصدر ووجه وفم , هااااه تجسدت إنسانا جلس إلى جانب البوووه كإنسان آخر , وغرقا كل في كأسه على نفس الطاولة , و دون وعي أو تخطيط وبعد أن بلغ الكون عندي مداه الأقصى , وبدمعة تفر من عيني وقفت واتجهت صوبهما , وضعت كأسي على طاولتهما , و دون أن يلتفتا نحوي , ودون أن أنظر بوجهيهما , جلست معهما وأنا أقول لهما بما يشبه الهمس وبنفس الغصة بااااه حزينة متألمة متعاطفة .



#مصعب_فريد_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصص قصيرة جدا - أجمل مكان في العالم
- قصة قصيرة -أخلاق الأيدي
- قصة قصيرة - شاعر دالية وقصائد عنب
- قصة قصيرة- دبكة ودبّيكة وطبّال
- قصة قصيرة - الأنثى والريح
- قصة قصيرة-غياب متدلٍ كأرجوحة
- قصة قصيرة - غياب متدل كأرجوحة
- قصتان قصيرتان جدا-مهنة-تحميلة
- قصة قصيرة - الشيء
- قصة قصيرة -عند مفترق الرموز
- قصة قصيرة - رائحة على شكل قلب
- -قصة قصيرة بعنوان- ذبابة واحدة ويكتمل القرصان


المزيد.....




- نعمت شفيق تعلن استقالتها من رئاسة جامعة كولومبيا بعد أشهر من ...
- استقالة نعمت شفيق من رئاسة جامعة كولومبيا على خلفية احتجاجات ...
- رئيسة جامعة كولومبيا تستقيل بعد أشهر من الاحتجاجات الطلابية ...
- بايدن مازحا خلال لقاء في البيت الأبيض: -أنا أبحث عن وظيفة-
- ثوران بركان إتنا في جزيرة صقلية الإيطالية (فيديو + صور)
- جي دي فانس: يجب على الولايات المتحدة أن تتوقف عن لعب دور شرط ...
- هيئة الأركان الأوكرانية تعترف بتوتر الوضع بالنسبة لقواتها عل ...
- جنرال بولندي يتوقع حربا وشيكة بين أعضاء الناتو
- والز يعلن استعداده للمناظرة مع فانس
- ديمقراطيو كاليفورنيا يدعون إدارة بايدن إلى تجنب -دوامة الموت ...


المزيد.....

- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصعب فريد حسن - قصة قصيرة - بووووه هااااه