أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهيل الزهاوي - الألم و العشق والفناء والخلود: مقاربة وطنية وفلسفية لومضة يحيى السماوي















المزيد.....

الألم و العشق والفناء والخلود: مقاربة وطنية وفلسفية لومضة يحيى السماوي


سهيل الزهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8442 - 2025 / 8 / 22 - 17:36
المحور: الادب والفن
    


تُعدّ الومضة الشعرية فضاءً مكثّفًا تجمع بين الإيحاء والتكثيف، حيث تمتزج الأبعاد النفسية والوجدانية مع الأفقين الفلسفي والوطني، ضمن بنية نصية متماسكة وثراء سيميائي متقن. في نصوص الشاعر الكبير يحيى السماوي، يصبح الألم علامة وجودية تتخطى حدود الإحساس الفردي لتُظهر روحًا نابضة بالحياة، عميقة الالتصاق بالعالم المحيط بها. من رحم هذا الألم، يتولد العشق بوصفه قيمة أزلية مقاومة للفناء، تتجاوز حدود زوال الجسد وافتقاد العاشق والمعشوق.
أما من الناحية النصية، فتتجلى براعة السماوي في بناء نص تصاعدي يعتمد على آليات الانزياح الدلالي والرمزية الدقيقة، حيث تتداخل تأملات حول معنى الحياة والموت مع القيم الوطنية والانتماء والذاكرة الجماعية. من هنا، يتحول الوجدان الفردي إلى انعكاس لحالة جمعية مشتركة، بينما تصبح البنية السيميائية أداة فعالة لفك رموز النص واستيعاب أعماقه.
بهذه الطريقة يفتح النص الباب أمام قراءات متعددة وتأويلات متنوعة تنبثق من تكامل الأبعاد البنيوية والسيميائية والنفسية والفلسفية والوطنية فيه، مما يُضفي عليه طاقة دلالية قوية وقدرة على تجاوز زمنه الآني نحو أفق إنساني أوسع وأشمل.
نص الومضة
——
أنـا أتـألَّـم؟
إذنْ:
أنـا حـيٌّ أُرزق ..
*
مـسـاكـيـنُ الـمـوتـى
فـهـم لا يـتـألـمـون!
*
يموتُ العاشقُ والمعشوقُ
ويبقى العشق ..


تفسير الأبيات
1- أنا أتألّم؟ إذن: أنا حيٌّ أُرزق..
الألم هنا ليس مجرد تجربة جسدية، بل علامة على استمرار الحياة والقدرة على التفاعل. في البعد الوطني، يعني ذلك أن الإحساس بجراح الوطن دليل على الانتماء النابض، فالذي يتألم من أجل وطنه يثبت أنه ما زال حاضرًا في صفوف الأحياء الفاعلين.
2- مساكينُ الموتى فهم لا يتألمون!
تبدو كلمة مساكين للوهلة الأولى شفقة ظاهرية، لكنها تنطوي على مفارقة: الموتى حُرموا من الإحساس، وبالتالي من المشاركة في قضايا الوطن. ويمكن أن يُقصد بالموتى هنا من فقدوا الإحساس الوطني رغم بقائهم أحياء، أو الذين رحلوا بعد أن أدوا رسالتهم. في الحالتين، يتحوّل الألم إلى امتياز للأحياء، لأنه يثبت بقاء النبض والرسالة.
3- يموت العاشقُ والمعشوقُ ويبقى العشق.
يصل النص إلى ذروته في تثبيت فكرة الخلود: العاشق (المناضل) قد يموت، والمعشوق (الوطن) قد يتعرض للتشويه أو الاحتلال، لكن العشق ذاته — أي الحب الوطني — يظل خالدًا، يتوارثه الناس جيلاً بعد جيل. هكذا يصبح العشق قيمة أبدية تتجاوز حدود الأجساد والزمن..
المقاربة الفلسفية بين الومضة وفلسفة سارتر
تلتقي ومضة يحيى السماوي مع الفلسفة الوجودية عند سارتر في عدد من المحاور الجوهرية، مع بقاء خصوصية الرؤية الشعرية واضحة:
1- الألم والحياة
- في النص كما في الفلسفة السارترية، يُعدّ الألم علامة على الوجود الواعي وقدرة الإنسان على التفاعل مع ذاته والعالم.
- الألم عند السماوي يتجاوز الإحساس الفردي ليصبح دليلاً على حياة الانتماء الوطني وفاعليته.
2- الموت وانقطاع المعنى
كلاهما يرى أن الموت يمثل توقف الفاعلية الإنسانية وانطفاء القدرة على المشاركة في صياغة المعنى.
في النص، يُطرح الموت كحالة فقدان الإحساس، سواء بيولوجيًا أو معنويًا (فقدان الحس الوطني).
3- الخلود والمعنى بعد الموت
يمنح الشاعر للعشق الوطني بعدًا خالدًا، إذ يبقى الحب للوطن حيًا ما دام هناك أحياء يتألمون ويحملون الرسالة.
عند سارتر، استمرار الإنسان بعد موته مشروط بالأثر والمشروع الذي يتركه في العالم أو في وعي الآخرين، من دون افتراض خلود مطلق.
الفرق الجوهري
الخلود في النص قيمة وجدانية جمعية مرتبطة بالأحياء وبالهوية الوطنية.
أما في فلسفة سارتر، فهو مفهوم فردي يرتبط بامتداد الأثر في الآخرين، وليس بخلود عاطفي أو قيمي خارج إطار الزمن.
الربط بين النص و المنهجية التكاملية
تكشف القراءة التحليلية أنّ النص الشعري لا يُقارب على مستوى واحد، بل تتداخل فيه الأبعاد البنيوية، السيميائية، والنفسية، والرمزية–الوطنية، مما يجعل المنهجية التكاملية الأداة الأكثر فاعلية لفهمه.
1- البنية التصاعدية للمعنى
يبدأ من تثبيت قيمة الحياة عبر الألم.
يمرّ بالمفارقة مع الموت.
ينتهي إلى الخلود الرمزي للعشق.
تعزّز هذه البنية العلاقات البنيوية (السببية والاستنتاجية) والإيقاع الداخلي الموحّد.
2- التحليل السيميائي
المؤشّرات: الألم/غياب الألم لتحديد موقع الذات من الوجود.
الأيقونات: العاشق/المعشوق بتمثيل إنساني عام.
الرموز: الألم، الموت، العشق كجسور نحو المعنى الفلسفي–الوطني.
3- المستوى النفسي
يتحوّل الألم إلى وعي وجودي، والموت إلى صورة للانقطاع، والعشق إلى طاقة وجدانية قادرة على تجاوز الفناء، مما يعكس دينامية بين الشعور الفردي والانتماء الجمعي.
5. البعد الرمزي–الوطني
يتحوّل العشق إلى حب الوطن الذي يستمر في الذاكرة الجمعية رغم رحيل الأفراد، فتظل الراية مرفوعة.
6. الخلاصة
تُبرز المنهجية التكاملية قدرتها على توحيد البنية الشكلية والدلالية الرمزية، والمعنى النفسي والبعد الفلسفي–الوطني، لتقدّم فهمًا أشمل وأعمق للنص.
الانزياحات الدلالية والاستعارات:
الانزياح الدلالي والاستعارات:
يعتمد النص على انزياحات دلالية تُعيد تشكيل شبكة القيم، إذ يُستبدل المعنى الشائع للألم — بوصفه معاناة — بمعنى وجودي يؤكّد حيوية الذات. ويُعاد تعريف الموت، لا كفناء بيولوجي، بل كغياب للإحساس، فيما يغادر العشق دلالته الغزلية ليصبح قيمة رمزية ذات بعد وطني خالد. وتتكامل هذه الانزياحات مع استعارات بنيوية؛ فالعاشق والمعشوق يتحوّلان إلى أيقونات تمثّل كل مَن قدّم ذاته في سبيل قيمة كبرى، والعشق إلى استعارة كبرى للوطن في وعي جمعي يتجاوز الأفراد.
الخاتمة
بُنيت القراءة وفق المنهجية التكاملية على تحليل النص الشعري، موضوع الدراسة، بوصفه هيكلاً مركباً تتداخل فيه المستويات البنيوية، السيميائية، الدلالية، النفسية، والرمزية ذات الطابع الوطني. وقد أفضى هذا التداخل إلى إعادة صياغة التجربة الفردية للألم والعشق ضمن أفق فلسفي وإنساني شامل. تُظهر البنية النصية نظاماً منطقياً تصعيدياً يمزج بين تثبيت قيمة الحياة عبر الألم، ومقارنة جدلية مع الموت، وصولاً إلى تأطير العشق في سياق خلود قيمي.
كما أسفر التحليل السيميائي عن الكشف عن العلاقات المعقدة للعلامات التي تؤسس بنية المعنى في النص، فيما أوضح الانزياح الدلالي واستخدام الاستعارات آليات انتقال المفاهيم من مستوياتها التقليدية إلى أفق رمزي جديد يمنحها دلالات مستحدثة. على الصعيد النفسي، برز النص كوسيط لتحويل معاني الألم إلى رؤية وجودية تتسم بالتأمل، وتجلي الموت كانقطاع شعوري يحمل دلالات عميقة، بينما يتخذ العشق شكل طاقة وجدانية تتخطى حدود الذات الفردية لتشمل الجماعة ككل، مما يعزز البعد الوطني ويحجز له مكاناً ملموساً في المخيال الجمعي



#سهيل_الزهاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الظلال والنور: قراءة نقدية في قصيدة -لا تكن معتما…- للشا ...
- ومضة الهوية: صراع الذات والوطن في النص الشعري للشاعر الكبير ...
- تموز: انبعاث الثورة وانبثاق الحرية من قلب المعاناة، في قصيدة ...
- حين يضحك الشهيد قبل المقصلة
- رمزية المرأة وقضية التحرر في قصيدة -العنقاء- للشاعر عبد الست ...
- من -خبز أمي- إلى -قضبان الضلوع-: قراءة رمزية في ومضة شعرية - ...
- بين الهبة والسُّلطَة: قراءة في قصيدة -إنّما الدنيا لِمن وَهَ ...
- عهدي وكلمتي
- الجندي، الهذيان، والخذلان الكبير قراءة في قصيدة -العمائم- لل ...
- مواويل عشق للشاعرة: كريمة الحسيني: دراسة نقدية في تكوين الحب ...
- وطنٌ معلق بين الحب والخذلان قراءة نقدية لقصيدة -حبُّ امتناعٍ ...
- لوحة المنزل* / للشاعر النرويجي أرنولف أوفيرلاند
- الصمود والتحدي: قراءة في الأبعاد النفسية والاجتماعية والسياس ...
- قراءات نقدية : دراسة بنيوية ورمزية لقصيدة -مهرجان- للشاعر يح ...
- *قصيدة العَلْمُ الأَحْمَرُ / الشاعر النرويجي أرنولف أوفيرلان ...
- الشاعر سيجبيورن اوبستفلدر (1866- 1900) رائد الحداثة في النرو ...
- مُستيقِظاً في عَتْمَةِ الغَبَشِ
- نضال الطلبة ضد المعاهدات العراقية - البريطانية ( 1922- 1930 ...
- الوند العظيم
- أفجعتها المصيبةُ


المزيد.....




- الذكاء الاصطناعي بين وهم الإبداع ومحاكاة الأدب.. قراءة في أط ...
- مخيم -حارة المغاربة- بطنجة يجمع أطفالا من القدس والمغرب
- بصمة الأدب العربيّ: الدّكتورة سناء الشّعلان (بنت النعيمة)
- باب كيسان.. البوابة التي حملت الأزمنة على أكتافها
- -بدونك أشعر أني أعمى حقا-.. كيف تناولت سرديات النثر العربي ا ...
- نذير علي عبد أحمد يناقش رسالته عن أزمة الفرد والمجتمع في روا ...
- المؤرخة جيل كاستنر: تاريخ التخريب ممتد وقد دمّر حضارات دون ش ...
- سعود القحطاني: الشاعر الذي فارق الحياة على قمة جبل
- رحلة سياحية في بنسلفانيا للتعرف على ثقافة مجتمع -الأميش- الف ...
- من الأرقام إلى الحكايات الإنسانية.. رواية -لا بريد إلى غزة- ...


المزيد.....

- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهيل الزهاوي - الألم و العشق والفناء والخلود: مقاربة وطنية وفلسفية لومضة يحيى السماوي