لاشيء يربك في النقاش اكثر من التحاور مع شخص ينطق بهوى، كما يقال، ومن غير ان يكلف نفسه في اعتماد منهج، اي منهج كان، او منطق، اي منطق كان، او على اقل تقدير طريقة مرتبة في الكتابة، لان الكتابة، وهذا الكلام لمن يجهل ماهيتها ودورها، فعل انساني- لغوي يختزن طاقات الفكر ونظامه وجوهر وعصارات العقل البشري عبر مساره المعرفي. لذا فالكتابة، على مستوى الطموح على الاقل، هي سعي لخلق معرفة ونشر وعي. وهذه الاساسيات كانت مفتقدة بصورة حادة ولحدود فضائحية في كتابة الدكتور احمد البغدادي. سوف اتجاوز اللغة المحدودة والبناء الركيك والمفكك للجمل ذات المستوى البدائي لحد اثارة الشك في ان الكاتب هو فعلا مثلما يدعي من انه استاذ واكاديمي وهذا يعود، بتصوري، الى ان احكام العواطف الحاقدة تبلبل العقل وتشوه النفس فيفيض ذلك على اللغة ويورط صاحبها بسطحية الاحكام وسذاجة المقدمات. سوف اتجاوز ذلك واحاول التركيز، قدر المستطاع، على خلفية افكار الدكتور.
اول مثلبة فكرية عند صاحبنا هي التعميم الاطلاقي لمفاهيم كبيرة تتطلب دقة ضرورية للنظر فيها وبالتالي اطلاق المسميات والاصطلاحات عليها من مثل مفهوم <الانسان العراقي>، وهو مفهوم تفتق عنه ذهن البغدادي، بغير اساس معرفي او منطقي مقنع،ثم يقوم باختيار لحظة جانبية، ليست هي كل الصورة بالتاكيد، ليبني عليها تصورا اختزاليا عن مكون عقلي ونفسي وحضاري تشكل في مسار تاريخي مركب يصعب حصر ثماره في صفة وحيدة ومطلقة، كلحظة كافية برايه لوصف كيان يتسم بالشمول والتعقيد.
يفترض بالدكتور، بتقديري، انه يدرك ان تنوع البشرية عموما والتنوع الداخلي في اي مجتمع وحتى داخل الانسان الفرد يمنع ،او يعيق على اقل تقدير، اطلاق صفة او تسمية تختصر هذا الانسان الفرد فكيف يكون الامر اذا كان انسانا تاريخيا كما مفروض ان يوحي به مصطلح الانسان العراقي او الكويتي او الالماني الخ، الذي <اجترحه> الدكتور.
والبغدادي في اطروحته يختار مجالا جغرافيا عراقيا< الجنوب وبغداد> وربما مذهبيا< الشيعة> ليرسم منه ملامح صورة للانسان العراقي ويتصدق، دون اساسس ولا تبرير او حتى شرح، لاستثناء الانسان العراقي في الشمال العراقي. نحن نتسائل هنا:
لماذا ومالفرق؟.
ام هي منح واوسمة او صكوك غفران ينثرها احمد البغدادي على مزاجه. ثم ان اختيار لحظة او لمحة في الممارسة الاجتماعية من غير محاولة البحث عن سببها الموضوعي، الذي يفترض بان يكون هو مجال البحث ومنطلق التقييم، لايكون كافيا لتعميمه واطلاقه.
ان المنشا المعرفي والاساس العقلي لهذا التصور، برايي، نابع من آلية الفهم التنميطي الخطي والاسطوري الذي تتجوهر بموجبه الذوات وبالتالي المجتمعات وقيمها وعقلها، وهو باختصار منهج لاتاريخي ورؤية اختزالية يصنعان من الانسان، وبالتالي المجتمع، جواهر جامدة وثابتة لاتنفعل بمعطيات الواقع ولا التاريخ. والانسان، وفق هذه النظرات، يُجبل على طباع عبر مكونه البيولوجي، او ربما المذهبي حسب عقل احمد البغدادي، ويبقى اسيرا لهذا المكون والاصل.. ورغم ان هذه النظرة قد فندت عمليا وعلميا في الصراع العلمي والفكري في القرن العشرين في الثقافة الانسانية عبر دحض النظريات الفاشية والعنصرية. وعبر النقد الموسع للعقل الثقافي الغربي في مركزيته الاوربية. ورغم اننا في مجتمعاتنا العربية او العالم ثالثية الضحايا الاساسيين لهذه التوجهات والممارسات الفكرية الا ان الدكتور احمد البغدادي، كما يبدو، ملتزما بهذا المنهج وتلك الرؤية ولااعرف دافعا حقيقيا او مسوغا لهذا التشبث بمنهج فاقد الاهلية العلمية والمنطقية غير ان يكون هذا نوع من الجمود العقلي السلفي، او ربما نظرة طائفية مذهبية تحركه، او حقد دفين يتحكم، بآلية وسواسية عصابية، في سلوكه. وليس هذا الاحتمال ببعيد كما هي الاحتمالات الاخرى التي ذكرتها، فالدكتور يعبر، في مقاله المنشور في كتابات يوم 23 تموز فيقول< ان غزو العراق للكويت سيظل في الذاكرة الكويتية الى ابد الابدين ولن نتجاوزه> لقد عبر بهذا عن مدى الحساسية او الاصح الحقد الذي يوغر في صدره ويربك بصيرته وهذا ليس بمستغرب من عقلية بدوية ثأرية تغذيها وجدانيا <البسوس> ويحكم منطقها عقل القبيلة وتستمد مثلها من جماليات< داحس والغبراء>. وانا لارغب هنا في الانجرار وراء هذا المنطق ودوافعه وارد بلغة وعقلية مشابهة واقول، مثلا يعني: انك ان تجاوزت ام لم تتجاوز فهذا لن يؤثر قيد انملة في مسار حياتنا في العراق. ولن انجر اكثر للغة الشتم والتحقير والمهاترات التي اتبعها البغدادي في كتابته. فانا احاول ان انظر نظرة متوازنة ارى فيها الاشياء بشكلها الواقعي ولاارى الكويت بحكامها الشيوخ او باحمد البغدادي نفسه فقط. فانا لاانسى ان هناك كويتيين مثقفون ويحترمون حقائق الحياة كالدكتور احمد الربعي على سبيل المثال لاالحصر.
يقول احمد البغدادي في ذات المقال، وبعد ان اعتبر ان لاالحضارة الاسلامية ولاالفرعونية ولاالعراقية ذات نفع وانها حضارات بائدة. وبجرة قلم صنفها كحضارات عبودية وقتل ودماء الخ. يقول بالنص < يمكن القول ان الانسان الخليجي اكثر حضارة في تعامله الانساني من اصحاب هذه الحضارة البائدة>. ماهذا!!. اين المعيار اوالمرجعية المعرفية والعقلية والاخلاقية لهكذا كلام؟. ان هذا الكلام ليس فقط كلاما غير علمي ولامسؤول وانما كلام مهاترات وردح. ولكن لن ننجر الى هذا ايضا.. ومن غير تعميم ولااطلاق سناخذ، في محاولة نقاش عابر مع هذه الاطروحة او الادعاء، التجربة الغربية التي من المؤكد ان مركب النقص في نفسية احمد البغدادي ازاءها وعقدة الامتنان لها التي تكبل كل تفكيره ، تسمح له بقبول تحكيمها كمعيار، غير مطلق على اقل تقدير، في محاكمة رايه هذا . فاقول اننا نعرف ان هناك اساس اجتماعي من بين عدة اساسات قيست عليه عبر التاريخ مستويات التطور الحضري ومستويات التعامل الانساني وهو ما يتعلق بوضع المراة والموقف منها في المجتمع المعني. والسؤال هنا هو: ماهو وضع المراة في بلدان الخليج <التي هي اكثر حضارة في التعامل الانساني >؟.
هل نعدد! ام نختار عينات فقط؟.
مثلا، عندك في الكويت لم تحقق المراة الشرط الاول لحقوقها وهو الاعتراف بها ككائن مساو للرجل في الحقوق السياسية العامة وليس في المسائل العقدية الاخرى. وهاهي تمنع من حق الاقتراع والترشيح. يحدث هذا ونحن في الالفية الثالثة.. اقول هذا حتى لايتعكز احد على تجارب اخرى في مجتمعات اخرى في سالف الزمان.
وفي السعودية، مثلا يعني، لايحق للمراة ان تقود سيارة. وهذا فيض من غيض. بالاضافة الى النظرة <الانسانية جدا> في تلك المجتمعات للشعوب الفقيرة والتي يجد ابناءها العاملين في بلدان الخليج كل ازدراء وانتقاص في انسانيتهم،هذا غير معانات <البدون> تلك الظاهرة الشاذة والغير موجودة في اي مجتمع. ولن نطيل على الناس في كلام هو في عداد البديهيات والاشياء المعروفة ونترك امر المقارنة بين هذا <المستوى الحضاري المتطور> في بلدان الخليج وبين ماعليه قرينه في المجتمعات المصرية والعراقية الى القراء. رغم اني لااميل الى اعتبار قدم الحضارة شهادات ضمان للتحضر.
هذه النظرة التعميمية التنميطية الاطلاقية التي يمارسها الجامدون عقليا وعقائديا تعرضهم لمزالق توظيفها ضد تصوراتهم وقناعاتهم العاطفية. فيمكننا ان نختار وفق منهج احمد البغدادي <الستاتيكي> اي صفة سلبية او قذرة ستكون موجودة في اي مجتمع ونعممها ونطلقها ونعتبرها هي المعيار المطلق ونقوم بتطبيق هذا المنهج على الانسان الكويتي مثلا ونعتبر، ان خصائص الانسان الكويتي هي<اللواط>. ولاينفع الدكتور احمد البغدادي حينها وينقذ نظرياته مماهاته المضحكة للانسان الكويتي مع الانسان الالماني فقط لانهما لم يخربا مؤسساتهما بعد الحرب..
وقد يصعب توظيف هكذا سلوكيات< اللواط> في تصور كلي حتى وان كان في <منهجية> مثل منهجية الدكتور البغدادي <العلمية> ولناخذ حالة ثانية ونقول مارأي الدكتور لو قلنا ان الانسان الكويتي، حسب اصطلاحك، جبان. الم تؤخذ بلده في غضون ساعتين ووقف هو يتفرج وهرب بجلده، كما فعل الدتور في هروبه الى عُمان، تاركا امر تحرير بلده للاخرين.. لكني سوف لن اقول هذا ولن اعتبره مقياسا لاني اعرف ان الحقيقة ليست هكذا تماما، ولايجوز لي اطلاق صفات محدودة ولها مايبررها ويشرحها واصبغ بها لون المجتمع او الانسان الكويتي.
واستطرادا اقول، مارأي الدكتور لو اني آخذ منهجه المقارن <الفذ> هذا الذي استخلص منه صفات التشابه مع الانسان الالماني، وأشبه الانسان العراقي بالانسان الامريكي الذي نهب وخرب في تظاهرات سياتل مثلا، او حينما وقعت سرقات عديدة عند انقطاع التيار الكهربائي لدقائق في مدينة نيويورك*.
بذات الرؤية يمنع الدكتور احمد البغدادي <الانسان العراقي> للوصول الى بناء الديمقراطية التي افترضها شرطا لوقف الشر المتأصل في هذا الانسان لان ذلك مرتبط، برايه، بطبيعة الانسان العربي التي تعيقه من التطور وتحقيق الديمقراطية لانه، الانسان العربي
< عموما لايستطيع ان يكون ديمقراطي لايمانه بالمجتمع الابوي والذكوري> اسال الدكتور سؤالا عله يدفعه للاطلاع والفهم:
هل المجتمع الذكوري والابوي هو موجود لأيمان الانسان به ام لظروف موضوعية تتعلق بالخلفيات التاريخية ومستوى التطور الاجتماعي- الاقتصادي الحضري؟.
طبعا لو اردت ان ارد على < حجج وطروحات> الدكتور احمد البغدادي جميعا فسيحتاج ذلك لكلمات كثيرة وهذا سيثقل على القارئ واعتقد ان الاكتفاء بمناقشة المنطلق الفكري الاساسي اوالمنهج < اللامنهج> الذي اتبعه الدكتور احمد البغدادي يكفي في كشف بعض من خبايا هذا الخطاب اللاعلمي الذي اتبعه.
نحن نعرف مدى التسرب المنهجي او الاسلوبي الذي يمارسه الخطاب المنقود على الخطاب الناقد له . وهذا ماحاولت ان اكون متنبها له في محاولتي النقاش مع الدكتور احمد البغدادي. ولم انزلق لرؤيته او روحيته العدوانية ولم اشتم شعبه او <انسانه> مقتنصا لحظة او جزيئة سلوكية معينة من غير ان انظر لها بمعيار نقدي تقويمي يضعها في سياقها ويفسر خلفياتها واصولها، لان هذه الطريقة هي ماافترضه بالطريقة العلمية او العقلانية.
واقول في الختام ليس من المفروض باي شعب او انسان ان يخيفه النقد او يخيفه ان يمارسه على نفسه فتلك ظاهرة عافية وان تصيدها واستثمرها احد ما. ولن ادعي واتنطع، مثلما يفعل الدكتور في اطلااقياته ولغته اليقينية واقول اننا نحن العراقيون لايخيفنا اي كلام او تقولات..
لن اقول ذلك.
• لزيادة معلومات الدكتور ولحثه على الفهم الاوسع اقول انه حدثت قبل بضعة شهور تظاهرة في السويد لمنظمة شباب سويدية وحدث سوء فهم وتفاهم بين المتظاهرين والشرطة فوقعت مصادمات وتم مع هذه الاعمال التي استمرت لوقت قصير جدا تحطيم محلات وسرقة محتوياتها. هذا قام به <الانسان السويدي> وليس العراقي!!
• مارأي الدكتور!
السويد
23-07-2003