صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 1816 - 2007 / 2 / 4 - 11:32
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مقدمة
الضجة التي اثيرت حول وفاء سلطان تدفعني للكتابة في موضوع احاول تجنبه عادة, ولكن..احياناً لا مفر من ذلك. لقد اثارت مقابلات الدكتورة وفاء التي هي اشبه ما تكون بجولات صراع الديكة ليس فقط جواً متوتراً بين الإسلاميين, لكن ايضاً للأسف, حماساً مخجلاً بين العلمانيين. مقالتي هذه ليست رداً على وفاء بل على العلمانيين الذين تحمسوا لها وهي ليست المرة الأولى التي يفقد الكثير من العلمانيين إتزانهم امام اغراء الهجوم على الدين او الإسلام. أنا بريء من هذه العلمانية المخجلة التي تنطرح امام منطق وحشي فارغ كذاب مثير للشغب والتعصب ولايقدم حلاً بل يدفع بالمعتدل الى التعصب ويزيد المتعصب تعصباً ويصبغ العلمانية بالنفاق. ركزت في هذه المقالة على انتقاداتي الأسلوبية لما تنشره الدكتورة وفاء سلطان على امل العودة الى ردود على محتوى مقولاتها في مقالة تالية ان سمح الزمان بذلك.
الشتائم والحقد الشديد
بعد مقابلة تلفزيونية عاصفة بالشتائم المتبادلة, نشرت دكتورة علم النفس وفاء سلطان سلسلة من ستة مقالات متتالية تحت عنوان " الشيخ محمد وظاهرة اللسان الداشر" تشتم فيها رجل الدين الذي كان قبالتها, وضعت فيها من السباب والشتائم ما لايتصوره العقل. هذا بعض ما كتبته:
"لم يكن خياري هذه المرّة أن أجادل أحمقا وحسب، وإنّما وحشا بشريّا همجيّا وهائجا!"
"من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن تواجه وحشا وتستطيع في الوقت نفسه أن تحافظ على انسانيتك وأدبك! ولكنني حاولت قدر الإمكان أن أكون نفسي وأثبت لمشاهدي برنامج الإتجاه المعاكس الفرق بين المدنيّة والهمجيّة!"
"لم تكن كلمة "اخرس" التي تفوّهت بها في نهاية اللقاء من شيمي، ولكنّها خبطة حذاء اضطررت، غصبا عنّي، أن أهرس بها ذبابة أصرّت حتى اللحظة الأخيرة على ازعاجي!"
"من هو الشيخ محمّد؟! قد يخطر ببال القارئ أنني سأدخل في التفاصيل الدقيقة لحياة هذا الرجل المصيبة، أبدا! لايهمني منها سوى ما يهم عالماً مختصاً في علم الجراثيم والطفيليّات وهو ينظر تحت عدسة مجهره على حشرة متناهية في الصغر، كي يتعرف على بيئتها، طريقة حياتها وغذائها وتكاثرها، علّه يتوصّل إلى طرق لمكافحتها ومقاومتها وتجنيب الناس شرورها وتخريبها!"
"الشيخ محمّد ليس مجرّد شخص شاءت الأقدار الغاشمة أن يجاورني في مهجري، إنّه ظاهرة مرضيّة وبائيّة استفحلت في العالم العربي والإسلامي وحان الوقت لمكافحتها وعلاجها."
"الكلب يشمّ رائحة جيفته على بعد أميال، والخبث الشرقيّ المتأصل في نفس الشيخ محمّد قاده إلى جيفته، فوجد في تلك الفئة الميسورة الميؤوسة ضالته، ووجدت فيه ضالتها!"
وعن اخر كتبت الدكتورة وفاء : "نهرو الطنطاوي: عنزة ولو...........باضت!!"
" أكاد اسمع قارئا يحتجّ عليّ معاتبا: الا تخجلي من مجادلة رجل لا يميّز بين البطّة والعنزة ويصرّ أنها عنزة ولو طارت. فأردّ: نعم اخجل! لكنني، على الاقلّ، سأنقذ رجلا مسلما واحدا كان، وبدفشة صغيرة من السيّد الطنطاوي، سيقع في عمق الهاوية!"
السطحية والجهل والمنطق المضحك والنفاق
تأتي وفاء بآية قرآنية لم تحفظها جيداً لتثبت بها نقطتها, فيصطادها محدثها ولا يفلتها ويكرر عليها ان تقرأ الآية ان كانت تعرفها, او لتقرأها من القرآن الذي لديها, فتتلعثم وتقول له ان يفعل ذلك بنفسه فيرفض ويصر ان تقرأها هي..تقول له ان "ليس شرطا"... نعم ليس شرطاً ان تحفظ القرآن لكن عندما تريد ان تستشهد بقول, دع عنك آية, يفترض ان تحفظه بنصه او تكتبه لديك...فيكمل محدثها إبراهيم الخولي بحق قائلاً:"إذا كنتِ لا تحفظين الآية فلا تذكرينها.."
و حين سأل المقابل وفاء عن مقارنة بين الإسلام الذي تهاجمه وبين المسيحية واليهودية فقالت وفاء انها ليست خبيرة بالمسيحية او اليهودية بل في الإسلام فقط. وطبعاً من المثير للمضحك ان يدعي شخص (حتى وان كان دكتوراً, بل وخاصة ان كان كذلك) انه خبير بالإسلام دون ان يعرف شيئاً عن ما سبقه من اديان. فكيف سيعرف اذن وهو يذم هذه النقطة في الإسلام ان ليس من مثيل لها في الإنجيل او التوراة ؟
وعندما تجبر وفاء على ايقاف انطلاقها لتجيب عن تفسيرها لقيام المسيحية بالحروب الصليبية ضد "الشياطين" المسلمين وارتكابهم افعالاً شيطانية اكثر من افعال الشياطين, تفسر وفاء الأمر بانه رد فعل على شيطنة الشياطين وان الحروب الصليبة لم تبدأ الا بعد ظهور التعاليم الإسلامية, لذا فهي رد فعل لها. كيف يلجأ الأخيار الى المبادرة باساليب الشياطين؟
الا يذكر ذلك بحجة اسرائيل ان قصفها الوحشي المدمر كان "رداً" على أسر جنود اسرائيليين, لكن اسر هؤلاء الجنود لم يكن "ردا" على اختطاف الاف الفلسطينيين واللبنانيين. مثل اسرائيل, تقرر وفاء من "البادئ" ومن الذي كان "يرد."
وفاء ترى جهلنا بسهولة, وهي محقة في ذلك, لكنها لا ترى اي جهل في اميركا. وحتى حين تقابل جاراً امريكياً يعتذر بأدب معترفاً بنفسه بجهله قائلاً :" أنا آسف! معلوماتي الجغرافيّة ضحلة للغاية! لقد ظننت أن سوريّا في أمريكا الجنوبيّة وبأنّك تتكلّمين الإسبانيّة!" ان تفسير هذا حسب رأي الدكتورة وفاء هو "البراءة" وليس الجهل.
"إذا جئت اليهم من اليمن وقلت لهم: أنا من المريخ يسألونك ببراءة: وكم يبعد المريخ من هنا! الأمر ليس جهلا بقدر ماهو احترام لآراء الناس وتصديق لهم."
والحقيقة ان لدينا "احترام" كثير من هذا النوع في بلادنا ولم نعلم إلا من وفاء انه امر ايجابي...
هذا كاتب ينتقدها فيكتب: " تخطب امام الاقباط عن حرية المرأة وستة من نساء الاقباط مسجونات في دير سانت كاترين في سيناء وحلق لهن شعرهن على "الزيرو " تعبيرا عن عارهن لاعتناقهن الاسلام ؟؟ هل العلماني يفرق بين خرافة دين وخرافة دين اخر ؟؟ هل هذه علمانية ام بغض انجيلي حاقد ؟؟لماذا لماذا تتخفى خلف قناع العلمانية ؟؟
الغرور
واستمعوا الى هذه الموعضة العجيبة المقتبسة بشكل مثير للضحك من اسلوب "هكذا تكلم زرادشت", ولكن شتان بين نيتشة حين "يطرد العواد والمعزين" في اطار شعري راق, وحين تصف وفاء من يدعوّن صداقتها بالمنافقين: "للمنافقين الذين يدّعون صداقتي، والذين قالوا لي يوما، متظاهرين بالحكمة: ليس من الذكاء ياوفاء أن تقارعي جبلا من صخر، وأنت تدركين أنك لا تستطيعين أن تزيليه!
أريد أن أوجه لهؤلاء الأصدقاء "اللدودين" رسالة تقول: أنا لست خائفة على رأسي! اذا كان الجبل من صخر فرأسي من حديد. ليس شرطا أن أزيل ذلك الجبل، فإذا استطعت أن أحدث فيه خدشا صغيرا أكون قد حققت مارميت اليه!
لقد فتحت الباب لغيري، والوفاءات اللاتي ستحملهنّ الأجيال القادمة ملزمات بأن يكملن الطريق!"
"سألني مرّة صديق لي: هل الكتابة، ياوفاء، سهلة؟ كيف تكتبين؟
ورددت: إنها في غاية السهولة! كلّ ما يجب عليّ فعله هو قص أحد أوردتي كي أبدأ النزيف!
لم أعش هذا القهر، بل عايشته وأنا بطبعي انسانة مرهفة الحس، أمتص كالإسفنجة حزني وحزن غيري!
معظمها يفيض حبّا واحتراما، وقليل منها يجادلني بدرجة مقبولة من الأدب ، ويفائلني بأنّ زمن ردّة مرسيليها أقصر من رفة جفن!
يقول وينستون تشرشيل ايضا، وفي ردّه على من يشتمه: أنا كالمطاط الهندي، من يضغط عليّ من طرف أخرج عليه من الطرف الآخر.
وكما أعاهد من يقف بجانبي بأنني سأمشي معهم، أعاهد هؤلاء الذي يحاولون أن يضغطوا عليّ ويخيفوني بنعوتهم واتهاماتهم بأنني لن أكون أقل قدرة من تشرشيل ، وسأخرج عليهم أقوى وأعلى من كلّ جانب. الأيام ستثبت من فينا قابل للإنضغاط ومن سيكون أسرع انهيارا، فلننتظر وإنّ غدا لناظره قريب!"
بعد "المناقرة" التلفزيونية صوت 36% فقط من المشاهدين لصالح الدكتورة وفاء, فلم تستنتج منها خطأها وتقر بالهزيمة بروح رياضية, بل كتبت تقول: "فقره العلمي المدقع وخواؤه المعرفي حشره في خانة الإتهامات، فراح ينهل منها ويرشقني ظنا منه أنه سيقلّل من أهميتي ويرفع من شأنه! حتى جاءت نتائج الإستطلاع لتفاجئني بأنّ 36% من المشاهدين صوّتوا لصالحي!" هل يدري هذا المعتوه وأمثاله مامعنى أن يصوّت لصالحي 36% من سكان العالم العربي خلال الدقائق الأولى التي سمعوني بها؟ّ!! هل يستطيع أن يعي الرسالة التي حملتها له تلك النتيجة؟!!
حتّى الأمس القريب كان العالم العربيّ، بأغلبيته الساحقة المسلمة، يعيش داخل زجاجة. وكان انسان هذا الوطن يؤمن بأنّ القرضاوي أكثر علما من انشتاين!! في لحظة مواجهة مع الحقيقة انقلب 36% من ناسه على تعاليمهم وكفروا بكتبهم وصرخوا بأعلى صوتهم: صدقت وفاء سلطان! إنّه تطور، في اعتقادي، اسرع من سرعة الصوت! ولكن هل يعي هذا المعتوه تلك الحقيقة؟"
..يعني, ان لم نكن بتخلف من تتحدث وفاء سلطان عنه, فيجب ان نصدق, انه خلال دقائق " انقلب 36% من ناس العالم العربي الذي يعيش داخل الزجاجة, على تعاليمهم وكفروا بكتبهم وصرخوا بأعلى صوتهم: صدقت وفاء سلطان!". ولكن ان صدقنا وفاء فيجب ان نعتقد انها اكبر نبي عرفته البشرية في تأريخها, بل ان جميع الأنبياء لايقاربون شعرة من قدرتها الخارقة, فلم يسبق لأحد في التأريخ ان سجل مثل هذا التحول الرهيب وانقذ اكثر من ثلث شعب لايفقه ويعيش تحت الزجاجة, ببضعة دقائق استغرقت معضمها الشتائم المتبادلة! ويجب ان نستنتج ايضاً بشكل منطقي حتى بالحساب المركب للنسبة ان انقاذ الباقي مسألة لن تحتاج إلا الى بضعة مقابلات اضافية ويكاد ان لايبقى مسلم على الأرض!
تشجيع التطرف الديني والإرهاب
وفاء سلطان: "ما نراه من صراع ليس صراعا بين الغرب والإسلام إنه صراع بين الإسلام من جهة والعالم كله من جهة أخرى لأن الإسلام قسَّم العالم إلى قسمين قسم مسلم وغير مسلم"
سلطان:" قالت لي سيّدة أمريكيّة مرّة وفي سياق الحديث عن الإرهاب والإسلام: الدين الإسلامي دين محبّة وتسامح ولا يمكن أن يأمر هؤلاء الإرهابين بالقتل! فلت لها مستفسرة: ماذا تعرفين عن الدين الإسلامي وماذا قرأت عنه؟
ـ لاأعرف شيئا ولم أقرأ عنه. ولكن بإعتباره دين لاأستطيع أن أصدّق إنه يأمر بالقتل!
هكذا هم الأمريكون يقييمون كلّ شيء بناء على مقاييسهم الإنسانيّة: كلّ بشري في قاموسهم انسان وكلّ دين دين!
هذه السيدة لا تعرف عن الإسلام شيئا ولكنها تفترض بأنّ كل دين دين! أما وفاء سلطان فلا زال الماضي حيّا في ذاكرتها، ولم تزل اصوات الذين غربلوا جسد الدكتور يوسف اليوسف في جامعة حلب بالرصاص وهم يهتتفون: الله أكبر..الله أكبر! مازالت تضجّ داخل رأسها!"
حسناً, ان لم تكن وفاء سلطان قد تعلمت من مضيفيها مبادئهم السامية التي اعجبت بها على الأقل بان " كلّ بشري في قاموسهم انسان وكلّ دين دين " فماذا تعلمت؟
في هولندا صحفي يساري في اواخر عمره (يكتب باسم بيت خريس في "هولندا الحرة") يحضى باحترام خاص, كتب مرة ما معناه: " لا يهمني امثال ويلدرز من العنصريين, ما استغرب له ويثير اشمئزازي هو ايان هرسي علي (هولندية من الصومال) و افشين اريان (هولندي من ايران)." ( المذكوران من مثيري الشغب المعروفين على المسلمين الهولنديين).
وان افترضنا صدق وفاء سلطان في انها قد مرت بتجربتها المريرة, فقد نتفهم تحاملها الشديد المتجاوز لكل شكل علمي, ولكن هذا لايعني إعتبار ما تقوله مقبولاً. الا يجدر بها التعافي من صدمتها اولاً وان تتأكد من شفائها منها قبل المضي في نشر افكار التطرف والعنصرية؟ اهم من هذا الا يفترض بـ "العلمانيين" المصفقين لها انتظار عبورها تلك المرحلة قبل اخذها على محمل الجد؟ هل يصلح من مازال يتصرف بوحي من مثل تلك التجربة ان تدعوه يا "سفيان الخزرجي" لـ "انقاذنا"؟
استمعوا اليها تحث الاقباط في 21-11 : 2005 على المزيد من المجابهة فلاتكتفي بوحشية بوش العسكرية, صاحب فكرة "الحرب الإستباقية", بل تحثه على التحلي بالوحشية حتى في كلامه:
"عندما يخرج علينا السيّد جورج بوش بقوله الاسلام دين تسامح، هو ينطلق من مفهومه للدين بشكل عام وليس من المامه ومعرفته بالتعاليم الاسلاميّة. أنا أعرف بأنّ موقفه كسياسيّ يتطلب منه بعض الدبلوماسية، لكن تكرار تعابير كهذه ومن قائد لأعظم بلد في العالم يقوّض مصداقيّتنا نحن الذين خرجنا على تعاليمنا بعد أن اكتشفنا آثارها السلبيّة على حياتنا وحياة أجيالنا القادمة. هو عندما يفعل ذلك يخرب في لحظة واحدة ما نبنيه نحن العلمانيون في سنين."
وحين تكون محدودية معلومات الدكتورة او فهمها سببا في تورطها بانتقاد الرسول في تحويره الجميل لقول عربي قديم " انصر اخاك ظالما او مظلوما" ليأخذ شكلاً انسانياً عادلاً لاقبلياً, حين يشرح قوله بان نصرة الظالم تكون بردعه عن ظلمه, وحين يبين لها محدثها خطأها فانها تستمر في الهجوم: "اهكذا تتمّ هداية البشر؟ ايّ لغة تلك؟ كيف نطالب رجلا يؤمن بالحديث النبوي الذي يقول:"انصر اخاك ظالما او مظلوما" بأن يبني مجتمعا عادلا يحكمه القانون والاخلاق؟ هذا الرجل وبايمانه، بضرورة نصرة أخيه ظالما أو مظلوما، فقد قدرته على التمييز بين الحق والباطل. فصلة الدم أو الدين لا تبرر الباطل ولا تلغي الحق)!!"
انها تصر على ان الرسول لم يقصد ما شرحه بل "انقذه صحابته" حين سألوه فاخترع الجواب فوراً! طيب حتى ان كان هذا التصور صحيحاً, لم انت غاضبة؟ الم تصل في النهاية رسالة انسانية من الحديث؟ ألا يساعد الفهم الكامل للحديث كما تبناه كل المسلمين (وغيرهم إلا انت) مساعداً لسامعه على ان " يبني مجتمعا عادلا يحكمه القانون والاخلاق؟ " كيف يخدم التشكيك في هذا القصد, المسلم الذي يريد ان " يبني مجتمعا عادلا يحكمه القانون والاخلاق؟ " اي ناقد في الأرض يقبل ان يهبط الى هذا المستوى؟
حين راحت وفاء تؤكد ان الإرهاب ليس بسبب سوء فهم الإسلام, بل ان الإسلام نفسه في تعاليمه يدعو للإرهاب, لا بد ان المتشددون لم يصدقوا اذانهم واعينهم. لم يكن يدور في خلدهم ان يحقق الله لهم حلمهم الكبير فيتمكن "احدهم" من دعوة المسلمين جهاراً وصراحة الى "الجهاد" عبر القناة الفضائية الاوسع انتشاراً, باعتباره اصيلاً في الإسلام وليس سوء فهم له! لو انهم فعلوا ذلك بانفسهم لما افلتوا من العقاب الصارم, وهاهو يأتيهم هدية مجانية من وفاء سلطان!
خاتمة
اتساءل: اية سادية يجب ان تكون قد ركبت رأس امرأة تجد نفسها بحاجة الى سلسلة من ستة مقالات تكرر فيها شتم رجل تجادلت معه في مقابلة تلفزيونية فلا يهدأ لها بال؟ واتساءل اية مشاعر ترضي مثل تلك السادية لدى القراء والمشاهدين ليسيل لعابهم وهم يصفقون لها؟ اتخيلها ما ان تنتهي من كتابة احدى "شتائمها" الطويلة في اخر المساء حتى تقضي الليل ساهرة في فراشها تفكر كيف تمزق هذا الشيخ غداً بمقالة اخرى حتى يطلع عليها الفجر.
فلم ايطالي شاهدته قبل ايام تقول بطلته التي تؤدي دور ام مدمنة " لقد حاولت ان اكون طبيبة, فلم افلح ان اكون اكثر من مريضة"..
علماني وقع باسم "طارق" كتب رداً بسيطاً على احد مواقع الإنترنيت قائلاً:
"لا ننكر أن المسيحية بعد تقليم أظافرها في عصر ما بعد التنوير أصبحت أكثر مرونة وطبعا لم تكن المسيحية خصما هينا، وحاربت العلمانية بضراوة والثورة الفرنسية خير دليل (سنشنق أخر إقطاعي بأمعاء أخر قسيس)
ولكن عندما تصف (علمانية) الكتب التي هي نتاج علمي بشري ، لإنسان في رحلته في التحرر من الخرافة بأنها مسيحية!! فهي صدمة أخرى تضاف إلى رصيد الصدمات التي تلقيت من الدكتورة..
وأخيرا لا يسعني سوى توضيح إني لا أتهم أو أدين الدكتورة وفاء سلطان فهي حرة تماما أن تكتب ما تريد وأن تهاجم الإسلام من منظور طائفي وأن تنسب التراث الإنساني للكنيسة حتى، لا مانع لدي أن تبرر السياسات الأمريكية التي أراها غير قابله للتبرير، لا مانع لدي أن تنفر الناس وهي تلقي خطابا عاطفيا سطحيا لا يختلف عن خطاب المعممين الذين تحاورهم...
ولكن المهم أن أوضح أن الدكتورة وفاء سلطان لا تمثلني كعلماني فهي وشيخ الجامع المعمم الذي لا يملك سوى الكلمات العاطفية والمغالطات المنهجية والتعميم والنظر بأسلوب أبيض وأسود وجهان لنفس العملة"
في سنة ما في السبعينات في العراق, في زمن احمد حسن البكر, جاء الى العراق "مصارع" عراقي "عظيم" اسمه عدنان القيسي, عائداً من اميركا. لم يكن العراق قد سمع بالمصارعة الإستعراضية التمثيلية لذا صدقه الجميع تقريباً, عدا من كان يوماً في اميركا حيث تشتهر تلك المصارعة الكاذبة لتشبع رغبة الناس الى العنف بمشاهدها الطرزانية, حتى وان كان المشاهدون يعلمون ان حركات البطش ولي الذراع وصرخات الألم كانت تمثيلاً.
بعد بضعة مقابلات تلفزيونية في برنامج "الرياضة في اسبوع" لمؤيد البدري, جاء "المصارعون الدوليون" من دول مختلفة ليصارعوا بطل العراق الرهيب وليخسروا امامه الواحد تلو الآخر: كوريانكو ومن ايضاً؟ ... كان شوارع بغداد, بل العراق تغلق محلاتها عند عرض مسابقات عدنان القيسي, وكان حديث الشارع بلا منازع.
يوماً ما احس "مؤيد البدري" باللعبة فقال في برنامجه كلاماً خطيراً فاختفى من التلفزيون فترة من الزمن لأول مرة منذ عقود!
وما ان بدأت اللعبة تنكشف وصار الناس يسخرون من البطل ومن انفسهم حتى شد بطل العراق "عدنان القيسي" الرحال بلا عودة...لقد الهى الشعب العراقي فترة من الزمن فلم يعد احد يتحدث عن فلسطين او اي شيء اخر, ولما انتهى من مهمته عاد الى حيث اتى.
لقد عرف الأمريكان نقطة ضعف العراقيين فارسلوا لهم من يدغدغها. فحاجة العراقيين الى البطولة, الهت بصيرتهم عن رؤية ما كان يجب ان يكون زيفاً واضحاً منذ اول جولة مصارعة غير معقولة..ولا املك اليوم وانا اقرأ مايحدث حول الدكتورة وفاء سلطان الا ان تثار مشاعري حين علمنا اننا كنا فريسة سهلة لمن درسنا جيداً. لقد كان عدنان القيسي للعراقيين مثل وفاء سلطان للعلمانيين: بطل يأتي من اميركا ليفعل ما يتمنون ان يفعلوه فلا يقدرون. كان هؤلاء واؤلئك مستعدين لإغماض عيونهم عن الحقيقة الواضحة من اجل تلك المتعة التي تمثلها مشاهد العنف والجلد البطولية, الجسدية في حالة عدنان, واللسانية في حالة وفاء, وفي الحالين توجب على العقل ان يخلي الساحة للتمتع السادي.
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟