|
1/21 :/الفنان والاستبداد/الفنان العراقي بين مرحلتين/
محمود حمد
الحوار المتمدن-العدد: 1826 - 2007 / 2 / 14 - 02:40
المحور:
المجتمع المدني
لماذا يستهدف الاستبداد الفنان؟ إن العلاقة بين الفن والاستبداد علاقة تناحريه بين أضداد، ولهذا يسعي المستبد إلى إقصاء الفن عن دائرة التأثير على عقول وقلوب وضمائر المتلقين، واقصر الطرق وأكثرها فاعلية - التي يلجأ إليها المستبد- هي استهداف الفنان المبدع مباشرة، وإحباط تأثيره على المتلقي، مثلما يعمل الفنان بالضرورة لإزاحة الاستبداد وإقصاء المستبد لأنهما يعيقان صيرورة الفعل الإبداعي - ومنه الفعل الفني - الذي يشترط لولادته وديمومته بيئة خالية من القسر. من هم المستبدون في بيئة الفن؟ لما كان الصراع بين الفن والاستبداد هو صراع بين طاقتين الأولى قسرية وهدامة والأخرى طوعية وبناءة، فان مفهوم – المستبد – يتسع ويتنوع ويشمل قوى متعددة ومن مراتب مختلفة في هرم السلطة والمجتمع ، تجمعها خاصية القدرة على القمع وإحباط المشروع الفني وقبر أحلام الفنان في مختلف مراحل نشوء العملية الإبداعية،ابتداء من حرمانه من بيئة التأمل مرورا بإطفاء الفكرة في روحه، وامتدادا إلى تعكير وتلويث منابعه النفسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.. ومن ثم ملاحقته لإحباط مشروعه قيد التنفيذ وترويعه كي يتخلى عنه..وإذا تمكن الفنان من عبور كل تلك الألغام والفخاخ التي نصبت له وكتمت أنفاسه.. فان سطوة القمع الجسدي والحضر المادي للفنان وللعمل الفني تكون جاهزة تماما ويتولاها غالبا قامعون من خارج الوسط الفني ، في الوقت الذي ينفذ الأشكال الأولى للاستبداد – التي اشرنا إليها- عادة عاملون في جسد الثقافة والفن. ما اثر الاستبداد على توجهات الفنان ووعيه؟ إذا تناولنا الاستبداد (العراقي) فإننا لاشك سنتجاوز أشكال الاستبداد (الحريرية المطبقة في بعض البلدان) والتي تتميز باستدراج الفنان والمُنتَج الفني إلى مضمار الاستبداد بوسائل المكر والإغواء والتضييق النسبي لكي يضطر الفنان إلى الانزلاق في هاوية ثقافة الاستبداد. إما في (النموذج العراقي) فان أولى خطوات التطويع فيه تكون المخايرة بين الموت والموت (إما موت الجسد أو موت القضية!)، ومثل هذه (المفاضلة ) التي مر بها (جميع) الفنانين العراقيين لاشك قد أفرزت تداعيات، وتشوهات، وانزواءات، وإحباطات عميقة ، بقدر ما ألهمت فنانين كثر لإنتاج أعمال غنية ومعبرة عن وعي عميق وإدراك متقد لطبيعة الاستبداد من جهة، ودور الفنان والفن في صياغة ملامح الإنسان والوطن المتحرر من الاستبداد من جهة أخرى.. وتجلى ذلك في نشوء تيارين في وعي الفنانين ونتاجاتهم ..الأول يرفض استعباد الوعي، والأخر يذعن له أو يبرره أو يقتات عليه. لقد شهدت الحركة الفنية العراقية منذ المراحل المبكرة في أربعينات القرن الماضي أصنافا متنوعة من قهر الفنانين واضطهادهم وسجنهم وإقصائهم، ولم تنقطع إلى يومنا هذا، ولعل استذكار الفنان التشكيلي الرائد (رشاد حاتم) كرمز لمعاناة الفنان وتحمله شتى أشكال الاستبداد الجسدي والفكري والمعاشي.. حتى أمسى من فرط ما غيبته السلطات الاستبدادية مجهولا لدى الكثير من أجيال الفنانين، وهو الرائد الذي سبق غيره من الفنانين ممن كرسوا حياتهم من اجل فن لا يذعن للمستبدين ، ومات بصمت لكننا نحتفظ بعقولنا وقلوبنا وضمائرنا بذكراه .. كما إن ذاكرة الوطن لن تنسى أجيالا من المبدعين الذين بدد الإعلام المستبد صورتهم من المشهد الفني والثقافي.. مثل ذلك الحالم الذي كان يعزف على أوتار الروح واعني الفنان (جميل بشير) ، أو صوت أبي كاظم (داخل حسن) ألفراتي العذب الذي كان يغسل نفوسنا من هموم الاستبداد المتوارث،أو مثابرة ذلك الناسك في محراب المسرح والتي استنزفت طيلة حياته العامة والخاصة..الفنان الكبير (حقي الشبلي)، أو ذلك المبدع والمثقف المتميز والمحاصر الصبور الفنان جعفر علي. ومعهم وفي أعقابهم أجيال من الفنانين في بغداد ومحافظات الوطن ومدنه وقراه ممن حرمتهم الآلة الإعلامية والمؤسسات الرسمية من الوصول إلى عقول وضمائر المتلقين فمنهم من عمل بمثابرة وصدق وإخلاص ومات مجهولا ، وغيرهم يحسبون من فناني الدرجات الدنيا نتيجة تعتيم الاستبداد على منجزاتهم ، وهم المجددون والمتماسكون برؤيتهم للفن كهوية للإنسان تميزه عن الوحوش،وغيرهم استسلم لطغيان العزل الاستبدادي، أو طحنته آلة العيش الرهيبة. ما هي تداعيات الاستبداد على إبداع الفنانين؟ إن استعراض الكم الهائل من الزمن والمواد والجهود والقسوة والخوف والتهديد والدولارات والاغتراب والمعتقلات والقبور والدعارة والوفود والشعارات والمهرجانات والخمور والاجتماعات والأضواء والمسدسات والكيك ووو.... التي استهلكت من اجل خلق فن لسلطة الاستبداد بديلا للفن النابع من احتياجات الإنسان للقيم الجمالية والمعرفة الواسعة المديات ..الفن البعيد عن هيمنة السلطة السياسية.. أنتجت أكواما من الأسلاب المهملة،التي يخجل منها حتى أصحابها!. لكن ذلك لا ينفي قدرة الخلق الكامنة في الفنان المبدع على أن تقدم أعمالا ذات قيم جمالية ورؤى فكرية تتجاوز اهتمامات ونوايا سلطة استبداد في زمن الاستبداد( سواء في مشغلة الخاص دون أن ترصدها عين عسس السلطة ، أو حتى عبر الأعمال التي تظهر للعلن في ظروف معينة وتسترطها السلطة على مضض)، لان إنكار ذلك يوقعنا في افتراض مجاف للواقع الذي عشناه ورصدناه ، ولمنطق التطور المعرفي التاريخي الذي يؤكد إن للفن تاريخ له خصائصه ومميزاته إلى جانب تاريخ الصراع الاجتماعي وهو متلازم معه لكنه ليس انعكاس ميكانيكي له.وهذا ما تؤكده الأعمال العظيمة للعديد من الفنانين التي أنجزوها وهم تحت سطوة الأنظمة المستبدة.وما تؤكده أيضا تلك الأعمال الغنية والمبدعة التي ظهرت منذ الساعات الأولى لسقوط الصنم ، فهي نتاج أعمال إبداعية متراكمة على مدى عقود من زمن الاستبداد، كانت مختزنة في عقول وأرواح وأدراج ومشاغل الفنانين. ما هو دور الفئات الاجتماعية في تسويق الاستبداد ؟ لاشك إن الاستبداد ليس نظاما سياسيا فحسب بل هو منظومة معقدة ومتشابكة ومتكاملة من الثقافات، والإجراءات، والمهارات، والتنظيمات، والمعدات، والموارد، والعلاقات الداخلية والخارجية، والرؤى، والممارسات، والسلوكيات، والفئات الاجتماعية الباغية (التي تظهر كورم في جسد المجتمع)، والمنافع، والأساليب، والنماذج الفردية الهدامة .. وغيرها .. ومنهم (الحثالات) الذين تفرزهم الطبقات والفئات الاجتماعية المتناقضة والذين توحدهم المنافع والمصالح الظرفية والأنانية، رغم انسلاخهم من طبقات وفئات اجتماعية متباينة.. فيعشعشون في جسد المجتمع، وينخرطون في تنظيمات ومنظمات ، ومنها في أحشاء المؤسسات الثقافية والفنية ،وينتشرون داخل المؤسسات الفنية بشكل منتظم حينا وبعشوائية اللاهثين وراء المنافع حينا آخر .. إلى جانب فئات اجتماعية غير قليلة ( متخلفة الوعي ومتدنية القيم الذوقية) تسوق ثقافة الاستبداد وتشارك في خنق الثقافة والفن بدخان الثقافات العقائدية الصلبة أو الميول (المجوفة) نحو الاستهلاك العابر والرخيص لـ(تشبيهات الأعمال الفنية) وبالتعارض مع مصالحها التاريخية أحيانا،وهنا تتجلى العلاقة الجدلية بين النظام المستبد والفن الهابط.
#محمود_حمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التاسع من شباط1963
-
الازمنةُ العراقيةُ!
-
صِبيانٌ غابوا في مُنتَصفِ الدَربِ إلى-اللُقْمَةِ-!
-
بيتٌ -عليٍ- والفانتوم!
-
إمّا البيضةُ أوْ بَيتُ الطاعةِ؟!
-
و-إذا الايامُ أغسَقَتْ-(1) فَلا تَنسوا -حياة شرارة-!
-
لوحةٌ على جُدرانِ غُرفَةِ التَعذيبِ!
-
طِفلٌ قُرويٌّ يقرأُ ألواحَ الطينِ
-
لا يَصلِحُ لبلادِ النَهرينِ إلاّ السُلطانُ الجائِرُ؟!
-
-عمالُ المَسْطَرِ- (1) بضيافةِ -عُقْبَة - (2)
-
عبد الرحمنٌ ..كوَةُ ضَوءٍ في الظُلمةِ!
-
-شهدي-(1)واحدٌ مِنّا!
-
أميرةُ -الحَضَرِ- تبحثُ عن بَطنِ الحوتِ!
-
ليلةُ الغدر ب -محجوب-
-
الوحوش يغتالون الإبداع
-
نَخلةٌ طَريدةٌ على الخليجِ!
-
الحوار المتمدن و-الجريدة-!
-
-هَلْ نَشهدُ إطفاءَ الظُلْمَةِ..وَشيوعَ رَغيدَ العَيشِ؟!-
-
-نصبُ الحريةِ- يُسْتَعبَدُ بالخوفِ!
-
-سومرُ- تَصْطَّفُ إلى طابورِ الأيتامِ!
المزيد.....
-
آليات الاحتلال تطلق النار العشوائي على خيام النازحين في مواص
...
-
الأونروا: نصف مليون شخص في غزة معرضون لخطر الفيضانات
-
-هيومن رايتس ووتش-: استهداف إسرائيل الصحفيين في حاصبيا جريمة
...
-
عدنان أبو حسنة: منظمات الأمم المتحدة ليست بديلا عن الأونروا
...
-
تشديد أمني وحملة اعتقالات تستهدف مسيرة لأنصار عمران خان في ب
...
-
منخفض جوي على غزة.. أمطار غزيرة وأمواج البحر تغرق خيام الناز
...
-
قائد الثورة : اصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو غير كاف بل يجب
...
-
قائد الثورة: لا يكفي صدور احكام اعتقال قيادات الكيان الصهيون
...
-
حملة اعتقالات بالضفة تطال 22 فلسطينيا بينهم صحفي وجريح
-
هيومن رايتس:-إسرائيل- استهدفت صحافيين بلبنان بأسلحة أميركية
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|