مـدخـل
بعد الحرب العالمية الاولى بدأت التغييرات بتفكيك الامبراطوريات ووضع اسس لاقامة دول وكيانات اصغر. واستكملت في الحرب العالمية الثانية بعد منح الاستقلال واعادة التوازن الى العلاقات الدولية حسب حجم ودور القوى المنتصرة وعلى اساس التنافس السلمى بين الشرق والغرب وقامت اوروبا بمهمة الاضطلاع بصياغة التوازن الجديد .
وفي حقبة الحرب – الباردة – التي دامت حتى تسعينات القرن المنصرم كان الصراع على اشده حول المصالح والمواقع بين القطبين الغربي بزعامة الولايات المتحدة الامريكية والشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتي .
بعد انتهاء مرحلة الحرب الباردة وسقوط القطب السوفيتي تم تفكيك الدول الاشتراكية السابقة المتعددة القوميات والتي قامت على ضوء تجربة الحل الاشتراكي السوفيتي للمسألة القومية وتحت ظل شعارات : حق تقرير المصير والفدرالية والحكم الذاتي والادارة المحلية والوحدات القومية تلك التجربة التي لم يكتب لها النجاح بسبب التطبيق الخاطئ للمبادئ والشعارات والتعامل الحذر مع المسألة القومية في اجواء تغليب العوامل الاجتماعية – الطبقية .
قادت الولايات المتحدة الامريكية عملية التغيير كقوة عظمى بالتعاون مع حلفائها الغربيين في ظل شعارات واطروحات : الديموقراطية وحق الشعوب ، وحقوق الانسان وحرية السوق وعادت بذلك الى مبادئ الرئيس ويلسون الاربعة عشر بعد أن تخلت عنها طوال مرحلة الحرب الباردة لمدة تزيد على نصف قرن دعمت خلالها الانظمة الاستبدادية وتورطت في الحاق الاذى بالعديد من حركات الشعوب الوطنيه والثورية مباشرة او عبر وكلاء محليين ، وقد اضافت الولايات المتحدة الامريكية في انفتاحها وانطلاقتها الجديده بنداً هاماً اساسياً الى اجندتها يتعلق بقضايا الشعوب والقوميات بعد أن اهملت ذلك بسبب اشكالية فهمها للمسألة القومية والتأثر بالتجربة الامريكية الذاتية في تشكل الامة – الوطن – الدولة .
ويمكن تلمس بداية الالتفات الامريكي الى محنة الشعوب المضطهده وقضاياها المشروعة في تجربة شعوب يوغسلافيا السابقة ومبادرتها النشطه والحاسمة في معالجة الوضع هناك عسكرياً وسياسياً بعد أن عجزت اوروبا والامم المتحدة عن انجاز المهمة . ولاشك أن احداث 11 سبتمبر / 2001 قد دفعت بالسياسة الامريكية اكثر نحو تفهم قضايا الشعوب والقوميات والاقليات في العالم خاصة أنه تبين للمراقبين بأن البلدان المتعددة القوميات والتي لم تنجز بعد حل المسألة القومية وانصاف المضطهدين ويجري فيها حرمان القوميات وقمعها من جانب القوميات الغالبة والسائدة هي البلدان الاكثر عرضة لنمو ظاهرة الارهاب والارهابين بسبب الحرمان والظلم واساليب الاضطهاد والابادة العرقية وردود الفعل عليها . ولم يتوقف الامر على قضايا شعوب يوغسلافيا بل حققت المبادرات الامريكية باتجاه مناطق التوتر القومي وساحات الصراع بين الاثنيات من فلسطين حيث الاعلان عن الالتزام بقيام دولة فلسطينية مستقلة وخارطة الطريق الى تيمور الشرقية التي نالت الاستقلال وجنوب السودان حيث الاشراف على عقد اتفاقية – مشاكوس – والتاميل في سريلانكا والحوار السلمي المتواصل ، وافغانستان التي جرى خلال اعادة تكوينها الاخذ بعين الاعتبار مسألة العلاقة بين شعوبها وقومياتها المتعدده وتوزيع السلطة والثروة على ضوئها وقد دشن مؤتمر – بون – للمصالحة الافغانية قاعدة معبرة عن التكوين العادل الجديد بين العناصر الافغانية المعبر عن تعددية قومية ثقافية والذي انعكس في تشكيل السلطة الانتقالية التي كرست موقع الرئاسة لقومية البشتون ذات الاغلبية رغم كونها كانت تشكل باغلبيتها الساحقه قاعدة لتنظيم – طالبان - .
بالنسبة للعراق وكما يعلنها اصحاب القرار والاستراتيجيون الامريكيون هو اعادة تكوينه كهدف أساس بعد انهيار النظام الدكتاتوري رغم ان الحرب قد وقعت تحت عدد من الشعارات مثل القضاء على اسلحة الدمار الشامل ( وقد يكون النظام البائد بطبيعته احد هذه الاسلحه ) وتحقيق الديموقراطية وتوفير الامن والاستقرار لكافة قوميات وفئات الشعب العراقي . وكما هو معروف فان التغيير في الحالة العراقية يعني :
1- ازالة الدكتاتورية وحكم الحزب الواحد واحتكار القومية الواحده والطائفه الواحده ، والمؤسسات الامنية والعسكرية الخاصه ومحو وتصفية كل المفردات والمصطلحات التي تشير الى سلطة الحزبية والفردية وهي من بقايا مخلفات الحرب الباردة والعقليه الشمولية تأخر موعد زوالها لعقد من الزمن أو اكثر وشكلت في تجربة العراق وتجارب مشابهة اخرى عقبه أمام تشكل النظام العالمي الجديد .
2- وما يتعلق بالبند الآخر في المهمة والهدف اي تفكيك العراق واعادة تكوينه من جديد قومياً وطائفياً وادارياً ومؤسساتياً بما يتناسب مع ارادة شعب العراق ومنطق العصر والثقافه المستقبليه فان الخطوات لتحقيق ذلك تسير ولوببطئ ولاشك أن العمليه لن تكون سهلة التحقيق وقد شهد العراق في تاريخه سابقة في هذا المجال عندما قام الاستعمار البريطاني بتفكيكه وبنائه من جديد بعد سلخه من الامبراطورية العثمانية في عشرينات القرن الماضي .
3- اما حول مستقبل المنطقه فان القوة الاعظم وحسب رؤية مصدر القرار في ادارتها لن يستقيم الوضع الديموقراطي المنشود في العراق ولن يترسخ اذا لم يجري بناء شرق أوسط جديد وعلى اسس حديثه وفي اطار تغيير جيوسياسي كما تضمنته مبادرة – باول – بدء بالاصلاحات في مناهج التعليم والتربية ، والقضاء على الاصوليه والميول الدينيه المتطرفه وتحويل الحكومات والانظمه القائمة الى كيانات ومؤسسات ديموقراطية تعددية منتخبه من الشعوب وتوزيع الثروه بشكل عادل في قطاعات لخير ابناء تلك البلدان وتسريع عمليه التنميه والبناء والحد من صنع واستيراد اسلحه الدمار الشامل وتحريم الاسلحه النوويه .
4- التعامل المباشر في ذلك المناخ السلمي الديموقراطي مع المسألة القومية من جانب الادارة الامريكية والقوى الحليفه . في الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي على اساس – خارطة الطريق – وفي جنوب السودان حسب اتفاقية - مشاكوس – وفي كردستان العراق حسب اتفاقيه – واشنطن – ودعم الفدرالية بعد حماية كردستان منذ عقد وقد بات معلوماً أن الادارة الامريكية باتت في وضع المتابع لقضايا الشعوب والقوميات في الشرق الاوسط والعالم ، وتحاول منذ سنوات وعبر مؤسساتها المختلفه الاطلاع على الوضع الكردي في المنطقه والتحاور مع الحركة السياسية الكردية في البلدان الاربعه التي تقتسم الشعب الكردي لتحقيق المزيد من الاحاطه بما يجري وفهم البرامج السياسية للاحزاب والمنظمات الكردية وعلاقاتها مع المحيطين الوطني والخارجي ، وقد تسربت مجموعة تقارير ودراسات امريكية من مراكز بحثيه ومؤسسات تابعه للخارجيه والكونغرس والمخابرات ووزارة الدفاع منها نشر وبعضها محدود التداول تدور في معظمها حول واقع ومستقبل الكرد في الشرق الاوسط واستشراف حلول ومشاريع لمعالجه القضية الكردية . ومن اهم تلك التقارير ما تقدمت به بعثة امريكية أوفدتها الاداره الى بعض بلدان الشرق الاوسط بشكل غير معلن منذ بداية تولى الرئيس بوش مقاليد الحكم .
ان الاهتمام الامريكي بالقضية الكردية يأتي في سياق الانفتاح على حركات التحرر منذ توقف الحرب البارده في اطاره العام ، ولاشك ان هناك اسباب خاصة ودوافع اضافيه منها الموقع الاستراتيجي لكردستان والحاجه الامريكيه لحلفاء جدد ، وحافز جديد هو الدور الايجابي للكرد في تحرير العراق وتحالفهم الوثيق والصادق مع التحالف والالتزام بالاتفاقيات مما اقنع الجميع بان كردستان يمكن أن يكون نموذجاً للتحولات الديموقراطية مقارنه بمناطق العراق الاخرى وكذلك في مجال تعايش الاقوام وحوار الثقافات والاديان .
لاشك أن متابعه الوضع الراهن بدقه توصلنا الى قناعه بأن النجاح في بناء العراق الجديد يعد الخطوة الاخيره في تشكيل النظام العالمي الجديد الذي هو قيد التشكل منذ حوالي العقد . ولم يكن النظام العراقي البائد وحده العائق في هذا التشكل بل هناك انظمة وحكومات اخرى ليس من مصلحتها تحقيق هذه الحتمية التاريخية وتحاول قدر الامكان تأجيل حدوثها الذي مجرد تحقيقها سيكون مناسباً لايجاد الحلول الجذريه ليس للقضية الكردية فحسب بل لقضايا – البربر – في شمال افريقيا و الاقباط – في مصر ، والشيعه في السعوديه وقوميات وشعوب ايران بالاضافه الى قضيتي فلسطين وجنوب السودان .
انعكاسات التغيير الحاصل في العراق والمرتقب في المنطقه على القضية الكردية :
لاشك أن الحركة السياسية الكردية في كردستان العراق تشكل المركز الاهم منذ ثورة ايلول بقيادة البارزاني الخالد وحتى الآن . وان اي تبديل ايجابي في كردستان العراق سينعكس بشكل فوري على باقي الاجزاء . ومن هذا المنطلق فان العراق الجديد وما يؤمل من دور للكرد فيه وتحسن في اوضاعهم على اساس تثبيت الفدرالية والمشاركة في ادارة العراق ككل سيشكل تقدماً هائلاً للقضية القومية الكردية الى جانب رياح التغيير المرتقبه في الجوار والمنطقه . وتضع الحركه الكرديه خارج العراق آمالاً كبيره على على نجاح تجربة العراق في حل المسأله الكرديه خاصه والقوميه عامة .
وتضع الحركة الكردية خارج العراق آمالاً كبيرة على نجاح تجربة العراق في حل المسألة الكردية خاصة والقومية عامة ان مجرد نجاح التجربة العراقية في ظل الحرية والديموقراطية هو بمثابة التحدي الاكبر للانظمة التي تحكم الشعب الكردي باساليبها وادارتها الامنية للمسألة الكردية باسم القومية والامن القومي ، والدين والاخوه الاسلاميه تارة وعبر الاسلوب العسكري والقوة تاره اخرى . ان ذلك يعني فشل تلك النماذج والاساليب وتعرية منابعها الايديولوجية الشوفينية خاصة وانها قامت لعقود في تضليل شعوبها . فحزب البعث القومي يعود القهقرى ولايجد ما يحتمي به سوى الشعارات الاسلامية ، والخمينية تخرج من تحت عباءة الله اكبر لتتحول قومية فارسيه اصوليه ، وتركيا الكماليه تتحايل وتتراقص بين العلمانيه والاسلاميه وكلها نماذج رجعية ضد الحداثه والتقدم معرضه للسقوط في اطار نظام اقليمي بدأ يتهاوى ، ونظام عالمي متجدد قيد التشكل على انقاض مؤسسة هيئة الامم المتحدة التي عجزت عن ايجاد الحلول لاهم مسالتين قوميتين في عصرنا . الكرديه والفلسطينية. ومن المتوقع والمأمول ان تحقق الحركة القومية الكردية في كردستان العراق بعض الخطورات من اجل ان تتمكن من التهئ للمستقبل وقطف ثمارعمليه تحرير العراق وتحقيق المكاسب وصيانتها وتثبيتها وأولى الخطوات تبدأ في اعادة النظر الى الجسم التنظيمي واعادة تعريف الحزب والعمل الحزبي وعلاقه ذلك بالعمل القومي ، فمن الواضح ان الكرد وحركتهم السياسية مازالوا بأمس الحاجه الى العمل التنظيمي ولكن باسلوب جديد وبرنامج جديد وأطرجديدة ان ساحة كردستان العراق من اكثر الساحات القومية قابلية لهذه العملية والمراجعه لان البديل يكاد يكون جاهزاً اذا ما اعيد صياغته واقصد نهج البارزاني كاطار لكردايه تي عصرنا الراهن. وتبديل المفهوم الحزبي للعلاقات الكرديه – الكرديه الى المفهوم القومي الذي سينهي الخلافات السابقه التي اتسمت بالعداء والصراع التناحري . اما الخطوة الاهم فتتعلق بمسألة العلاقات القوميه حيث من المنطقي ان يبادر المركز الى طرح المشروع القومي الجديد على الاطراف واقتراح برنامج يحدد اسس العلاقات وطبيعتها المستقبليه واهدافها لان العمق الكردستاني هو الذي يحيط بكردستان العراق من مختلف الجهات ، واذا كانت الظروف السابقه التي احاطت بمسألة علاقة كرد العراق بالجوار والاسباب الامنية ومتطلبات العبور ، والسفر والعلاقات الاقتصادية قد روعيت خلال اكثر من ثلاثة عقود والتي كانت آثارها سلبيه وقاسيه وان كانت مفهومة لدى النخب السياسية الكردية هنا وهناك فانها في غالب الاحيان لم تكن مفهومة لدى عامة الشعب الكردي من وراء الحدود . الآن وبعد تحرير العراق فان هذه الاسباب في طريق الزوال وهذا يعني ازالة عقبات اساسية امام التواصل القومي – الشعبي والسياسي – وامكانية اصلاح الخلل في العطل الذي نشأ في جسم العلاقات الكرديه – الكرديه . خاصة وان شعب كردستان العراق وهو بعيش في اجواء السلم والاستقرار لم يعد بحاجه الى الاستنجاد بمساعدة الجوار المشروطه .
وهذا كله سيعيد الحياة الى الدور القومي المركزي لكردستان العراق بعد ان ادت الاسباب السالفه الذكر الى تعطيل ذلك الدور القومي الكردستاني كما انه سيحد من تدخلات ونفوذ الجوار ومن الامثله : قرار برلمان كردستان في رحيل القوات العسكريه – التركيه – واغلاق عدد من مكاتب المخابرات الايرانية – وينتظر أن تحصل خطوات اخرى على هذا الطريق . هناك مجال واسع في المستقبل بأن تحاول الادارة الفدرالية في كردستان – واذا سمحت الصلاحيات الدستوريه والقانونيه في العراق الجديد – الى عقد اتفاقيات حدوديه وتجاريه شفافه ومعلنه مع سلطات دول الجوار دون الحاجه الى صلات امنية سرية وغير معروفه ودون الرضوخ لشروط قاسيه ومذله من جانب السلطات المجاورة التي اساءت الى علاقات الكرد مع الشعوب العربية والتركية والايرانية .
من جهه اخرى وعلى ضوء تكوين العراق من قوميتين رئيسيتين من المشروع ان يقوم عرب العراق وكرد العراق باداء التزاماتهم القوميه تجاه اشقائهم العرب والكرد خارج العراق ومن هنا يجب التنبه من الآن لهذه المسأله خاصة في مرحلة وضع الدستور والقوانين وتحديد الصلاحيات . ومن الجوانب الهامه على الصعيد الكردي مراعاة العمق الكردستاني وترجمة ذلك بعلاقات ثقافية وفنية واجتماعية مع هذا العمق ، وتعميق التبادل والتواصل وكذلك العمل من اجل أن يكون العراق الجديد نصيراً للقضيه الكرديه في المنطقه ومتضامناً مع حقوق الاكراد المشروعه ، كما من الواجب تحويل كردستان العراق الى ساحة رئيسيه نشيطه في مجال جمعيات الصداقه بين الكرد والعرب والايرانيين والاتراك ، وحوار الاديان والثقافات واقامة معاهد ودورات تدريبيه وحلقات دراسية في مجال حل المسأله القوميه وتعايش الشعوب والقوميات والاديان والمذاهب ، وتحويل تجربة كردستان العراق الى نموذج لعلاقات الاخوة بين القوميات وحل المسأله القوميه عبر الحوار السلمي والمفاوضات . من جهة اخرى وللاسباب السالفه الذكر فقد ابتعدت الحركه السياسيه في كردستان العراق عن القوى والمنظمات والمؤسسات غير الحكومية في البلدان المجاوره وكذلك قطاعات الرأي العام والاعلام من عربيه وتركيه وايرانيه وكذلك حركات المعارضة الوطنية الديموقراطية التي يجب تعزيز العلاقات معها وتطويرها في الظروف الجديده والحفاظ على وشائج الصداقة والتعاون بين الطرفين لمصلحة قضايانا المشتركه .
ونشاهد الآن مايحصل الآن في بغداد حيث القوى السياسيه الكرديه تعيد علاقاتها السابقه مع تلك القوى العربيه التي كانت لها ادوار مشهوده في تاريخ العراق ، وكانت صديقة للشعب الكردي بعد أن تحسنت الظروف وانعدمت الاسباب المانعه .
لقد كان من حق كرد العراق على الكرد في الاجزاء الاخرى ومنذ عقود تقديم الدعم والمسانده والحفاظ على التجربه الفدراليه الديموقراطيه ، الآن من حق الكرد الاخرين على كرد العراق القيام بواجب تهيئة الظروف لتحقيق مؤتمر المصالحه القوميه في ظل العراق الحر الجديد وفي اجواء الاحتفال بمئوية البارزاني الخالد .
ان ازالة ثقافة الخوف في عموم العراق والتي تقتضي تصفيه آثار النظام السابقه وتتطلب ازالة هذه الثقافة من كردستان محو وتصفية اسباب الاقتتال الكردي – الكردي والتحول نهائياً ودون رجعه الى الصراع الفكري الخلاق والمنافسه السياسيه الحضاريه في اطار – الكوردايةتي – وقطع الطريق على دواعي الخوف من المستقبل من سطوة الاصوليين الاسلاميين الذين يعملون في الخفاء ، والعمل على ازالة كل الذرائع والاسباب التي كانت تجلب الخوف من الفتن ذات الطابع القومي والديني بالانفتاح والاعتراف بحقوق الآخر والحوار .
عامل جديد يطرأ على معادلة العلاقات الاقليمية والدوليه يصب لمصلحة الحركة التحررية القومية الكردية وهو ان التجربه الامريكية في العراق وقبلها في كل من يوغسلافيا وافغانستان قد اوضحت انتفاء الحاجه الماسة الى حروب بالوكالة عبر الحلفاء المحليين التقليديين وقد وقعت انعطافه معبره ومؤشره بهذا الخصوص عندما جرى حرب حرية العراق بمعزل عن اي دور يذكر لحلفاء امريكا التقليديين في المنطقه – تركيا – اسرائيل – السعوديه – الاردن – وهذه الحقيقة تظهر انخفاض قيمة الدور التركي في الاستراتجيه الامريكية بالمنطقه مستقبلاً ولاشك ان ذلك سيصب لمصلحة حل المسأله الكرديه في المنطقه حلاً عادلاً سلمياً . كما من المفترض ان يؤدي ظهور هذا المتغير الجديد الى تراجع الموقف التركي التقليدي المعادي للكرد باتجاه الواقعيه والاعتدال .
ان التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية الذي قام بدور المنقذ في اطاحة النظام السابق والذي له علاقات وثيقه مع الحركه السياسيه الكرديه يدعو الجميع الى " التكيف مع المعطيات الجديده " والدعوة هذه تعني اهتزاز الثوابت القديمة في الافكار والمواقف والممارسات فهل يستطيع الكرد وحركتهم القوميه الترفع الى مستوى الحدث والمسؤوليه وتقديم البرنامج الجديد واستثمار نتائج تحرير العراق كردياً وتشويق الطرف الآخر – التحالف – في تطوير علاقات الصداقه والعمل المشترك في اطار صيانه مصالح الطرفين على المديين المنظور والبعيد .
وفي الجانب الامريكي الذي يقود التحالف له مصالح متعددة الاوجه في منطقه الشرق الاوسط تتجاوز العراق وقضايا الشعوب والقوميات والتغيير بدءً بأمن اسرائيل ومروراً بالنفط وا انتهاء بمسوؤليته كقطب واحد عن رعايه المصالح الاستراتيجيه . وقد كنا سمعنا مراراً وتكراراً قبل تحرير العراق من اوساط الادارة الامريكية ومازلنا نسمع ولو بوتيرة اقل ان النية تتجه الى اجراء تغييرات شامله في الطريق وفي بلدان الشرق الاوسط عامة وتحقيق الديموقراطيه وازالة انظمة الاستبداد أو اصلاحها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ، والآن وبعد اسقاط النظام نلاحظ خفوت تلك الدعوات الجريئه والحاسمه وبدأنا نسمع خطاباً أقل تفاؤلاً من جانب رجال الادارة الامريكية ومخططيها الاستراتيجيين من امثال – ستانلي كورتز – بالنسبه للديموقراطيه في العراق وصعوبتها وتعقيدات المجتمع العراقي والدعوة الى اصلاحات تدريجيه والتعامل مع نسيج الشعب العراقي بما فيه العشائر والزعامات وليس العمل ضده . كما أن التقرير السنوى للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجيه الذي صدر في لندن حديثاً يستشف بان الولايات المتحدة الامريكية اقل التزاماً في فرض رؤيتها شرق اوسط ديموقراطي بعد سقوط نظام صدام وان ارساء الوحده والديموقراطيه في العراق سيكون صعباً ، ويشكك في تحلي الاداره الامريكية بالصبر الكافي للمضي حتى النهايه في رؤيتها حول بغداد والدول الاخرى بالمنطقه . كل ذلك يدفعنا الى التساؤل حول مدى امكانية قوات التحالف في تحقيق . التوازن بين هذه المصالح والمواقع بكل اشكالياتها راهناً ومستقبلاً والى اي مدى سيحقق النجاح بعدم الاخلال بجانب لصالح جانب آخر .