أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ناضل حسنين - أهو دعاء أم عتاب لطيف؟














المزيد.....

أهو دعاء أم عتاب لطيف؟


ناضل حسنين
الكاتب الصحفي

(Nadel Hasanain)


الحوار المتمدن-العدد: 8468 - 2025 / 9 / 17 - 20:12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حين نرفع أيدينا بالدعاء، يخيّل إلينا أننا نؤدي طقسًا من أرقى طقوس التعبد، لحظة تتجلى فيها قمة الافتقار إلى الخالق واللجوء إليه. لكن، لو أمعنّا النظر قليلًا، لو تجرأنا على تفكيك هذا الفعل الذي يبدو بسيطًا، قد نكتشف أن الأمر ليس بهذه البساطة. فالدعاء، في جوهره الطلبي، يبدو وكأنه اعتراض رقيق على مشيئة الله، لا خضوعٌ كامل لها.
فكّر معي: أنت تطلب من الله أن يمنحك شيئًا لم يمنحك إياه بعد، أو أن يصرف عنك أمرًا قدّره عليك. أليس هذا افتراضًا منك أن قرار الله الأزلي بحاجة إلى مراجعة؟ أليس هذا نوعًا من العتاب المبطّن على عدله وحكمته، وكأن لسان حالك يقول له: "يا رب، لقد نسيتني هنا.. أرجوك صحّح هذا الأمر"؟ إذا كنت تؤمن إيمانًا مطلقًا بأن الله "عليم" لا يغفل، و"رقيب" لا يغيب، و"عادل" لا يظلم، فكيف تجرؤ على مطالبته بتغيير ما قرّره لك أصلًا؟ إنك حين تدعوه لتصحيح مسارك، فأنت في الواقع توجه له عتابًا ضمنيًا بأنه أخطأ في رسمه.
من هذا المنطلق، قد يبدو أن المؤمن الحقيقي، الذي استقر اليقين في قلبه، لا يلحّ في الطلب، بل يلحّ في الحمد. لا يرفع يده طالبًا الرزق أو الشفاء، بل يرفع قلبه شكرًا على ما وُهب له، ويترك ما لم يُعطَ له لمشيئة الله وعدله الذي لا يتزعزع. الدعاء، في صورته الشائعة، قد يتحول إذن من تعبدٍ راقٍ إلى محاولة يائسة للتأثير على ما لا يُؤثر فيه. فهل نحن حقًا ندعو الله.. أم نعاتبه بلطف؟
هذا التساؤل، رغم عمقه، يفتح الباب على مصراعيه لفهم أرحب. فهل المنظور الديني والفلسفي يتركنا عند هذا التناقض الصارخ؟ الإجابة هي "لا".
إن اختزال الدعاء في "قائمة طلبات" هو ما يوقِعنا في هذا الفخ المنطقي. الحقيقة أن النصوص الدينية تقدم الدعاء ليس كأداة لتغيير إرادة الله، بل كعبادة في حد ذاته. الأمر الإلهي "ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" ليس مجرد وعد بالإعطاء، بل هو أمر بممارسة فعل الدعاء نفسه. الله لا يحتاج دعاءنا ليعرف حاجاتنا، بل نحن من نحتاج للدعاء لنؤكد القنوت الساكن فينا ونعالج استكبارنا الخفي. وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعبقرية: "إني لا أحمل همَّ الإجابة ولكن همَّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء فإن الإجابة معه". فالتوفيق للدعاء هو بحد ذاته أعظم إجابة.
وهنا نأتي إلى علاقة الدعاء بالقدر، وهي المعضلة الكبرى. الفهم السطحي يرى أن القدر حتمي، والدعاء محاولة عبثية. أما الفهم العميق فيرى أن الدعاء نفسه جزء من نظام القدر. فكما أن الله قدّر الشفاء وجعل له سببًا هو الدواء، فقد قدّر تحقيق أمرٍ ما وجعل له سببًا هو الدعاء. الدعاء لا يصارع القدر، بل هو أداة من أدوات القدر. إنه الأخذ بأقوى الأسباب السماوية بعد استنفاد الأسباب الأرضية. فالله يعلم أزلًا أنك ستدعو، وأن القدر سيتغير بناءً على دعائك هذا.
والأهم من ذلك كله، هو تحرير مفهوم "الاستجابة". لقد حصرناها في تحقيق المطلوب بعينه، وهذا خطأ فادح. الاستجابة، كما تعلمنا النصوص، تأتي على ثلاثة أوجه: إما أن يُعطى العبد ما سأل، أو أن يُدفع عنه من السوء ما يوازي دعاءه، أو أن تُدّخر له حسناتٍ في الآخرة. بهذا المعنى، لا يوجد دعاء ضائع أبدًا. كل يدٍ تُرفع بصدق، هي استثمار مضمون العائد، وإن اختلفت صورة العائد عما كنا نتوقع.
إذًا، نحن لا نعاتب الله حين ندعوه بالمعنى الحقيقي. نحن نمارس أرقى صور التعبد حين نعترف بضعفنا ونلجأ إلى قوته، مع التسليم المطلق بأن حكمته تفوق مطالبنا. الدعاء الحقيقي ليس اعتراضًا على ما فات، بل هو صناعة لما هو آتٍ. إنه حوار مفتوح تمتزج فيه لغة الطلب بلغة الحمد، ويقين الرجاء بيقين الرضا. هو أن تطلب الشفاء وأنت راضٍ عن ألم المرض، وأن تسأل الغنى وأنت شاكرٌ على نعمة الكفاف.
ربما آن الأوان أن نعيد تصحيح بوصلة دعائنا: من التركيز على "ماذا نطلب" إلى التركيز على "كيف نطلب ولمن نلجأ". حينها فقط، يتحول الدعاء من عتاب ساذج إلى معراج حقيقي للروح.



#ناضل_حسنين (هاشتاغ)       Nadel_Hasanain#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العالم العربي: طفل تصفعه اسرائيل متى غضبت
- الحضارة بين الإنتاج والحضانة
- أمة بلا سؤال.. أمة بلا مستقبل
- كيف يصوت الناخب العربي في إسرائيل ولماذا؟
- راحة الإعتراف أمام الغرباء..
- نسير إلى الأمام وعيوننا نحو الخلف
- أخلاق بلا وحي
- غزة: مقبرة الصحافة وصمت العالم
- تحليل: العالم يعيد كتابة الرواية
- ما وراء نوايا احتلال مدينة غزة
- فكر معي: هل نعبد الله حبًا أم طمعًا؟
- حل الدولتين: ستار دخان على فضيحة أخلاقية عالمية
- لماذا يكتب مستقبل فلسطين بغير الحبر العربي؟
- رحيل عبقري لم يعرف التنازل في حياته..!
- العرب يرقصون وغزة تحترق
- فلسطين: فضيحة العرب
- المسجد والكنيسة.. كلاهما بيتنا
- حين يكون الحب شبهة أمنية..!
- العقيدة القديمة والخوف من المجهول
- غزة بين فكّي الاحتلال والتهجير


المزيد.....




- فوق السلطة.. وزير فرنسي سابق: الإسلام الدين الأكثر اعتناقا و ...
- كل ما تريد معرفته عن دورة العاب التضامن الاسلامي واماكن إقام ...
- ترامب يشتم النائبة المسلمة إلهان عمر ويدعو لعزلها.. فما الأس ...
- إنتخابات الكنيسة السويدية الأحد - ممارسة ديمقراطية في مؤسسة ...
- عرض كتاب.. التهديدات الإسرائيلية للمقدسات الإسلامية والمسيحي ...
- عرض كتاب.. التهديدات الإسرائيلية للمقدسات الإسلامية والمسيحي ...
- نيويورك.. يهود يتظاهرون احتجاجا على مشاركة نتنياهو باجتماعات ...
- يهود يتظاهرون في نيويورك احتجاجا على مشاركة نتنياهو باجتماعا ...
- القمة العربية الإسلامية في الدوحة.. نجاح مرهون بمراجعة التحا ...
- التعليم كجبهة في الحرب الناعمة: بين الاستخراب الغربي وبناء ا ...


المزيد.....

- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ناضل حسنين - أهو دعاء أم عتاب لطيف؟