أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - عبد الرزاق الصافي: نبضُ الصحافةِ الحمراء وقلمُ الفكرة الواضحة














المزيد.....

عبد الرزاق الصافي: نبضُ الصحافةِ الحمراء وقلمُ الفكرة الواضحة


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8420 - 2025 / 7 / 31 - 14:14
المحور: سيرة ذاتية
    


كان عبد الرزاق جميل الصافي أكثر من مجرد صحفي أو محامٍ أو مناضل حزبي. كان ظاهرة عراقية ذات نبرة خاصة، اختلط فيها الفكر بالفعل، والكلمة بالموقف، والإنسانية بالانضباط الحزبي، حتى صار اسمه مرادفًا للثبات وسط العواصف.
وُلد في كربلاء، المدينة التي تحفظ للتاريخ أرواحًا لا تنطفئ، لعائلة ذات وجاهةٍ رفيعة، لكنها من طينة الفقراء في المال، والأثرياء في المبادئ. خُلِّد مولده بشطر بيتٍ من الشعر نظمه الشيخ الحويزي، ختمه بـ: "جميل الخلق للرزاق عبدا"، كأن الشاعر استشرف صيرورة رجلٍ سيصير عبدًا حقيقيًا لقضية الرزق الجمعي: العدالة الاجتماعية.
منذ فجر شبابه، لم يكن عبد الرزاق تلميذًا نمطيًا. كان يحمل في حناياه قلبًا نابضًا بالقضية. عُوقب انضباطيًا في الثانوية لمشاركته في مظاهرة ضد تقسيم فلسطين عام 1946، ثم عاد ليقف في وجه معاهدة بورتسموث عام 1948، خطيبًا لا يهاب، ومناصرًا للناس لا للمهادنة. وقد دخل إثر ذلك في دهاليز المحاكم والمعتقلات، حتى صار سجنه المتكرر جزءًا من سيرة حياته، كما لو أن الكفاح قدره الذي لا فكاك منه.
درس الحقوق في بغداد وتخرج بدرجة «جيد»، لكن عمادة الكلية حجبت شهادته استجابة لضغوط الأجهزة الأمنية. لم يستلمها إلا بعد قيام ثورة تموز 1958، حين استعاد الناس أصواتهم، واستعاد هو حريته ليبدأ فصلًا جديدًا من نضاله، لكن هذه المرة بلغة أعمق: الكلمة.
لم يكن الصافي مجرّد ناشط سياسي، بل كان هيكلًا من وضوح، يُقاتل بالأفكار كما يُقاتَل بالسلاح. عمل في قيادة تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي في بغداد، ثم أوفده الحزب إلى بلغاريا ليتدرّب في المدرسة الحزبية العليا، وعاد منها محمّلاً بثقافة منظمة ومزودًا برؤية حزبية متكاملة، لينضم إلى إذاعة «صوت الشعب العراقي» في صوفيا، فيكون صوته صوت العراق الغائب، وضميره الناطق.
وحين عاد سرًا إلى العراق عام 1968، انخرط في تحرير الجريدة السرية طريق الشعب، وعند صدورها علنًا عام 1973 تولى رئاسة تحريرها، فصار قلمه نافذة الحزب، ولسانه الذي لا يلين. كتب بروح المثقف، لكن بصلابة الثائر، وحرّر الصفحات وكأنها بيانات تعبئة سياسية.
لم يقتصر دوره على الإعلام، بل ظل عضوًا فاعلًا في اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب الشيوعي، يُكلف بمهام سياسية دقيقة، ويشارك في صناعة القرار التنظيمي والإعلامي. وكان في طليعة ممثلي الحزب في منظمة الأنصار، مشاركًا في دعم المقاومة الفلسطينية، ومساهمًا في فضح جرائم نظام البعث في الصحافة اللبنانية.
شارك في جميع مؤتمرات الحزب، وكان حاضرًا في النضال التنظيمي كما في الإعداد الفكري. عاش مع الأنصار في جبال كردستان، وساهم في بناء التحالفات الوطنية من دمشق وبيروت، وواصل حضوره في لندن بعد أن أنهكه المرض، لكن روحه بقيت صافية، كما اسمه، لا يشوبها وهن ولا تشوبها مرارة.
عبد الرزاق لم يكن زعيمًا نخبويًا، بل إنسانيًا حتى في قيادته. هكذا وصفه الناقد ياسين النصير، الذي رافقه في مؤسسات الحزب الثقافية، فقال: "كان عبد الرزاق ظاهرة تنظيمية، لا شخصًا. رجلًا يفيض إنسانية رغم موقعه، ويحترم حتى المختلفين معه. لا يختزل الحزب في أشخاص، بل يراه مؤسسة فكرية واجتماعية، والانتماء إليه وعيٌ لا تبعية".
ترجم كتبًا فكرية هامة مثل الشيوعية العلمية والإدارة العلمية للبناء الاشتراكي، وأعدّ كتبًا مثل شهادة على زمن عاصف ومن ذاكرة الزمن، وكان فيها شاهدًا لا يختبئ خلف الشعارات، بل يتحدث بلغة التجربة الحية.
في 14 أيار 2019، توقّف قلبه في مشفى بلندن، لكن صوته لم يتوقف. ظل حيًا في السرديات الوطنية، في أرشيف الحزب، في مقالاته وترجماته، وفي ذاكرة كل من عرفه وقرأ له. مات جسده بعد أن بلغ الثامنة والثمانين، لكن عبد الرزاق الصافي، الصحفي والمناضل والمفكر، ظلّ خالدًا في سيرة العراق الذي لا ينسى أبناءه المخلصين.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قاسم محمد حمزة... صوت الشعب الذي أعدمه الطغيان
- عبد الأمير محيميد... ربيع الشوملي الذي أزهر في فجر الإعدام
- المقدم إبراهيم كاظم الموسوي... نبيلُ الحلة ودرعُ الثورة الذي ...
- سنية عبد عون رشو... راوية الأنوثة المتأملة ومفاتيح الغموض ال ...
- الشهيد النقيب الطيار عبد المنعم شنّون.. شهقة الحلة التي اختن ...
- عبد القادر البستاني أنفاس العراق الحمراء التي لم تُطفأ
- سعود الناصري... قلمه لم ينكسر، وصوته لم يُخرس حتى وهو يودع ا ...
- حسن عوينة... قصيدة لم تكتمل لأنفاسها الأخيرة
- سراب سعدي حين تكتب المرأة لتتخطى جدران -السجن الجميل-
- حسين حسان الجنابي شاعر تستضيء به الحروف
- حامد الهيتي الفنان الذي تشظّى في ضوء الإبداع
- حامد كعيد الجبوري ذاكرة التراث وصوت الوجدان الشعبي
- باسم محمد الشمري حين يتخذ الشعر هيئة المعلم وملامح النهر
- طارق حسين شاعر الطفولة والوجدان العراقي.. رحلة بين النقاء وا ...
- 14 تموز: انقلاب تحوّل إلى ثورة... وأحلام انتهت بالخيبة
- أنمار كامل حسين ريشة الشعر وصوت الوجع الجميل
- الدكتورة إنصاف سلمان الجبوري سيدة الحرف وناقدة الخطاب الثقاف ...
- أمل عايد البابلي بين اعترافات الشعر وهمس النثر
- أحمد الخيّال شاعرٌ يمشي في ظل القصيدة
- إبراهيم خليل ياسين قلبٌ يخطُّ القصيدة ويحكي الحكاية


المزيد.....




- ترامب يوضح ما قام به مبعوثه ويتكوف خلال زيارته إلى غزة
- الكونغو ورواندا تتحركان لتنفيذ اتفاق السلام رغم تعثر الالتزا ...
- ثروات تتبخّر بتغريدة نرجسية.. كيف تخدعنا الأسواق؟
- الإمارات والأردن تقودان عملية إسقاط جوي للمساعدات إلى غزة
- هيئة الإذاعة العامة الأميركية على بعد خطوات من الإغلاق
- لأول مرة.. وضع رئيس كولومبي سابق تحت الإقامة الجبرية
- تحقيق بأحداث السويداء.. اختبار جديّة أم التفاف على المطالب؟ ...
- سقوط قتلى في إطلاق نار داخل حانة بمونتانا الأميركية
- بوتين يعلن دخول الصاروخ الروسي -أوريشنيك- الأسرع من الصوت ال ...
- تسبب بإغلاق الأجواء وتفعيل صافرات الإنذار.. إسرائيل تعلن اعت ...


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - عبد الرزاق الصافي: نبضُ الصحافةِ الحمراء وقلمُ الفكرة الواضحة