أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - حمزة الحسن - عطر غلوريا السياسي














المزيد.....

عطر غلوريا السياسي


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 547 - 2003 / 7 / 29 - 04:24
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    



منذ اللحظة التي اعلنت فيها الرئيسة الفليبينية غلوريا أرويو عن وجود تمرد عسكري في البلاد وتوجيه إنذارها للمتمردين العسكر بالوقف الفوري للتمرد والعودة الى الثكنات وحتى نهاية العصيان، وهذه السيدة الرقيقة تبدو خلال الأزمة كعارضة أزياء ناعمة أو راقصة باليه حالمة أو عطر شفاف أو زهرة آسيوية تتفتح بهدوء أمام ضوء الشمس ونظرات الآخرين.

لم تلبس ثياب الجنرال كما يفعل الزعماء العرب في مثل هذه المواقف، بل أقل من هذه المواقف، لأنهم يلبسون ثياب النصر في ايام الهزيمة أيضا، ولا فرق عندهم بين هذا وذاك ما دام الرأس منتصبا فوق القامة ورؤوس الملايين منكسة.

غلوريا وقفت لتوجه خطابا للمتمردين وهي في ثياب تشبه النوم، وذكرني مشهدها بالدعابة العذبة للجنرال ديغول حين دخلت السيدة بيرجيت باردو لقصر الأليزيه لأولة مرة بثياب  الهواء والعري الأبيض، فعلق الجنرال المحارب العتيق هامسا في أذن الروائي الفرنسي ووزير ثقافته  أندريه مالرو:
ـ " تبدو السيدة باردو هذا اليوم بثياب الجنرال!".


غلوريا الأنثى الرقيقة خريجة الإدارة والاقتصاد، الخمسينية، والمرغوبة أمريكيا لأسباب لا يعرفها إلا الراسخون في العتمة، دخلت غرفة نومها بعد سماع نبأ التمرد، ولم تخرج سيفا أو تحمل مسدسا أو تجهز فرسا.

كل ما فعلته هذه المائية الصوت، والمائية الخطى، والمائية النظرات( فليكفني صوتها!) هو أنها غضبت كلبوة مستفزة، ورشّت الغرفة بعطرها كما فعلت نفرتيتي يوما، وكما فعلت واحدة من بنات منتصف الليل في روايتي ( عزلة أرستا) وخرجت إلى الأضواء لتلقي خاطب الحرب بكلمات قديسة طالبة من المتمردين بصوت هادئ، نبوي، حالم، امومي، بالعودة إلى الثكنات والا ستعاقبهم.

هكذا هي غلوريا تتكلم كما لو أنها تتحدث مع تلاميذ مدرسة مشاغبين، خافوا من التهديد وتركوا اسلحتهم خافضي الرؤوس وعادوا إلى الثكنات.

أما غلوريا فلقد دخلت قاعة البرلمان كما تدخل عروس بلا خطى لأنها تكاد تطير من فرط الفرح والحب والنشوة والزهو الطفولي.

لم تهدد بالانتقام لأن عوالمها الداخلية متماسكة.
لم ترعد.
لم تحرك شاربا علويا أو سفليا.

والمتمردون ذهبوا إلى الثكنات والبيوت لشرب الشاي أو الويسكي ومتابعة برامج السهرة ومواصلة عملهم اليومي والعائلي.

درس غلوريا بليغ يجب أن يقرأه الحكام العرب إذا كانوا يقرأون شيئا، أو إذا كانوا قادرين فعلا على القراءة.

هل خرج حاكم واحد في دولنا بعد الانقلاب من القصر وهو في تمام ثيابه أو جسده أم حول القصر إلى أنقاض، أو صار هو جزءا من الغبار بحيث يبحث عنه الناس بكل أنواع المجاهر والمكبرات بدون جدوى، لأنه لا يزول لوحده، بل يزول معه القصر والحريم والعبيد والأشجار والغيوم والوطن؟

مرة واحدة في العراق خرج الرئيس في سنة 68 رافعا يديه ورجليه، وهذا خروج على القاعدة لأن الأصل أن لا يخرج هو ولا الأنقاض، ويزول مع القصر الملكي أو الجمهوري أو يختفي ليعود بعد قرون عديدة في صورة أخرى وعلى شعب آخر مثله تماما.

صحيح أن غلوريا أنثى آسيوية تحكم بلدا في ساعة عاصفة من التاريخ، لكن المرأة قادرة في مجتمع تحكمه مؤسسات بحجم ما، على أن تكون قائدة وزعيمة وسيدة موقف في اللحظات الزلزالية التي تخور فيها قوى الرجال.

غلوريا هي تجسيد لأطروحة الفيلسوف الأمريكي، والياباني الأصل فوكوياما الأخيرة ونبوءته بأن القرن الواحد والعشرين سيكون في صالح حكم النساء أو سيطرة حكم الأنثى، أو "تأنيث السلطة".

لكن فوكوياما متأخر ربع قرن عن اطروحة القائد الملهم بطل التحرير القومي الذي أسس(حكومة نسوان) منذ سنة 68 رغم كثافة شوارب الوزراء
العليا
والسفلى ! 




#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جثة تسلّم أخرى
- الروائي المغربي محمد زفزاف ـ ثعلب النوم والنبيذ والموت
- ضحكة النمر
- معارك الصغار
- مسيح البنتاغون عجل بظهور المهدي!
- الخروج من الجبة والثورة إلى النشوة
- أبطال أو ضحايا
- نايم يا شليف الصوف، نايم والبعورة تحوف
- الشاعر المنسي إبراهيم عوبديا ، أو اليهودي الجميل
- شاهد على قلعة الموتى من خلال فيلم وثائقي
- تاريخ الغوغاء
- العفالقة الجدد
- مرايا الدكتاتور
- من دفع أجرة العازف؟
- موتى ديمقراطية الزجاج المكسور
- البرلمان وديمقراطية الزجاج المكسور خطاب زعيم الكتلة البرلمان ...
- حقوق ديمقراطية الزجاج المكسور
- المرادي وديمقراطية الزجاج المكسور
- لكي لا يحدث هذا مرة أخرى
- الروائي محسن الرملي وبورخيس وأنا


المزيد.....




- الخارجية الروسية: ألمانيا تحاول كتابة التاريخ لصالح الرايخ ا ...
- مفاجآت روسيا للناتو.. ماذا بعد أوريشنيك؟
- -نحن على خط النهاية- لكن -الاتفاق لم يكتمل-.. هل تتوصل إسرائ ...
- روسيا وأوكرانيا: فاينانشيال تايمز.. روسيا تجند يمنيين للقتال ...
- 17 مفقودا في غرق مركب سياحي قبالة سواحل مرسى علم شمالي مصر
- الاختصارات في الرسائل النصية تثير الشك في صدقها.. فما السبب؟ ...
- إنقاذ 28 فردا والبحث عن 17 مفقودا بعد غرق مركب سياحي مصري
- الإمارات تعتقل 3 متهمين باغتيال كوغان
- خامنئي: واشنطن تسعى للسيطرة على المنطقة
- القاهرة.. معارض فنية في أيام موسكو


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - حمزة الحسن - عطر غلوريا السياسي