أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - عماد حسب الرسول الطيب - الانتهازية والانعزالية: وجهان لعملة واحدة في أزمة اليسار الثوري














المزيد.....

الانتهازية والانعزالية: وجهان لعملة واحدة في أزمة اليسار الثوري


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8456 - 2025 / 9 / 5 - 19:15
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
    


تمر الحركة الثورية في العالم العربي بأزمة عميقة تعكس الانقسامات الفكرية والسياسية التي تفتك بجسد اليسار. هذا الانقسام الحاد بين تيارين يزعم كل منهما تمثيل الفكر التقدمي ليس مجرد خلاف تنظيمي، بل هو إعادة إنتاج لمأزق تاريخي تواجهه الحركات الاشتراكية منذ القرن التاسع عشر. التيار الأول يتخفى وراء شعارات "الواقعية" و"المرونة" لتقديم نفسه كخيار عملي للتعامل مع تعقيدات الواقع السياسي، بينما يرفع التيار الثاني رايات "الجذرية" و"النقاء الأيديولوجي"، متخفيًا خلف شعارات صلبة لكنه انعزالي عن الجماهير والواقع الطبقي. وبالرغم من الاختلاف الظاهري بينهما، فإن كلا التيارين يخدم مصالح الطبقات المسيطرة، ويفسحان المجال أمام القوى الإصلاحية والبرجوازية لإعادة إنتاج هيمنتها، مما يضع الحركة الثورية في مأزق مزدوج بين الانحراف عن المبادئ وفقدان تأثيرها العملي.

تُعد الانتهازية اليمينية، الوجه الأكثر خداعًا لهذه الأزمة، نموذجًا واضحًا لكيفية تآكل القوة الثورية تحت ذرائع التحالف مع القوى غير الثورية. فهي تزعم أن مثل هذه التحالفات ضرورية لمواجهة "الخطر الأكبر" أو لتحقيق مكاسب مرحلية، لكن التجارب التاريخية تكشف أن هذه التنازلات دائمًا ما تذيب القوة الثورية في مؤسسات النظام، وتحولها إلى واجهة مزيفة تغطي مصالح الطبقات الحاكمة. ففي أوروبا، ذابت أحزاب اشتراكية في تحالفات مع الليبراليين خلال أوائل القرن العشرين، وفقدت القدرة على الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة. وفي السياق العربي، أظهرت الثورات التونسية والمصرية كيف عطّلت الانتهازية النضال الجماهيري ومهدت الطريق للثورة المضادة. وحتى في إفريقيا جنوب الصحراء، أدت التحالفات الانتهازية مع النخب القبلية إلى إضعاف الاستقلالية الطبقية وحرمان الجماهير من قيادة حقيقية.

على النقيض، تقدم الدوغمائية اليسارية نفسها كخط ثوري صلب، لكنها في الجوهر انعزالية عن الواقع الطبقي. هذا التيار يرفض التفاوض أو التحالف تحت شعار "النقاء الثوري"، متجاهلاً أن الجماهير لا تناضل في فراغ، بل في ميدان مليء بالقوى والتناقضات الطبقية. وبذلك، تحرم الانعزالية الحركة من التأثير العملي، وتترك الجماهير فريسة للقوى الإصلاحية، كما تحوّل النقاشات النظرية إلى بديل وهمي عن النضال الحقيقي. وتتفاقم الأزمة حين تنتهي الانعزالية إلى مهادنة سرية مع القوى الرجعية بحجة "موازنة القوى"، فيفقد الخطاب الثوري مصداقيته، وتتسع الفجوة بين القيادة والجماهير، ليصبح الانعزال عقبة أمام أي تقدم فعلي للحركة.

البديل الماركسي يكمن في بناء قوة طبقية مستقلة، قادرة على خوض التحالفات من موقع قوة ووضوح، دون التنازل عن المبادئ الجوهرية للثورة. ويتطلب ذلك تنظيم الجماهير في نقابات واتحادات ولجان قاعدية، بحيث تصبح المشاركة الجماهيرية ضمانة ضد الذوبان في التحالفات أو العزلة عن الواقع. فالتحالفات التكتيكية ليست رفاهية بل ضرورة، شرط أن تكون مشروطة بسيادة المبادئ وحماية حقوق الجماهير الاقتصادية والسياسية. وبذلك، يصبح العمل الميداني المنظم والتحليل الطبقي الدقيق أساسًا لمواجهة خصوم الثورة، بينما يوفر تطوير القوة المستقلة عبر المشاركة الجماهيرية شروطًا لتحقيق مكاسب ملموسة، ويحوّل النضال من مجرد شعارات إلى ممارسة ثورية فعلية.

تقدم التجارب التاريخية دروسًا حية؛ فالثورة البلشفية بقيادة فلاديمير لينين أثبتت أن بناء قوة مستقلة للعمال والفلاحين، مع الدخول في تحالفات تكتيكية محددة دون التخلي عن المبادئ، هو الطريق إلى النصر. بالمقابل، أدت صلابة بعض الأحزاب الاشتراكية الأوروبية بعد الحرب العالمية الأولى إلى عزلة وهزيمة أمام القوى الفاشية، فيما أبرزت ثورة كوبا بقيادة كاسترو وتشي غيفارا أن المشاركة الشعبية الواسعة مع الحفاظ على الاستقلالية التنظيمية تحقق مكتسبات ملموسة للفئات الشعبية. كما تؤكد التجارب في العالم العربي أن غياب القيادة الطبقية المستقلة يفضي إلى إفشال الثورات؛ ففي مصر وتونس أدى الانقسام بين الانتهازية والانفصالية إلى حرمان الجماهير من قيادة فعّالة، وفي لبنان وسوريا تحولت بعض التنظيمات إلى أدوات في صراعات الآخرين أو انعزلت عن الواقع، بينما أظهرت تجارب الجزائر والمغرب أن التنازل عن المبادئ يفرغ الحركة من محتواها الطبقي.

الخلاصة المستخلصة من هذه التجارب هي أن الانتهازية والانعزالية مرضان مزمنان يفتكان بالحركة الثورية إذا لم تُواجَها بقوة طبقية مستقلة. فالثورة لا تُنجز بالشعارات وحدها، بل بالقدرة على تنظيم الجماهير، تحليل الواقع، وخوض التحالفات التكتيكية من موقع قوة، مع الحفاظ على المبادئ الجوهرية. المستقبل الحقيقي لليسار الثوري مرتبط بقدرته على تجاوز الانقسامات والانحرافات، وعقد مصالحة بين النظرية والممارسة، بين القيادة والقواعد، وبين الحلم والواقع، وهذا الجمع يمثل الفن الأعلى للسياسة الثورية والسبيل لبناء يسار قادر على قيادة معارك التحرر وتحقيق التغيير الحقيقي. كما أكد فلاديمير لينين: "الثورة لا تُنجز بالشعارات وحدها، بل بالقدرة على التفاعل مع الواقع وتحويل القوى الشعبية إلى قوة عملية حقيقية".

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 5. أشكال بلا مضمون: كيف حوّلت الثورة المضادة أدوات النضال ال ...
- 4. السوفييتات - النموذج التاريخي والضرورة الراهنة
- 3. الجذور التاريخية للثورة: دروس من تجارب الشعوب
- 2. الوهم الإصلاحي ولجان الأحياء: آلية البرجوازية الصغيرة لسر ...
- على خط النار: الثورة السودانية بين الأوهام والسلطة 1. لماذا ...
- 21. إصلاحية مقنّعة، جذرية منهزمة
- 20. المشروع الثوري: طبقية، تنظيم، ممارسة
- 19. المشروع الثوري: طبقية، تنظيم، ممارسة
- 18. من الراديكالية الزائفة إلى الانحراف البيروقراطي
- 17. هيمنة البرجوازية الصغيرة: صراع طبقي داخل الحزب
- 16. استعادة القيادة البروليتارية: شرط البقاء الثوري
- 15. الأممية الشكلية والديمقراطية الشكلية: أدوات هيمنة البرجو ...
- 14. الريف الغائب: جغرافيا الصراع الطبقي المُهملة
- 13. البرجوازية الصغيرة: خطاب بلا ثورة، كلمات بلا محتوى طبقي
- 12. البرجوازية الصغيرة: خطاب بلا ثورة، كلمات بلا محتوى طبقي.
- 11. ​خزينة الحزب الثوري: البوابة السرية لهيمنة البرجوا ...
- 10. الاستعمار وتشكُّل البرجوازية الصغيرة: الجذور التاريخية ل ...
- 9. البرجوازية الصغيرة بين التأرجح الطبقي وعجز القيادة الثوري ...
- 8. التحالفات الطبقية: بين ضرورة الثورة وفخ الهيمنة البرجوازي ...
- 7. البيروقراطية كأداة للهيمنة الطبقية


المزيد.....




- وزيرة داخلية بريطانيا.. باكستانية حائرة بين اليمين المتطرف و ...
- وزيرة داخلية بريطانيا.. باكستانية حائرة بين اليمين المتطرف و ...
- وزيرة داخلية بريطانيا.. باكستانية حائرة بين اليمين المتطرف و ...
- العدد 620 من جريدة النهج الديمقراطي
- السيناتور الأميركي يرني ساندرز يصف أفعال إسرائيل في غزة بـ-ا ...
- رسالة مفتوحة إلى نقابيي ونقابيات قطاع الصحة
- بتسلئيل سموتريتش: وزير اليمين المتطرف الذي يرى في غزة -فرصة ...
- السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ...
- بعد اغتيال كيرك.. وقف برنامج شهير وترامب يعلن أنتيفا اليساري ...
- بيان حزب النهج الديمقراطي العمالي بجهة الشرق


المزيد.....

- محاضرة عن الحزب الماركسي / الحزب الشيوعي السوداني
- نَقْد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2 / عبد الرحمان النوضة
- اللينينية والفوضوية فى التنظيم الحزبى - جدال مع العفيف الأخض ... / سعيد العليمى
- هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟... / محمد الحنفي
- عندما نراهن على إقناع المقتنع..... / محمد الحنفي
- في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة / عبد الرحمان النوضة
- هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟... / محمد الحنفي
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك ... / سعيد العليمى
- نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس ... / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - عماد حسب الرسول الطيب - الانتهازية والانعزالية: وجهان لعملة واحدة في أزمة اليسار الثوري