|
(2) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية .طفولته
مصطفى حقي
الحوار المتمدن-العدد: 1820 - 2007 / 2 / 8 - 11:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
( لمحة عن الكاتب علي الدشتي وأعماله في مطلع مقالنا – معجزة القرآن) الحوار المتمدن تاريخ 10/12/2006 أمّا في الفترة اللاحقة ، حين أعلى نجاح تعاليم محمّد من مكانته وشدّد من هيبته، فقد لجأ المؤمنون إلى مراعي خيالهم الخصبة واختلقوا حكايات خرافية كتلك التي نجدها في أعمال الطبري والوافدي مما أشرتُ إليه في الفصل السابق . لكن الأمر الآخر الذي يحتاج إلى نظر ، مع أننا لن نناقشه هنا على نحوٍ مفصّل ، هو أنّ الكتـّاب المسلمين يصوّرون أحوال الحجاز ، ومكة على وجه خاص، قبل رسالة النبي محمد ، على نحوٍ يُظهِرها أظلم وأشدّ قتامةً ممّا كانت عليه . فتبعاً لمعظم الروايات ، كان العرب في تلك الفترة يعيشون في ظلمة دامسةٍ من الجاهلية والوثنية، دون أن تظهر أيّة إلماعة إلى تفكير أرفع أو عقيدة دينية. ولعلّ هذه المبالغة أن تكون مدفوعةً بالرغبة في التأكيد على ما أحدثه ظهور النبي وتعاليمه من تغيّر حاسم . بيد أن عدداً من الباحثين المحدثين في بلاد العرب . مثل جواد علي ، وعبد الله السمّان ، وطه حسين ، ومحمد حسين هيكل ومحمد عزّت دروزة ، والأستاذ حدّاد، قد توصلوا إلى أن الحجاز في القرن السادس كان قد بلغ درجة من التحضّر والتوحيد الأوليّ لايمكن تجاهلها بأيّ حال من الأحوال كما حصل من قبل . فبناءً عل أبحاث هؤلاء الدّارسين وعلى الإشارات والأخبار المتعددة الواردة في المصادر الباكرة ، يمكن أن نقول على وجه التحقيق إنّ في ردّة الفعل على الوثنية كانت قد انطلقت في الحجاز في النصف الثاني من القرن السادس . وبقـَدْرٍ ما ، فإنّ ردّة الفعل هذه كانت ناجمة عن وجود القبائل اليهودية ، خاصةً في المدينة ، وعن وجود النصارى في الشام وما كانوا يقومون به من رحلات إلى الحجاز . كما تعود ردّة الفعل هذه ، بِقـَدْرٍ آخر إلى فعل أشخاص عُرِفوا باسم الأحناف . وممّا يرويه ابن هشام في السيرة :اجتمعت قريش يوماً في عيد لهم عند صنمٍ كانوا يعظّمونه وينحرون له ويعكفون عنده ويديرون به وكان ذلك عيداً لهم في كل سنة يوماً فخلص منهم أربعة نفر نجيا ثم قال بعضهم لبعض تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض قالوا أجل وهم ورقة بن نوفل .... وعبيد الله بن جحش .... وعثمان بن الحويرث ... وزيد بن عمرو بن نفيل ... فقال بعضهم لبعض تعلموا والله ما قومكم على شيء لقد أخطوا دين أبيهم إبراهيم ما حجر نطيف به لا يسمع ولا يضرّ ولا ينفع يا قوم التمسوا لأنفسكم ديناً فإنكم والله ما أنتم على شيء فتفرّقوا في البلدان يلتمسون الحنيفية دين إبراهيم . ومما يروى عن زيد بن عمرو بن نفيل أنه كان إذا استقبل الكعبة داخل المسجد قال : لبيك حقـّاً حقـّاً تعبّداً ورقـّاً . وكان ينشد: عذت بما عاذ به إبراهيم مستقبل القبلة وهو قائــــم أتقي لك اللهم عان راغم مهما تجشمني فإني جاشم ليس ثمّة شك في أن الجهل والخرافة قد كانت لهما السيادة في معظم الجزيرة العربية وأنّ الوثنية كانت تُمارس من طرف الغالبية العظمى ، إلا أن التوحيد لم يكن جديداً بل كان معروفاً جيداً في الحجاز ، خاصة في المدينة إلى الشمال حيث أقامت قبائل يهودية ونصرانية . وقبل محمد ، كان أنبياء قد ظهروا في أجزاء مختلفة من جزيرة العرب لينهوا في تعاليمهم عن عبادة الأوثان ؛ فقد ذكر القرآن بعضاً من هؤلاء ، مثل هود الذي ظهر في قوم عاد ، وصالح في قوم ثمود ، وشعيب في مِدْيَن ، وتشير المصادر العربية إلى دعاةٍ مثل حنظلة بن صفوان ، وخالد بن سنان، وعامر بن ظَرِب العدواني ، وعبد الله القضاعي ، كما يُشار أيضاً إلى الشاعر والخطيب البارع قسّ بن ساعدة الأيادي ، الذي دعا الناس بأشعارٍ وخُطَبٍ متّقدة كان يلقيها في سوق عكاظ السنوي قرب مكّة ، بل وعند الكعبة ، إلى نبذ الوثنية وتركها . أمّا أميّة بن أبي الصلت ، معاصر محمّد من بني ثقيف في الطائف ، فكان على وجهٍ خاص حنيفاً ومدافعاً عن التوحيد مشهوراً. وقد قام برحلات متكررة إلى الشام ، حيث قضى وقتاً طويلاً في حوار مع رهبان نصارى ومتفقهين يهود . وكان هنك حين بلغه نبأ ظهور محمّد . وعلى الرغم مما يُقال عن لقاء بين الإثنين ، فإنّ أمية بن أبي الصلت لم يتحول إلى الإسلام . ويُنقَل عنه أنه قال لأحد أصدقائه بعد أن عاد إلى الطائف أنه يعلم عن كتب الديانات وأخبارها أكثر مما يعلم محمد ، وأنه يعلم الآرامية والعبرية ، ولذلك هو أحق بالنبوّة من محمد وأوْلى . وبحسب البخاري فإن محمّداً قد قال : كاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم . ومن المعروف أنّ الشعر , وبخاصة شعر أمّة في فتوّتها ، يقدّم لوحات حيّة عن مشاعر هذه الأمة وعاداتها . وفي الشعر العربي في مرحلة ما قبل الإسلام ثمّة أشعارٌ ربما تكون قد نُظّمت من قبل مسلمين كهذه الأبيات لزهير بن أبي سلمى . فلا تكتمنّ الله في صـــدوركم ليخفى ومهما يُكتَم الله يَعلم يُؤخّر فيوضعْ في كتاب فيدّخرْ ليوم الحساب أم يُعَجّل فَيُنْقـَم أو هذه الأبيات لعبيد بن الأبرص : من يسأل الناس يحرموه وســـائًلُ الله لايخيبُ والله ليس له شــــــريكٌ علاّم ما أخفَتِ القلوبُ ويقال أن النبي محمداً قد استشهد مرّة ببيت للبيد : ألا كلُّ شيٍ ما خلا الله باطل وكلُّ نعيم لامحالة زائلُ ومن اللافت أنّ هؤلاء وسواهم من شعراء ما قبل الإسلام كانوا يستخدمون مفردة الله ، وأنّ كثيراً من القرشيين الوثنيين ، بمن فيهم والد محمد ، كانوا يسمون عبد الله . وما يشير إليه ذلك هو أن كلمة الله كانت مألوفة لديهم ، بل إنهم كانوا ينظرون إلى الأصنام على أنها وسيلة يتقرّبون بها من الله ، كما ورد في الآية 18 من سورة يونس : ( ويعبدون من دون الله ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) ولقد عمد شاعر من مرحلة ما قبل الإسلام ، هو زيد بن عمرو بن نفيل ، إلى نبذ أصنام العرب المشهورة صراحةً : عزلتُ اللات والعُزّى جميعاً كذلك يفعل الجَلِدُ الصـــــبُورُ فلا العُزى أدينُ ولا أبتنيها ولا صَنَميّ بني عمرو أزورُ ولا هُبَلاً أدينُ، وكــان ربّاً لنا في الدهر إذ حِلْمي يســـيرُ هكذا لم تكن الدعوة إلى نبذ الوثنية وعبادة الله الواحد العظيم دون سابقة . لكنّ ما كان جديداً هو الإلحاح الطاريْ الشديد. وتمثّلت معجزة محمّد في أنه واجه دونما تردد أو إحجام كل الإهانات ، والمضايقات، والصدود، ولم يتراجع قط قيد أنملة إلى أن فرض الإسلام على الجزيرة العربية وجمع القبائل العربية المختلفة تحت راية واحدة. كانت عقلية هذه القبائل لا تزال بدائيةً بوجهٍ عام ، معنيةً بالأشياء المنظورة والملموسة وحدها وبعيدة عن أمور ما وراء الطبيعة . وكانت غايتها الوحيدة تحقيق الكسب السريع والمباشر . وما كانوا ليترددوا في الاستيلاء على أملاك الآخرين أو يوقفهم أي شيء في سعيهم وراء السلطان . ومن الأمثلة الدالّة على طريقتهم في التفكير ما أوردناه آنفاً من قول أبي جهل للأخنس بن شريق أن نبوّة محمد ليست سوى حيلة من بني عبد مناف لتحقيق السطوة والهيمنة . وهي ذات النظرة التي تعاود الظهور في تمنّي الخليفة الأموي يزيد بن معاوية (60/680- 64/683) لو أنّ الرجال الذين هزمهم محمد في معركة بدر ( 2/624) يرون كيف هزمت جيوش أمية بني هاشم وقتلت الحسين بن علي في معركة كربلاء (61/680) ومما ينقل أن يزيداً قد أنشد : ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا جَزْع الخزرجِ من وَقعِ الأسل لعبتْ هاشمُ بالملكِ فلا خبرٌ جاء ولا وحيٌ نــــــــزل وإنّه لمن الخطأ أن نختم هذه الفقرة دون أن نشير إلى اختلاف الدارسين العرب المحدثين بشأن الشعر الجاهلي . فبعض هؤلاء يشكّ في أن يكون كل ذلك الشعر سابقاً على الإسلام حقاً . وعلى أية حال ، فإنّ هنالك أدلّة وافرة على أن أمارات انقشاع الأوهام حيال الوثنية والتوجّه صوب التوحيد كانت قد ظهرت في الحجاز خلال القرن السادس . ( من كتاب : 23 عاماً دراسة في الممارسة النبوية المحمدية ) ( الكاتـــب : علي الدشتي وترجمة ثائر ديب وإصدار رابطة العقلانيين العرب )
#مصطفى_حقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(1) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية ... طفولته
-
لجوء الجار العراقي إلى سورية ونجدته واجب إنساني قبل القومي ؟
-
(3) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية... ولادته
-
(2) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية - ولادته
-
(1) ثلاثة وعشون عاماً في الممارسة النبوية - ولادته
-
الفاضلةgrce lady.....
-
العودة إلى الحنبلية وآراء بن تيمية في اتهام الشاب عبد الكريم
...
-
طريق الموت يحصد هذه المرة 26 قتيلاً و5جرحى...؟!
-
(4) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية . الخلاصة
-
(3) ثلاثة وعشرون عاماًفي الممارسة النبوية. الخلاصة
-
هل الإسلام موجود في العراق ...؟
-
(2) ثلاثة وعسرون عاماً في الممارسة النبوية . الخلاصة
-
(1) ثلاثة وعشرون عاماً في الممارسة النبوية. الخلاصة
-
(3) السعي خلف الغنائم .....؟
-
اغتيال الصحفي التركي الأرمني هرانت دينك جريمة إرهابية ..؟
-
(2) السعي خلف الغنائم ....؟
-
ياقضاة مصر .. عبد الكريم سليمان(كريم عامر) شابٌ حرٌ متحمسٌ أ
...
-
(1) السعي خلف الغنائم ...؟
-
جنٌّ مسلمون يغتصبون منزلاً ويحرقونه من بالوعة ....؟
-
(4).... مابعد النبوّة ...الخلافة
المزيد.....
-
العثور على مركبة تحمل بقايا بشرية في بحيرة قد يحل لغز قضية ب
...
-
وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان يدخل حيّز التنفيذ وعشرات
...
-
احتفال غريب.. عيد الشكر في شيكاغو.. حديقة حيوانات تحيي الذكر
...
-
طهران تعلن موقفها من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنا
...
-
الجيش اللبناني يدعو المواطنين للتريّث في العودة إلى الجنوب
-
بندقية جديدة للقوات الروسية الخاصة (فيديو)
-
Neuralink المملوكة لماسك تبدأ تجربة جديدة لجهاز دماغي لمرضى
...
-
بيان وزير الدفاع الأمريكي حول وقف إطلاق النار بين إسرائيل ول
...
-
إسرائيل.. إعادة افتتاح مدارس في الجليل الأعلى حتى جنوب صفد
-
روسيا.. نجاح اختبار منظومة للحماية من ضربات الطائرات المسيرة
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|