|
مسطرة -المجلس الأعلى للإعلام-!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 1826 - 2007 / 2 / 14 - 02:40
المحور:
الصحافة والاعلام
أوفد "المجلس الأعلى للإعلام" فريقا، أسماه "فريق بحث"، إلى الصحافيين، على اختلاف صفاتهم المهنية، في مقار عملهم، مُحَمِّلا أعضاء الفريق رزما من "استمارات"، يمكن من خلال مَلْئها، أي إجابة أسئلتها، قياس الحرِّية الصحافية في السنة المنصرمة، 2006. حَصَلْتُ على "استمارة"؛ ولكنني اعتذرتُ إلى عضو الفريق الذي سلَّمني إيَّاها عن امتناعي عن ملئها، قائلا له على سبيل التعليل أو التبرير: "وهل من حرِّية صحافية حتى نقيس منسوبها؟!". اعْتَرِف بأنَّ قولي "غير الرسمي" هذا كان "متطرِّفاً" في سلبية ما انطوى عليه من حُكْم وتقويم، أي أنَّه كان مُقِلاً في موضوعيته؛ ويكفي دليلا على ذلك هذه المقالة التي من خلالها أعبِّر بقدر من الحرِّية عن رأيي هذا.
في مقدِّمة "الاستمارة"، التي تَحْمِل توقيع د. سيما بحوث، رئيس المجلس الأعلى للإعلام، ورد الآتي: ".. عِلْما أنَّ البيانات (أي أجوبة الصحافي) لن تُسْتَخْدَم لغير الأغراض البحثية؛ كما أنَّه من غير المطلوب ذِكْر الاسم، ويكتفى بذْكْر الصفة الصحافية أو الإعلامية". في هذا القول، الذي غايته "التشجيع"، ويشبه "الضمانات"، تأكيد ضمني لوجود شيء من "الخوف"، و"الحَذَر"، و"سوء الظن"، في نفوس أعضاء "السلطة الرابعة"، المتوَّفرين، بحسب "دورهم الافتراضي"، على صنع "الرأي العام"، بعيدا عن "مصالح فئوية ضيِّقة"، وقريبا من "الحقيقة الموضوعية". وأحسب أنَّ "عبارات التشجيع" تلك تكفي في حدِّ ذاتها دليلا على أنَّ "منسوب الخوف" ما زال أعلى مما يجب في مجتمع تخطَّت حرِّية الصحافة فيه "نقطة (أو خط) اللاعودة"، فحيثما يعلو "منسوب الخوف" يهبط، في الوقت نفسه، وبالقدر نفسه، "منسوب الحرِّية (الصحافية)".. ويظل "الإعلام المرعوب" مهيمنا، روحا، ورجالا، ومؤسسات.
انتقَلْتُ، بعد ذلك، إلى الأسئلة (13 سؤالا). والإجابات، بحسب الطريقة التي قرَّرتها "الاستمارة"، إمَّا أن تكون بـ "نعم"، وإمَّا أن تكون بـ "لا"؛ وإني لا أعترض على ذلك. ولكن، ما أعترض عليه هو أنَّ الإجابة بـ "لا" عن الأسئلة جميعا لن تؤسِّس لـ "حُكْم موضوعي على حال الحرِّية الصحافية"؛ لأنَّ الحُكم الذي يمكن أن تفضي إليه هو "كانت السنة المنصرمة سنة خير للحرِّية الصحافية إذ ارتفع منسوبها حتى فاضت"!
بحسب "السؤال" يأتي "الجواب"، فـ "الجواب" لن يَكْشِف من رأي "المُسْتَجْوَب" في حال الحرِّية الصحافية أكثر مما يسمح به "منطق السؤال"، أو بما يتعدَّى حدوده. وهذا إنَّما يعني أنَّ "الكواشِف الحقيقية والأساسية"، أي الأسئلة التي يمكنها أن تفضي إلى إجابات، يمكن أن تفضي إلى "التأسيس لحُكم موضوعي على حال الحرِّية الصحافية"، قد غابت، عن وعي، أو عن غير وعي، عن "الاستمارة".
حرِّية الصحافة عندنا لا أقيسها، ولستُ مضطَّرا إلى أن أقيسها، عَبْر تلك "المقارنة النسبية البائسة"، أي عَبْر مقارنتها بحرِّية الصحافة في دولة عربية مجاورة، فلا يأخذ بهذه الطريقة في القياس سوى من له مصلحة في تفضيل "الظِلِّ" على "الجسم" من "حرِّية الصحافة".
حرِّية الصحافة (كما الديمقراطية على وجه العموم) إنَّما هي ظاهرة عالمية، يمكن ويجب، قياسها بحسب "المعايير العالمية"، فـ "الخصوصية القومية" لا تَصْلُح، ويجب ألا تَصْلُح، مبرِّرا لإفراغ حرِّية الصحافة عندنا من كثير من قيمها ومبادئها العالمية. كل من يأخذ بهذه الطريقة في المقارنة إنَّما يُعبِّر عن خشيته من صعود الجبال، فيرتضي، بالتالي، العيش أبد الدهر بين الحُفَر.
يُقال إنَّ "المعرفة"، لجهة بدئها ونشوئها، هي "الجهل إذ أدركه صاحبه واعترف به". وقياسا على ذلك، نقول إنَّ إدراكنا (واعترافنا بـ) ضآلة حرِّية الصحافة عندنا هو وحده ما يشدِّد الميْل لدينا إلى تخطي هذه الحال، وإلى أن نحْرِز، بالتالي، من حرِّية الصحافة، بأوجهها كافة، ما يؤكِّد لنا، ولغيرنا، أننا امتلكنا من "جوهر حرية الصحافة" ما جَعَلَنا نتخطى "نقطة اللاعودة". هذه الحال لم نبلغها، موضوعيا، بعد؛ ولكن يكفي أن تجيب بـ "لا" عن أسئلة "الاستمارة" تلك حتى تتوصَّل إلى حُكم يناقِض، منطقيا، الواقع، أي تلك الحال.
ولو أردتُ مزيدا من الموضوعية في القول لقُلْتُ إنَّ "مقدار" حرِّية الصحافة في العالم العربي كله لا يكفي صحافيا، أو كاتبا، واحدا قرَّر أن يقول كل شيء، وأن يعبِّر في حرية (غربية) عمَّا في رأسه من أفكار وآراء في القضايا والمسائل التي يُدْرجونها في عداد "المحرَّمات (الدنيوية قبل الدينية)".
الصحافيون والكتَّاب عندنا ليسوا بعُرْضَةٍ لكثير من تلك العقوبات والضغوط التي تَضَمَّنتها "أسئلة الاستمار"، ليس لكون حرِّية الصحافة عندنا بأحسن حال، وإنَّما لكوننا، نحن الصحافيين والكتَّاب وأهل الفكر والقلم" بأسوأ حال، فقد رضعنا من "نقيض" الحرِّية في القول والتعبير ما يكفينا "شرور" ممارسة تلك الحرِّية، فلا صحافة حرَّة، ولا حرِّية صحافية، حيث "الصحافي الحر" لم يُوْلَد بعد.. وحيث "المجتمع الحر"، الذي هو "الرحم" الذي فيه يتكوَّن "الصحافي الحر"، لم يُوْلَد بعد!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نُذُر حرب جديدة!
-
ساعة المخاض لسلطة -فتحماس-!
-
في جدل العلاقة بين -الذات- و-الموضوع-
-
بند -الاعتراف- في -الحوار المكِّي-!
-
شلال دمٍ من أجل -عَظْمَة-!
-
الطريق التي افتتحها اجتماع -الرباعية-!
-
ثلاث سنوات من الجَزْر الديمقراطي!
-
والمفتي إذ أفتى!
-
لن يُغْفَر للشعب الفلسطيني سكوته!
-
-التقارب- بين الرياض وطهران!
-
جدل قانون الأحزاب الجديد!
-
التقريب بين المذاهب.. في الدوحة!
-
الخلوة الدمشقية!
-
كفَّرْنا بعضنا بعضا فعُدنا غساسنة ومناذرة!
-
رايس وصلت إلى رام الله في زيارة للعراق!
-
بوش.. من -العجز- إلى ارتقاب -معجزة-!
-
الوعي
-
درءا لنصر يُهْزَم فيه الشعب!
-
في الدياليكتيك
-
هذه هي -الاستراتيجية الجديدة-!
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|