|
قانون الفدرالية: عامل تفرقة ام توحيد؟
كمال سيد قادر
الحوار المتمدن-العدد: 1824 - 2007 / 2 / 12 - 12:03
المحور:
الحوار المتمدن - الكتاب الشهري 2007 شباط : مستلزمات بناء مجتمع مدني علماني ديمقراطي في العراق
الفدرالية كنظام حكم تشكل عادة اطارا لتوحيد الكيانات السياسية مع الاحتفاظ بقدر معين من الاستقلالية لكل منها تختلف مداها من نظام فدرالى الى آخر، و هو نظام توحيد بالرغم من الاختلاف و لكن بشرط ان يكون النظام الفدرالى المتبع مبنيا على العدالة و الا لاصبح عاملا للتفرقة و الانحلال و الصراعات الدموية.
ألامثلة الايجابية للانظمة الفدرالية كما نراها فى حالة الولايات المتحدة الامريكية، و الامارات العربية المتحدة، و سويسرا و بلجيكا، تواجهها الامثلة الفاشلة فى الاتحاد السوفيتى، و يوغسلافيا، و جيكوسلوفاكيا السابقة. والسر وراء نجاح النموذج الاول هو مبدأ العدالة الذى بنيت عليه هذه الانظمة الناجحة، و العكس هو الصحيح بالنسبة لفشل النموذج الثانى حيث تم فرض النظام الفدرالى على شعوب و طوائف مختلفة بشروط وضعتها اكثرية طائفية معينة بشتى انواع الطرق الاكراه و الاحتيال.
و لهذا فان النظام الفدرالى المنتظر تطبيقه فى العراق لا يكتب له النجاح الا اذا بنى على اسس عادلة ثابتة تشترك فى وضعها و تتفق عليها كافة الطوائف المعنية فى العراق على اساس المساواة فى الحقوق و الواجبات بغص النظر عن الاقلية و الاكثرية العددية.
و بما ان اقرار الدستور العراقى الدائم بالنظام الفدرالى للعراق كان خطوة فى الاتجاه الصحيح، لا يمكن ادعاء نفس الشئ فيما يتعلق باصدار بما سيمى بقانون الفدرالية من قبل البرلمان العراقى شهر تشرين الاول الماضى.
هذا القانون سبب جدلا واسعا بين ممثلى الطوائف العراقية و الاوساط السياسية و الاكاديمية داخل العراق و خارجه، و هو اهتمام لا يستحقه هذا القانون حسب رأى نظرا لضعف شرعيته، و غموضه و قلة قابليته التطبيقية.
صحيح بان هذا القانون من حيث اجراءات اصداره و مضمونه يستند الى الدستور العراقى و خاصة المواد 1، و 57، و 112-121 ، لكنه يفتقر الى الاجماع المطلوب توفره فى سن قوانين بهذه الدرجة من الحساسية فى دولة متعددة الطوائف و المذاهب و التى سوف تتاثر مباشرة بتنفيذ محتمل لهذا القانون. و القانون رفضه ممثلى السنة العرب و التركمان و المسيحين، و حتى داخل الكتلة الشيعية و الكردية كانت هناك حالات الرفض و الانتقاد للقانون حيث رفضه التيار الصدرى و معه حزب الفضيلة من الكتلة الشيعية، و انتقده عضو فعال فى التحالف الكردستانى بان صدوره كان متسرعا، و لم يصوت لصالحه الى الحد الادنى المطلوب من الاصوات حسب المادة السابعة و الخمسون من الدستور العراقى مما يقلل من شرعيته.
هذا بالاضافة بان هذا القانون لا ينفذ الا بعد مرور ثمانية عشر شهرا على اصداره و الكل يعرف كيف ان الاحداث تجرى متسرعة فى العراق حيث من الممكن جدا الغاء هذا القانون بنفس السهولة التى تم بها اصداره و خاصة فان الدستور العراقى هو نفسه الآن قيد المراجعة و اجراء تعديلات محتملة عليه و حسب المادة 142 من هذا الدستور لكى يرضى جميع الاطراف.
قانون الفدارلية كاى قانون آخر يمكن تفسيره بطرق مختلفة تختلط فيها غالبا النظرة الذاتية للمفسر بحيث ان الطرف المؤيد لهذا القانون يمكن ان يدعى بان القانون تم اصداره على اساس الدستور و الغرض الرئيسى ورائه ليس الا هو تطبيق بنود الدستور الذى اتفقت عليه جميع الطوائف فى الاستفتاء الشعبى العام، و لكن المعارضين له يمكن ان يفسروه بطريقة بانه يمكن ان يؤدى الى تقسيم العراق الى كيانات طائفية و هذا بدوره سوف يؤدى الى صراعات طائفية دموية حسب قولهم.
فتفسير قانون الفدرالية من حيث المضمون فقط يؤيد ما يدعى به المؤيدون لهذا القانون، لان القانون لا يشير باى شكل من الاشكال فى مضمونه الى تقسيم العراق على اسس طائفية كما جاء من المادة الاولى لهذا القانون حيث تعرف الاقليم بانها تتكون من محافظة او اكثر. و من حيث اجراءات تكوين الاقاليم فان القانون يوفر ضمانات كافية للمحافظات للبقاء كمحافظة او التحول الى اقليم فدرالى بعد اجراء استفتاء ناجح على مشروع الفدرالية من قبل سكان المحافظفة المعنية كاداة لاضفاء الشرعية عليه.
و لكن تفسير قانون ما على اساس مضمونه فقط يكون تفسيرا ناقصا لهذا فان الطرق الحديثة لتفسير القوانين تركز على نوايا الاطراف الداعمة للقانون المعنى. فى حالة استعمال طريقة التفسير هذه فان رأى الطرف المعادى للقانون الفدرالى القائل بانه يؤدى الى تقسيم العراق على اسس طائفية سيكون هو السائد، لان تصريحات ممثلى طوائف معينة تتطالب بوضوح تقسيم العراق على اسس طائفية على شكل اقاليم فى الجنوب و الوسط و الشمال.
و مهما كانت طريقة تفسير هذا القانون و نتائج التفسير، فانه يمكن التكهن بنتيجة واحدة لتنفيذ محتمل له، الا و هو القضاء على النظام الفدرالى نفسه او العراق ككل ككيان سياسى موحد. لكونه قانونا يفتقر الى العدالة حسب رأى، لانه:
1. القانون ياخذ الحدود الحالية للمحافظات اساسا لتحديد حدود الاقاليم وبما ان اكثرية المحافظات العراقية هى محافظات مختلطة مذهبيا و طائفيا مع تشكيل مذهب او طائفة معينة اكثرية فى كل واحدة منها، و على ضوء الاحتقان الطائفى الذى يشهده العرق حاليا، فلا بد لتشكيل اقاليم على اسس طائفية ان يؤدى الى عمليات دموية للتطهير الطائفى فى كافة انحاء العراق كما شاهدناها فى يوغسلافيا السابقة و قبلها فى عملية الفصل بين الهند و باكستان. فان نسبة السنة فى بعض المحافظات ذات الاكثرية الشيعية كالبصرة مثلا تصل الى حوالى 40% فهؤلاء ربما يكون مصيرهم فى حالة نشوء حرب طائفية اما الانصهار داخل الاكثرية او التهجير القسرى، و نفس الشىء هو الصحيح بالنسبة للاقلية الشيعية فى المحافظات ذات الاكثرية السنية، او بالنسبة للاكراد فى بعض المحافظات ذات الاكثرية العربية كنينوى و ديالى. 2. خطر الحرب الاهلية لا ياتى فقط من الصراع الطائفى بل ايضا من داخل الطوائف نفسها حيث تتصارع العوائل و القبائل الساعية الى المزيد من السلطة السياسية و الثروات داخل الطوائف نفسها، كما ظهرت بوادرها فى محافظات ميسان و البصرة مؤخرا و اقليم كردستان قبلا، حيث تحاول عوائل معينة الانفراد بالسلطة السياسية و الاقتصادية مما لا ترضى به عوائل اخرى منافسة لها اتباعها و قوتها العسكرية. 3. الاقليات الدينية و العرقية فى العراق تكون المتضرر الاكبر من تقسيم العراق على اسس طائفية اذ هى منتشرة فى كافة انحاء العراق دون ان تشكل اكثرية فى اقليم معين و لهذا فانها فى حالة ارتكاب جرائم التطهير العرقى لا تجد مأوى لها. و بالفعل فان اعداد كبيرة من التابعين لهذه الاقليان قد اضطرت لمغادرة بعض مناطق سكناها او حتى العراق. 4. بما ان العاصمة بغداد سوف ينظم وضعها قانون خاص و لا يجوز ضمها الى اقليم حسب الدستور العراقى، فان هناك خطر تحويل بغداد الى سارايفو ثانية نظرا لتمركز كافة الطوائف العراقية فيها بدون ان تشكل اى واحدة منها الاكثرية. فان اولى بوادر حرب التطهير العرقى بدأت فعلا فى بغداد حيث ان هناك يوميا المئات من ضحايا العنف الطائفى. 5. على المستوى الاقتصادى فان تقسيم العراق على اسس طائفية بدون حصول توافق مسبق بين كافة الطوائف يمكن او يؤدى الى اكبر قدر ممكن من اللاعدالة فى توزيع ثروات البلاد و خاصة الثروات النفطية، اذ حوالى 1000 بئر من مجموع حوالى 2500 بئر من آبار النفط العراقى تقع فى الجنوب و الباقى اكثرها فى المناطق الكردية بحيث تصبح المناطق السنية العربية فى الوسط شبه محرومة من الخيرات النفطية للعراق. هذا و ان الدستور العراقى قد وضع فى المادة 109 بسبب غموضه اساسا لتوزيع عوائد النفط على اسس طائفية. ما يمكن ان يسببه الصراع على عوائد النفط فى دولة فدرالية نراه فى مثال دولة نيجيريا الفدرالية الغنية بالنفط حيث تشتد الصراع بين الولايات و الطوائف المختلفة على خيرات النفط. 6. ان قانو الاقاليم و كل القوانين العادية الاخرى تم اصدارها عن طريق نظام الاكثرية و هو نظام لا يصلح لدول متعددة الطوائف و الاعراق لان الاهداف الاستراتيجية لكل منها تختلف عن الآخر و لهذا يجب ابدال هذا النظام بالنظام التوافقى حيث يكون لكل طائفة حق النقض على القوانين التى تراها تمس بمصالحها كما هو الحال فى بلجيكا الفدرالية مثلا. 7. اذا كان هناك مبرر تاريخى و ثقافى لانشاء اقليم كردستان فى العراق و هذا ما يعترف به السنة العرب ايضا، فان هذا المبرر لا وجود له لفصل العرب العراقيين على اسس طائفية.
و ختاما يمكن القول بان الصراع الطائفى فى العراق و الذى ظهرت ملامحه بوضوح فى الآونة الخيرة، يمكن ان يتحول بسرعة الى صراع اقليمى حيث ان السنة العرب هم كاقلية فى العراق يتمتعون بدعم واسع من الاكثرية الساحقة العربية و الذهبية على المستويين العربى و الاسلامى، و كما ان ايران سوف لا تقف مكتوفة الايدى اذا تعرض شيعة العراق لخطر محتمل و لا تفتقر تركيا الى ضرائع شتى للتدخل فى شؤون العراق تحت ضريعة حماية تركمان العراق. و كما ان احتكار ثروات النفط على اسس طائفية سيقلب موازين القوى فى الشرق الاوسط لصالح دول معينة جارة للعراق نشأ دستورها على اسس مذهبية و هذا ما لا تقبل به ايضا قوى دولية رئيسية. فالامريكيين الذين لهم بلا شك قولهم فى العراق اعلنوا مرارا و تكرارا رفضهم لفكرة تقسيم العراق على اسس طائفية و على لسان الرئيس الامريكى نفسه.
ان العراق هو الآن فى مرحلة انتقالية فالاولوية يجب ان تكون لصالح المصالحة الوطنية و اعادة بناء البنية التحتية و تهيئة الارضية الخصبة للحياة الديمقراطية و ليس للتفرقة و التقسيم على اسس طائفية.
#كمال_سيد_قادر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لوبيانكا كالمحطة الاخيرة
-
أسرار ملا مصطفى البارزانى فى وثائق الاستخبارات السوفيتية...
...
-
أسرار ملا مصطفى البارزانى فى وثائق الاستخبارات السوفيتية....
...
-
أسرار ملا مصطفى البارزانى فى وثائق الاستخبارات السوفيتية.. ا
...
-
الحرية او الموت:هكذا هتفت جماهير كردستان
-
المندائيون امام خطر الابادة الجماعية
-
العراق امام مفترق الطريق،ا صلاح من الداخل ام انقلاب؟
-
العلمانية كمنفذ للمحنة العراقية
-
السوق الحرة والاحتكار والفساد فى كردستان
-
الرابح و الخاسر فى الدستور العراقى الجديد
-
العقبات الرئيسية امام فدرالية العراق
-
فرق بين الشيعة و السنة تسد
-
حول حقوق العمال فى القانون الدولى
-
لماذا ستنسحب امريكا من العراق؟
-
نعم، انه عراق المساواة و الديمقراطية
-
ألأتفاقية ألعسكرية ألعراقية-ألأمريكية ألمقبلة و دروس من تجار
...
-
نحو دستور عادل للعراق (القسم1): مبدأ ألعدالة
-
شرعية ألأنتخابات ألعراقية و آلية تأجيلها فى ألقانون ألدولى
-
أسطورة ألهوية ألعراقية ألمشتركة كورقة ألتوت
-
ديون ألعراق و ألقانون ألدولى: ألعراق غير ملزم بديون النظام أ
...
المزيد.....
-
اللجان الشعبية للاجئين في غزة تنظم وقفة رفضا لاستهداف الأونر
...
-
ليندسي غراهام يهدد حلفاء الولايات المتحدة في حال ساعدوا في ا
...
-
بوليفيا تعرب عن دعمها لمذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت
-
مراسلة العالم: بريطانيا تلمح الى التزامها بتطبيق مذكرة اعتقا
...
-
إصابة 16 شخصا جراء حريق في مأوى للاجئين في ألمانيا
-
مظاهرة حاشدة مناهضة للحكومة في تل أبيب تطالب بحل قضية الأسرى
...
-
آلاف الإسرائيليين يتظاهرون ضد نتنياهو
-
مسؤول أميركي يعلق لـ-الحرة- على وقف إسرائيل الاعتقال الإداري
...
-
لماذا تعجز الأمم المتحدة عن حماية نفسها من إسرائيل؟
-
مرشح ترامب لوزارة أمنية ينتمي للواء متورط بجرائم حرب في العر
...
المزيد.....
|