|
في البحث عن الرّابط الأصيل... شعر يوسف رزوقة
مسعود عكو
الحوار المتمدن-العدد: 1826 - 2007 / 2 / 14 - 02:35
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
يوسف رزوقة، كوكب شعري، ينفرد بمزاياه عن ثلة الشعر، أو متعاطيه، في يوطاليا الشعر، يخلق عبارات، وكلمات جديدة لم يسبقه أحد إليها. يحاول من خلال ثقافة منوعة التلقيح بين الأحرف المرئية أمامه فتحبل منها تعابير أخرى قد يستغرب قارئه في محاولة منه خلق جيل جديد من الكلمات الشعرية ذات موسيقية أقرب إلى الميكانيكية في عبارات، وتعابير حديثة، حيث حاول رزوقة إلجامها في قصائده التي تفوح منها رائحة العولمة، ويسعى من خلالها تغيير منحى الشعر باتجاه رياح التمدن الكلامي، والعباراتي، وليس فقط من خلال تكريس الأحرف، والعبارات الجاهلية في إعادة بناء قصيدة ترجع بأصولها إلى سنين خلت رغم حداثة من نظمها.
البجعة عنده على ضفاف وادي السيليكون، وما يكتبه ليس الشعر الموزون أو الشعر المنثور، وما هو بالإعجاز فهو يرى أنه قد ولى زمن الشعراء المنتفخين بأنفسهم زعماء النظم الزائف، و الزلفى، وما يكتبه بالفحم الآن هو محاولة للحلم، و للتحريض عليه، وفلسفة للثأر من امرأة، ولدت هذا الأسطول الهائل من حمقى العالم.
القصيدة تستدعي عموم معارضيها من أساتذة المجاز، وما إليه فترى أن تجلد " الأدب القديم " أمامهم دعت الحطيئة، عروة بن الورد، بشار بن برد، الشنفرى، و الآخرين إلى مبارزة أشد ضراوة هذا هو عالم رزوقة.
عن دار إيماجين صدر كتاب نقدي عن الشاعر التونسي يوسف رزوقة بإمضاء الباحثة الفرنسية أود ريشو ديانو أستاذة ألأدب الفرنسي بالسوربون، حيث تناولت فيه بالبحث المجموعات الشعرية الخمس باللغة الفرنسية، والتي أجراها صاحبها في لغة فولتير، وهي:
ابن العنكبوت 2005، حديقة فرنسا 2005، منظوراً إليها من فوق، يوطاليا أو مدينة الشعراء (بالاشتراك مع الشاعرة الفرنسية هيرا فوكس)2005، ألف قصيدة، وقصيدة (بالاشتراك مع الشاعرة هيرا فوكس)2005، و حديثاً: باكراً على الأرض 2006، وهذا الكتاب الأخير التقى فيه صاحبه في مستوى التواشج تلاقحاً، وتقاطعاً مع الشاعر السويدي غونار إيكيلوف صاحب كتاب "متأخّراً على الأرض".
الكتاب الذي جاء تحت عنوان " شعر يوسف رزوقة أو البحث عن الرّابط الأصيل" كان على هذا الطفل الشاعر، قبل أن يعيد تشكيل كلّ شيء، أن يفكّ شفرة كلّ شيء، انطلاقاً من حلّ العقدة التي يتمّثلها في كلّ قصائده تقريباً. فالعقدة لديه هي مفتاح عالمه الشعري، وتتجلى العقدة الإشكالية هنا كصورة، وكصوت فهو يلعب، ويشفّر العالم من جديد من داخل اللغة الفرنسية. فالعالم بالنسبة إليه معقّد، رتيب، وكئيب، وبالتالي فإن أنا الشاعر تمحو خارطة العالم لتقترح الخارطة البديل.
وفي غمرة اختلاط الأسئلة، ينجم سؤال الهويّة عبر ثنائية " نحن والآخر" ليبحث فيها الشاعر على طريقته بإلغاء الحاجز: واو العطف لتصبح" نحن الآخر" أي أنّ نحن= الآخر، ومن شواهده الشعرية تورد ديانو في هذا السياق ما يلي:
تلك أسئلتي الحارقة أريان وهبتني خيطها ثمّ تركتني هناك في الجزيرة الصحراء لا أحد أراه الآن وهنا فقط يتامى الخارطة في ركن كذاك الرّكن يخطّطون معا لطريق الهروب
إن عقدة الهويّة تجعل قصيدة يوسف رزوقة تدور حول ذاتها، وصوته يتماهى مع السؤال اللانهائي للأنا الدائرة. ولم يقف ولع الشاعر بالجانب المضموني فحسب بل اعتنى بالبعد الشكل في سؤاله الشعري حيث تلتقي الكلمات مع الموسيقى، ومع الألوان، تلتقي كلها باتجاه أفق جديد، وممكن للحلم حسب القاعدة السحرية الرزوقية على حدّ تعبير ديانو.
وبالتالي فإن أنا المتكلم مطالبة بفضح العلائق المستعارة الراهنة عبر تشكيل نظام جديد يجمع فيه الكائنات، والأشياء هو عالم شعريّ له قابلية الوقوف بشراسة، وجهاً لوجه مع العدم كما تجلّى ذلك في قصيدته " الأوبرا غير المكتملة" حيث آلى الشاعر على نفسه أن " يجعل النجوم خارج الإطار، وأن يخلّ بتوازن العالم" حتى يهب حبيبته الروسية أولغا، وهماً يتجوّلان بين مئات اللوحات في الأرميتاج لوحة مختلفة وفق رؤيته الشعرية الفائقة.
شعر يوسف رزوقة زاخر بما هو عقد، وتقاطع طرق، ونقاط من أجل إعادة تأثيث العالم برؤى جديدة. إنّه تفكيك الرّاهن، ومحاولة تركيب العالم بطريقة مختلفة تماماً كهذا المجنون الحكيم جداً، والذي انخرط في رسم شبكة، وعليه كي يصطاد شيئا أن يكون هو السمكة. يقول رزوقة:
أكثرهم حكمة رسم شبكة ولكي يمرّ عبر خيوطها أنشأ يصرّف فعل "صار سمكة" في الحاضر.
إن العقدة تتجلى صورتها لدى يوسف رزوقة في أشكال شتّى حسب التيمات المتنوعة، وكل ذلك من أجل نسج عالم بديل للكائنات، وللأشياء، كما أن الأنا الشعرية تلغي المسافات، وتدعو قارئها إلى منزلها، " منزل الكلمات" حيث أثّث الأبجديّة على هواه أي بهذه "العقد" التي تتخلل النسيج النصّي، والتي تأخذ أشكالاً شتى ، من البرزخ إلى مفترق الطرقات إلى نقاط مضيئة إلى جسر بين شرق، وغرب، أو إلى نقاط تهيئ لملتقى العشّاق حيث يختلط كلّ شيء كما في عشّ، على خلفية ذات صلة وثقى بفكرة الجذور.
فالأنا الشعرية تهفو في تطلعها إلى نبع الحياة، إلى المهد الأوّل، إلى الحرف الدّائريّ، والرّحميّ "0" الأساس المؤسّس، إلى امرأة ورجل، وإلى بيضة التكوين بينهما، فكل رجل هو آدم لدى رزوقة، وكلّ امرأة هي حوّاء، وعليهما إعادة اختراع العالم بولادة عالم جديد بفضل الفعل الشعريّ.
إنها العقدة في بعدها المتعدّد، عقدة شرق، وغرب عبر خلق نظام معجميّ جدي، وعبر مختلف الدوائر التي تشكّل عالم شرق، وغرب المجنون، وخارطة العالم المثلى.
هذا الخلق المتجدّد للروابط الجديدة من أجل عالم آخر ينبغي أن يمرّ كما ترى ديانو عبر مقتضيات كتابة مختلفة، وهذا ما تحقّق لدى يوسف رزوقة من خلال تقنيتي الإحداث، والعدول، ومن خلال تحرره من قيود القديم كما تجلى ذلك في ديوان " حديقة فرنسا" حيث تحرر من ربقة الإيقاع المتوارث، أو في ديوان " ابن العنكبوت" حيث سوّغ أكثر من كلمة منحوتة جديدة.
في شعر يوسف رزوقة، تقول الناقدة ديانو، حلم عبر الكلمات، فهو يلتقي مع طرح جيرار جينات الذي يرى " اللغة في حالة حلم"، ويبدو أن اللغة الفرنسية جامدة جداً، في رأي ديانو فلم يتحقق عبرها ما به يحلم شاعر، ولهذا يعمد رزوقة إلى المبادرة بالمغامرة لتحقيق إمكانات قول أخرى، غير مستعملة.
بعد جولة استقرائية عبر مجموعات رزوقة الخمس، توقفت ديانو في فصل مستقلّ عند مجموعته الشعرية الأخيرة " باكراً على الأرض" وتحت عنوان" قصور من الكلمات"، تقصّت تقنية الشاعر بوصفه لاعباً ماهراً بالكلمات دون أن تغفل تقنيته الأساس أي العقدة في بعديها السيميائيّ، والتّيمي.
وترى في هذا الكتاب نزوع رزوقة إلى الكتابة المبتهجة حيث أن الأنا الشاعرة، وهي تكتب تمارس اليوغا، وترقص على إيقاع الحياة الكثيرة، متأرجحة بين الظل، والغبطة ومن ثمّة ترى ديانو أن أنا رزوقة الشعرية لا يمكن استقراؤها إلا عبر لعب الكاميرات، ومختلف زوايا النظر لالتقاط الصور.
هي لعبة المرايا الدائمة بين شرق، وغرب، بين الرجل، والطفل وبين شاعر اللسانين العربي، والفرنسي، ورجل الإعلام الحالم بالكلمات ذلك أن شعر يوسف رزوقة هو وعد ببهجة ما وراء الدموع، دفق حياة عابر للألم. الشعر هنا نشاط يوميّ مقدّس، رياضة تخوّل للأنا الشاعرة أن تمتلئ بذاتها " سكرى بشيء من الاخضرار" بفضل "اليوغا الشعرية" و" الزّن الرزوقيّ" وغيرهما.
رزوقة شاعر من طراز مختلف، يكتب عن أشياء قد لا يتخيل القارئ أنه بالإمكان كتابة شعر عنها، له عالم مختلف عن عالمنا الكوني الذي نعيش فيه، فللكلمات عنده تعابير أخرى يعكس من خلال مرآته أوصافاً، وتعابير أخرى تنعت رؤية جديدة للواقع بصورة رزوقية في اختلاف تام عن كل ما يجاورنا.
للشاعر يوسف رزوقة مدوّنة شعرية زاخرة في أكثر من لغة إلى جانب نشاطه الثقافي حيث صاغ مع نخبة من الشعراء العرب ( محمّد علي شمس الدين من لبنان، وعز الدين المناصرة من فلسطين، وعيّاش يحياوي من المغرب، وشمس الدين العوني من تونس) صاغ| " دستور الشعراء " : رؤية جديدة لتشخيص الإيقاع العالمي الجديد في ظل الفضاء الاتصالي المعولم.
كما خاض مع شعراء أوروبيين ضمن أشغال ورشوية تجربة تطبيق العروض العربي على القصيدة الفرنسية، وله في هذا السياق مؤلفات، وقد تمّ انتخابه سنة /2005/ سفيراً لدى جمعية أمريكا اللاتينية لشعراء العالم بالتشيلي، ممثّلاً للعالم العربي.
من مؤلفاته: بالعربية 1978 أمتاز عليك بأحزاني 1984 برنامج الوردة 1986إسطرلاب يوسف المسافر 1998الذئب في العبارة 2001 بلاد ما بين اليدين 2001 أزهار ثاني أوكسيد التاريخ 2002 إعلان حالة الطوارئ (شعر) 2003الأعمال الشعرية | الجزء الأول 2004 يوغانا | كتاب اليوغا الشعرية 2004 الفراشة والديناميت 2005 أرض الصفر
بالفرنسية 2005ابن العنكبوت 2005 (يوطاليا (فوكس بالاشتراك مع الشاعرة الفرنسية هيرا فوكس 2005ألف قصيدة و قصيدة بالاشتراك مع الشاعرة الفرنسية هيرا فوكس 2005حديقة فرنسا 2006باكراً على الأرض ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الكتاب: La poésie de Youssef Rzouga ou la recherche du lien authentique Aude Richeux Diano, Imagine TN, 2006
#مسعود_عكو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإتجار بالبشر أو الرق مرة أخرى
-
عندما يلبس الشرف أنين زهرة أخرى
-
يتامى الطاغوت
-
سوريا والعراق... علاقات جديدة!!!
-
اغتيال جديد على مذبح الحقيقة اللبنانية
-
فسحة أمل
-
طبول الضياع
-
أنفال ولكن!!!
-
انتصار الأغاني
-
لا تقل لو!!!
-
شعراء العالم
-
حروب استباقية, وإسقاطات إقليمية, هل تكرر تركيا السيناريو الإ
...
-
لبنان الأخضر... لبنان
-
اجتياح لبنان: حرب جديدة, أم تصفية حسابات قديمة؟
-
تسلية أمنية وسذاجة كردية
-
من صنع الزرقاوي, ومن أتى بنهايته ...؟
-
معشوق الله
-
الأمم تحتل قامشلو
-
محكومون بالأمل - إلى محمد غانم وفاتح جاموس وآخرين...
-
إيران النووية وأوراق جديدة للمساومة
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|