أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد الحيدر - حكايات عالمية - اللص الذكي















المزيد.....


حكايات عالمية - اللص الذكي


ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم

(Majid Alhydar)


الحوار المتمدن-العدد: 8404 - 2025 / 7 / 15 - 02:47
المحور: الادب والفن
    


اللصٌ الذكي
حكاية من الهند
ترجمة ماجد الحيدر

في قرية صغيرة في الهند عاش رجل يُدعى هاري سارمان، كان أهل القرية جميعهم يعيشون في فقر مدقع وكان عليهم أن يكدحوا ويشقوا كي يحصلوا على خبز يومهم. سئم هاري من الحياة التي يعيشها. إن لديه عائلة كبيرة وزوجة اسمها فيديا، وهو يجد صعوبة كبيرة في الحصول على ما يكفيهم من طعام مهما شقي وكدح. غير أنه لم يكن، لسوء الحظ، يعرف معنى الاجتهاد، فهو أو زوجته لم يقوما بأية محاولة لتعليم أولادهم كيف يكسبون لقمة عيشهم؛ ولو لم يساعدهم فقراء القرية لماتوا جوعوا. اعتاد هاري سارمان إرسال أطفاله هنا وهناك للتسول أو السرقة، بينما يبقى هو وفيديا في المنزل ولا يفعلان شيئًا.
ذات يوم قال لزوجته:
- "دعينا نترك هذا المكان الغبي ونذهب إلى مدينة كبيرة حيث يمكننا أن نحصل على رزقنا بطريقة ما. سوف أتظاهر بأنني درويش حكيم قادر على اكتشاف الأسرار؛ أما أنت فيمكنك أن تدعي بأنك تعرفين كل شيء عن الأطفال، لا سيما أنكِ أنجبتِ العديد منهم."
وافقت فيديا بكل سرور، وانطلق الفريق بأكمله حاملين معهم بعض الممتلكات التي بحوزتهم. ثم وصلوا إلى مدينة كبيرة فاستجمع هاري سارمان شجاعته ودخل منزل كبيرها تاركًا زوجته وأطفاله في الخارج. طلب رؤية السيد فاقتيد إلى حضرته. كان هذا السيد تاجرًا ثريًا جدًا يملك عقارات كبيرة في البلاد؛ لكنه لم يكن ذكيًا جدًا، لأنه تأثر في الحال بالقصة التي رواها هاري سارمان وقال إنه سيجد عملاً له ولزوجته، وأنه يستطيع إرسال أطفاله إلى إحدى مزارعه في الريف، حيث يمكن أن يكونوا مفيدين للغاية.
غمرت هاري سارمان سعادة عظيمة بهذا الأمر وأسرع ليبشر زوجته. واستُقبل الاثنان على الفور في المسكن الكبير حيث أعطيت لهما غرفة صغيرة خاصة بهما بينما أُرسِل الأطفال بعيدًا إلى المزرعة، فشعروا بالبهجة الشديدة للخلاص من الحياة البائسة التي يعيشونها
بعد وقت قصير من وصول الزوج والزوجة إلى منزل التاجر وقع حدث مهم للغاية، ألا وهو زواج ابنته الكبرى. جرت استعدادات عظيمة، وساهمت فيديا بنصيبها الكامل وساعدت في المطبخ لإعداد أنواع الأطباق اللذيذة وعاشت هي نفسها في رفاهية كبيرة. ولأن البيت الثري كان كريما للغاية فقد نال الجميع، حتى أكثر الخدم تواضعًا، قدرا جيدا من العناية. كانت فيديا أكثر سعادة من أي وقت مضى، بعد أن أصبح لديها الكثير لتفعله والكثير من الطعام الجيد. لقد أصبحت في الواقع مخلوقًا مختلفًا تمامًا، وبدأت تتمنى لو كانت أماً أفضل لأطفالها، وفكرت:
- "عندما ينتهي الزفاف سأذهب لأرى كيف تسير أمورهم."
لكنها، من ناحية أخرى، نسيت كل شيء عن زوجها الذي صارت نادرًا ما تراه.
كان الأمر مختلفًا تمامًا مع هاري سارمان نفسه. لم يكن لديه واجبات خاصة ليؤديها ويبدو أن لا أحد يريده. إذا دخل المطبخ أمره الخدم المشغولون بالابتعاد عن طريقهم؛ ولم يعد يلقى حفاوة من صاحب المنزل أو ضيوفه حتى أن التاجر نسيه تماماً، فصار يشعر بالوحدة والبؤس الشديد. كان يفكر في أولا مقدار استمتاعه بأصناف الطعام اللذيذ الذي سيحصل عليه بعد الزفاف، لكنه بدأ الآن بالتذمر:
- "ها أنا أتضور جوعاً وسط هذه الوفرة. هذا هو حالي. علي أن أفعل شيئا لتغيير هذا الوضع البائس."
طوال فترة الاستعدادات لحفل الزفاف لم تقترب فيديا من زوجها أبدًا، فكان يستلقي مستيقظًا لساعات طوال وهو يفكر:
- "ما الذي يمكنني فعله لأجعل السيد يرسل في طلبي؟"
وفجأة خطرت له فكرة:
- "سأسرق شيئًا ذا قيمة وأخفيه في مكان بعيد. وعندما يستجوب الجميع عن سر اختفائه سيتذكر التاجر الرجل الذي يمكنه الكشف عن الأسرار. والآن ما الذي يمكنني سرقته وأنا متأكد من أنهم سيفتقدونه بشدة؟ عرفت، عرفت!"
ونهض من الفراش وارتدى ملابسه على عجل وتسلل إلى خارج المنزل.
هذا ما قرر هاري سارمان فعله: كان التاجر يمتلك عددا كبيرا من الخيول الرائعة الجمال التي تعيش في إسطبل فسيح تلقى فيه أكبر قدر من الرعاية. وكان من بينها فرس عربية صغيرة جميلة هي الأثيرة لدى العروس التي كثيرا ما تذهب لتربت عليها وتطعمها السكر. قال الرجل الخبيث لنفسه:
- "سأسرق تلك الفرس وأخفيها بعيدًا في الغابة. وعندما يبحث الجميع عنها دون طائل سيتذكر السيد الرجل الذي يمكنه الكشف عن الأسرار ويرسل في طلبي. آه! آه! يا لي من ذكي! آه، أعلم أن العريسين والسائسين منهمكين في الوليمة، فقد رأيتهم بنفسي عندما حاولت أن أكلم زوجتي. يمكنني التسلق عبر النافذة التي تُترك مفتوحة على الدوام."
واتضح أنه كان على حق؛ لم يلتق بأحد في طريقه إلى الإسطبلات التي كانت مهجورة تمامًا. دخل بسهولة وفتح الباب من الداخل وأخرج الفرس الصغيرة التي لم تبد أدنى مقاومة ولم تشعر بأي خوف لطول اعتيادها على المعاملة اللطيفة. وساق المخلوقة الجميلة بعيدًا إلى أعماق الغابة وربطها هناك وعاد بأمان إلى غرفته دون أن يراه أحد.
في الصباح الباكر لليوم التالي ذهبت ابنة التاجر برفقة صويحباتها لرؤية فرسها الصغيرة حاملات كمية إضافية من السكر. ويا لشقائها حين وجدت مكانها فارغًا! خمنت على الفور أن لصًا قد دخل أثناء الليل، وسارعت إلى المنزل لتخبر والدها الذي اتقد غضبا من السائسين الذين تركوا اماكنهم وأعلن أنه سيجلدهم جميعًا بسبب غلطتهم هذه. لكنه قال إن أول شيء يجب فعله هو استعادة الفرس. وأمر بإرسال الرسل في كل اتجاه، واعدًا بمكافأة كبيرة لمن يأتيه بأخبار الفرس.
سمعت فيديا بالطبع بكل ما ثار من لغط، واشتبهت في الحال بأن هاري سارمان يمكن أن تكون له علاقة بالموضوع فقالت لنفسها:
- "أظن أنه قد أخفى الفرس ويريد الحصول على مكافأة العثور عليها."
ثم طلبت رؤية رب البيت، وعندما أذن لها قالت له:
- "لماذا لا ترسل لزوجي، الرجل القادر على كشف الأسرار الذي يتمتع بموهبة عظيمة في رؤية ما يخفى عن الآخرين؟ لقد فاجأني مرارًا بقدراته."
طلب منها التاجر أن تحضر زوجها على الفور. لكن هاري سارمان رفض، لدهشتها، الذهاب معها وقال بغضب:
- "يمكنك أن تقولي للسيد ما يحلو لك. لقد نسيتموني تمامًا بالأمس؛ وتريدونني الآن أن أساعدكم بعد أن تذكرتم وجودي فجأة. لن أكون طوع بنانك أو رهن إشارتك أو إشارة أي شخص آخر."
ناشدته فيديا أن يستمع إلى صوت العقل، لكن دون جدوى، فاضطرت إلى إخبار التاجر برفض زوجها المجيء، لكن السيد، بدلاً من أن يغضب، فاجأها بقوله:
- "زوجك على حق. لقد عاملته معاملة سيئة. اذهبي وقولي له إنني أعتذر، وسأكافئه مكافأة حسنة إذا جاء وساعدني."
عادت فيديا لزوجها مرة أخرى وكانت هذه المرة أكثر نجاحًا. لكن هاري سارمان، على الرغم من موافقته على الذهاب معها، ظل عابسًا متجهما ولم يجب على أي من أسئلتها. لم تستطع فهمه، وتمنت لو أنها لم تتركه وحيدا كل هذه الفترة. ثم إنه تصرف بغرابة عندما سأله السيد الذي استقبله بلطف شديد إن كان بمقدوره أن يخبره بمكان الفرس وقال له:
- "أعرف أنك رجل حكيم وذكي."
فتذمر هاري سارمان وأجاب:
- "لم يكن الأمر هكذا بالأمس. ساعتها لم يلحظني أحد منكم، لكنك الآن تكتشف فجأة أنني حكيم وذكي لأنك تريد مني شيئًا. ألستُ نفس الشخص الذي كنت عليه بالأمس؟"
فقال التاجر:
- "أعرف، أعرف، وأعتذر عن إهمالي؛ لكن عندما تتزوج ابنة رجل، فلا عجب أن يُهمل أحد ما."
أدرك هاري سارمان أن الوقت قد حان لاتخاذ نغمة مختلفة، لذا وضع يده في جيبه، وأخرج خريطة كان قد أعدها أثناء انتظار الإرسال في طلبه -لأنه كان على يقين من أن هذا سيحدث- ثم نشرها أمام التاجر وأشار إلى بقعة مظلمة وسط العديد من الخطوط التي تتقاطع بطريقة محيرة أوضح أنها مسارات عبر الغابة وقال:
- "تحت الشجرة، حيث توجد تلك البقعة السوداء، ستجد الفرس."
فرح التاجر بالبشارة وأرسل على الفور خادمًا مؤتمنًا لمعرفة الحقيقة؛ وعندما أعيدت الفرس انتقل الرجل الذي تسبب بإعادتها إلى حال لم ير أفضل منها في حياته، فعومل في احتفالات الزفاف كضيف شرف، ولم يعد بحاجة إلى الشكوى من قلة الطعام. اعتقدت زوجته بالطبع أنه سوف يغفر لها إهمالها له. لكن لم يحصل شيء من هذا، فقد ظل على تجهمه معها ولم يمكنها التأكد من حقيقة ما جرى مع الفرس.
وسارت أمور هاري سارما سيرا حسنا إلى أن حدث شيء أوقعه في مأزق كبير: لقد اختفت كمية من الذهب والعديد من المجوهرات الثمينة من قصر ملك البلاد. وعندما تعذر اكتشاف اللص، أخبر أحدهم الملك بقصة الفرس المسروقة وكيف وجدها رجل يُدعى هاري سارمان يعيش في منزل تاجر ثري في كبرى مدن البلاد بعد أن فشل الجميع في العثور عليها.
أمر الملك بإحضار الرجل على الفور، وسرعان ما مثل هاري سارمان أمامه فقال الملك:
- "سمعت أنك حكيم للغاية وقادر على كشف كل الأسرار. أخبرني الآن على الفور من سرق الذهب والمجوهرات وأين يمكن العثور عليها؟"
لم يعرف المسكين هاري سارمان ماذا يقول أو يفعل، فأجاب بصوت متردد :
- "أعطني مهلة حتى الغد. أريد القليل من الوقت للتفكير."
أجاب الملك:
- "لن أعطيك ساعة واحدة. (وأضاف وقد بدأ الشك يراوده بأن الرجل الذي أمامه مجرد شخص مخادع بسبب ما اعتراه من خوف شديد) إذا لم تخبرني على الفور بمكان الذهب والمجوهرات فسوف آمرُ بجلدك حتى تتكلم."
عند سماع ذلك رأى هاري سارمان، رغم خوفه العارم، بأن فرصته الوحيدة لكسب الوقت هي تلفيق قصة ما لإقناع الملك فانتصب قائما وقال:
- "إن أكثر السحرة حكمة يحتاجون إلى استعمال بعض الوسائل لمعرفة الحقيقة. امنحني أربع وعشرين ساعة وسأسمي لك اللصوص."
فقال الملك:
- "لست ساحرًا في شيء إذا لم تتمكن من اكتشاف أمر بسيط كهذا الذي أطلبه منك."
ثم التفت إلى الحراس وأمرهم بإلقائه في السجن وحبسه دون طعام أو شراب حتى يستعيد رشده. جرجروا الرجل إلى الخارج، وسرعان ما وجد نفسه وحيدًا في غرفة مظلمة وقاتمة لم يرَ أملًا في الهروب منها.
سيطر عليه اليأس وأخذ يروح ويجيء في زنزانته وهو يحاول عبثًا التفكير في طريقة ما للهروب، ثم قال لنفسه:
- "سأموت هنا جوعا ما لم تجد زوجتي وسيلة لتحريري. تمنيت لو أنني عاملتها بشكل أفضل بدلاً من أن أعبس في وجهها."
اختبر قضبان النافذة، لكنها كانت قوية جدًا ولا أمل بتحريكها. ثم ضرب الباب، لكن أحدا لم يعره اهتماما.
وعندما حل الظلام بدأ يتحدث إلى نفسه بصوت عالٍ فقال:
- "يا إلهي. تمنيت لو أنني قضمت لساني قبل أن أقدم على تلك الكذبة عن الفرس. لساني الأحمق هو الذي أوصلني إلى هذه المشكلة. آه يا لسان، يا لسان! كل هذا بسببك."
حدث الآن شيء غريب جدا. كان الرجل الذي سرق المال والمجوهرات، قد فعل ذلك بمعونة خادمة شابة دلته على مكانها. كان اسمها جيهفا، وهي كلمة سنسكريتية تعني اللسان. اعترى تلك الفتاة خوف شديد عندما سمعت أن كاشف الأسرار قد مثل أمام الملك.
- "سيخبره بدوري في الأمر (فكرت مع نفسها) وسأقع في مشكلة."
وحدث أن الحارس الموكل بباب السجن كان مغرمًا بها، شأنه شأن اللص الذي سرق المال و الجواهر. لذلك تسللت جيهفا من القصر بعد أن لفه الهدوء، وخرجت لترى إن كان بوسعها أقناع الحارس بالسماح لها برؤية السجين. وفكرت:
- "إذا وعدته بأن أعطيه جزءًا من المال، فسوف يتعهد بألا يفضحني."
فرح الحارس كثيرا عندما جاءت جيهفا للتحدث معه، وسمح لها بالإنصات من خلال ثقب المفتاح لما كان يقوله هاري سارمان. وتخيل دهشتها عندما سمعته يردد اسمها مرارا وتكرارا. لقد كان يصرخ:
- "جيهفا! جيهفا! أنت سبب هذه المعاناة. لماذا تصرفت بهذه الطريقة الحمقاء من أجل متاع الحياة؟ أنت شرير، شرير!"
- "أوه أوه! (صاحت جيهفا وقد تملكها الفزع) إنه يعرف الحقيقة؛ إنه يعلم أنني ساعدت اللص."
وطلبت من الحارس السماح لها بالدخول إلى الزنزانة حتى تتوسل إلى هاري سارمان بأن لا يخبر الملك بما فعلت. تردد الرجل في البداية ، لكنها أقنعته في النهاية بالموافقة نظير وعده بمكافأة سخية.
عندما صرّ المفتاح في القفل توقف هاري سارمان عن الحديث بصوت عالٍ، متسائلاً عما إذا كان الحارس قد سمع ما قاله. وكان يأمل في أن تكون زوجته قد حصلت على إذن للمجيء لرؤيته. لذا صاح عندما فتح الباب ورأى امرأة تدخل على ضوء فانوس يحمله الحارس:
- "فيديا حبيبتي!"
لكنه سرعان ما أدرك أنها امرأة غريبة، وتفاجأ وغمره الارتياح عندما ألقت جيهفا بنفسها فجأة عند قدميه وأمسكت بركبتيه وشرعت تبكي وتتأوه:
- "أوه ، أيها الرجل الأقدس (صرخت من خلال بكائها) يا من يعرف أسرار القلوب، لقد جئتك لأعترف بأنني، أنا خادمتك المتواضعة جيهفا، قد ساعدت اللص على سرقة الذهب والمجوهرات وإخفائها تحت شجرة الرمان الكبيرة خلف القصر."
- "انهضي (أجاب هاري سارمان وهو يشعر بسعادة غامرة لسماع ذلك) أنتِ لم تخبريني بشيء لم أكن أعرفه، إذ لا سر يخفى علي. ما المكافأة التي ستعطيني إياها إذا خلصتك من غضب الملك؟"
- "سأعطيك كل ما أملكه من مال، وهو ليس بالقليل."
- "وهذا أيضا كنت أعرفه، فأنتِ تحصلين على أجر جيد، كما تمدين يدك في كثير من الأحيان إلى أموالٍ ليست لك. اذهبي الآن واحضريها كلها، ولا تخشي من فضحي لك."
أسرعت جيهفا لإحضار المال دون أن تنتظر للحظة واحدة، لكن عندما عادت به لم يسمح لها الحارس الذي سمع كل ما دار بينها وبين هاري سارمان بدخول الزنزانة ثانية ما لم تعطه عشر قطع ذهبية. كانت جيهفا تخشى أن يغضب هاري أذا خسر شيئاً من المال، اعتقادًا منها بأنه يعرف مقدار المال الذي تملكه بالضبط، وسارعت مرة أخرى إلى كشف الحقيقة التي ربما لم يكن ليخمنها، فقالت له على الفور:
- "لقد أحضرت كل ما لدي، لكن الرجل الذي على الباب أخذ عشر قطع."
أثار هذا غضب هاري سارمان الشديد، فأخبرها أنه سيُعلم الملك بما فعلته، إلا إذا جلبت اللص الذي سرق المال والجواهر. فقالت جيهفا:
- "لا أستطيع أن أفعل ذلك، لأنه بعيد جدًا. يعيش مع شقيقه إندرا داتا في الغابة وراء النهر، أكثر من مسافة يوم واحد من هنا."
- "لقد أردت تجربتك فحسب (قال وقد بات يعرف من هو اللص) فأنا أستطيع رؤيته حيث هو في هذه اللحظة. اذهبي الآن إلى المنزل وانتظري هناك حتى أرسل في طلبك."
لكن جيهفا التي كانت تحب اللص ولا تريد له أن يعاقب، رفضت الذهاب إلى أن وعدها هاري سارمان بأنه لن يخبر الملك باسمه أو محل سكنه، فأكدت له:
- "أفضل أن أتحمل كل العقوبة بدلاً من أن يقاسي العذاب."
تأثر هاري سارمان بما قالت، وخوفًا من أن يعثر عليها رسل الملك إن هي أطالت البقاء، فقد وعدها بعدم إلحاق أي ضرر بها أو بالسارق، وسمح لها بالانصراف.
بعد قليل جاء الرسل وأخذوه ليمثل من جديد أمام الملك الذي استقبله ببرود شديد وبدأ على الفور في تهديده بعقوبة رهيبة إن لم يخبره باسم اللص ومكان الذهب والمجوهرات. تظاهر هاري سارمان بأنه غير راغب في الكلام. لكن عندما رأى أن الملك لن يتحمل المزيد من التأخير قال له:
- "سأقودك إلى المكان الذي دفن فيه الكنز، لكنني لن أفشي اسم اللص، رغم علمي به."
لم يتأخر الملك للحظة واحدة، أذ لم يهتم كثيرًا بمن يكون ذلك اللص طالما استعاد ماله، بل أمر حاشيته بحمل مساحيهم والذهاب معه. وسرعان ما قادهم هاري سارمان إلى شجرة الرمان. حيث وجدوا كل المسروقات تحت الأرض.
لم يمر هاري سارمان يوما بحال أفضل أحسن مما هو عليه الآن: فقد سر به الملك كثيرا، وأغدق عليه الأموال والأوسمة. لكن بعض حكماء البلاط اشتبهوا بأنه مجرد مخادع، وشرعوا في محاولة اكتشاف كل ما في وسعهم بشأنه. فأرسلوا في طلب حارس السجن وأمطروه بالأسئلة، لكنه لم يجرؤ على قول الحقيقة لأنه يعلم بأنه سيعاقب بشدة لأنه سمح لجيهفا برؤية سجينه؛ بيد أنه تردد كثيرا لدرجة أن الحكماء أدركوا أنه لا يقول الحقيقة. توجه أحدهم، واسمه ديفا جنانين، إلى الملك الذي كان يحبه ويثق به كثيرًا وقال له:
- "لا أحب أن أرى هذا الرجل الذي لا نعرف عنه شيئًا يعامَل بهذه الطريقة. لقد اكتشف بسهولة مكان إخفاء الكنز دون أن يتمتع بأية قوة خاصة. اتمنى أن تختبره بطريقة أخرى في وجودي وحضور كبار مستشاريك؟"
وافق الملك على ذلك لأنه دائم الاستعداد للاستماع إلى صوت العقل. وبعد مشاورات طويلة مع ديفا جنانين قرر اختباره بلغز ذكي للغاية؛ فقد وُضِع ضفدع حي في جرة وأغلق غطاؤها بإحكام ثم أُحضر الرجل الذي يدعي معرفة كل شيء إلى صالة الاستقبال الكبيرة حيث اجتمع جميع حكماء البلاط حول العرش الذي جلس عليه العاهل في ثيابه الملكية. اختير ديفا جنانين من قبل سيده للتحدث نيابة عنه، فتقدم، وأشار إلى الجرة الصغيرة على الأرض وقال:
- "عظيم أنت مثل الأوسمة التي منحت لك، لكنك تستحق زيادتها إذا استطعت أن تخبرنا فورا بما موجود في هذا الجرة."
فكر هاري سارمان وهو ينظر إلى اليها:
- "وا أسفاه، لقد انتهى أمري! لا يمكنني أبدًا أن أعرف ما بداخلها. ليتني غادرت هذه المدينة بالمال الذي حصلت عليه من جيهفا قبل أن يتأخر الوقت!"
ثم بدأ يغمغم مع نفسه كما يفعل عندما يكون في ورطة. كان والده قد اعتاد أن يناديه وهو صغير بالضفدع، وها هي أفكاره تعود الآن إلى الوقت الذي كان فيه طفلًا بريئًا سعيدًا فقال بصوت عالٍ:
- "أه أيها الضفدع، ماذا دهاك؟ سيكون موتك في هذه الجرة!"
دُهش الجميع لسماع ذلك بما فيهم ديفا جنانين وكل الحكماء الآخرين. وسر الملك كثيرا عندما وجد أنه لم يجانب الصواب. وانتاب الحماس من سُمح لهم بحضور الاختبار فصاح الملك فرحًا ودعا هاري سارمان ليتقدم بين يدي العرش، وأخبره أنه لن يشك به أبدًا مرة أخرى:
- "يجب أن تحظى بالمزيد من المال وبمنزل جميل في الريف علاوة على الذي تملكه في المدينة، ويجب إحضار أطفالك من المزرعة ليعيشوا معك ومع والدتهم التي تستحق أن ترتدي أجمل الفساتين والحلي."
لم يفاجأ أحد أكثر من هاري سارمان نفسه، لكنه خمن أن هناك ضفدع في الجرة. وعندما أنهى الملك حديثه قال له:
- "شيء واحد أسأله بالإضافة إلى كل ما أعطي لي، دعني أحتفظ بالجرة من أجل ذكرى هذا اليوم الذي برهنت فيه مجددا على حقيقتي مرة أخرى دون مراء."
وقُبل طلبه بالطبع، فخرج والجرة تحت ذراعه وقد غمرته البهجة لنجاته بصعوبة. لكنه صار يخشى المستقبل. لقد كان يعلم جيدًا أنه كان محظوظًا لأنه استخدم كلمة جيهفا في محنته الأولى وكلمة ضفدع في الثانية. لكن ليس من المحتمل أن ينجو في المرة الثالثة فقرر أن يتسلل هاربا في أقرب ليلة مظلمة، بكل ما يستطيع حمله من الأموال والجواهر، وأن لا يظهر مجددا في المكان الذي حدثت فيه مثل هذه المغامرات الغريبة.
لم يخبر أحدا، حتى زوجته، بما ينويه، لكنه تظاهر بأنه قد غفر لها تمامًا الطريقة التي أهملتها به حين كان فقيرًا، وبأن سيكون سعيدًا بإعادة أطفالهم إليهم. وقبل أن يأتوا من المزرعة كان والدهم قد اختفى، ولم يعرف أحد ماذا حل به؛ لكن الملك سمح لعائلته أن تحتفظ بما وهبه له، وظل حتى النهاية يعتقد أنه كان حقا كما أدعى. صحيح أن ديفا جنانين ظلت تساوره الشكوك، لكنه احتفظ بها لنفسه لأنه كان يقول:
- "الآن وقد ذهب الرجل إلى حال سبيله، لا يهم أبدا من كان أو ما كان."



#ماجد_الحيدر (هاشتاغ)       Majid_Alhydar#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القِدر المكسور - حكاية من الهند
- حكايات عالمية - الأفيال والفئران -حكاية من الهند
- حكايات عالمية - لماذا تتدلى آذان الكلاب
- حكايات عالمية - كيف جاء الصيف
- حكايات عالمية - عروس الجن
- حكايات عالمية - الحصان الأزرق - من حكايات الهنود الأمريكيين
- حكايات عالمية - الأميرة ذات التنّورات العشرين - حكاية من هول ...
- حكايات عالمية - أسطورة الحذاء الخشبي -هولندا
- حكايات عالمية - ملكة البقدونس - اليابان
- حكايات عالمية - كيف أُغريت إلهة الشمس بالخروج من كهفها - الي ...
- حكايات عالمية - الاستبصار
- حكايات عالمية - أسطورة الخلق اليابانية
- حكايات عالمية-لماذا لعن طائر السمان-البرتغال
- حكايات عالمية-الحلزونة والجاموس-الفلبين
- حكايات عالمية-الرجل الغابر-الصين
- حكايات عالمية-ليلة في ساحة معركة-الصين
- أسطورة نشوء كوريا ووالدها الأمير خشب الصندل
- الأخوة الثلاثة-حكاية من صربيا
- حكايات عالمية-البنت الصغيرة الحكيمة-البرتغال
- حكايات عالمية-الاسكافي-إيطاليا


المزيد.....




- -ميتا- تعتذر عن ترجمة آلية خاطئة أعلنت وفاة مسؤول هندي
- في قرار مفاجئ.. وزارة الزراعة الأمريكية تفصل 70 باحثًا أجنبي ...
- -بعد 28 عاما-.. عودة سينمائية مختلفة إلى عالم الزومبي
- لنظام الخمس سنوات والثلاث سنوات .. أعرف الآن تنسيق الدبلومات ...
- قصص -جبل الجليد- تناقش الهوية والاغتراب في مواجهة الخسارات
- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد الحيدر - حكايات عالمية - اللص الذكي