أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سلام إبراهيم - وطن آخر مجموعة -بثينة الناصري القصصية تزييف عذاب المنفى وتمجيد قيم الموت















المزيد.....

وطن آخر مجموعة -بثينة الناصري القصصية تزييف عذاب المنفى وتمجيد قيم الموت


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 1828 - 2007 / 2 / 16 - 08:58
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


في الوقت الذي فيه يتنصل فيه العديد من كتاب السلطة حال عبورهم الحدود إلى دول الجوار مستنكرين الظروف التي اضطرتهم إلى كتابة نصوص تمجد قيم الحرب وتبارك سلطة القمع. نجد " بثينة الناصري" المستقرة في مصر منذُ سنوات تكتب نصوصها بنفس يدافع عن الأوضاع القائمة في العراق. ونصوص "وطن أخر" السبعة عشر تفتقد في غالبها إلى معاناة العراقي المصطلي بقمع السلطة من جهة وبالحصار من جهة أخرى. بل تنشغل غالبية نصوصها بشخصيات هامشية وموضوعات هامشية أيضاُ. سأحاول إلقاء الضوء على نصها في هذه المقالة.
والقاصة "بثينة الناصري" نشطت أدبياُ أوائل السبعينات، وصدرت لها ثلاث مجموعات قصصية "حدوة حصان" وزارة الثقافة والإعلام ـ بغداد 1974 ، وعن دار الثقافة الجديدة المصرية " موت إله البحر" 1977 ، وعن دار الخريف ـ بغداد 1990 "فتى السردين المعلب". أما "وطن آخر" فقد صدرت عن دار سينا ـ القاهرة ـ 1994 . كما ذكرت تمتاز قصص المجموعة بشخصياتها الهامشية وأحداثها التي لا تكتسب دلالة عميقة لسذاجة وجهة نظر السارد. ففي قصة "المنزل" مثلاً يتمنى الخادم في قصر مكون من طابقين موت العجوز المالكة والتي يقوم بخدمتها منذ نعومة أظافره، السارد بالضمير الثالث يستطرد في تفاصيل الأمنية هذه من خلال حوار مع زوجته. بنية القصة وتفاصيلها تقليدية لا تمت إلى الهم الإنساني الجديد بصلة، وتذكر بالقصة الرومانسية العراقية في بداية النشأة، لا بل تجد في بعض أقاصيص تلك المرحلة ما يرتقى على هذا النص رؤية وبناءً ولغة. هذه الملاحظة تنطبق على العديد من النصوص، ففي "جوع" تصور بعدسة فوتوغرافية تفاصيل رجل جائع يبحث في المزبلة ويطرد صبين حاولا البحث معه، ويعضه كلبان ويسيطرا على بقايا الأكل، فيسير على أربع مقلداً نباح الكلاب ويشاركهم الأكل، موضوعة الجوع الحيوية تناولها السارد بوجهة نظر ساذجة، تنظر إلى الإنسان من الخارج، فهي لا تشير إلى الزمن الخارجي ولا إلى مكان الحدث، ولا تستكشف ولو بجمل مكثفة معاناة وتاريخ هذه الشخصية وكيف انمحقت متحولة إلى شبه حيوان، فبدا النص مجرد وصف لكلب بشري ليس إلا فاقدا مغزاه الأدبي. يطغي على النص بناءً ولغةً مفردات البيئة المصرية، فالراوي يستخدم في وصف الأشياء مسميات تمتاز بها اللهجة المصرية، كما أن بعض الأحداث والشخوص هم مصريون وذلك ليس سبة، بل أن طريق التناول ومعالجة للحدث تشملها ملاحظتي حول سذاجة وجهة نظر السارد وفقر ثقافته. ففي "حكاية سماح" تسرد لنا قصة موت طفلة بواب في حادث دهس، وتصف كم تم غسلها من قبل امرأتين في حمام، أو تقوم بسرد أحداث يومية ثانوية لا دلالة لها في الكيفية التي بنت فيها النص، نجد ذلك واضحاً في "مصر آخر معياد" عن ركاب حافلة متجه من السويس إلى القاهرة، وتفاصيل ما يجري في الرحلة، عن توهم أحد الركاب ونزوله مسرعاً، عن عراك بين سائحين والمفتش مطالبين برد مبلغ المرجع الذي دفعاه عند قطع التذكرة، وحوار حول أم كلثوم بين السائق وأحد الركاب، وتوقف الحافلة في ورشة تصليح، وعند دعسه أرنب، تفاصيل مترهلة، لا تدل إلا على مستوى الحدث اليومي الروتيني، مما يؤكد هنا سذاجة السارد وفقره، ففي عملية انتقاء التفاصيل وترتيبها في النص تكمن قدرة كاتب النص المبدع في هذا النمط من الكتابة التي برع فيها الكتاب المصريين بشكلٍ خاص. في نصوص أخرى تسرد أحداث مبنية على الصدف، ومنطق الصدفة التي تبني عليها النص صعبة التصديق كونها مفبركة ومفتعلة، لنأخذ نموذجاً من هذا النمط ، في " الحظ تجلبه السلاحف" سيارة تتوقف أمام محل بيع الطيور ينزل طفلان يلحق بهما الأب، ثم الأم. يصر الطفل على شراء سلحفاة. تواصل السيارة المسير تترك السلحفاة حرة فيخاف الأطفال، ويناقش الزوج والزوجة حول حياة السلاحف وموتها عندما تنقلب على ظهرها. ويترك الأب السلحفاة تتسلق على ذراعه وهو يسوق إلى أن تربكه عندما تنحشر تحت دواسة البانزين، مما يؤدي إلى انقلاب السيارة لتستقر على ظهرها. وتتسلل السلحفاة وحيدة في إشارة إلى موت العائلة. هذه الفبركة لا معنى لها. بل أننا نستطيع قراءة العديد من أخبار صغيرة معنية بالصدفة في الصفحات الأخيرة من الصحف اليومية فيها الكثير من الغرابة والمعقولية. ينطبق هذا على العديد من نصوص المجموعة، ومن هذا النمط "دجاجة عمر" التي من المستغرب أن يعاد نشرها في ملف "آفاق" ملحق صحيفة الحياة الأدبي الأسبوعي الخاص بالأدب العراقي بمناسبة قرب الضربة الأمريكية بتاريخ (9 أكتوبر 2002)، وهي عن ابن الكاتبة عمر الذي ربى دجاجة في زمن الحصار كي يحصل على بيضها، فسرقها كلب جائع فطارده حتى عاد بها جريحة، ورفض ذبحها وفي اليوم التالي وجد عادت لوضع البيض، في معالجة شديدة السذاجة لوضع الإنسان العراقي زمن الحصار. في عدد من النصوص الأخرى تعقلن في سردها الأشياء كما في "السيارة الصغيرة الشجاعة" إذ يوحي السرد وكأن سيارة المرأة التي تود بيعها تحس إحساس عاقل في شأن هم يومي ليس له أي دلالة إنسانية عميقة تبرر فعل الكتابة. أو تسرد لنا قصة عن مشاعر حصان في "أحلام عنتر" عن حصان سيرك يباع بعد إفلاس صاحب السيرك فيتحول إلى حصان نقل يتعرف في إحدى المرات على أمه في سوق شعبي، فيجعله السارد يثور منتقلا إلى دهشة الناس من تلك الثورة ومعاناة صاحبه من أجلس الإمساك به.
في النص المعنون "وطن آخر" وهو عنوان الكتاب تقدم الكاتبة في بداية القصة بما يشبه المقدمة لكن في متن السرد " هذه حكاية فتى ظنّ يوماً أنه يستطيع أن يبحث عن وطن آخر.. فباع أشياءه وطوح على كتفيه بحقيبة سفر وراح يدق على باب العالم"(ص21). ثم تسرد تفاصيل وضعه في لندن منذُ لحظة تأجيره لغرفة في قبو مبرزة جشع الأجانب من خلال تبشيع صاحبة النزل وبرودة الأجانب حيث يداوم المهاجر على الجلوس في بار المحلة ليشرب البيرة بشكل يومي، ويحاول الاتصال بصديقه الشاعر المهاجر بشكلٍ مبكر، فيخبرنا السارد بأن المهاجر الجديد لم يعثر عليه لتغيير عنوانه، لكنه يقترح علينا مخرجاً آخر للنص، فيقرع الباب ويجده مقترناً بإنكليزية ولديه أطفال، فيكتشف المهاجر أن صاحبه ترك الشعر ونسى تقاليده متحولا إلى مقاول شره للمال، لكنه ينصحه بالعودة إلى بغداد كي لا يكون مصيره مثل مصيره، إذ سوف يتغير ويتلف ويلفه النسيان. فيخرج محبطاً، ويذهب إلى البار يحاول أن يكلم عراقيين سمعهم يتحدثون بالعربية في البار لكنهم يتجاهلونه مما يجعله يصرخ "أنا عراقي من بغداد" (ص27). مما يجعل صاحب البار يطرده بأدب، فتعلق الكاتبة على لسان العراقيين في البار ساخرين " لاجئ مستجد". هذا الحدث ممكن في أي ظروف أخرى، لكنه إزاء الوضع الدرامي الذي يعيشه العراقيين يجعل من هذا النص زائف وله أغراض أيديولوجية مباشرة تخدم السلطة القائمة، بنية النص بهذه الطريقة والزمن تشوه وضع المنفي العراقي والمنفيين بالتمويه على أسباب الهجرة الحقيقية المتمثلة بالقمع وظروف الحصار الناتجة عن سياسة الحرب والتجويع المدروسة من قبل السلطة، ويعرض عن الأعداد الهائلة والتي فاقت الملايين الثلاثة من العراقيين المنتشرين بأرجاء الكرة الأرضية. وذلك بتصوير الهجرة وكأنها مجرد رغبة والمنفي فاسد متغير لا يفكر بوطنه في مسعى يقول بضرورة العودة إلى الوطن رغم كل شئ، في معادلة تقلب الوقائع وتزييف عذاب المنفي سواء القديم أو الجديد في خصوصية التجربة العراقية.
في نص " زينب تتذكر" المبنية بهيئة حديث تسرده "زينب المصرية" للكاتبة ولنا في مصر حيث تتذكر تفاصيل حياتها عندما أحبت عراقياً يدرس في القاهرة وأقرنت به وذهبت للعيش معه في البصرة ورزقت منه ثلاث أطفال أكبرهم جاء مع إعلان الحرب على إيران، وفيه تفاصيل عن وحشية القصف الإيراني على البصرة ورعبها ونضال المصرية في الدراسة والعمل كمعلمة في مدرسة، وتظل في العراق إلى حين مقتل زوجها في معارك أهوار الحويزة، لتعود بصحبة أطفالها إلى مصر. استخدمت الكاتبة لغة البيانات العسكرية العراقية في سردها " أضحك كلما أتذكر يوم كنا داخل المدرسة عندما أغارت طائرات للعدو"(ص56). كما يخلص النص إلى أن الموت بتلك الحرب مفخرة للعراقي والعربي. من خلال تصوير ابن القتيل "عماد" الذي يشبه أبيه في شكله وعناده وكبريائه الشديد، ويحمل ذكراه بالاحتفاظ رغم مرور كل تلك السنوات بالعلم العراقي الذي لفوا به تابوت أبيه في غرفته (ص58).
وهكذا تتشبث الكاتبة "بثينة الناصري" بقيم أستنكرها كتاب السلطة الذين أصابهم إسهال الكتابة عن تلك الموضوعات زمن الحرب العراقية الإيرانية واعترف بعضهم، مثل "عبد الستار ناصر" في مقال نشر في مجلة المسلة ـ العدد الثالث، السنة الثالثة، نيسان 2002 ـ بأنه كان يكتب تلك الموضوعات طمعاً في المال ملقياً ضميره جانباً.



#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في أروقة الذاكرة رواية هيفاء زنكنة القسم الأول
- عن مقتل صديقي الزنجي عادل تركي
- ليل البلاد رواية جنان جاسم حلاوي نص يرسم جحيم العراق بالكلم ...
- عن العالم السفلى لنعيم شريف العراقي يحمل جرح الحروب في الوج ...
- خسوف برهان الكتبي للطفية الدليمي كيف تنعكس ظروف القمع على ا ...
- سرير الرمل
- قسوة
- التآكل
- جورية الجيران
- نخلة في غرفة
- في ذكرى الرائي عزيز السماوي
- موت شاعر 1 بمناسبة وفاة الشاعر الصعلوك كزار حنتوش
- بمناسبة موت الشاعر كزار حنتوش3 موت شاعر
- بمناسبة موت كزار حنتوش2 موت الشاعر
- تشوه بنية الإنسان في البيئة العربية المغلقة والقامعة- الجزء ...
- تشوه بنية الإنسان في البيئة العربية المغلقة والقامعة- الجزء ...
- تشوه بنية الإنسان في البيئة العربية المغلقة والقامعة- الجزء ...
- تشوه بنية الإنسان في البيئة العربية المغلقة والقامعة- الجزء ...
- تشوه بنية الإنسان في البيئة العربية المغلقة والقامعة
- أزقة الروح قصة قصيرة


المزيد.....




- مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
- السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون- ...
- مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله ...
- اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب ...
- محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
- مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
- من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
- خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال ...
- هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
- قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل ...


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سلام إبراهيم - وطن آخر مجموعة -بثينة الناصري القصصية تزييف عذاب المنفى وتمجيد قيم الموت