أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - النهار - البيان الأخير لـ-قوى الاصلاح والديموقراطية- في الحزب الشيوعي اللبناني قبل الانشقاق النهائي















المزيد.....



البيان الأخير لـ-قوى الاصلاح والديموقراطية- في الحزب الشيوعي اللبناني قبل الانشقاق النهائي


النهار

الحوار المتمدن-العدد: 546 - 2003 / 7 / 28 - 02:56
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


"النهار"
الثلثاء 15 تموز 2003
البيان الأخير لـ"قوى الاصلاح والديموقراطية" في الحزب الشيوعي اللبناني قبل الانشقاق النهائي:
الالـتـفــاف المـسيـحـي حـول المـعـارضـة لـيـس كـافـيـاً
 
هذا النص الذي وضعته المعارضة داخل الحزب الشيوعي اللبناني ربما كان النص الاخير الذي يصدر عنها داخل الحزب... بعد ان اصبح الانشقاق عن الحزب (حزب آخر... تيار؟) امرا محتما على ما يبدو، وقريبا جداً:
 
تعيش شعوبنا العربية في ظل ظروف استثنائية بالغة التعقيد ومتسارعة الاحداث وضعت المنطقة كلها على عتبة انعطاف نوعي جديد لم تتكامل بعد كل ملامحه. وتدفع مؤشرات هذا الانعطاف الى ترتيب استحقاقات تواجه كل دول المنطقة وتياراتها السياسية.
فقد كشف الاحتلال الاميركي للعراق بما يفوق بمرات، ما كنا نستشعره من خواء وعجز لدى النظام العربي، المتقلص الى حدود الادارة الامنية لبلاده، دون تملك اي فكرة او اهتمام بمصالح شعوب هذه البلاد وحاجات تطورها ومقتضيات علاقاتها ببعضها او صراعها مع اعدائها.
هذا النظام يقبع منتظرا اتجاهات الرغبات الاميركية مصحوبا بكم من التملق والاستعداد للعب ادوار وظيفية واجراء تكيفات وفقا لمعاييرها، ورغم ذلك يستشعر ان القوى المؤثرة في العالم لم تعد تجد وظائف فعلية له. والامر المقلق هو الركود الذي تعيشه المجتمعات العربية، وقصورها حتى الآن عن بلورة خيارات بديلة من هذا الواقع السلطوي، المستنفد، والمؤكد ان شدة القمع وطول مداه الزمني، ساهم مساهمة عميقة في تدمير البنى الاجتماعية والثقافية والفكرية لهذه المجتمعات، التي عاشت غربة كاملة عن مسار التطورات العالمية، في معازل فرضت عليها من هذا النظام العسكري العربي... وفي ظل انظـمة تربوية وتعليمية متخلفة، ان توافرت، غير مرتبطة بالمنجزات العلمية المعاصرة ولا بحاجات مجتمعاتها. اضف الى ذلك، نسبا خيالية من الامية والهامشية وعدم الارتباط بالنشاطات الاقتصادية المجدية.
ولا يسعنا في هذا المجال ان نعفي بعض التيارات السياسية التي عايشت هذه الانظمة العسكرية وفي المنحى العام تيارات منها لم تقدم مبررات حضورها السياسي، ولم تعبر عما يفترض ان تمثله من مصالح للمجتمع، وفي غالبية  الاحيان انصاعت لمناهج تبريرية وتزلفية للنظم القائمة، واما البعض الآخر فتوجه نحو سلفية غير مجدية، لا بل مسيئة، لتحديات تطور الواقع، مستندة الى مخزون ثقافي ماضوي استخدمته من خلال شحن عصبوي لتبرر نوعا من القطيعة مع العالم. وبهذا المعنى فان الواقع المشلول للمجتمعات العربية، تتحمل مسؤوليته بشكل رسمي، النظم المتوارثة ملكية وعسكرية، والمسيطرة منذ بدايات استقلال دول المنطقة، بالاضافة الى مسؤولية التيارات السياسية المنضوية ضمن نظام هذه السيطرة.
ان هذا الواقع اضعف امكان التفاعل بين هذه المجتمعات العربية والمجتمع الدولي، وظاهرات الممانعة والمعارضة للاتجاهات الناشئة والعاملة بقوة ضد الادارة الاميركية. وهو إن استمر، فلسوف يتسبب بعزلة لشعوبنا وحرمانها فرصة التضامن في مواجهة الاحتلال الاميركي ومخططات ادامة سيطرته في العراق وخارجه.
في ظل هذا التردي السائد عربيا، تبرز الظاهرة الفلسطينية رغم محدودية امكاناتها، كقوة ممانعة، اظهرت حتى الآن حيويتها وقدرتها على الاستمرار، في ظل عدوان اسرائيلي وتخل عربي، وخلل هائل في موازين القوى، لتفرض نفسها ضرورة لا يمكن تجاوزها، ولا يمكن الا التعامل مع الحد الادنى مما تطرحه من حقوق وطنية للشعب الفلسطيني. وسبب ذلك يعود في الاساس الى حيوية المجتمع، وقوة حضوره، والى الحد المعقول من التناغم والتماثل بين السلطة الوطنية وهذا المجتمع. وهذا الامر يُبرز بقوة اهمية الديموقراطية، وصحة التمثيل، والعلاقة التصالحية بين السلطة والمجتمع في تأمين القدرة على المواجهة والممانعة.
وها نحن اليوم على الصعيد الفلسطيني، وبعد نحو ستة عشر عاما على انطلاقة الانتفاضة الاولى، التي كثّفت اعواما من النضال التحرري الفلسطيني، ورفض التطبيع والتخلي عن الحقوق الاساسية... ها هي اليوم تفرض نفسها محاورا قويا على طاولة المفاوضات، بعد انتزاعها اقرارا دوليا، ولاسيما من "الرباعية الدولية" ومن ضمنها الولايات المتحدة، بحق الشعب الفلسطيني بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وقادرة على العيش، رغم ان الادارات الاميركية جهدت طويلا للتنصل من اي التزام حقيقي حيال حقوق الشعب الفلسطيني، وتمادت في دعم العدوان الاسرائيلي الوحشي وتبريره بكل الاشكال.
ولا يغيب عن بالنا ان المفاوضات اليوم، ستكون كما كانت دائما، محفوفة بالكثير من المناورات والمخاطر والارتدادات، والسبيل الوحيد لضمان النجاح، هو الحفاظ على الوحدة الفلسطينية على اساس وضوح في القواسم المشتركة، وتناغم في اساليب النضال، بما يعزز كذلك القوة التمثيلية للسلطة الوطنية الفلسطينية.
 
المراجعة النقدية ضرورة وطنية وقومية
ان التيارات والقوى السياسية والفكرية العربية، هي اليوم امام استحقاق مراجعة نقدية قاسية لنصف قرن من الفشل العملي لمجمل الاهداف والشعارات التي رفعتها: الهزائم المتوالية في مواجهة اسرائيل، وايجاد سبل من التعامل المتكافئ مع الغرب وطموحاته للسيطرة، وفشلها في كل جوانب التنمية والتطوير والعصرنة، وفشل تطوير العلاقات العربية - العربية، وتحويل الجامعة العربي الى اطار شكلي عاجز وخال من المضامين الفعلية، وضمور العلاقات التبادلية بين الدول العربية على كل المستويات والتراجع المأسوي للمنحى التكاملي بين هذه البلدان، وطبعا الاساءة الى الوحدة وسقوط شعارها، وارتداد ذلك الى حركة عكسية هددت الوحدة الداخلية في كل مجتمع عربي، مترافقا مع ضمور لكل مستويات الحريات العامة والفردية، وازدياد وحشي للتفاوت الاجتماعي، وفشل ذريع للنظم التعليمية، ولتقدم الوعي العلمي كما لقطاعات الانتاج والاقتصاد المجدي، واقتصار النشاط الاقتصادي تقريبا على استنزاف المواد الخام التي لم توظف عائداتها في خدمة تطوير المجتمعات العربية، لا بل على العكس من ذلك، بددت من خلال سياسات استنسابية (عسكرية وفساد شخصي...) والتي حرمت شعوب المنطقة من مخزون رئيسي من الثروات الوطنية.
تجاه هذا الواقع، يفترض نشوء حركة مراجعة للمفاهيم والتجارب التي مرت بها شعوبنا، والتي اوصلتنا الى حالة الخروج من التاريخ، وهمشت مئات الملايين وابعدتهم عن الحضور الفاعل. مما دفع الملايين الى السعي للهجرة والمغادرة طلبا للحد الادنى من كرامة العيش وهربا من تعسف النظام العربي واستبداده.
ان حجر الزاوية في الخروج من هذا النفق، هو في احلال الخيار الديموقراطي بديلا من نهج الاستبداد وتهميش المجتمعات، ما من شأنه ان يولد سلطات تمثيلية فعلية تعبر عن مصالح شعوبنا العربية وتطلعاتها المستقبلية، وتمكنها تاليا من مقاومة مخططات السيطرة الاميركية الشاملة، وتقيم لنفسها آليات للتطور المناسب لواقعها وليس استجابة لأوامر السلطات الحاكمة ولا لمتطلبات معايير المصالح الاميركية.
 
التحالف السوري مع طبقة منتفعين يدفع البلاد الى منحى شديد السلبية
ترك الوضع العربي بمؤشراته السلبية بصماته على الوضع اللبناني، وتفاديا للعودة التاريخية لهذا التأثير، من المفيد ان نتوقف امام تطورات الوضع اللبناني، حيث يستمر الدور السوري المتحالف مع طبقة من السياسيين المنتفعين والمطيعين في تحديد ايقاع السياسات اللبنانية على كل المستويات. اذ من المؤسف ان هذا الدور الحاسم للنظام السوري، يدفع الوضع باستمرار في اتجاه منحى سلبي. ان مجموعة من القضايا التي طرحتها تيارات واسعة من اللبنانيين ووفق معيار المصلحة الوطنية العليا تمت مواجهتها اما بالتجاهل او بالعدوانية والتخوين وعلى سبيل المثال لا الحصر نورد:
أ- "تصحيح العلاقات بين لبنان وسوريا" وفقا لمقتضيات اتفاق الطائف، بما يجعلها اكثر ايجابية لمصلحة البلدين، ويزيل عنها طابع الانتفاع الآني لترتدي طابع العلاقات الجدية المتوازنة بين دولتين.
ب- مسألة "الوفاق الوطني"، التي طال تأجيلها منذ الطائف تخوفا من تنامي قوة العامل الداخلي وتنامي وحدة المكونات اللبنانية، وعلى خلفية "فرّق تسد" هذه المسألة طرحت بقوة في الاعوام الثلاثة الاخيرة بصفتها ممرا اضطراريا لمعالجة حالة التفكك والشرذمة والضعف في مؤسسات السلطة وغياب الطابع التمثيلي لها.
ج- موضوع "ارسال الجيش الى الجنوب" في اعقاب التحرير الناجز للمناطق التي كانت تحتلها اسرائيل من اجل تأمين افضل استثمار للانتصار التاريخي الذي حققته المقاومة الوطنية والاسلامية، وذلك عبر حضور الدولة بكل مؤسساتها، ولعب دور دولة الرعاية لرفع الحيف التاريخي الذي لحق بهذه المناطق، في ظل الاحتلال وحتى ما قبله... وبهدف اشعار كل اللبنانيين بتأثير التحرير على حياتهم اليومية، وانعكاسه امنا واستقرارا وتنمية.
د- مسألة "الاصلاح السياسي الاقتصادي الاجتماعي"، التي بات الجميع يدرك، انها تشكل ضرورة اكثر من ملحة للخروج من نفق الاستنسابية وصراع مواقع السلطة، والاهم من ذلك، انه بدونها من المستحيل اجراء اي اصلاح اداري او اقتصادي اجتماعي، والقضاء على آفة الفساد التي باتت تهدد حياة اللبنانيين اقتصاديا ومعنويا واخلاقيا، وهي تشجع من جانب الطبقة السياسية المسيطرة والحاكمة، خارج مرجعية الدستور والقوانين، ودون التجرؤ على ولوج باب الاصلاح السياسي، فان البلاد ستبقي مسرحا للمنطق المافيوي، ومنطق المزرعة، الذي تمارسه هذه الطبقة الحاكمة. وستستحيل معالجة اي من الملفات الاساسية، ملفات التعليم والصحة والاقتصاد، وستبقى معيشة اللبنانيين مهددة بالتدني في ظل مثل هذا الفلتان. اضف الى ذلك ظاهرة خطيرة، وهي استشراء الانقسامات المذهبية والمناطقية التي باتت تهدد نسيج المجتمع اللبناني.
هـ- "قضية الحريات" لم تجد السلطة المولاة على مصير هذا البلد، غير وسيلة ادارة الظهر لكل المناشدات والطروحات المخلصة. وحينما بلغت هذه الطروحات حدّ المعارضة الواضحة، لجأت الطبقة السياسية المتربعة في كل مواقع السلطة، الى استخدام العنف والقمع، عبر اجهزة امنية طالما رعتها ونوعت من تكويناتها، وبددت على بنائها الثروات الطائلة من خزينة الدولة، كل ذلك من اجل استخدامها في وجه المعارضة، في وقت استنكفت عن ارسالها الى الحدود لحماية الوطن، وهي الحدود الملزّمة لأكثر من جهة. ولقد طاول القمع كل مستويات التعبير، من الظاهر الى المكتوب الى كل وسائل الاعلام، وغالبا ما تجاوز الى حدود التعدي على الحقوق الاولية للمواطنين مما حول ملف الديموقراطية في البلد ليصبح اولوية الاولويات، خصوصا بعد ما ذخرت به الانتخابات النيابية من تزوير فاضح الغى عن هذه السلطة طابعها التمثيلي لارادة اللبنانيين وحولها بنسبة عالية الى سلطة تابعة منصبّة على مصير البلاد.
كل هذه القضايا التي ادارت لها السلطة الظهر، واستنكفت عن معالجة مضاعفاتها، وقطعت كل انواع الحوار الوطني الضروري حولها، باتت اليوم متلازمة، مترابطة، يصعب تحديد الاولويات بينها. فقضية الاستقلال والسيادة باتت مرتبطة عضويا بمسألة الاصلاح السياسي والاجتماعي وبمسألة الديموقراطية. وخشيتنا انه اذا استمرت هذه الطبقة الحاكمة بعبثها، وعدائها لمصالح المواطنين، وانصرافها الى مصالحها الخاصة وادوارها، ان تدفع البلاد الى مهاوٍ خطيرة خصوصا في ظل الظروف الراهنة التي تحيط بالمنطقة. ومما لا شك فيه انها لو اعتمدت مسلكا مغايرا، لكان واقع البلاد اليوم اقل تعرضا للمخاطر وللضغوطات، ولكان يمكنه، حتى ان يلعب دورا ايجابيا تجاه الاشقاء، وتحديدا سوريا، في محنة علاقاتها مع الولايات المتحدة الاميركية، واستعدادها لتقديم شتى التنازلات القومية والوطنية والداخلية لتضمن دورا وظيفيا يؤمن للسلطة استمراريتها.
وبهذا المعنى فنحن لا نفهم هذا التكرار الممل لدى المسؤولين اللبنانيين في الدعوة الى "خريطة طريق" خاصة بلبنان، في وقت انجز الشعب اللبناني والمجتمع اللبناني ومقاومته الملف كاملا بيننا وبين العدو الاسرائيلي، وأن القضايا المتبقية لا يمكن ان تندرج الا في مرحلة الحل النهائي فيما لو سارت الامور، ونشك في ذلك، مسارا ناجحا. ولربما كان هذا المسلك اللبناني هو من ثمار وحدة المسارين الذي لا نعترض عليه في الجوهر، واعتراضنا هو لما يسببه من تنازلات وهضم حقوق حصلتها التضحيات اللبنانية، ولما يسببه من تغييب للسياسة الخارجية اللبنانية.
ان الاختلال الذي يعيشه الواقع اللبناني في كل المستويات، مصدره الخلل المتعمد المتولد من فعل الهيمنة السورية وتواطئها مع طبقة سياسية منتفعة. وهو في الاساس يكمن في تشويه تطبيق الدستور المنبثق من وثيقة الوفاق الوطني، التي اقرت في الطائف، وهدفت الى تصحيح واقع النظام اللبناني بتعاقد جديد الغى الحيف السابق، واقام توازنا صعبا وحرجا بين المكونات اللبنانية. فما كان من تحالف الامر الواقع اللبناني - السوري الا ان ضرب هذا التوازن واستبدل الحيف القديم بحيف جديد معكوس تم تكريسه وفرضه من خلال الممارسة كأمر وواقع معاش. ان هذه الخطة المدبرة افترضت حراسة سورية دائمة للواقع اللبناني وهي بالاساس دبرت من اجل ذلك.
ان اختلالات النظام منذ الاستقلال وحتى نهاية الحرب الاهلية، كانت محمية بالدستور الذي اعتمد في ظل موازين قوى اعطت الطرف المسيحي في المعادلة اللبنانية امتيازات غير عادلة، مما ولد دوما شعورا بالاجحاف لدى المسلمين. اما اليوم فان الدستور يؤمن نظريا توازن المكونات الطائفية، ويفتح في المبدأ، افقا لبناء وطني على اسس لاطائفية. اما الخلل الحاصل لمصلحة المسلمين اليوم، فهو نتاج لأمر واقع غير مشرع. على هذا الاساس تطالب المعارضة اللبنانية اليوم بتطبيق الدستور واحترام اتفاق الطائف لأن من شأن ذلك ان يلغي الامر الواقع، ويعيد الواقع الوطني الى استحقاق الوفاق والتوازن الصعب والحرج والتعامل مع النتائج التي سيولدها هذا الاختبار، واحتمال انتقال هذه المعادلة نحو اسس اكثر تقدما ومعاصرة.
ان حالة السيطرة خارج احكام الدستور من جانب تحالف قوى الامر الواقع، ولد كل الآفات الوطنية والسياسية والاخلاقية، وباتت السلطة اقرب الى الحالة المافيوية منها الى سلطة مشروعة، وتضاءلت تدريجا الشكليات الشرعية في تشكيل مؤسساتها وخصوصا على مستوى  السلطة الاشتراعية، بصفتها ام المؤسسات التي تنبثق عنها تقريبا السلطات التنفيذية والقضائية كافة.
ان هذا الواقع اباح فلتان المصالح الخاصة والفئوية، حيث استشرت حمى الفساد وتسخير المصلحة العامة لخدمة المصالح الخاصة للحكام، مما عرض الاقتصاد الوطني الى شتى انواع التشوه والنهب، وضاعف كلفة الخدمات، على ضآلتها. وهذا النهج ادخل البلاد في حال من المديونية والكساد وضيق رقعة الاقتصاد واضعف مردوديته، فاستعاضت الحكومات المتعاقبة لتعويض نقص المردودية بتعظيم حجم الضرائب لتغذية موازنة الدولة التي هُدرت خارج نطاق الخدمات الحقيقية للمواطنين، وخارج الضمانات التي تعرضت الى كل الوان التقليص وصولا الى محاولات الغائها عبر خلخلة مؤسسات الضمان كلها.
 
المعارضة الديموقراطية بحاجة الى تطوير سياساتها وادواتها وتفعيلها
لقد حاولت قوى المعارضة في اكثر من مناسبة تعديل هذا الواقع وايقاف مساره التدميري، ولكنها ووجهت بعدوانية قاسية من جانب قوى التحالف المهيمن، وجرت محاولات شرسة لتدميرها وتهميشها، وهذا النهج لا يزال طاغيا على ذهنية القوى المسيطرة في السلطة. وواقع الحال ان الازمة في لبنان باتت على مستوى عال من التعقيد والتداخل ولم يعد ممكنا مرحلة مهمات التغيير وترتيبها ضمن اولويات متدرجة. ولا نخالنا نجافي الواقعية والموضوعية اذا حددنا طبيعة المرحلة بصفتها مرحلة استحقاق ملح للانقاذ الوطني. انقاذ محكوم بأن يطاول بشكل متلازم، قضية الاستقلال والسيادة وقضية الاصلاح السياسي، وتاليا الاداري، وقضية الاصلاح الاقتصادي الاجتماعي. وكشرط لخوض غمار هذه المواجهة المفروضة، لا بد من الدفاع عن الحريات والحقوق الديموقراطية للمواطنين في وجه تنامي الميل للقمع وكبت تعبيرات المجتمع.
لقد كشفت الاعوام الاخيرة خللا في موازين القوى، حيث ان المعارضة لم تتمكن من تأمين القدرات الكافية والملائمة لايقاف المسار العدواني للقوى المسيطرة، واضطرت للتفاوض المفضي الى التغيير التدريجي، وفي مثل هذه الحال طبيعي ان يتنامى اليأس ويتعمق الشعور بالاحباط، وعن ذلك ينتج نوع من الانكفاء يؤدي اذا لم يعالج الى التفكك والتسليم بالامر الواقع. من هذا المنطلق نحن نعتبر ان على المعارضة ان تزيد من صلابتها وان تنمي منسوب المصارحة والمشاركة مع الرأي العام، وان تظهّر طبيعة المعركة التي تخوضها بصفتها معركة اضطرارية انقاذية ومصيرية لا مجال امام المجتمع الا خوضها، والا فان النتائج ستكون كارثية على كل المستويات، علما انها الآن باتت في مرحلة شديدة الخطورة، إن من خلال الاستنزاف الذي تسببه الهجرة او من خلال الفقر واليأس الناتج عن تدهور مستويات المعيشة لدى غالبية اللبنانيين. ان ادراك الرأي العام طبيعة المعركة ومضامينها، وحده القادر على تنمية روح الثبات والنفس الطويل. ان الرأي العام يريد نتائج ملموسة ولكن حين يدرك انه يخوض معركة انقاذ وطني فلسوف يتعامل مع المحصلات بهذا المعيار وليس بمعيار المعارك الجزئية والمطلبية.
لقد بات ملحا ان تسعى المعارضة بكل تياراتها لتطوير وضعها وتفعيله وذلك من خلال التوفيق بين واقعها الموضعي ومستلزمات الانتشار الوطني. ان موازين القوى الحالية لم تستطع حتى الآن فرض معركة الانقاذ الوطني واقعا لا يسع السلطة القائمة تجاهله او تجاوزه ولعل السبب الرئيسي في ذلك هو الخلل الحاصل في طبيعة تكوين المعارضة. حيث لا يزال طابع الالتفاف المسيحي هو المسيطر، ومثل هذا الواقع وإن كان ضروريا ومفيدا فهو ليس كافيا، وعدم كفايته توجب عليها تطوير برامجه وأدائه ليتمكن من التشارك مع تيارات اخرى ديموقراطية اصلاحية متضررة داخل المكونات اللبنانية، وطبعا بالعلاقة مع التيارات الديموقراطية العلمانية المستقلة. ان مثل هذا المسلك الايجابي يتطلب المزيد من الانفتاح والقدرة على التوفيق بين الواقعية والمبدئية والوضوح في القطع مع الحنين الى ماض تم تجاوزه دستوريا وتطهير الانتماء الى المصالح الوطنية الشاملة المتوازنة وغير الفئوية. بالاضافة الى ابراز الالتزام بالمعارك المطلبية الاجتماعية والانحياز الى المصالح المهدورة لغالبية اللبنانيين بسبب سياسات الامر الواقع المسيطر على السلطة. ونعتقد ان مثل هذا المنحى لو اعتمد سيتطلب تطويرا لصيغ المعارضة ولأدائها العملي ما من شأنه خلق تواصل افضل مع الرأي العام ومع واقع المجتمع بهدف المزيد من المشاركة والمزيد من الفاعلية في كل مجالات المعارضة الديموقراطية، بدءا من الانتخابات وقوانينها وصولا الى كل انواع المعارك المطلبية ومعارك الحريات.
تتبع حلقة ثانية
قوى الاصلاح والديموقراطية في الحزب الشيوعي اللبناني
"النهار"
الاربعاء 16 تموز 2003
البيان الأخير للمعارضة في الحزب الشيوعي اللبناني قبل الانشقاق النهائي [2]
 
الحلقة الثانية الاخيرة من النص الذي وضعته المعارضة داخل الحزب الشيوعي اللبناني على اعتاب ما يبدو انه بات انشقاقاً قريباً في الحزب:
 
نحو عمل تأسيسي ديموقراطي منفتح
اننا حين نتكلم عن خيار التغيير الديموقراطي بصفته الملاذ الآمن القادر على نقل المجتمع اللبناني من حالة التناحر بين مكوناته وتبعيته للوصاية الخارجية، الى مسار التحول التدريجي، وصولا الى نظام الدولة اللاطائفية، دولة الحق والقانون والرعاية الاجتماعية التي تؤمن بالاضافة للفاعلية الاقتصادية تطورا للعدالة الاجتماعية وفي اسس توزيع الثروة الوطنية، حين نتكلم عن ذلك لا بد من التوقف عند واقع القوى المفترض انها صاحبة مثل هذا الخيار وفي القلب منها قوى اليسار. حتى اللحظة اظهر الحزب الشيوعي عبر قيادته الرسمية ممانعة مستديمة في الاستجابة الفكرية والسياسية والتنظيمية لمتطلبات، ومقتضيات، التغيير والحاجات الموضوعية التي تفصح عنها تطورات الواقع الوطني والعربي والدولي.
ولقد كان دوما مفضلا لنا كتيار تغييري تحديثي داخل الحزب اجراء التحول من داخل البنية الحزبية وبالتعاون الوثيق والعضوي مع بقية تيارات اليسار، قوى ونخبا. واستلزم هذا المنحى منا جهودا هادئة وطويلة والكثير من الروية والواقعية. وفي اكثر من محطة اكتفينا بالمطالبة بالحد الادنى من الاسس الكفيلة بفتح افق ورسم مسار متدرج يؤهل الحزب للانتقال من حالة الركود واستنقاع الذات ضمن الرؤيا الموروثة في كل المستويات الفكرية والسياسية والتنظيمية البنيوية. ومن اجل ذلك تقدمنا بوثائق شاملة ارتضينا ان تعتبر خيارا معارضا ضمن منطق الوحدة المبنية على التعدد والتنوع والالتزام برأي الاكثرية ضمانا للفاعلية في التنفيذ، ونحن ندرك ونعلم ان قوى اخرى ونخبا طالبت القيادة الرسمية بضرورة الخروج من الموقع القائم حاليا وبضرورة مغادرة حالة الجمود والماضوية. وللاسف الشديد كل هذه الجهود باءت بالفشل وتحطمت على جدار الرهانات غير المنتمية لمصالح من يفترض ان يمثلهم الحزب الشيوعي خصوصا، واليسار عموما، وتكررت الممارسات المجافية للديموقراطية ولمستلزمات المعاصرة ولمقتضيات المصلحة الوطنية وتقوية المجتمع في وجه تسلط قوى الامر الواقع.
وآخر التجارب المريرة كانت تجربة الحوار الاخيرة التي طالت اشهرا دون التمكن من تذليل عقبة الجمود وجموح الاستئثار واسترهان الموقع خدمة للتصورات الموهومة. ومن خلال قرارات ادارية بحتة وضع المؤتمر التاسع امام امر واقع التكرار واستنساخ الماضي بكل مكوناته.
تجاه هذا الاستعصاء وجدنا انفسنا امام احتمالين:
1- البقاء في حالة انتظارية لا تستطيع ان تبرر منطقها بمعطى ايجابي واحد، او باحتمال تحول وحيد مهما بلغت ضآلته، وهذا من شأنه ان يبدد، ويحبط، القوى اليسارية الديموقراطية داخل الحزب، بنيويا وخارجه، دون المساهمة بأي قدر في انقاذ الحالة الرسمية الذاهبة نحو التفكك والتهميش والانغلاق العصبوي.
2- الا ان هذه المعطيات اقتضت منا جميعا في "قوى الاصلاح والديموقراطية" رفض حالة استنقاع الذات وتاليا اختيار الخروج من آلية الانهيار، والانفتاح على احتمال البحث والسعي لتسهيل حضور حالة بنيوية يسارية ديموقراطية من خلال الانخراط في ورشة بحث وحوار، واطلاق دينامية تفاعل هادف الى اعادة تفعيل تيار اليسار في الحياة السياسية وانخراطه في سياق معركة الاصلاح والانقاذ الوطني، وخصوصا في اعادة تفعيل دوره وسط الطبقات الفقيرة وبالاخص في اوساط الحركة الطالبية والشبابية، وعلى مستوى تجديد النقابات والاطر الديموقراطية التي صادرتها واستتبعتها اجهزة السلطة مما حرم غالبية اللبنانيين الذين تدهورت احوالهم المعيشية وتعرضوا لشتى انواع القهر الاقتصادي وتقليص الضمانات القدرة على الدفاع عن مصالحهم وحماية حقوقهم امام جشع الطبقة السياسية الفاسدة والمتعطشة لتكديس الثروات على حساب غالبية اللبنانيين.
ان اليسار مطالب باعادة بلورة برنامجه الاجتماعي المطلبي وباعادة تحديد موقعه ودوره تجاه المجتمع وتوضيح الترابط السببي بين الفقر المتزايد كماً وشمولا وسياسات قوى الامر الواقع المسيطرة على مقاليد الحكم منذ الطائف وحتى اليوم. اذ لم يعد مفيدا البكاء على الاطلال والتلطي وراء اتحاد عمالي عام بات مطية لسياسات اهل الحكم، واداة تخدير للعمال والموظفين والمزارعين وغيرهم. فاما ان تجدد بناه وتتسع رقعة المشاركة في انتخابه بما يصلح واقعه التمثيلي، وذلك لن يحصل الا على قاعدة برامج وخيارات مغايرة لما هو قائم لدى القوى المهيمنة عليه، واما ان يصار الى خوض غمار بناء اطر نقابية جديدة نابعة من ارادة من يفترض بها تمثيلهم ومصالحهم.
اننا لا نريد لهذه العملية ان تكون ضيقة المقاصد ولا نريدها رد فعل سلبي على  واقع الحزب، وتاليا لا نريدها انشقاقا او تقسيما وانما عملية بناء رحبة وهادئة تتسع لكل التنوع اليساري الموجود، ووفقا لصيغ تحول دون:
أ- الدمج القسري والغاء التميزات،
ب- تؤمن قدرة على الفاعلية والانخراط في مقتضيات النضال الشامل الذي يتطلبه الواقع اللبناني والعربي.
على هذا الاساس نحن نفكر باطلاق مبادرة ملموسة تهدف صراحة الى الدخول الهادئ والمنفتح بعمل تأسيسي لا نرغب ان نحدد وحدنا ملامحه الفكرية والسياسية والتنظيمية ولا حتى وتيرته الزمنية. وانما نريده تفاعلا ديموقراطيا يؤدي الى محصلات موحدة ولا يلغي الاختلافات والتمايزات او يغيبها، ومن هذا المنطلق فان صيغه البنيوية يجب ان تلائم هذه الرؤيا. لسنا متعجلين لانجاز هذه المهمة ولكننا نرى ضرورة البدء بها وخلافا لبعض الاجتهادات فنحن نرى ان الظروف الوطنية والعربية تفترض مثل هذا الخيار بقوة.
"قوى الاصلاح والديموقراطية" في الحزب الشيوعي اللبناني

 



#النهار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قوى الاصلاح- في الشيوعي البناني تدعو الى الخروج من -أسر الطا ...
- ثلاثة مقالات في وضع المرأ العربية
- اقترح صيغة لحلّ أزمة الشيوعي - حاوي: القاعدة تنتخب الأمين ال ...
- استطلاع في 9 دول أوروبية الانتماء الديني الى تراجع والايمان ...
- لهذه الأسباب لن يشارك الشباب التقدمي والشيوعيون
- من يضع التعريف ومن يتخذ الاجراءات المضادة؟ "الارهاب الرقمي" ...
- ندعو لوقف الدعم الايراني للحركات الاصولية


المزيد.....




- سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي: ...
- أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ ...
- حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال ...
- -أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
- متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
- الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
- الصعود النووي للصين
- الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف ...
- -وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب ...
- تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - النهار - البيان الأخير لـ-قوى الاصلاح والديموقراطية- في الحزب الشيوعي اللبناني قبل الانشقاق النهائي