أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسين علي محمود - الخطاب الديني والسياسي واثرهما في تشكيل الوعي الجمعي














المزيد.....

الخطاب الديني والسياسي واثرهما في تشكيل الوعي الجمعي


حسين علي محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8464 - 2025 / 9 / 13 - 04:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يُشكّل الخطابان الديني والسياسي ركيزتين أساسيتين في صياغة تحولات المجتمعات العربية والإسلامية، إذ يلعبان دورًا مركزيًا في التأثير على بنية المجتمع وتوجيه مساراته، سواء من الناحية العقدية أو السياسية. فكلاهما ليس مجرد أداة للتعبير أو الإقناع، بل وسيلة لإنتاج أنماط التفكير والقيم وتشكيل الوعي الجمعي. وغالبًا ما يُصاغ الخطابان في قوالب شفوية وكتابية تسعى إلى إيصال فكرة ما وإقناع الفئات المستهدفة بها، وهو ما يجعل أثرهما يتجاوز حدود السياسة والدين إلى الاجتماع والثقافة والأخلاق.

في ظل التحولات والتقلبات التي تشهدها المجتمعات العربية والإسلامية اليوم، برزت الحاجة إلى تجديد هذين الخطابين بما يتوافق مع واقع المجتمع ومتطلباته، وبما ينسجم مع خصوصية الزمان والمكان والمخاطَب. ذلك أن الجمود على أساليب ومضامين تقليدية لم يعد قادرًا على مواجهة التحديات الكبرى التي يفرضها العصر، مثل العولمة، والتطور التكنولوجي، وتنامي الفردانية، وتراجع الروابط التقليدية.

■ الخطاب الديني بين الثبات والتجديد
يتميز الخطاب الديني بارتباطه بمصادر التشريع الإسلامي، من قرآن كريم وسنة نبوية وإجماع واجتهاد، وهو يسعى إلى تعليم المسلمين ما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم، من عقيدة وعبادة وأخلاق ومعاملات. وفي الوقت نفسه، يُفترض أن يكون هذا الخطاب مرنًا متجدّدًا ضمن إطار العقيدة، بحيث يستجيب للتحديات المعاصرة ويقدم حلولًا واقعية للمشكلات التي تواجهها الأمة الإسلامية.

غير أن بعض المسلمين ما زالوا يخشون الاعتراف بضرورة التجديد، مفضلين بقاء الخطاب على حالته الجامدة، ولو كان متكلسًا وعاجزًا عن التأثير. وهذا الموقف لا يخدم الدين، بل يجعله يبدو منفصلًا عن الواقع، بينما الأصل أن يكون الدين مرشدًا للحياة، متفاعلًا مع قضاياها ومعضلاتها.

ومن جهة أخرى، حين يُستغل الخطاب الديني لأغراض سياسية أو شخصية، فإنه يفقد صدقيته ومكانته، ويتحول إلى وسيلة لإضفاء الشرعية على ممارسات الحُكّام ولو خالفت الشريعة. وهنا تكمن الخطورة، إذ يُصبح الدين غطاءً لمصالح ضيقة بدل أن يكون إطارًا للعدل والرحمة. ولهذا ينبغي أن يظل الخطاب الديني ملتزمًا بالميزان بين العقل والوحي، وبين الحقوق والواجبات، بعيدًا عن التوظيف السياسي الذي يشوه معناه.

■ الخطاب السياسي بين المسؤولية والانحراف
أما الخطاب السياسي، فهو الأداة التي يُخاطب بها الحاكم والمفكر والسياسي المجتمع، لتوجيه الرأي العام وصياغة المواقف تجاه القضايا الكبرى. ويمكن لهذا الخطاب أن يكون رافعة لقيم المواطنة والعدالة الاجتماعية وبناء دولة القانون، لكنه في أحيان أخرى يتحول إلى أداة للتلاعب بالعواطف وتغذية الانقسامات الطائفية أو العرقية.

عندما ينغمس السياسي في استغلال الدين، فإنه يفقد مشروعيته الأخلاقية، ويدخل المجتمع في صراعات فكرية ومذهبية تهدد وحدته. كما أن غياب خطاب سياسي رشيد يفتح الباب أمام الشعبوية والفساد، وهو ما يقوّض الثقة بين الناس ومؤسساتهم.

■ الخطابان والوعي الجمعي
إن الخطابين الديني والسياسي معًا يساهمان في صياغة "الوعي الجمعي"، أي ذلك المخزون من الأفكار والقيم الذي يوجه سلوك الأفراد والمجتمع. فخطاب ديني عقلاني منفتح يعزز ثقافة التعايش ويُنتج عقلًا متوازنًا قادرًا على قبول الآخر، بينما خطاب منغلق يعيد إنتاج الانقسام والتعصب. وبالمثل، خطاب سياسي مسؤول يبني جسور الثقة ويؤسس للمواطنة، أما الخطاب الذي يستند إلى الخوف أو التحريض، فلا ينتج إلا الانقسام وفقدان الأمل.

■ العدالة الاجتماعية والتعايش
للخطابين أيضًا أثر مباشر في بناء العدالة الاجتماعية أو هدمها. فالخطاب الديني الأصيل يذكّر بحقوق الفقراء والمهمشين، ويحث على التكافل والتضامن. أما الخطاب السياسي، فيُترجم هذه المبادئ إلى سياسات عملية تضمن الحريات وتحمي الحقوق وتمنع الاستبداد. لكن حين يُختطف الخطابان، يتحولان إلى أدوات للهيمنة، ويُعاد إنتاج الظلم بأشكال جديدة.

ولا يمكن إغفال أهمية أن يسهم الخطابان معًا في ترسيخ ثقافة التعايش وقبول الاختلاف، فالمجتمع الإسلامي والعربي متنوع مذهبياً وثقافياً، وأي خطاب يتجاهل هذه الحقيقة أو يسعى إلى إلغائها يُنتج صراعات لا تنتهي. إن الخطاب الراشد هو الذي يعترف بالآخر ويمنحه مساحة للوجود دون إقصاء أو تهميش.

الخلاصة :
إن تجديد الخطاب الديني والسياسي ضرورة وجودية، لا مجرد خيار فكري. فكلاهما مسؤول عن إعادة بناء الثقة بين المجتمع ومؤسساته، وعن حماية الإنسان من التلاعب بعقيدته وحقوقه. وإذا ما التزم الخطابان بالصدق والعدل والعقلانية، فإنهما سيساهمان في تحقيق نهضة فكرية واجتماعية، تُعيد للأمة توازنها وقدرتها على مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.

قال النبي ﷺ:
«لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» (صحيح البخاري).



#حسين_علي_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تشارلي كيرك وصراع النخب الأمريكية
- الضربة الإسرائيلية على قطر، قراءة في الأبعاد الاستراتيجية وا ...
- الاستعراض العسكري الصيني 2025، بين رسائل الردع وإعادة تشكيل ...
- ازدراء الأديان، دراسة تحليلية في الأبعاد الفكرية والاجتماعية ...
- إيران بين آلية السناب باك واحتمالات الحرب، قراءة في الدوافع ...
- سيداو من النص الدولي إلى الواقع الأسري، قراءة تحليلية نقدية
- نظرية البجعة السوداء، بين اللامتوقع وصناعة التحولات الكبرى
- إعادة التموضع الأميركي في العراق، قراءة استراتيجية لانسحاب 2 ...
- قمة ألاسكا 2025، توازنات كبرى وانعكاسات إقليمية
- الدولة والدولة العميقة، قراءة تحليلية في بنية السلطة الخفية
- نظرية تأثير الفراشة، قراءة فكرية في الفوضى والنظام
- الثعلب والقنفذ، رؤية استراتيجية معاصرة
- ممر ترامب، إعادة تشكيل موازين القوى في جنوب القوقاز وإيران
- زيارة لاريجاني إلى بغداد، رسائل استراتيجية في لحظة إقليمية ح ...
- لابوبو بين الموضة ونظريات المؤامرة
- خور عبد الله بين اتفاقيات الأمر الواقع وتحديات الاستقلال الب ...
- دكاترة من ورق، وألقاب بلا معرفة
- الثقافة البائسة، عندما تتحوّل العلاقات الإنسانية إلى دفتر حس ...
- البيدوفيليا، مقاربة أنثروبولوجية-سوسيولوجية في الجذور والأبع ...
- ممر داوود، تفكيك سوريا خدمةً لإسرائيل الكبرى!!


المزيد.....




- فوق السلطة.. وزير فرنسي سابق: الإسلام الدين الأكثر اعتناقا و ...
- كل ما تريد معرفته عن دورة العاب التضامن الاسلامي واماكن إقام ...
- ترامب يشتم النائبة المسلمة إلهان عمر ويدعو لعزلها.. فما الأس ...
- إنتخابات الكنيسة السويدية الأحد - ممارسة ديمقراطية في مؤسسة ...
- عرض كتاب.. التهديدات الإسرائيلية للمقدسات الإسلامية والمسيحي ...
- عرض كتاب.. التهديدات الإسرائيلية للمقدسات الإسلامية والمسيحي ...
- نيويورك.. يهود يتظاهرون احتجاجا على مشاركة نتنياهو باجتماعات ...
- يهود يتظاهرون في نيويورك احتجاجا على مشاركة نتنياهو باجتماعا ...
- القمة العربية الإسلامية في الدوحة.. نجاح مرهون بمراجعة التحا ...
- التعليم كجبهة في الحرب الناعمة: بين الاستخراب الغربي وبناء ا ...


المزيد.....

- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسين علي محمود - الخطاب الديني والسياسي واثرهما في تشكيل الوعي الجمعي