الماركسية بين النظرية والتطبيق في البلاد العربية: مقاربة إعلامية نقدية وتأثيراتها على الأجيال

هيثم أحمد محمد

الحوار المتمدن-العدد: 8465 - 2025 / 9 / 14 - 09:32
المحور: الصحافة والاعلام
    

بقلم: الإعلامي هيثم أحمد محمد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقدمة
تُعتبر الماركسية واحدة من أبرز النظريات التي أثّرت في الفكر السياسي والاجتماعي العالمي منذ القرن التاسع عشر، وقد شكّلت رؤيتها النقدية للرأسمالية مصدر إلهام للحركات التحررية والاجتماعية في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك العالم العربي، غير أنّ الماركسية لم تُستقبل في البيئة العربية كما هي، بل تعرضت لعمليات تأويل وتكييف، وواجهت تحديات خاصة مرتبطة بالبنية الثقافية والدينية والاجتماعية،
في هذا السياق، برز الإعلام كوسيط أساسي في صياغة صورة الماركسية لدى الجمهور العربي، إما عبر الترويج لها كفكر تحرري، أو تصويرها كأيديولوجيا دخيلة تهدد الهوية.
الماركسية: بين النظرية والجاذبية الفكرية
النظرية وايجابياتها:
1- تحليل معمق لبنية الاقتصاد الرأسمالي وصراع الطبقات (ماركس، رأس المال، 1867).
2- تقديم وعود بتحقيق العدالة الاجتماعية وإنهاء الاستغلال.
3- إلهام الحركات العمالية والنقابية في البلاد العربية خلال القرن العشرين (حنا بطاطو، الحركات الشيوعية في العالم العربي، 1978).
جاذبيتها في السياق العربي:
1- جاءت متزامنة مع مرحلة ما بعد الاستعمار، حيث شكّلت بديلًا عن الهيمنة الغربية.
2- استجابت لتطلعات فئات اجتماعية تعاني من الفقر واللامساواة.
تحديات التطبيق في السياق العربي
1. الاصطدام بالثقافة والدين: أطروحة الماركسية في إلغاء الدين أو تحجيمه لم تجد قبولًا في مجتمعات ذات طابع ديني قوي (الطيب تيزيني، من التراث إلى الثورة، 1976).
2. العزلة السياسية: ارتباط الماركسية بأحزاب صغيرة واجهت تضييقًا سلطويًا أفقدها الحاضنة الشعبية.
3. الاعتماد على الخارج: ربط صورتها بالاتحاد السوفييتي جعلها تبدو نظرية مستوردة، أكثر من كونها مشروعًا محليًا.
4. فشل التطبيق العملي: لم تستطع الانتقال من الشعارات النظرية إلى بناء نماذج اقتصادية ناجحة.
الإعلام ودوره في تشكيل الصورة
1- الترويج: بعض المنابر الفكرية (مثل مجلة الطليعة في الكويت أو الحرية في لبنان) روّجت للماركسية كفكر تحرري.
2- التشويه: الإعلام الرسمي والديني ركّز على تناقضها مع العقيدة الإسلامية، مما ساهم في تقليص انتشارها الشعبي.
3- الأجيال: تباينت المخرجات؛ جيل تأثر بالنقد الاجتماعي الماركسي، وآخر عزف عنها باعتبارها خطابًا مؤدلجًا.
نقد الماركسية: الأخطاء والسلبيات
1- الحتمية التاريخية: افتراض انهيار الرأسمالية لم يتحقق، بل أثبتت قدرتها على التكيف (ريموند آرون، أفيون المثقفين، 1955).
2- إلغاء الفرد لصالح الجماعة: قلّلت الماركسية من أهمية الحرية الفردية.
3- الاستبداد في التجارب التطبيقية: أدت التجارب السوفييتية والشرقية إلى أنظمة سلطوية (لينين، الدولة والثورة، 1917؛ جورج أورويل، 1984 كقراءة نقدية).
4- إهمال الهوية المحلية: تجاهل الدين والثقافة جعلها غير ملائمة للواقع العربي.
الإيجابيات والدروس المستفادة
1- أسهمت الماركسية في نشر وعي نقدي تجاه قضايا الفقر والاستغلال.
2- غذّت النقاش الأكاديمي والإعلامي حول الاقتصاد والسياسة.
3- شكّلت أرضية لتطوير رؤى بديلة، حتى لو لم تُطبَّق حرفيًا.
خاتمة
القراءة النقدية للماركسية في البلاد العربية تكشف عن فجوة بين النظرية والتطبيق، وعن دور الإعلام في تضخيم هذه الفجوة. ورغم إخفاقها العملي، تظل الماركسية جزءًا من التراث الفكري العالمي الذي يمكن إعادة قراءته، لا باعتباره مشروعًا سياسيًا جاهزًا، بل كأداة تحليلية لإعادة طرح أسئلة العدالة والمساواة في ظل تحديات العولمة والاقتصاد النيوليبرالي.

المراجع
1- ماركس، كارل. رأس المال. 1867.
2- لينين، فلاديمير. الدولة والثورة. 1917.
3- بطاطو، حنا. الحركات الشيوعية في العالم العربي. 1978.
4- تيزيني، الطيب. من التراث إلى الثورة. بيروت: دار الفكر المعاصر، 1976.
5- آرون، ريموند. أفيون المثقفين. 1955.
6- أورويل، جورج. 1984. لندن: 1949.

#هيثم_أحمد_محمد (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل