|
قراءة في المادة (29) من الدستور العراقي
عبد الجبار خضير عباس
الحوار المتمدن-العدد: 1826 - 2007 / 2 / 14 - 02:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ايهما اساس المجتمع الاسرة ام الفرد ؟
المادة(29) ـ الدستور العراقي : (أ- الأسرة أساس المجتمع ،وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والأخلاقية والوطنية). المادة (49) ـ دستور إقليم كردستان: (الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع ولها الحق في التمتع بحماية المجتمع والحكومة). المادة(خامسا) الدستور المصري : (إن كرامة الفرد انعكاس لكرامة الوطن،وذلك أن الفرد هو حجر الأساس في بناء الوطن وبقيمة الفرد وبعمله وبكرامته تكون مكانة الوطن وقوته وهيبته).
ـــــــــــــــــــــــــــــ ظهر مفهوم الحرية الفردية، كقيمة اجتماعية، أبان عصر النهضة بعد انهيار الإقطاع في ايطاليا ،ونشوء الطبقة البرجوازية في القرن الخامس عشر، التي جاءت كحتمية تاريخية وهذا التأسيس في البنى التحتية بالضرورة أستوجب تحولات في البنى الفوقية التي تشمل القيم الأخلاقية والفكرية والسياسية ،ونتيجة لذلك حقق هذا المجتمع جملة من الاكتشافات العلمية الهامة،والمتغيرات الفكرية، التي أدت إلى زحزحة هيمنة المؤسسة الدينية،وتبلور مفهوم النزعة الفردية من خلال الاطروحات الفلسفية، التي بدأت تنأى عن الأفكار التقليدية التي يمثلها المجتمع الطبيعي، الممثل لنظام فكري وسياسي واجتماعي أبوي ((بطريركي))وما عزز هذا النزوع نحو الحرية الفردية في أوربا ،هو ما تبع الثورة الإنكليزية في القرن السابع عشر ،ومن معطيات هذا التحول،ضرورة إطلاق الحريات الفردية ونشوء اللبرالية ويتضح ذلك من خلال الأدبيات السياسية والاقتصادية،وقد أفرزت مرحلة التطور الصناعي ورسوخ البنى التحتية،زوال مفاهيم المجتمع الأبوي (البطريركي)وبروز رؤى فكرية تنسجم مع معطيات التحولات الاقتصادية الهائلة ، فأكد معظم الفلاسفة والمفكرين،من جان جاك روسو وجون لوك،وهوبزومنتيسكيو، على أن العقد الاجتماعي ،هو عقد بين الفرد والدولة،والتخلي عن الرؤية الأبوية (البطريركية)التي باتت لا تتلاءم مع معطيات التحولا ت الاقتصادية والفكرية والسياسية. أكد توماس هوبز 1585- 1679، أن القانون الطبيعي ليس كما كان الاعتقاد سابقا وليد السماء، بل وليد الإنسان ذاته ،واعتقد جون لوك أن الفرد يتنازل عن بعض حقوقه راضيا أو يقبل بعض القيود نظير حماية نفسه، ويكون المجتمع أشبه بعقد اجتماعي يقضي بحماية حقوق الأفراد المستمدة من القانون، ولعل هذا ما لخصه شعار الأمة التي هي جماع الأفراد. فالبرجوازية الأوربية ،حطمت أشكال الإقطاع القديم ،وأعادت للفرد كرامته المفقودة،وأطلقت طاقاته الخلاقة ،فأعلت من شأنه ومكنته من تحقيق ذاته الإنسانية المتحررة والمستقلة ،بعد تحطيم القيم الجامدة والموروثات البائدة. المجتمع البطريركي- نظام العائلة ((الاسرة)) من السمات الأساسية لهذا النوع من المجتمع ،هيمنة الأب في العائلة فالعلاقة بين الأب وأبنائه أو بين الملك والسلطان و الحاكم وإتباعه علاقة هرمية فإرادة الأب هي المحور الذي تلتف حوله العائلة ، وإرادته هي الإرادة المطلقة ويتمظهر ذلك في العائلة والمجتمع من خلال القسوة والهيمنة وفرض الطاعة والقمع والاتكالية والسلب المادي والروحي والفكري للفرد الذي يتيه ويفقد قيمته ووجوده الاجتماعي إذا ابتعد عن العائلة (الأسرة) والعشيرة أو الطائفة . فالدولة بالنسبة إليه لا يمكن إن تكون البديل عن العشيرة أو الطائفة إذ أن هذه الحاضنة توفر له الحماية ويعتبر الدولة قوة عدائية مضطهدة له ولا يعتبر ثمة بديل عن حماية الأقارب في العائلة أو العشيرة أو الطائفة . إلا انه من جانب آخر يشعر بالضياع في العائلة التي يسيطر عليها الأب والمجتمع المنظم على وفق هذه القيم التي تمكنه من تحقيق ذاته وتخلق منه شخصية خانعة وازدواجية تعتمد على الأب أو الأخ الكبير أو المتنفذ في القبيلة أو الطائفة . الأب أي النموذج الأساسي في للبنية البطريركية هو وسيلة القمع الرئيسية وقوته ترتكز على العقاب ، ( في هذا النظام تسيطر المواقف الذهنية غير العقلانية على عامة الناس مما يسهل سيطرة الوضع القائم ويجعل الناس يعارضون التغيير الاجتماعي بشكل أعمى ، و تفسر الظواهر بأسباب غيبية غير علمية والعائلة تواصل غرس القيم والمواقف الذهنية التي تتصف بالتبعية.والولاء في هذا المجتمع للعائلة والجماعة الاثنية أو الدينية . لا تستطيع البطريركية كونها نظام فكري وسياسي واجتماعي أن تصور ذاتها أو أن تفهم واقعها إلا استنادا إلى مفهومات السلطة والقمع ( الأمر والنهي) فهما المحوران اللذان تدور حولهما حياة الفرد في المجتمع البطريركي. وهذه المنظومة الفكرية ترى كل فكر أو أي نظام بديل خيانة وخروج عن التراث والدين، و ينتقل الفكر عادة في المجتمع البطريركي عن طريق الحديث والدواوين والمقاهي والمساجد حيث يسرد الفكر سردا وتروى الأفكار والنظريات كما تروى القصص والحكايات أما الآخر فيحكم عليه فورا أما حليفا يمتدح آو عدوا يهجى فهم لا يعرفون إلا الاعداء و الأتباع ولا يمكنهم تقبل الفكر المستقل أو النقد الموضوعي . أما النقد ، حسب منطقهم هو نوع من أنواع السب والشتيمة وهذا المجتمع عصي عن الحداثة والتغيير . وفي جزئية التغير والتحول نجد هناك مقاومة المجتمع القبلي في تغيير بناها الأصلية مقاومة عنيدة ، والضوابط الوحيدة لسلوكه تجاه عدوه أو حتى تجاه اي غريب يحددها الخوف من الانتقام أو من سلطة غيبية . أما الوطن فيتصف بطابع تجريدي لا معنى له إلا إذا تم ربطه بعلاقة النسب والدين( وشرعية الحاكم التي لا تنبع من موافقة الرعية بل حق الهي ) فهو ظل الله في الأرض،أو يضفي القداسة على سلطته، فأوامره تستوجب الطاعة العمياء لأنها غير خاضعة للنقد والتحليل،وأنى للرعية القدرة على التفسير أو الاعتراض؟ إزاء إرادة المعرفة الإلهية التي أسبغها الحاكم على نفسه،قال:- ثمامة بن اشرس من كبار المعتزلة للمأمون (ما العامة؟ والله لو وجهت إليهم إنسانا على عاتقه سواد ومعه عصا لساق إليك عشرة آلاف منها، وقد ساواها الله بالأنعام بل هم أضل سبيلا) فيمنح الفرد كيانه، ويعلن صراحة تخليه عن عقله ووعيه إلى سلطة أبوية تمثله وتنوب عنه، في تفسيره للقوانين الدنيوية،والمفاهيم اللاهوتية. وترسخت هذه المفاهيم والقيم عبر قرون من السنين، حتى ترسخت ، وتوارثها جينيا!!!،وبات الفرد غير مؤهل أن يتخذ قراراته دون مشورة الأكبر أو الاعرف فهو قاصر على طول الخط، والغريب أن الفرد في هذه المنظومة، لا يخجل من التصريح بأنه عاجز عقليا ومعرفيا، وانه فوض الآخر أو أناب السلطة الدينية أو الرمز السلطوي للتعبير عنه، وفي هذا المجتمع يتماهى الكل مع الرؤية الفكرية للحاكم ، حتى لو دلت كل القوانين الوضعية والطبيعية على خلاف ذلك، فهو تابع ذليل وخانع بقناعة، حتى قيل في الموروث الشعبي (ذبهه أبراس عالم تطلع منها سالم). أما الآن وبعد هذه التحولات الهائلة الم تهتز وتتصدع القيم القديمة؟ وهل هذه العلاقات فعلا عصية على التغيير وإنها سرمدية وراسخة في زمن أصبح فيه كل شيء خاضعا للنقد والتحليل؟. وعلى الرغم من السمات المدنية الحديثة الواضحة لدستور إقليم كردستان والذي جاءت ديباجته و مواد الدستور خالية من أية إشارة دينية ، سوى بعض الإشارات الذكورية التي حاكى فيها الدستور العراقي إلا انه تطابق في ما ورد في المادة (29) من الدستور العراقي وهذا يشير إلى إننا نعيش في مجتمع بطريركي حتى لو كنا نتبنى مفاهيم وأفكار تقدمية، ومن الجدير بالاشارة ان كتابة الدستور يجب ان ترتقي الى صيغة تدفع بالمجتمع نحو رؤى اكثر حداثة .
#عبد_الجبار_خضير_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هرم ذو أجنحة مهولة ...زحزحة لقناعات راسخة
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|