أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبدالله المدني - غاندي في ذكراه : يا لها من ذكرى عطرة!















المزيد.....

غاندي في ذكراه : يا لها من ذكرى عطرة!


عبدالله المدني

الحوار المتمدن-العدد: 1817 - 2007 / 2 / 5 - 12:08
المحور: سيرة ذاتية
    


العظماء شأن المهاتما غاندي تظل صورتهم محفورة في الوجدان و تظل ذكراهم عطرة متجددة لا تبهت بتقادم الزمان. و الهند في احتفالاتها اليوم بذكرى هذا العظيم، لا تتذكر بالفخر و الاجلال من استطاع أن يحول ضعف شعبه وقلة حيلته أمام جبروت المستعمر إلى قوة متدفقة فحسب، و إنما تتذكر أيضا القيم النبيلة التي جسدها بزهده و تقشفه و تواضعه و تسامحه و انفتاحه و صبره، والتي استطاع عبرها تعرية المستعمر وإحراجه أمام ضمائر العالم، إلى الدرجة التي وصف معها في أوروبا بصنو المسيح. تلك القيم و الأساليب التي تستحق منا العودة إليها اليوم وتأملها، خاصة مع استشراء العنف و الطيش في عالمنا بصورة غير مسبوقة.

الكثيرون منا يقترن عندهم اسم غاندي بالمقاومة السلمية أو اللاعنفية فحسب، رغم أن سيرته مليئة بجوانب مضيئة أخرى كثيرة. بل إنهم حتى من هذه الزاوية بالغة الأهمية لعالم عربي لا تختلف أوضاعه الراهنة كثيرا عما كانت عليه أوضاع الهند في بدايات القرن المنصرم لجهة العجز و الإحباط،، يجهلون أو يتجاهلون الأسس الفلسفية لحركة غاندي و ما تميزت به من خصائص فريدة .. ربما لأسباب ذات علاقة بدين صاحبها أو فكره المتعارض مع الفكر الإيديولوجي الطاغي على مجتمعاتنا.

كانت الهند في بدايات القرن العشرين، كما وصفها تلميذه و أول زعماء الهند المستقلة جواهر لال نهرو، مجتمعا بالغ اليأس والإحباط، و شعبا لا يملك قوت يومه، و بلدا يتحكم الأجنبي في مفاصله و ثرواته. واستمر هذا الوضع طويلا إلى أن بزغ نجم غاندي العائد إلى وطنه من جنوب إفريقيا وهو مسلح بقراءات فلسفية متعمقة و مختلفة المصادر حول العمل الجماعي وكيفية الرد على استفزازات الخصم وعنفه في مجتمع لا طاقة له على تحمل ردود الأفعال العنيفة، معطوفة على تجربة عملية فريدة في مقاومة التمييز العنصري و حياة العبودية.

ولئن بدأ غاندي مشواره في الهند بمحاولات إقناع المستعمر بالإصلاح و استثارة ما كان يطبقه في بلده من قيم العدالة و الديمقراطية و الحرية، فانه سرعان ما اكتشف أن الحوار و الصبر لا فائدة منهما، لاسيما بعد مذبحة " جاليان والا باغ" التي حصد فيها المستعمر أرواح 1300 مواطن اعزل كانوا يحتفلون بعيد رأس السنة الهندوسية. كان بامكان الرجل وقتذاك أن يستغل موجة السخط المتولدة من تلك الحادثة في ارتداء لباس الزعيم الثوري و دعوة شعبه إلى حمل السلاح وسفك الدماء و مقابلة العنف بالعنف وفق مبدأ العين بالعين و السن بالسن، و أن يغرق وطنه بالتالي في حمام من الدماء و مسلسل من التدمير و الفوضى يكون ضحاياه بالدرجة الأولى هم مواطنوه الفقراء، على اعتبار أن كفة الخصم كانت هي الراجحة. غير انه أبى أن ينساق وراء العواطف، مفضلا الاستسلام لقناعة مفادها أن العنف إن بدأ فلن يتوقف، و إن توقف في النهاية فسوف يخلف وراءه ثقافة مجتمعية عنيفة و جدارا منيعا من الأحقاد و نوازع الانتقام.

وهكذا قام غاندي بتسويق فكرة " الساتياغراها" المعتمدة على التزاوج ما بين الحقيقة (ساتيا) والحب (اغراها)، كمرادفين للقوة. و من هذه الفكرة استنبط مبدأ المقاومة اللاعنفية، باذرا بذلك البذرة الأولى لحركة شعبية جماهيرية سوف تتوسع و تتعدد وسائلها السلمية و ينحني لها العالم احتراما.

كان على غاندي قبل أن يطلب من مواطنيه التحرك أن يحررهم أولا من كل أشكال الخوف، سواء الخوف من أجهزة المستعمر القمعية أو الخوف على النفس و لقمة العيش والمصالح الذاتية. كما كان عليه أن يحرر طاقات نساء الهند من خوف التمرد على التقاليد البالية المقيدة لخروجهن إلى الحقول والمعامل و الشارع. و قد نجح في ذلك عبر إشعار مواطنيه بان كرامتهم مداسة و حقوقهم مستباحة وثقافتهم مهانة، مكررا على مسامعهم " إن الإنجليز موجودون هنا ليس بسبب قوتهم، وإنما بسبب ضعفنا و خوفنا و تشتتنا".

و ما أن تحقق له ذلك حتى طالب شعبه بالانتقال إلى المرحلة التالية التي لم تكن سوى العصيان المدني و مقاطعة مؤسسات المحتل و شركاته و تنظيماته و معاهده و بضائعه، والاعتماد بدلا من ذلك على الذات في كل شيء. وقتها شكك الكثيرون، بما فيهم بعض رفاقه، بجدوى هذا العمل الذي وصفه مؤسس باكستان محمد علي جناح بالطائش و الصبياني. لكنهم سرعان ما غيروا موقفهم، و لاسيما بعد نجاحه في عام 1930 في قيادة مسيرة جماهيرية لأربعة و عشرين يوما إلى ساحل البحر في داندي (على بعد نحو 240 ميلا) من اجل التقاط الملح و تحدي القانون الذي كان قد سلب المواطن الهندي حق صنع الملح لنفسه من بحار وطنه.

يمكن قول المزيد عن تجربة غاندي، إلا أننا سنكتفي فيما يلي باستعراض أهم معالمها، مع شيء من المقارنة مع طرق و أساليب حركات المقاومة العربية:

- قامت تجربة غاندي في المقاومة على اللاعنف كما أسلفنا. و كان من رأيه انه " إذا كان المستعمر متوحشا، فلا يجب أن ننافسه في توحشه، و لنثبت للعالم أننا أصحاب حضارة وسلوكيات أرقى". و بذلك انتزع من الخصم ورقة الرد العنيف المبررة بالدفاع عن النفس، الأمر الذي حظي معه نضال الهنود بدعم و احترام كل القوى المحبة للسلام في بلد الخصم و غيره من بلدان الغرب. و لو أن غاندي في نضاله تمنطق بالسيوف أو وزع الخناجر ودعا شعبه إلى الخطف و العمليات الانتحارية و جز أعناق العدو و عرضها على الملأ لما تجذرت صورته في الفكر الإنساني.

- لم يكن غاندي يقصد ، حينما دعا مواطنيه إلى مقاطعة المستعمر، أن بمقدور الهنود إفقار الخصم و تحطيم اقتصاده، إنما كانت المقاطعة بالنسبة إليه عملا رمزيا لبعث الإرادة والعزيمة الضروريتين لصنع المعجزات. و هكذا مثلا دارت مغازل القطن اليدوية في كل مكان على امتداد الهند لتوفر البديل للمنتجات الاجنبية، ولتشكل أصواتها الهادرة بالتزامن "أجمل نشيد وأحلى نغمة من أنغام الحرية" على حد وصف نهرو. و كانت المحصلة أن شعر الهنود لأول مرة بسريان روح الكبرياء و العزة في نفوسهم على النحو الذي أراده غاندي.

- آمن غاندي بان أية فكرة لكي تنجح جماهيريا، لا بد لها من اقترانها بالقدوة الحسنة. لذا فانه حينما دعا إلى المقاطعة بدأ بنفسه، فهجر ملابسه الأوروبية و تخلى عن عمله كمحام أمام محاكم الهند البريطانية و اكتفى من الطعام بحليب ماعزه و ما تجود به الأرض الهندية من حبوب ، و من الكساء بما يدره مغزله من قماش قليل لستر العورة. و هو في هذا يختلف بطبيعة الحال عن دعاة المقاطعة عندنا ممن يطلبون من الناس الانصراف عن منتجات أمريكا و الغرب و مؤسساتهما بينما هم أول من يبعث بأولاده إلى جامعاتهما، و أول من يحتفظ بأمواله في مصارفهما، و أول من يستمتع برفاهية منتجاتهما.

- على العكس مما يفعله أصحاب "المقاومة" عندنا ، حرص غاندي على ألا تصطبغ مقاومته بصبغة طائفية أو أثنية أو جهوية، فلم يستثن أي مكون من مكونات الشعب الهندي من شرف الاشتراك فيها، و لم ينسب أي نجاح حققه لطائفته الهندوسية وحدها. إلى ذلك تجنب التعرض بالسخرية لعقيدة المستعمر أو الطعن في قيمه أو حرق علمه أو مهاجمة شعبه بلغة التعميم الظالمة تحت ضغط العواطف، فضمن بذلك تعاطف و مساندة الكثير من القوى و المنظمات البريطانية والغربية.

- كان غاندي واقعيا يعرف قدر نفسه و تواضع قدرات شعبه مقارنة بإمكانيات الخصم، فلم يشأ توريطه في ما لا يقدر عليه مثل خوض الحرب الشعبية المسلحة، و لم يشأ أن يدغدغ عواطفه بالعنتريات و الخطب البلاغية والشعارات البراقة و الوعود الخيالية، على نحو ما يفعله بعض رموزنا الشعبية ممن يلجأون في غمرة حماسهم إلى قول أشياء مجافية للمنطق مثل " يا امة المليار مسلم، لو أن كل واحد فيكم بصق على إسرائيل بصقة واحدة بالتزامن لتشكل نهر جارف يزيلها من الوجود".

- رغم دوره الكبير في تحرير الهند من المستعمر لم يعرف عن غاندي انه نصب نفسه زعيما لشعبه. فقد ظل حريصا على القول انه مجرد واحد من ملايين الهنود البسطاء، و انه لا يختلف عنهم و لا يريد لنفسه شيئا. إلى ذلك لم يسجل عليه انه خون معارضيه أو وصمهم بالعمالة، و إنما احترم وجهات نظرهم و اعترف لهم بحق الاختلاف معه، مرردا انه قد يكون مخطئا و الآخرون على صواب. و هذا أيضا يختلف عما يجري عندنا من تنافس البعض في كل محفل وفضائية للبروز كزعيم لا شريك أو صنو له في الوطنية و الإخلاص و النزاهة، أو لوصم خصومهم بكل ما هو بشع و منفر.

لقد أصاب شاعر الهند الأكبر طاغور حينما خاطب غاندي قائلا " إن كلامك بسيط يا سيدي، و ليس بسيطا كلام أولئك الذين يتحدثون عنك". نعم كان غاندي بسيطا في كل شيء، لكنه أحدث زلزالا وفجر بركانا بتلك البساطة المنطوية على ضمير قلق يبحث عن الحق، و على إيمان عميق بالسلام كقوة ايجابية يمكنها إخراج الجنس البشري من الظلام إلى النور. و أصاب أنيشتاين حينما قال "أن الأجيال القادمة سوف تصدق بالكاد إن بشرا مثله مشى على اديم هذه الأرض". و مثلهما أصاب ذاك الزميل الذي كتب " إن العالم العربي بحاجة إلى شخصية من نوع غاندي ليقود الجماهير بأسلوب اللاعنف نحو تحقيق أعظم الانتصارات بدون طلقة واحدة"، مضيفا " لكن المشكلة انه لا يوجد غاندي و لا يشجع الوسط الراهن على ولادة أمثاله".




#عبدالله_المدني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تركمانستان بعد رحيل ديكتاتورها
- حينما يفسد عضو مصداقية منظومة بأكملها
- الأمم المتحدة ما بين أمينين عامين آسيويين
- لعله الموت الأخير للقذافي جانجلاني!
- عن القرصنة في مياه المحيط الهندي
- مشرف و نساء باكستان
- حوار مع القيادي الليبرالي البحريني د. عبدالله المدني
- رفقا بالبحرين الجميلة
- نحو شراكة خليجية – يابانية شاملة
- في فيتنام .. لا وقت لاجترار الماضي
- الخليج .. فيما لو حدث - تشيرنوبل- إيراني
- أخيرا، وجدت الهند من يشغل حقيبة الخارجية!
- سنغافورة .. دور جديد في الألفية الثالثة
- محمد يونس .. يستحق أكثر من نوبل
- أفغانستان .. التحدي الكبير للناتو
- لماذا أختير -سورايود- زعيما لتايلاند؟
- وظائف شاغرة في الصين
- -عبدالله- يستولي على السلطة في تايلاند
- آسيا .. ما بين عقلانية وسطها و راديكالية أطرافها
- في وداع - كويزومي-.. و استقبال - شينزو أبي-


المزيد.....




- شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب ...
- خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
- وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا ...
- جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
- زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
- كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
- مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
- ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
- مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
- جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبدالله المدني - غاندي في ذكراه : يا لها من ذكرى عطرة!