محمد رضا عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8477 - 2025 / 9 / 26 - 10:22
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
انقسم الشارع العراقي على المشاركة في الانتخابات العامة والتي من المقرر اجرئها في 11 تشرين الثاني من هذا العام . السيد مقتدى الصدر اعلن مقاطعة تياره في الانتخابات , وحث أنصاره الابتعاد عنها , لأنها عملية فاسده و محتكرة من قبل الفاسدين , فيما ان بقية الأحزاب والكتل السياسية العربية والكردية ( عدا التيار الصدري) يندفعون بكل قوة بالمشاركة في الانتخابات وحث انصارهم بالمشاركة الكثيفة , لان التيار او الكتلة التي تحصد على اعلى عدد من الفائزين سيكون لها الحق بتعيين رئيس الوزراء القادم .
ليس من المتوقع ان يقود الحكومة القادمة مواطن من المكون الكردي , لان الانتخابات القادمة سوف لن تختلف عن الانتخابات السابقة لكون ان اختيار النائب سيكون ليس على أساس البرامج التي يتبناه حزبه , وانما الاختيار يتم على أساس الطائفة او العرق , وطالما وان المكون الكردي هو المكون الأصغر في البلاد , فان احتمال وصول مواطن من هذا المكون يكاد ان يكون معدوما .
اذن , المنافسة الحقيقة ستكون بين ابناء المكون الشيعي والسني . الشيعة متخوفون من ان مجيء شخصية سنية على راس الحكومة العراقية القادمة قد يعود العراق الى الديكتاتورية وعودة قيادة المكون الواحد للبلاد وترجع السجون والتهجير والقتل على الهوية . وعلى هذا الأساس فان قادة الأحزاب الشيعية يحثون انصارهم بالمشاركة الكثيفة في الانتخابات . قادة السنة السياسيون أيضا يحثون انصارهم للمشاركة في الانتخابات القادمة من اجل ارجاع الحق الى اهله ويريدون عراقا بعيدا عن ايران قريبا من دول الخليج ويتهمون الشيعة بعدم قدرتهم على إدارة البلاد بعد ان انتشر فيها الفساد المالي و الإداري .
كلا الطرفين انما يضخمون مساوئ الاخر من اجل كسب ود المنتخبين . الشيعة يتهمون السنة بان حصولهم على اعلى عدد من الفائزين يعني عودة حزب البعث وهيمنة المكون السني على شؤون العباد والبلاد وعودة رغد والقتل على الهوية وهي ادعاءات كلها باطلة . الدستور العراقي لا يسمح باستفراد رئيس الوزراء بقرارات قد تضر ببقية المكونات , واذا بغداد كانت تحكمها إذاعة الجمهورية العراقية وجريدة الثورة , وقصر جمهوري في زمن صدام حسين , فان العراق الجديد اصبح يحكمه عدد من مراكز القوى . يكفي القول ان كل محافظة في العراق أصبحت شبه دولة , واي قرار يخرج من بغداد يرفض من محافظة واحدة , يرفض من جميع المحافظات . العراق الجديد لا يستطع فيه رئيس الوزراء ان يقرر على شيء في الليل لينفذ في الصباح . اما قضية ان الشيعة ليس رجال حكم , فهذا كلام مرفوض أيضا , حيث ان القيادة ليس حكرا على قومية او دين او مذهب . القيادة تعني تحقيق الأهداف الموضوعة بفعالية , واذا فشل واحد ليس من الضروري الفشل سيلاحق الثاني. ومع كل هذا , فان الأداء الحكومي كان جيد جدا , في ظل إرهاب اسود عم العراق لفترة تزيد على عشر سنوات . كما وان الفساد ليس من صنع النظام الجديد وانما هو موجود منذ ولادة او حكومة عراقية . طالما هناك اقصاء و تهميش , هناك فساد مالي واداري .
اذن , لا يوجد سبب للخوف من فوز هذا الطرف او ذاك , ومن الأفضل للأحزاب والكتل المتنافسة الإقلاع عن هذا النوع من الدعاية الانتخابية التي اضجرت المواطن العراقي . الانتخابات يجب ان تكون عامل وحدة لا تفرقة بين أبناء الوطن الواحد , وان عودتها مع كل انتخابات عامة انما يزيد التباعد بين المكونين . الانتخابات يجب ان تكون مناسبة لطمئنة جميع العراقيين لمستقبل يسوده العدل والمشاركة و الازدهار .
و رب ضارة نافعة . ان الحملة الانتخابية القوية وان تتمركز في حث أبناء كل مكون لدعم مرشحيهم في الانتخابات , الا ان هذا يقوي عود الديمقراطية في العراق . انها تعلم الأبناء من الإباء المشاركة في اختيار قادة العراق , وكلما زاد عدد الناخبين كلما تصبح الثقة بالنظام اقوى . وكلما زاد عدد الناخبين , كلما كانت استجابة القيادة لمطالب الشعب اسرع , وان عدم استجابة الحكومة قد يؤدي بها الى الانهيار والتغيير وهو ما لا يريده أي حزب سياسي خوفا على سمعته.
كما وتشكلت حالة تضمن ازدهار الديمقراطية في العراق , حيث لاحظت ان حملة حث المواطنين بالمشاركة في الانتخابات القادمة يقودها رجال دين وعشائر وافندية , وهي ظاهرة ليس معروفة في كثير من دول العالم . استجابة أبناء العشائر الى شيوخهم وهم يدعوهم بالمشاركة في الانتخابات تكون اكثر مضيا من لافته على الطريق تحث المواطن بالمشاركة . وان حث رجل الدين اتباعه على المشاركة تصبح شبه فتوى يجب الالتزام بها , وعندما يشارك الافندية في نشر الدعوة للشباب نحو المشاركة في الانتخابات , فان هذه الدعوة ستكون مسموعة عندهم وتصبح طريقا سالكا الى المشاركة في الانتخابات القادمة .
ان دعوة مقاطعة الانتخابات القادمة بدعوة الفساد و الفاسدين مردودة لعدد من الأسباب . أولا , عدم المشاركة يعني بقاء الفاسدين في السلطة. ثانيا , ان عدم المشاركة في الانتخابات تحرم الكفؤ من اخذ مكانه في إدارة الدولة العراقية . ثالثا, ان من يدعوا مقاطعة الانتخابات انما يحرم على أنصاره , المخلصين , من تسليم مناصب سيادية قد تخدم جميع مكونات الشعب العراقي. رابعا, ان القائد الناجح والنزيه سيتكرر انتخابه , فيما ان الفاشلين سوف يطردون , وهذا احد محاسن الديمقراطية وهي اختيار الاحسن ورفض الفاشلين . خامسا, الانتخابات العامة تعطي الفرصة للأحزاب والكتل الوطنية الناجحة بالنمو والازدهار والمقبولية من قبل أبناء الشعب العراقي , وربما تصبح الخطوة الأولى للقضاء على المحاصصة وعلى الطائفية السياسية . المواطن العراقي عنده هدفين وهما توفر الخدمات وفرص عمل , واي زعيم على راس السلطة التنفيذية سواء كان شيعي او سني او كردي و يحقق له هاذين الهدفين سيكون مقبولا له وسوف يعيد انتخابه مرة أخرى. سادسا , وان كانت الديمقراطية هي المتوفر الاحسن لاختيار القادة , الا انها ليس لها القدرة على قراءة المستقبل . زعيم كوريا الجنوبية اختير على انه احسن شخصية لإدارة البلاد وعن طريق انتخابات ديمقراطية , ولكن بعد فترة قصيرة اضطر الى الاستقالة وحتى المسائلة القانونية . الفساد الإداري والمالي ما زال يعشعش في الولايات المتحدة الامريكية على الرغم من عمر الديمقراطية الطويلة في هذا البلد . الفساد المالي والإداري موجود في الدولة الدينية والعلمانية , الشيوعية والرأسمالية , الفقيرة والغنية , وان دعوة المواطنين بعدم المشاركة بحجة الفساد انما طريق لأسقاط النظام وعزل المواطن من إدارة دولته .
ان الدعوة الى مقاطعة الانتخابات بحجة الفساد , ما هي الا دعوة للقضاء على التجربة الديمقراطية الفتية في العراق. أتذكر وصية الرئيس باراك أوباما وهو يسلم مفاتيح البيت الأبيض الى الرئيس دونالد ترامب في فوزه الأول قائلا " سيد ترامب ان إدارة دولة ليست إدارة شركة ". رئيس شركة يستطع أدارة شركته وفق تصوراته, ان نجح فله وان خسر فخسارته عليه , ولكن إدارة الدولة تحتاج الى قائد او رئيس يستطع الوقوف امام التحديات الداخلية و الخارجة والتي تفرض عليه فرضا قد تمنعه الوصول الى أهدافه , وان تحقيق الأهداف يحتاج الى تكاتف القيادات الدنيا . أي القائد يحتاج اكثر من يدين لإدارة بلده , وهذه الايادي الكثيرة ربما لا تتفق بالأهداف . وعليه يجب على القائد التسلح بالشرعية في اتخاذ قراراته , وهذه الشرعية لا يمكن تحقيقها الا عن طريق الانتخابات الوطنية . الرئيس الشرعي سيكون له الحق لمعاقبة الفاشلين ومكافئة الناجحين , وتحقيق اكبر قدر ممكن من رغبات المواطنين . اعتقد ان الانتخابات هي الطريق الاسلم لقيادة بلد مثل العراق , المتعدد القوميات والأديان والمذاهب , ولان هذا النظام يعطي الحق للجميع .
#محمد_رضا_عباس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟