أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - إعدام المهدي المنتظر














المزيد.....

إعدام المهدي المنتظر


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1814 - 2007 / 2 / 2 - 11:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حين كانت الرصاصات تطلق، من كل حدب وصوب، كوابل أعمى على أبي قمر اليماني، المهدي المنتظر العراقي وجماعته، في معركة النجف العنيفة الاثنين الماضي، كانت تـُطلق بالفعل على ثقافة بكامل رمزيتها المزرية ومعها رزمة من الأساطير والأوهام، وليس على مجرد مجموعة مهووسة من الأفراد المتعوسين الأشقياء. ألم نقل سابقاً إنهم يأكلون الأصنام، أصنامهم التي يصنعونها بأيديهم؟ لم يكن أبو قمر اليماني، أو كاظم عبد الزهرة، سوى أي اسم آخر للطوابير الجرارة التي لا تنتهي من مخلفات آلة الضخ العقائدي الهائلة، التي تقدم قرابين جديدة كل يوم على مذبح العقل، مسلحة بموروثها الإيديولوجي المقدس الذي لا يسمح أبداً بإعادة مراجعته وتقييمه أو حتى الاقتراب منه إلا وفق الطقوس المعتادة من التسليم والخضوع المطلق والابتهال. أبو قمر اليماني الذي ادعى بأنه المهدي المنتظر، كان، وقبل أي شيء آخر، نتاجاً أنموذجياً بامتياز، وهو بالآن ذاته، ضحية لثقافة الغيب التي تسوق الأوهام، والرؤى المستحيلة، والخرافات، والخيالات. إنها النماذج الحية الحاضرة والماثلة لتعطيل العقل وتغييبه، في أسمى تجلياتها الحسية والآدمية المنظورة.

أياً تكن الأسباب والدوافع والذرائع لهذا المشهد الدموي العنيف، بتأويلاته الغيبة المفرطة، فنحن أمام حالة واضحة من انعدام الوزن العقلي والخلخلة الاجتماعية والفكرية الخطيرة التي أصبحت ورماً فكرياً مستفحلاً من الصعوبة بمكان استئصاله، أو وضع حد له، وله في كل يوم مفاعيل جديدة، وتطورات مختلفة تحدث بشكل أو بآخر لتأتي على ما تبقى من حلم وردي آفل بمجتمعات متحررة من سطوة كوابيس الغيب الطاغية. ولن يكون من العجب أو الدهشة البتة أن يتقمص الرعاع والغوغاء أية أيقونات أسطورية أخرى في عملية التعويض الكبرى بعد الانهيارات المجتمعية الشاملة على الصعد القيمية والمعرفية والأخلاقية المختلفة.

إنهم يقتلون أصنامهم التي صنعوها بأيديهم، لا لشيء إلا ليصنعوا غيرها، وينتظروا أن تصبح رؤوسها يانعة ليقطفوها وهم يمسحون الدماء ببرودة عن حد السيف، أو وهم ينفخون البارود الصاعد من فوهات بنادقهم، ويغيبون وراء الغمام الذي تخلفه أحذية عساكرهم. ماذا كانت تنتظر هذه المجتمعات أن يخرج من بين ظهرانيها سوى الزرقاوي، وبن لادن، وأبي درع، وأبي قمر اليماني، و"الشهيد" المؤمن صدام، وخلفهم طوابير جرارة ممن أجريت لهم عمليات غسل ناجحة للدماغ، وهي العمليات الوحيدة التي تكلل بالنجاح، والحمد لله. هل كان أحد من السذج يتوقع أن يخرج من بين هذه المجتمعات المروّضة والمدجـّنة غاليلو آخر، أوديكارت ثان، أوحتى نيوتن جديد يطرحون تساؤلات العقل الكبرى، ويعيدون تركيبه من جديد حين يضعون علامات الاستفهام المتعددة بكل شجاعة حول كثير من المسلمات، والبدهيات، والمحرمات؟ أم أن تستمر آلة الضخ والحشو الأجوف تتكفل كل لحظة بتخريج مهدي منتظر هنا، أو مدع للنبوة هناك، ومن الذي سيقرر من هو أو لا هو المهدي المنتظر؟

قرأت هذا الصباح قصة مرعبة، حدثت في أحد محميات العقل القاحلة والغيب المطلق، عن طفل صار لديه فوبيا حين الدخول إلى الحمام ما لم ترافقه والدته أو والده، لأن مدرّسته النبيهة قد زرعت في عقله المسكين الصغير، بأن الشيطان سيكون في انتظاره هناك ما لم يردد دعاء دخول الحمام، وصارت الهلوسات تنتابه كلما فكر بالذهاب لقضاء حاجته، ولا بد بأنه، وكنتيجة لذلك، قد أضحى في حالة من التشوه هو بحاجة لعلاج نفسي وإعادة تأهيل بسبب تلك الخرابيط والخزعبلات التي تشرعها هذه المجتمعات وتحيطها بهالة من التقديس والورع والإيمان. كما قرأت في مكان آخر عن شيخ ضرب طفلاً حتى الموت لإخراج الجن والعفاريت من جسده النحيل الصغير التي أدخلتها ثقافة الخرافة والأوهام بالجملة إلى نفسه وعقله، وعشعشت في كيانه الغض الطري.

لا تظلموه فقد مات المهدي المنتظر وهو يعتقد فعلاً بأنه المهدي المنتظر، كما أصبح ذاك الطفل يرى الشياطين تماماً، في كل مرة يدخل فيها إلى الحمام ولن تستطيع قوة في العالم كله أن تنزع من عقله تلك الصورة المريضة الشوهاء. بقي هذا، ومات ذاك شر موتة وأفظعها مع مئات من أتباعه ومناصريه البؤساء، بسبب مجزرة العقل الجماعية السابقة التي تعرضوا لها قبل هذه المذبحة الدموية لا بالذات، لكن هذا الطفل، وسواه، ما زال يعيش بيننا ولا ندري من هو قادر على إخراج تلك الشياطين والجن والعفاريت من جسده وعقله، وأي مصيبة وداهية سيجلبها وسيكون عليها حين يكبر، وتكبر معه هذه الشياطين والعفاريت التي تسكته ليل نهار وتوجه سلوكه، وتحكم نظرته للعالم والأشياء. وقد يكون بموت هذا "المهيدي" قد أسدل الستار على واحدة من قصص الغيب الدمويةً، إلا أنه من غير المضمون أبداً ألا يطلع لنا مدع للألوهية، والنبوة، والمهدوية في أي مكان آخر، في هذه البيئات الرثة المغلقة التي لا تولد إلا الأشباح، ولا تؤمن إلا بالغيب، ولا تعشق إلا الخرافات والأساطير.

ألا يحق لنا أن نتساءل بعد كل هذا العبث واللامعقول والانفلات هل هؤلاء الأطفال، مع صاحبنا اليماني، ضحايا أم جناة؟ وما هو مصير تلك العقول الممسوخة التي تعيش في حالة من السبات، والموات، والغيبة والغيبوبة الكبرى، وتسكنها الأرواح والأباليس والشياطين والأشباح.

ولحين ظهور مهدي منظر آخر، من يخرج كل تلك العفاريت والجن والشياطين التي تعشعش في عقول، وأمخاخ الناس؟



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لا ينصرهم الله؟
- أين العرب؟
- سِجْنُ الحِجَابْ
- المواطن السوري أولاً
- إسرائيل البريئة!!!
- شهداء الطغيان
- إخوان مصر: تباشير النهايات السعيدة
- الحجّ الوزاري ودعاء دخول الوزارة
- لماذا يهلل المسلمون لفوز إليسون؟
- مآتم أم أعياد؟
- شَنْقُ رَئيس ٍعَرَبِيٍّ !!!
- خبر عاجل: وزارة الصحة السورية تعترض على محاكمة جنبلاط!!!
- اللّهم شماتة: انهيار المحاكم الإسلامية
- حكومة الظلّ الوهابية المصرية
- هل أصبحت إسرائيل ضرورة قومية؟
- الكاميرا الخفية
- أهلاً بكم في تلفزيون الحوار المتمدن
- انطلاقة لعصر إعلامي جديد
- الإنترنت السوري ومهمة الدعوة إلى الله
- سيدي الوزير: لا تعتذر !!!


المزيد.....




- ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم ...
- عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي ...
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات ...
- الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ ...
- بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م ...
- مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ ...
- الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - إعدام المهدي المنتظر