محمد الزيري
الحوار المتمدن-العدد: 8444 - 2025 / 8 / 24 - 22:47
المحور:
الصحافة والاعلام
تعد مقولة "من لا يخطئ لا يعمل" من العبارات الجامعة التي تختصر فلسفة العمل البشري، خاصة في المجالات ديناميكية والمعرفية التي تتطلب التفاعل المستمر والاجتهاد الدائم. وتأتي الصحافة، خاصة فرعها السمعي البصري، في طليعة هذه المجالات، نظرًا لطبيعة المهنة التي تفرض الاحتكاك المباشر مع المتلقي، وسرعة التفاعل مع الأحداث، والاشتغال تحت ضغط الزمن والبث الحي.
في الصحافة المكتوبة، يتاح للصحفي هامش زمني يمكنه من مراجعة النصوص وتصحيح الأخطاء قبل النشر، مما يقلل من احتمالية وقوع الهفوات. لكن في المقابل، لا تمنح الصحافة السمعية البصرية، كما هو الحال في الإذاعة والتلفزيون، نفس هذا الامتياز؛ فالكلمة المسموعة أو المرئية تخرج فورًا إلى الجمهور، دون وساطة أو مراجعة لاحقة، ولا يمكن التراجع عنها إلا بتدخل سريع، إما عبر تصحيح فوري أو تقديم اعتذار رسمي.
ويُعدّ الخطأ الذي ارتكبته الصحفية "سناء ر." على القناة الثانية المغربية نموذجًا واقعيًا يجسد هذا الإشكال المهني. فخلال تقديمها لتقرير رسمي، وقعت الرحيمي في خطأ لفظي وقد انتشر مقطع الخطأ على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، ما جعله محط انتقادات وتعليقات متعددة. ورغم طبيعة الخطا والاكيد انه غير متعمدة، إلا أن التفاعل الجماهيري معه كان مبالغًا فيه في بعض الأحيان، مما يطرح سؤالًا مهمًا: هل يُفترض في الصحفي أن يكون معصومًا من الخطأ؟ وهل يسمح لنا البث المباشر بأن نحكم على مهنية الشخص من زلة واحدة؟
إن هذا المثال يبين أن الخطأ في الممارسة الإعلامية، خاصة السمعية البصرية، ليس مؤشرًا على الجهل أو التقصير بالضرورة، بل هو في أحيان كثيرة نتيجة ضغط العمل، أو السرعة في التفاعل مع المستجدات، أو حتى تراكم الإرهاق. الأهم من ذلك هو قدرة الصحفي أو المؤسسة الإعلامية على تدارك الخطأ، والاعتراف به، واتخاذ ما يلزم لتوضيح الأمور للمتلقي.
وفي نهاية المطاف، فإن الصحافة، بما هي مهنة للكلمة الصادقة والآنية، لا يمكن أن تنفصل عن الخطأ الإنساني. وإذا كنا نطالب بالاحترافية، فيجب أيضا أن نمنح هامشا للتسامح المهني، شريطة أن يكون الخطأ غير مقصود، وأن يقابل بسرعة تصحيحية تعيد ثقة الجمهور في المعلومة والمؤسسة.
وهكذا تبقى مقولة "من لا يخطئ لا يعمل" مناسبة وواقعية، خصوصا في هذا النوع من الصحافة الذي يزاوج بين السرعة والمهنية، ويشتغل في منطقة دقيقة بين النجاح والزلل.
#محمد_الزيري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟