|
حق القدم السعودي في مصر و الحرية الدينية المفقودة
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 1822 - 2007 / 2 / 10 - 11:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ليسمح لي إخوتنا أبناء دجلة و الفرات، من المثقفين الواعين - الذين يعلقون على النظام الإيراني كل مشاكلهم و مآسيهم التي لا تخطئها العين و تمس شغاف القلب حين يرى المرء على شاشات الإذاعات المرئية أهوالها اليومية، تلك التي جعلت ليس مجرد الخروج للشارع مقامرة بالحياة، بل حتى الجلوس بالمسكن في مدينة كبغداد أو الفلوجة أو البصرة أو كركوك – أن أنقل لهم رأي من مصر مفاده، إنه إذا كنا من السهل إدراك أسباب تعليق كل مشاكل العراق على مشجب إيران، من مواقع محسوبة على الليبرالية التحررية و ممولة من بعض الأسر الحاكمة في الجزيرة العربية، تلك الأسر الإقطاعية التي تخشى على نفسها بسبب تركيبة بلادها السكانية الهشة، و بسبب طول عسف تلك الأسر ببعض الشرائح من سكانها، فإنه من غير المعقول أن ينساق بعض المثقفين الحقيقيين لنفس الإتهام، لأن الإتهام يلغي تماما الفاعل الرئيسي في الحدث. إننا عندما نشير بأجمعنا لإيران متهمين، فإننا بذلك نضلل أنفسنا لأننا في حقيقة الأمر ندع من كانوا سبب مأساة بلاد المنطقة في نعيم البراءة يرفلون، ليكرروا جرائمهم مرة و مرات، فقد عرفوا طريق النجاة، و هو الإعلام، فمادام سلاح الإعلام في يدهم يغسلون به أيديهم من دماء ضحاياهم، فإنهم قادرين على أن يخرجوا كما الشعرة من العجين، دون أذى معنوي، فما بالك بالمادي، بعد كل جريمة لهم. فيا من تتركون الجناة الحقيقيين يفلتون بأفعالهم، إسمحوا لي أن أقول: ان أس البلاء في منطقتنا، هو هذا النظام الحاكم الذي سيطر على معظم أراضي الجزيرة العربية و نسبها إلى نفسه، عنوة و إقتدارا، ذلك النظام الذي في حقيقة الأمر أصدق أصدقاء الولايات المتحدة و إسرائيل، و ربما يتذكر البعض فتاوى بعض أشهر علماءه و دعاته، ابن جبرين و سلمان العمر، ضد المقاومة اللبنانية أثناء مأساة حرب لبنان الأخيرة في شهر يوليو 2006، فبصرف النظر عن الأراء في حزب الله، فإنه ما كان من الوطنية أن ينصر أولئك العلماء إسرائيل بفتاويهم. كما أن النظام السعودي هو من جعل من الوجود العسكري الأمريكي أمرا واقعا في كافة دول الجزيرة العربية بعد أن إستن تلك السنة السيئة بإدخال الولايات المتحدة عسكريا و كأنه لا يكفي سيطرتها السياسية و الإقتصادية على المنطقة، و لا يخفى على لبيب الدور الذي لعبته تلك القواعد في ما وصل إليه العراق اليوم. إن النظام السعودي إن لم تكونوا تنظروا له على إنه عدو، فإنه أعدى أعداء الإعتدال و التسامح في منطقتنا في حقيقة الأمر، إنه كالثعبان بملمسه الناعم و زحفه الصامت و الذي ينساب بهدوء في كل أنحاء مصر ليلدغ في صمت ناشرا سمومه في المجتمع المصري، إنه الأخطر من أي عدو، أما الأسوء فهو عندما يتحالف الثعبان مع الذئب و تكون لهم نفس الأولويات و الأهداف، و ربما ما شهدناه في لبنان و ما نشهده على الساحة العراقية أصدق دليل على الحلف السعودي - الإسرائيلي - الأمريكي. النظام السعودي يلعب بإستقرار مصر، و ما نشهده على الساحة المصرية المحلية من غلبة الفكر السعودي الدخيل على التسامح المصري المعروف، يشهد على ذلك. وكافة الفتن الطائفية التي إشتعلت في مصر لم تكن إلا وليده التسرب الفكري السعودي للحياة المصرية، و الذي جاء بالسيطرة الدينية السعودية على أهم مؤسسة دينية مصرية و هي الأزهر، و من شراءه المنابر المصرية في حواضر مصر و ريفها - مستغلا حالة الفقر التي تلف مصر - لتكون أبواق لفكره، و نشره مفهوم جديد للإسلام، و ترسيخ لعقدة نقص في النفوس المصرية قائمة على أساس إن المصريين قوما لا يعرفون الإسلام الحق، و كأن المصريين لم يكونوا يعلمون ما الله و ما الإيمان قبل أن يهبط عليهم دعاة آل سعود. المأساة أن المصريين - بسماحتهم المعروفة و قلبهم الصافي الذي إشتهروا به و الذي كثيرا ما دفعهم لحد الثقة السذاجة المفرطة بالأخرين و المؤذية بالنفس- يحسنون خيرا بهذا النظام و يتغافلون عن كونه نظام مشبع بفكر بدائي قائم على الثأر، فآل سعود و إلى اليوم لم يستطيعوا، و لا يريدون، أن ينسوا هزيمة الدرعية المذلة، التي حطمت دولتهم الأولى، على يد أول قوى إقليمية حداثية تنويرية بالمنطقة، و أعني مصر الحديثة في عصر التنوير المحمدي العلوي، أو عصر محمد علي الكبير، فأصبح الهم اليوم عندهم هو سحب مصر ثانية من رداء الحداثة الذي إرتدته منذ الثالث عشر من مايو 1805، و تزييها بالزي السعودي. و كما في كل جريمة فيها طرف أجنبي، هناك طوابير خامسة و سادسة و هلم جر، محلية تعمل من أجل هذا الأجنبي مادام يدفع المعلوم، و أول تلك الطوابير هو النظام الحاكم الحالي في مصر، الذي أسلم مصر لقمة سائغة للنظام السعودي، فأصبح آل سعود هم أكبر ملاك للأراضي بمصر، و سيطروا على أهم قطاعات الإقتصاد المصري، و حتى الإعلام المصري. أما في المجال الديني فأصبح الوضع و كأن النظام السعودي قد إشترى من النظام الحاكم الحالي، و الذي سبقه، حقا حصريا للعمل الديني في عموم الديار المصرية، تماما كما كان الحال أبان تطبيق نظام حق القدم الذي كان معمولا به طوال فترة طويلة من القرن التاسع عشر الميلادي، و الذي كان يقوم على أساس إنفراد طريقة صوفية ما بحق العمل و الدعوة في منطقة جغرافية معينة، و كان على السلطات المحلية بما فيها الجهات الإدارية الرسمية أن تعمل على حماية حق هذه الطريقة و الوقوف أمام أي طريقة أخرى منافسة. الوضع في مصر في شأن الحرية الدينية في العقود الثلاثة الأخيرة، أصبح مماثلا لوضع حق القدم، الفارق أن طريقة واحدة، هي الوهابية السعودية، إشترت هذا الحق في كل عموم مصر، و ليس فقط في قرية أو بضع قرى أو حتى مركز أو محافظة، و غدت المذاهب الإسلامية - غير الوهابية - التي عرفها المصريين قديما من حنفية و شافعية و مالكية و زيدية و جعفرية و صوفية، و المذاهب الجديدة كالميزانية و القرآنية و غيرهما، جميعها موضع إضطهاد و تسفيه بدرجات متفاوته تصل أحيانا لحد التكفير كما الحال مع الصوفية و القرآنية، و إذا كان هذا هو الشأن حاليا للفرق الإسلامية التي كانت ذات حول و صول في مصر من قبل شراء النظام السعودي لحق القدم في عموم مصر من السادات و من بعده مبارك الأب و من المنتظر تجديد العقد في عهد الإبن الوريث، فلا حاجة إذا لذكر وضع المصريين من غير المسلمين، و ما ينتظرهم مع كل تغلغل جديد، و ما يحدث لغير المسلمين بالعراق خير شاهد. العدو الحقيقي لمصر، بل و لكل المنطقة، هو النظام السعودي، فالنظام السعودي يختلف عن كافة الأنظمة المتحدثة بالعربية، إنه نظام عقائدي بالدرجة الأولى، له فكر متطرف قام عليه و يريد ترويجه و يعتبر إنتشاره إنتشارا لنفوذه. النظام السعودي هو الذي إقتحم بالفعل أسوار مصر و بعض البلدان الأخرى، و تغلغل في نسيج المجتمع و الإقتصاد المصريين، و بسط سيطرته على جهات صنع القرار في مصر، و هو الذي حطم السلام الإجتماعي المصري عامدا. إخوتنا أبناء العراق بحضاراته المتنوعة العريقة و بكل أديانه و مذاهبه و معتقداته، إننا كمصريين نتفهم مآساتكم، و لكن وجهات نظرنا مختلفة في أسباب مآساة منطقتنا. عدونا في مصر هو عدو الحرية و العدالة و المساواة و التنوير، عدونا لازال مشبع بأفكار الثأر و الإنتقام.
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا لم و لن يظهر محمد يونس مصري؟؟؟
-
شرعية ثالثة، لا تعديلات دستورية
-
تحاولوا أن تزرعوا عقدة ذنب إسلامية
المزيد.....
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
-
40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تواصل إشتباكاتها مع جنود الاحتلا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا للاحتلال في مستوطنة
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|