أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد علي سفيح - تحولات مفهوم الانسان، من الشخص الى الفرد الى الكائن الحي( الانسان)















المزيد.....

تحولات مفهوم الانسان، من الشخص الى الفرد الى الكائن الحي( الانسان)


عبد علي سفيح

الحوار المتمدن-العدد: 8423 - 2025 / 8 / 3 - 20:56
المحور: المجتمع المدني
    


بقى مفهوم الانسان موضوعا مركزيا في الفكر الفلسفي والانثروبولوجي منذ بداية الحضارة البشرية. غير أن هذا المفهوم لم يكن ثابتا، بل خضع لتحولات جوهرية تعكس تغير البنية الاجتماعية والمعرفية. فقد مر الانسان من مرحلة كونه شخصا مندمجا في الجماعة والطقس، الى كونه فردا حرا في العصر الحديث، ثم الى انسان كوني معقد في مرحلة مابعد الحداثة في الفلسفات المعاصرة.

هذا المقال يتتبع هذه التحولات الثلاثة الكبرى، ويحلل كيف غيرت مفاهيم الذات، والسلطة، والدين، واللغة، والزواج، من تمثلات الانسان عبر العصور.

أولا: الشخص ( الانسان بوصفه دورا اجتماعيا )


لم يفهم الانسان في المجتمعات التقليدية، ككائن مستقل، بل كشخص، له دور اجتماعي محدد ضمن شبكة رمزية مغلقة. تمنح الهوية للشخص عبر النسب، والطبقة، والدين أو المذهب، لا من خلال وعيه الذاتي.

السلطة: في هذه المرحلة، مقدسة وأبوية، تتمثل في رجل الدين أو الأب أو شيخ القبيلة، ولا تناقش.

الدين: الدين هنا ليس عقيدة، بل بنية رمزية تطوق الحياة بكاملها. لم يكن تجربة فردية، بل نظاما جماعيا ينظم الزمن والقرابة والعلاقات. يعيد الدين هنا انتاج العالم الرمزي وتوازنه، وليس اعتقادا حرا أو تأمل فردي.

اللغة: لغة رمزية طقسية شفوية، لم تكن أداة تعبير ذاتي بل وسيطا يعيد انتاج الأسطورة والأعراف الاجتماعية، لا يظهر الانسان بوصفه ذات مستقلة، بل بوصفه تجليا للكل.

الزمن: المجتمعات التقليدية البدائية أو الزراعية حيث الجماعة تسبق الفرد، يفهم الزمن بوصفه الأسطوري والطقوسي، أي أنه دائري ومتكرر يحفظ النظام الرمزي والاجتماعي. لا يقاس بالساعة، بل بالطقوس والمواسم. الماضي نموذج للحاضر لا شيء جديد تحت الشمس.

الزواج: مفهوم الزواج هو وظيفة اجتماعية، أي ليس علاقة بين شخصين اثنين، بل تحالف بين عائلتين أو عشيرتين. يتم هذا الزواج وفق طقوس مقدسة ويخضع لأنظمة قرابة صارمة، لأنه جزء من النظام الكوني المقدس يضمن التوازن بين القوى والأنساب والأرواح. الزواج هنا هو مؤسسة رمزية مقدسة تعيد انتاج الزمن الكوني والبنية الاجتماعية.

ثانيا: الفرد ( الانسان ككائن عقلاني حر)

نشأ تحول جذري لمفهوم الانسان مع النهضة الأوربية، لم يعد مجرد شخص بل أصبح فردا يمتلك العقل والحرية والضمير. وقد مثل الفيلسوف ديكارت(1596-1650) هذا التحول حين قال: أنا أفكر اذن أنا موجود، جاعلا الوعي الذاتي مصدر الوجود والمعنى.

في هذا الاطار، أصبحت الذات مركزا للمعرفة وللقيم الأخلاقية، والفرد هو المقياس. ظهر مفهوم الحقوق الطبيعية( الفيلسوف جون لوك)، والعقد الاجتماعي( الفيلسوف جان جاك روسو)، وأصبحت الدولة الحديثة قائمة على حماية الفرد لا على انصهاره في الجماعة.

الدين: مع بروز الفرد، وظهور الأديان التوحيدية الكبرى، تحول الدين الى علاقة بين الفرد والاله الواحد، وبفصل الدين عن الاسطورة وارتباطه بالوحي والكتاب والضمير. تحول الدين من سلطة تقليدية الى مساحة ايمان حر، حيث يمكن للضمير أن يختار، أو حتى يرفض، دون نفي انسانيته. فالدين هنا هو طريق أخلاقي وروحي وتاريخي للفرد في علاقته مع الحق.

اللغة: أصبحت اللغة أداة عقلانية للتعبير عن الذات، ولتفسير العالم وتغيره وليس مجرد أداة نواصل وطقس. عن طريق اللغة أصبحت الكتابة وسيلة لتثبيت السلطة، التاريخ، الهوية، الفلسفة، الدين، القانون، والأدب، كلها تبنى على اللغة كأداة للتمثيل العقلي.

الزمن: يفهم على أنه خطي، تقدمي، متجه من الماضي الى المستقبل، وكل لحظة فريدة غير قابلة للتكرار. وظيفة الزمن هو انتاج المعنى والتراكم المعرفي والغنى، والفرد هو سيد لحركته.

الزواج: الزواج هنا مشروع أخلاقي اجتماعي للفرد العقلاني يتأسس على الاختيار الفردي والحب والحقوق المتبادلة.

ثالثا: الانسان( الذات المعقدة في عصر ما بعد الحداثة)


هز القرن العشرين مفهوم الفرد الحداثي بالرغم من خيباته الكبرى( الاستعمار، العنصرية، والحربين الكونيتين)، حيث لم يعد كافيا تعريف الانسان بالعقل والحرية فقط، بل ظهرت أسئلة حول الهوية، التعدد، اللاوعي، السلطة، اللغة والدين.

الفلاسفة مثل نيتشة، فوكو، سارتر، هايدغر، ودريدا، أظهروا أن مفهوم الانسان ليس جوهرا بل نتاج لسياقات رمزية وتاريخية. الفيلسوف فوكو مثلا اعتبر الانسان اختراع حديث قد يزول، لأننا لانفكر بذات حرة، بل داخل أنظمة السلطة والمعرفة.

الدين: مع العولمة، تراجعت المؤسسات الدينية، فتحول الدين الى روحانية شخصية. لم يعد ينظر الى الأديان كأنظمة مطلقة، بل كتراث روحي متعدد، أعيد تأويله، من نظام الى تجربة، ومن شريعة الى سؤال وجودي. الدين في هذه المرحلة أصبح بحثا ذاتيا عن المعنى، عن السلام الداخلي، وعن الانسجام مع الكون.

اللغة: قي البنيوية وما بعدها، أصبحت الرابط الذي ينتج الذات، لا مجرد أداة تواصل ووسيلة للتعبير. اما في زمن التكنولوجيا وخاصة الرقمية، والعولمة، والتفكيك، تحولت اللغة الى رمز(كود)، اشارة، أداء، صورة، تستخدم لا لتثبيت المعنى، بل لتوليد تأثير وتغيير.

الزمن: مفهوم الزمن في هذه المرحلة، وهي مرحلة الانسان الكوني، يوصف متعددا، غير خطي، ومتشظيا، يعاش على نحو ذاتي ، وجودي أو رقمي، يجمع بين لحظات من الماضي والحاضر والمستقبل. يرى الانسان نفسه كعقدة في شبكة زمنية متعددة وليس كمركز يسير عبر الزمن.

الزواج: في ظل ما بعد الحداثة والعولمة، والتحرر الجندري، يتحول الزواج الى تجربة ذاتية ومتفاوض عليها. زواج متعدد، مدني وديني وعرفي ومثلي وافتراضي او بدون زواج أصلا. هذا الزواج مبني على الهوية الجندرية، أو على الرغبة، أو الصداقة، أو حتى الاتفاق المادي.




الشخصية العراقية في ميزان التحول التاريخي

حين ننظر الى تطور الكائن البشري من موقعه الأول كشخص مندمج في الجماعة، الى فرد يمتلك ضميرا واستقلالا، ثم الى انسان كوني منفتح على الشبكات والمجتمعات العابرة، يصبح من المشروع أن نتسائل: أين تقع الشخصية العراقية ضمن هذا النسق الثلاثي؟

ليس المقصود هنا اجراء تصنيف زمني أو حضاري بسيط، بل مسائلة بنية الشخصية العراقية كتمثيل معقد لتحولات الذات الجمعية قي سياق حضاري شديد التقلب.

فالعراق، بوصفه مهدا للحضارات، قد شهد تعاقبا عميقا بين أنماط من الشخصية الطقسية، والفرد المثقف، والذات المفككة في زمن العولمة والانهيار المؤسسي.

لكن الشخصية العراقية، حين توضع تحت هذا المجهر، لا تبدو وكأنها قد عبرت هذه المراحل بشكل منتظم أو مكتمل، بل تعيش اليوم حالة تداخل مأزومي، يكشف عن نفسه في تمزقات الوعي، هشاشة الهويو، والقلق الثقافي المزمن، وكأنها تحتوي كل المراحل في وقت واحد. فالشخص الطقسي لا يزال حاضرا في بنية العائلة والعشيرة والطائفة، والفرد الحديث يحاولأن ينهض في مشاريع نقدية وفكرية مشتتة، بينما الانسان الكوني يطل برأسه من التكنولوجيا الحديثة، اللغات الهجينة، ووسائط التعبير الجديدة.

هذا التداخل لا ينتج عنه غنى ثقافي فقط، بل تمزق في هوية الذات العراقية، يجعل من الصعب بناء مشروع وطني أو ثقافي متماسك دون تفكيك هذا الانقسام.

من هنا، يصبح سؤال الهوية العراقية سؤالا مركبا: هل نملك هوية تنتمي لماض طقسي، أم نعيش قلق فرد يبحث عن ذاته، أم أننا نستهلك داخل آلة كونية تفككنا قبل أن نكتمل؟

في الختام، تطور مفهوم الانسان من شخص الى الفرد، ومن ثم الى الانسان الكوني، يكشف عن تغيير عميق في فهمنا للذات والهوية والكرامة. لقد تخلص الانسان من انصهاره في الجماعة، ثم من وهم استقلاله الكامل، ليعترف في النهاية بهشاشته وتعدده وتكونه المستمر. أن هذا المسار لا يلغي المراحل السابقة، بل يعيد تأويلها. اليوم كل فرد هو في الوقت ذاته شخص له جذور اجتماعية، وفرد له ارادة، وانسان له قلق وجودي لا يختزل.

وهكذا أصبح الانسان مشروعا مفتوحا، لا هو شخص جماعي، ولا هو فرد عقلاني حر، بل هو كائن هش، متعدد، يتمايل(يترنح) بين التاريخ والرغبة والمعنى.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحولات اللغة وتعاقب الأديان


المزيد.....




- إعلان المجاعة رسمياً في غزة -نقطة لا رجعة منها- - مقال رأي ف ...
- حماس: نتنياهو يتحمل المسئولية الكاملة عن مصير الأسرى.. ووقف ...
- الإغاثة الطبية في غزة: الطواقم الطبية عاجزة عن الوصول إلى ال ...
- القبض على نائب وزير بإندونيسيا في إطار تحقيق لمكافحة الفساد ...
- ثمانية أرواح فقدت في لحظة: شهادة أم عن النزوح والفقد
- إغلاق طرق واحتجاجات واسعة في دولة الاحتلال للمطالبة بصفقة ال ...
- الاحتلال يشن حملة اعتقالات بالضفة ويخلف دمارا ببلدة المغير
- الأونروا: نظام التعليم في غزة على وشك الانهيار التام
- الأمم المتحدة تحذر من أزمة جوع حاد في اليمن تهدد 18 مليون شخ ...
- الأزمات الدولية: المجاعة في غزة متعمدة.. كارثة تقترب


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد علي سفيح - تحولات مفهوم الانسان، من الشخص الى الفرد الى الكائن الحي( الانسان)