أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السعدية حدو - دور النقد في تفكيك الصور الذهنية للكتّاب: من التقديس إلى الوعي القرائي














المزيد.....

دور النقد في تفكيك الصور الذهنية للكتّاب: من التقديس إلى الوعي القرائي


السعدية حدو
قارئة مهتمة بنقد نقد تحليل الخطاب

(Saadia Haddou)


الحوار المتمدن-العدد: 8442 - 2025 / 8 / 22 - 02:50
المحور: الادب والفن
    


مقدمة
يحتلّ النقد الأدبي مكانة أساسية في الحقل الثقافي، لا لكونه مجرد قراءة موازية للنصوص، بل لأنه يمارس وظيفة تصحيحية في مواجهة الانزياحات التي يكرّسها الخطاب العام حول الكُتّاب. فالقارئ العادي، وغالبًا حتى المتخصص، لا يتعامل مع النصوص بوصفها وحدات مستقلة، بل يحمّلها دلالات مستمدة من صورة ذهنية مسبقة عن الكاتب. هذه الصورة قد تُبنى عبر الإعلام، أو الصالونات الأدبية، أو حتى من خلال العلاقات الشخصية، فتتحول إلى مرجعية تقديسية تجعل الكاتب فوق المساءلة. هنا يظهر النقد كقوة مضادة، تسعى إلى زعزعة تلك الهالة وإعادة النقاش إلى النص، لا إلى الشخص أو الرمزية الملتصقة به.

الصورة الذهنية للكاتب وآليات تشكّلها

الصورة الذهنية ليست مجرد انطباع عابر، بل هي بناء رمزي معقد. فالكاتب لا يُستقبل عادة من خلال نصه وحده، بل من خلال شبكة من التمثلات المسبقة: الانتماء الجيلي، المواقف السياسية، الحضور الاجتماعي، أو حتى السمعة التي يُشيّدها حول نفسه عبر خطاب نقدي موازٍ لأعماله. وحين تتكاثف هذه العناصر، تنشأ صورة ذهنية تُختزل فيها هوية الكاتب وتُكرّس عبر الزمن. هذه الصورة، إذا لم تُفكك، قد تُلغي المسافة النقدية وتُحوّل الكاتب إلى أيقونة، بحيث يُقرأ النص عبر "الهالة" لا عبر بنيته الداخلية. إن التلقي هنا يصبح انحيازًا قبليًا: القارئ يُعجب بالكاتب لأنه “رمز”، ثم يبحث في النص عما يبرر هذا الإعجاب.

التقديس والدفاع الانفعالي أمام النقد

حين تتأسس صورة ذهنية قوية حول كاتب ما، فإن أي محاولة نقدية لتفكيك نصوصه تُواجه عادة برد فعل عاطفي لا عقلاني. كثيرًا ما يُتَّهم الناقد بالغيرة أو الحقد، ويُتهم نقده بأنه “هجوم شخصي” بدل أن يُقرأ كتحليل علمي. هذا السلوك يعكس آليتين: أولاهما الخلط بين الكاتب ونصه، حيث يُعتبر المساس بالنص إهانة لشخص الكاتب، وثانيهما المقاومة النفسية التي تجعل المتلقي يرى النقد تهديدًا لصورة مثالية ارتبطت بهويته الثقافية. إن الدفاع الانفعالي عن الكاتب، حتى دون قراءة دقيقة للنص، يُظهر أن التلقي تحوّل إلى شكل من أشكال "الإيمان" الذي لا يقبل المراجعة، وكأننا أمام طقوس تقديس أكثر مما نحن أمام فعل نقدي.

وظيفة النقد الصارم: إعادة مركزية النص

في مواجهة هذه الميكانيزمات، يصبح دور النقد هو استعادة التوازن: أي إرجاع النقاش إلى النصوص، بعيدًا عن الهالات الرمزية التي تلتصق بالكتّاب. النقد الصارم لا يعني بالضرورة التبخيس أو الهدم، بل يعني استخدام أدوات التحليل السردي، الأسلوبي، والموضوعاتي من أجل قياس النص بما هو نص، لا بما هو امتداد لصورة مسبقة. هنا يتجلّى البعد التحرري للنقد: فهو يحرر النص من سطوة الصورة الذهنية، ويحرر القارئ من أسر الانبهار غير الواعي. النقد، بهذا المعنى، ليس نقيضًا للتقدير، بل هو الشكل الأرقى من الاعتراف، لأنه يعترف بالكاتب كفاعل ثقافي بشري، لا كرمز فوق-بشري محصّن ضد المساءلة.

نحو وعي نقدي جديد

إن الانتقال من التلقي التقديسي إلى التلقي النقدي يتطلب إعادة تربية للذائقة الأدبية. وهذا لن يتحقق إلا بترسيخ الوعي بأن النصوص ليست معصومة من الضعف، وأن الكتّاب، مهما علا شأنهم، بشر يكتبون ضمن شروط محددة وقد ينجحون أو يفشلون. النقد هنا لا يهدف إلى تحطيم الرموز، بل إلى جعل القارئ يرى أن القيمة الحقيقية تكمن في النص ذاته لا في الهالة الملتصقة به. وهو ما دعا إليه رولان بارت حين تحدّث عن "موت المؤلف"، أي تحرير النص من سلطة صورته الخارجية، وما يمكن أن يُستعاد أيضًا عند بورديو في حديثه عن "رأس المال الرمزي" الذي يجعل بعض الأسماء تكتسب سلطة بفضل صورتها أكثر مما تكتسبه بفضل إنتاجها.

خاتمة

إن الدفاع الأعمى عن الكُتّاب وتقديس صورهم الذهنية يكشف هشاشة في الوعي القرائي، ويحول دون بناء حقل أدبي نقدي متوازن. وفي المقابل، فإن النقد الصارم يمارس وظيفة مزدوجة: فهو من جهة يُعيد الاعتبار للنص بما هو موضوع للتحليل، ومن جهة أخرى يُفكك الآليات التي تجعل من الكاتب رمزًا مقدسًا لا يُمس. بهذا المعنى، يمكن القول إن النقد ليس مجرد خطاب ثانٍ، بل هو فعل تحرري يعيد القارئ إلى جوهر العملية الأدبية: النصوص، بما تحمل من قوة وهنات، لا الأشخاص بما يُحيط بهم من هالات. وهنا وحده يتحقق الوعي القرائي الناضج، الذي لا يخضع للتقديس الأعمى، بل يؤمن بحق الاختلاف والمساءلة.
***** نور



#السعدية_حدو (هاشتاغ)       Saadia_Haddou#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين التجريب والسطحية: تعدد الأصوات والتكلف اللغوي في الأدب ا ...
- لاكان : تفكيك الخطاب النظري
- - التفكيك كاستراتيجية نقدية: دريدا/ فوكو/ بارت
- لاعب النرد: قصيدة نقدية
- -فن الرواية- بوصفها مقاومة وجودية: قراءة في رؤية ميلان كوندي ...
- شرعنة الرداءة
- -سوناتا الغراب- بين السيرة الذهنية والوهم الروائي: سؤال التج ...


المزيد.....




- الذكاء الاصطناعي بين وهم الإبداع ومحاكاة الأدب.. قراءة في أط ...
- مخيم -حارة المغاربة- بطنجة يجمع أطفالا من القدس والمغرب
- بصمة الأدب العربيّ: الدّكتورة سناء الشّعلان (بنت النعيمة)
- باب كيسان.. البوابة التي حملت الأزمنة على أكتافها
- -بدونك أشعر أني أعمى حقا-.. كيف تناولت سرديات النثر العربي ا ...
- نذير علي عبد أحمد يناقش رسالته عن أزمة الفرد والمجتمع في روا ...
- المؤرخة جيل كاستنر: تاريخ التخريب ممتد وقد دمّر حضارات دون ش ...
- سعود القحطاني: الشاعر الذي فارق الحياة على قمة جبل
- رحلة سياحية في بنسلفانيا للتعرف على ثقافة مجتمع -الأميش- الف ...
- من الأرقام إلى الحكايات الإنسانية.. رواية -لا بريد إلى غزة- ...


المزيد.....

- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السعدية حدو - دور النقد في تفكيك الصور الذهنية للكتّاب: من التقديس إلى الوعي القرائي