مصطفى حقي
الحوار المتمدن-العدد: 1823 - 2007 / 2 / 11 - 12:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
( لمحة عن الكاتب علي الدشتي وأعماله في مطلع مقالنا- معجزة القرآن) الحوار المتمدن تاريخ 10/12/2006
ومن المشكلات الأخرى ، التي تبرز حين نزعم أنّ الكون لم يوجد قبل أنْ خلقه الله القدير ، مشكلة الغرض من خلق هذا الكون . فمهما حككنا عقولنا وأثَرْنا خيالنا ، فلن نستطيع أن نجد الإجابة عن السؤالين : لِمَ لَمْ يوجد الكون من قبل ، ولِمَ اختار الله أن يخلقه ؟ إنّ العقل المحض لعاجزٌ عن حلّ هذه المسائل شأنه في إثبات وجود الخالق أو نفيه .
وفي مثل هذه الحالة من الارتباك والتشوّش ، ثمة شيء واحد يبدو أكيداً لعقولنا الأرضية . فنحن البشر لسنا ، ولا نرغب في أن نكون ، في الصنف ذاته مع بهائم البرّية . فبمقدور البشر أن يفكروا ، وقد افترضوا منذ أقدم العصور التي ترقى إليها الذاكرة أنه لابدّ من وجود من ابتدأ النظام ويسيطر عليه ويمارس تأثيراته الخيّرة والشرّيرة . وهذه الفكرة، سواء كانت مدفوعة بإعمال العقل أو التفاخر بتميز البشر عن غيرهم من الحيوان ، هي التي حملت البشر على إقامة الأديان .
وفي المجتمعات جميعاً ، من أشدّها بدائية إلى أكثرها تقدّماً ، نشأت العقائد الدينية ولا تزال قوية . ولقد اصطبغت لدى الشعوب البدائية بالخرافة والأوهام . أمّا لدى الشعوب المتقدمة فقد اكتسبت أوجهاً أخلاقية واجتماعية بتأثيرٍ من المفكرين العظماء ، الذين قادت دعواتهم تلك الشعوب في أخر الأمر إلى تبنّي طرائق في الحياة أشدّ تحضّراً وعدلاً.
وقد خرج أولئك الرجال العظماء من صفوف المشرّعين ، والمُصْلِحين والفلاسفة ، مثل حمو رابي ، وكونفوشيوس ، وبوذا ، وسقراط ، وأفلاطون . وكان بين الشعوب السامية أن خرج هؤلاء على الدوام بوصفهم أنبياء أي كمعلنين عن أنفسهم ناطقين باسم الإله ولسان حاله .
لقد صعد موسى طور سيناء ، واتى باللوحين ، وسنّ القوانين لتقويم سبل بني إسرائيل . وإذ وجد عيسى اليهود في قبضة الباطل والتُقى الزائف ، نهض ليكرز بأخلاق أفضل ، وشبّه الله بأبٍ محبّ ، وقال عن نفسه أنه ابنٌ لذلك الأب السماوي أو أنه وُصِفَ كذلك من قِبل تلامذته ؛ فثمة احتمال أن تكون الأناجيل الأربعة قد حرّفت كلامه أو ضخّمته .
وبعد قرون ستـّة ظهر محمّد في الحجاز ودعا إلى الإصلاح . فما مدى اختلافه عن موسى وعيسى ؟
يجعل المؤمنون السذج اجتراح المعجزات معيار للنبوّة . ولذا فقد نسب الكتاب المسلمون إلى محمد مئات ، بل آلافاً ، منها . غير أنّ الأنكى من ذلك هو موقف ذلك الباحث العربي المسيحي المعاصر المدعوّ حداد . فهو في كتابه المتفقـّه حسن التقميش، القرآن والكتاب يورد كثيراً من الآيات القرآنية كدليل على أنّ محمداً لم يجترح أبداً أية معجزة من المعجزات ، ثم يعلن بسذاجةٍ أن المعجزات براهين النبوّة وأنّ معجزات عيسى وموسى تبرهن أنهما من الأنبياء . لكن جميع ما يورده من المعجزات إنما يقع في صنف التهيؤات أو الهلاوس التي يتعذر إثباتها .فلو كان عيسى قد أعاد الحياة إلى جثة ميتة ، لما تردّد فردٌ من اليهود الذين عاصروه في السجود له والإيمان به . ولو أراد الله للبشر جميعاً أن يؤمنوا بواحد من عباده وأن ينتفعوا بدعوة ذلك الواحد ، لكان من الأيسر والأشدّ حكمة بالنسبة له أن يجعل البشر جميعاً أخياراً ، أو أن يهب ذلك الواحد سلطاناً على عقول البشر بدل أن يهبه المقدرة على إحياء الموتى ، أو وقف جريان الأنهار ، أو جعل النار برداً وسلاماً ، وما شابه ذلك .
هكذا ينبغي أن تُقارَب مسألة النبوّة من زاويةٍ أخرى ، إذ ينبغي أن يُنظَر إليها على أنها ضَرْبٌ من العبقرية الذهنية والروحية خاصٌ بفرد استثنائي .
لقد برز من بين القادة العسكريين أفراد مثل كورش ، والإسكندر ، وقيصر ، ونادر، ونابليون، ممّن أبدو ا عبقرية في وضع الخطط وكسب الحروب,دون أن يكون لديهم ما يعلّمونه لأتباعهم أو يدعونهم إليه . وفي حقول العلم والفن , كان ثمة رجال مثل أرسطو , وابن سينا , ونصير الدين الطوسي , وأديسون , وإنشتين , وليوناردو دافنشي ، وبتهوفن ، وهوميروس ، والفردوسي ، وابي العلاء المعري, وحافظ ، ومئات سواهم ممّن أضاؤوا سماء الحضارة باكتشافاتهم ، واختراعاتهم ، وروائع فنّهم وفكرهم . فلماذا لا يمتلك كائنٌ بشري مثل عبقريتهم في المجال الروحي ؟ فليس ثمّة أساس عقلاني لاستبعاد ظهور أفراد يحملون في أعماق عقولهم فكرة الكينونة المطلقة ويتوصلون بقوة تأمّلهم شيئاً فشيئاً إلى ضربٍ من الكشف أو الإلهام يدفعهم إلى هداية الآخرين وتعليمهم .
لقد بدأت سيرورة كهذه في عقل محمّد خلال طفولته ودفعته لأن يلتقي رهبان النصارى وقسّيسيهم في رحلته إلى الشام ويحاورهم بدل أن يقضي الوقت كله في التجارة . وفي طريق عودته غبر مدين عاد وثمود ، أصغى إلى القصص الخارقة لدى تلك الأقوام . وفي مكّة ذاتها كان يتبادل الزيارة مع أشخاصٍ من أهل الكتاب . لقد جلس ساعات طويلة في دكّان جبر قرب المروة ، وكان على صلة ثابتة مع ورقة بن نوفل , ابن عم خديجة ، الذي قيل أنه ترجم جزءاً من الإنجيل إلى العربية . ومن المحتمل أن تكون هذه التجارب جميعاً قد حوّلت القلق الحاضر دوماً في عقله الباطن إلى ضربٍ من الاضطراب .
ثمّة إشارة في القرآن إلى أحاديث محمد الطويلة المتكررة مع جبر. فقد زعم القرشيون أنّ محمداً إنّما تعلّم كلام القرآن من جبر ، الذي كان أجنبياً . وجاء الردّ في الآية 103 من سورة النحل : ( ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلّمه بَشَرٌ لسانُ الذي يلحدون إليه أعجميٌّ وهذا لسانٌ عربيٌ مبين ). ويشير كتّاب سيرة النبي إلى عدد من الأشخاص من أهل الكتاب وأصحاب العلم ممّن تبادل النبي معهم الزيارة قبل بدء الرسالة ، مثل عايش، حكيم بني الحويطب ، وسلمان الفارسيّ ، وبلال الحبشيّ . كما حاوره أبو بكر أيضاً في تلك الفترة ووافقه .
ومن الروايات التي توردها السّير وبعض الأحاديث عن بعثة محمد ، ومن الأدلة في بعض آيات القرآن ، يمكن لأي تلميذ نبيه أن ينفذ إلى الوقائع . فهذه المصادر جميعاً تشير إلى أنّ سيرورةً من الاضطراب الداخلي والاستغراق في التفكير قد بلغت ذروتها في لحظة إشراق وكشف باطني ، وفي رؤية رؤيا هي التي تنزلت في الآيات الخمس الأولى من سورة العلق: ( اقرأ باسم ربّك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربّك الأكرم* الذي علّم بالقلم*علّم الإنسان ما لم يعلم).
كان النبي محمد زمن بعثته في الربعين من عمره ، متوسّط القامة , ذا بشرة شاحبة تميل إلى الاحمرار ، وشعر أسود، وعينين سوداوين. نادراً ماهزل أو ضحك ، فإذا ما ضحك وضع يده على فمه . وكان يمشي بخطوات وئيدة متثاقلة ، فلا ينظر يمنةً أو يسرةً قط . وإذا ما كان من المحتمل ، بحسب بعض الأدلّة ، أن يكون قد شارك في بعض شعائر قومه ، إلا أنه لم يلتحق أبداً بلهو شباب قريش أو بأي ضرب من ضروب الطيش . وقد عُرِف، حتى بين خصومه ، بأمانته وصدقه . وما إن تخلّص من همومه المالية عن طريق زواجه من خديجة حتى راح يكرّس وقتاً طويلاً للمسائل الروحية . ومثل معظم الحنفاء، كان يَعدّ إبراهيم النموذج الأمثل لتقوى الله ، وعافت نفسه بالطبع وثنية قومه . ويرى طه حسين أنّ غالبية أشراف قريش كانت قد كفّت في واقع الأمر عن الإيمان بأصنام الكعبة، كانوا يحاولون المواظبة على إبداء الاحترام لها لأن الوثنية كانت لا تزال سائدةً بين الأعراب، ولأنّ تلك العبادة كانت تأتيهم بالمكاسب المالية والاجتماعية .
كان محمد محترساً متأنّياً في كلامه ، كما كان حيياً، - أشدّ حياءً من العذراء في خدرها – بحسب أحد المصادر. أمّا فصاحته فكانت شديدة وخالية على الدوام من الكلام الفارغ والإطناب. وكان لمحمد شعر طويل يكاد يصل منتصف أذنيه وعادةً ما كان يضع غطاء للرأس أبيض ويعطّر شعره ولحيته . كما كان محمد من حيث مزاجه ميالاً إلى التواضع ورقّة الحاشية . حين يصافح لا يبادر قط سحب يده . وكان ينظّف ثيابه وحذائه بنفسه ، ويخالط التابعين ومن هم أقلّ شأناً . وفي مرة قَبِل دعوةً من عبد ، فجلس معه على الأرض وتناولا الطعام . وحين كان يعلّم كان يرفع صوته في بعض الأحيان، وذلك لينهي عن الفساد، وفي مثل هذه اللحظات كانت عيناه تحمرّان ويشيع الدم في وجهه .
ومن خصال محمد الأخرى كانت الشجاعة . ففي المعارك كان يتكيء على قوس ويحضّ المسلمين على القتال. وحين كان يخشى أن يحكم العدو قبضته على مقاتلي الإسلام , كان يتقدم إلى الأمام ليكون في مقدمة الصفوف . ومع ذلك ، فإنه لم يقتل بيده سوى مرّة واحدة ، وكان ذلك في محاولة لتفادي طعنة قاتلة .
وهذه قلّة من أحاديث محمّد المتناقلة :
- من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام -
- ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع إلى جانبه وهو يعلم –
- الخُـلُق الحسن نصف الدين –
- أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر –
- ليس الشديد بالصُّرَعَة, إنّما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب –
( من كتاب : 23 عاماً دراسة في الممارسة النبوية المحمدية )
(الكــاتب : علي الدشتي وترجمة ثائر ديب وإصدار رابطة العقلانيين العرب )
#مصطفى_حقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟