|
-باراكا من الخزعبلات-
إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)
الحوار المتمدن-العدد: 1825 - 2007 / 2 / 13 - 11:46
المحور:
الصحافة والاعلام
سبق للصحفي المقتدر خالد الجامعي، الذي نتمنى له الشفاء واستعادة العافية، أن قال ما معناه إن كل شيء في هذا "البلد السعيد" يدفع المواطن إلى الشعور، عمليا وبالملموس، بأن لا شيء تغير وأن دار لقمان مازالت على حالها إن لم تكن زادت تدهورا رغم الشعارات الفضفاضة والرنانة.. وختم كلامه بالعبارة التالية: ".. وا باراكا علينا من الخزعبلات"، فعلا "باراكا من الخزعبلات".. ما عدا الهامش المتاح للسماح بالحديث عن أشياء لم يكن المغاربة، بالأمس القريب، يتجرؤون ولو على التفكير فيها، لا شيء تغير فعلا، بل أكثر من هذا، بدأ يبرز شعور كأن التاريخ يعيد نفسه بالمغرب؛ إذ في السابق كانت البداية بوهم التفتح والإصلاح والتغيير لكن سرعان ما فتئت تتضح معالم التوجه نحو المنع والقمع وتضييق الخناق، فكانت النتيجة هي "استبداد مرتب كالسمفونية" أو "ديكتاتورية مقدسة"، حسب تعبير البعض، قادتنا إلى جملة من "الخزعبلات" بالمضمون الذي أعطاه خالد الجامعي لهذه العبارة، واليوم أضحينا نحيا الكثير من "الخزعبلات" في "هذا البلد السعيد"، منها "خزعبلات" وجود خطابين، خطاب يقول إن المغرب أضحى ديمقراطيا وانتهى الأمر، وخطاب يقول نحن في طور تحقيق الديمقراطية دون أدنى شعور بذلك. علما أننا لم نسمع بعد ولو كلمة واحدة بخصوص توزيع السلط بشفافية وعبر حوار وطني قصد التوصل إلى توافقات بهذا الخصوص. لحد الآن لم نعاين أي شيء جديد، ما عدا نوايا حسنة، وبالتالي لا يحق لنا، بمقتضى مسؤوليتنا اتجاه الأجيال القادمة، الكذب على أنفسنا والحديث عن التحول الديمقراطي، ونحن لم نعاين بعد بداية الحوار التوافقي حول توزيع السلط. وبهذا الخصوص لا نقول بأنه يجب تحقيق كل شيء دفعة واحدة، لكن على الأقل تحديد أجندة واضحة المعالم ومحددة الأهداف والمقاصد، أي: من أين نبدأ؟ وإلى أي نقطة نريد أن نصل؟ متى؟ وكيف؟ ومن "الخزعبلات" كذلك أن الأحزاب السياسية رفعت مذكرة إلى الملك الراحل الحسن الثاني في أواخر عهده، طالبت من خلالها بجملة من الإصلاحات السياسية والدستورية، لكن أياما معدودة بعد ذلك صادقت على دستور تجاهل مطالبها التي لم تتجاوز أصلا الحد الأدنى الممكن. وبذلك، فإن الأحزاب التي صادقت على دستور 1996 أفرغت الإصلاحات السياسية والمؤسساتية من مدلولها ومضمونها، وبالتالي فإنها تتحمل مسؤولية كبيرة، وكبيرة جدا، فيما آلت إليه البلاد حاليا من أعطاب في سيرورة التحول الديمقراطي. لقد تأكد الآن، وأكثر من أي وقت مضى، أن المغرب يعيش في قاعة انتظار، وهو انتظار معاينة ماذا سوف يتحقق، وبعد أن طال هذا الانتظار، تحول إلى "فرجة" على الواقع بـ "عين بصيرة ويد قصيرة" كما يقال. لدينا فعلا المكونات الضرورية لتفعيل حركية انتقال ديمقراطي، لدينا أحزاب وانتخابات وبرلمان وحكومة.. لكن كل هذه المكونات مازالت مجرد أجسام بدون روح وأحيانا كثيرة بدون مضمون، هذا في وقت يعرف فيه الإسلام السياسي وتسييس الإسلام مدا قويا بفعل انعكاسات أخطاء القائمين على الأمور وطبيعة الاختيارات المعتمدة، والتي جعلت الحكومات المتعاقبة لا تحكم وإنما مجرد آلية من آليات التنفيذ، والبرلمان لا يشرع، لأن الديمقراطية بكل بساطة هي، أولا وقبل كل شيء، التخلي عن مركزة السلط. وهذا يعني سحب سلط من الجهة الممركزة لها، لتسليمها لجهات غيرها، لا تملك سلطا إلى حد الآن. هذه هي الدمقرطة الحق وليس فقط وجود هامش مهم لحرية التعبير والصحافة، وهنا بالضبط يكمن أحد الأعطاب الكبيرة في حركية ما يسمى بـ "الانتقال الديمقراطي" بالصيغة المغربية. إذن تعطلت حركية "الانتقال الديمقراطي" بفعل عدم الرغبة في قبول إعادة اقتسام، متوافق عليه، للسلطة.. ومن "الخزعبلات" أيضا استمرار وجود ما يعرف بـ "مسامر الميدة" رغم مظهر التعددية البارز في الركح السياسي المغربي، إلى حد أنه فات الحد المجدي والفعال. وهؤلاء "مسامر الميدة" يشتركون في صفة واحدة، إذ أن قاسمهم المشترك هو أنهم كلما طرحت إشكالية للنقاش أو الحوار الجدي اجتهدوا حد الإجهاد لنسفه بأية وسيلة، ولم يعد ينفع معهم الآن إلا الضرب على الطاولة لإسقاطهم إلى الحضيض، وبالتالي دفعهم إلى "مزبلة التاريخ". وهناك "خزعبلة" أخرى.. إن بوبكر الجامعي، الصحفي الجريء الذي اضطر اضطرارا مؤخرا إلى مغادرة "لوجورنال ايبدو"، سبق له بمعية علي عمار أن نشر مقالا بخصوص المنزل الذي اقتنته الدولة المغربية بالديار الأمريكية بقيمة تفوق بكثير ثمنه الحقيقي، وهذا رغم أن لجنة التقويم انتقلت إلى عين المكان لتقيمه عن بينة، وبعد المعاينة، وبالرغم من أن مجلة "لوجورنال ايبدو" أدلت بشهادة مسلمة من إدارة الضرائب الأمريكية تؤكد أن ثمنه أقل بكثير من قيمة اقتنائه وأنه تم أداؤها من مال الشعب. وبعد مدة من نشر المقال وبعد أن تابع محمد بنعيسى وزير الخارجية مجلة "لوجورنال ايبدو" وشح صدره بوسام، وأصر على المتابعة واجتهد دفاعه اجتهادا للحصول على التعويض الباهض الذي طالب به، وكان بإمكانه الاقتصار على الدرهم الرمزي كما قد يفعل كل ذي نفس عفيفة، لكنه أراد مبلغا يليق بمقامه، وحكمت له المحكمة بـ 50 مليون سنتيما، وبفعل التأخير ارتفع المبلغ إلى 70 مليون سنتيما، كابدت مجلة "لوجورنال ايبدو" لجمعه وأدائه للمحكمة لتتمكن من الاستمرار، وفعلا سحب محمد بنعيسى هذا المبلغ وتسلمه كاملا غير منقوص بعد أن فعّل دفاعه كل المساطر الممكنة لبلوغ الهدف، إذ وصل به الأمر إلى مطالبة حجز راتب كل من بوبكر وعلي، ثم حجز مداخيل المبيعات لدى الشركة الموزعة؛ وتلا هذه المحاكمة قضية "مونيكي"، ووقف وكيل الملك بالمحكمة مطالبا القاضي بالحكم بما طالب به "مونيكي" أي 5 ملايين درهم، وتلت ذلك مواقف وتداعيات أخرى دفعت دفعا إلى التساؤل حول استقلالية القضاء وتلقي النيابة العامة الأوامر من وزارة العدل، وانتهى الأمر إلى مطالبة بوبكر الجامعي بأداء 3 ملايين درهم لمونيكي فاضطر لمغادرة المجلة حتى تستمر، وهنا يأتي التساؤل الكبير: هل الغرض، غير المعلن، هو القضاء على نهج في الكتابة ونهج في النقد، أي اغتيال خط تحرير ظهرت معالمه بكل شفافية منذ البداية؟ لكن ما خفي على الذين يسعون إلى بلوغ هذا الهدف، هو أن بوبكر الجامعي نتاج لبيئة ولصيرورة دائمة لا يمكن توقيفها، وإن ذهب بوبكر المفرد سيأتي بوبكر بصيغة الجمع. واعتبارا لتراكم هذه "الخزعبلات" وأخرى كثيرة وجب التساؤل الآن: هل سينتخب المغاربة في خريف 2007 لاختيار توجه للبلاد وبرنامج لإخراجها من الوضع التي هي فيه الآن، أم أنهم سينتخبون فقط لاختيار أشخاص عليهم أن يؤثثوا بناية اسمها "مجلس النواب" وبعض الكراسي الدوارة في بنايات تدعى "وزارات"؟ فهل المواطن المغربي مطالب باختيار ما يريد من توجهات وبرامج أم مجرد المساهمة في اختيار أشخاص للتأثيث فحسب؟ فهل هذه الممارسة ستتغير أم دار لقمان ستظل على حالها مادام أنه تبين في أكثر من مجال أن "حليمة بدأت تعود لعادتها القديمة"؟
#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)
Driss_Ould_El_Kabla#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل تورط حسني بنسليمان في الإطاحة بالملك؟
-
الرأي والرأي الآخر
-
وضعية الاقتصاد المغربي في الظرفية الراهنة 1
-
يطلق على من لازال يحتضر رصاصة الرحمة
-
متى ستنفجر فضيحة الفوسفاط
-
تهريب السلاح بالمغرب
-
حصيلة المفارقات
-
الإسلام السياسي مشروع أثبت فشله بالمغرب
-
- غادي نكتب للملك تا يخافوا ما يحشموا-
-
لازلنا في حاجة ماسة لثقافة الشباب
-
استحقاقات 2007 قادمة
-
الملك محمد السادس والإشاعة
-
أتمنى أن أكون مخطئا!
-
الصحافة الحزبية و انتخابات 2007 بالمغرب - حوار مع إدريس ولد
...
-
ثقافة قول -لا- عند اللزوم
-
لا مواطنة مع الإقصاء والتهميش
-
هل يصرح الملك بممتلكاته ليكون قدوة للآخرين؟
-
كيف يتحكم الجنرالات في السياسة بالمغرب؟
-
جودة التعليم والسكن اللائق حلمان أجهضا منذ سنوات
-
الجدال حول -لا إنسانية- عقوبة الإعدام لم ينضج بعد
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|