الإستقالة المدوية التي أعلنها عصام الخفاجي ، وغادرَ بعدها ، نهائياً ، جـمْـعَ المتعاونين مع إدارة الإحتلال ، ستظل مؤشراً مبكراً ، ودائماً ، على إمكان مراجعة القرار والذات ، في ظروفٍ تجمع بين التعقيد وبساطة القراءة في آنٍ .
كثيراً ما يشار هنا وهناك ، في أوساط المتعاونين بخاصةٍ ، إلى أن الظروف التي يمرّ بها بلدنا هي ظروفٌ جديدةٌ تماماً ، تستدعي طرائقَ في العمل والتعامل ، جديدةً .
قد يصحّ هذا الرأي إنْ كان صادراً عن غير العارفين ، مـمّـن لم يقرأوا تاريخ العراق القريب ، ولا أقول تاريخ العالم بدءاً من القرن الثامن عشر .
أريد القول إننا في ظرفٍ كلاسيكيٍّ تماماً ، جديدٍ تماماً .
هو كلاسيكيّ بمعنى أنه استعمارٌ تقليديّ : جيوشٌ تحتلّ بلداً ، لتديره مباشرةً ، وتسيطر على ثرواته .
وهو جديدٌ ، بمعنى أنه إعادةُ استعمارٍ ، في عصرٍ لم يعد فيه الإستعمار التقليدي قائماً ، أو مقبولاً ،نظرياً في الأقل
حتى من جانب المستعمِــرين أنفسهم ( تصريحات بوش وضباطه عن التحرير والحرية ).
أمّـا تنحية الوحش صدام حسين وطغمته التي لا يقلّ أفرادها وحشيةً عنه ، فهي نتيجةٌ جانبية ، لا بدّ منها ،
لاستكمال الإحتلال وتوطيده . أنت ، على سبيل المثال ، لا يمكن أن تجمع ، في الهند المستعمرة ،بين الحـاكم العام البريطاني والمهراجا . وكان لا بدّ للبريطانيين من طرد الوالي العثماني ببغداد حين احتلوا العراق في الحرب العالمية الأولى.
وإذ يأتي حديثُ المجالس ( الحاكمة _ المحكومة ) فلسوف نتذكر معه ، دائماً ، قصص المَـضابطِ والمجالس أيامَ الإحتلال البريطاني القديم ، ونتذكر أيضاً العمائم واللحى وشيوخَ العشائر، والأفندية الذين جاؤوا مع جيش الإحتلال البريطاني ، ليبصموا على القوانين الجديدة ، والدستور والعَـلم الجديدَين ( كلٌّ عن المعنى الصحيـح مُـحَـرَّفٌ ) .
عصام الخفاجي ، العالِـم ، المؤهّـل لاختراقاتٍ في العلم ، مرموقةٍ ، وجد المحتلين يكلِّـفونه شـططاً :
أن يكون مترجمَـهم ، ودليلَـهم إلى البعثيين في هذه الإدارة أو تلك . وحين رفض هذه المَـهانةَ ظلَّ أسيرَ
غرفته ، يسامرُ الإيميل ( وهو ترفٌ في بغداد كما يبدو ) .
فلْـتَـعُـدْ يا عصام إلى طلبتك وعِـلْـمك …
عد إلى ضحكتك ، وإلى أصدقائك في كل مكانٍ ، وهم كُـثْـرٌ كما تعرف .
وتحيةً لك ، ثانيةً !
لندن 23 / 7 / 2003