أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد ضحية - السودان: الثورة والثورة المضادة















المزيد.....



السودان: الثورة والثورة المضادة


أحمد ضحية
(Ahmed M.d. Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8397 - 2025 / 7 / 8 - 13:00
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"الأزّمة تكمن في أنّ القدّيم يحتضّر، والجدّيد لم يُولد بعد. وفي هذا الفرّاغ تظهر العدّيد من الأعرّاض المرّضية." —- أنطونيو غرامشي، "دفاتر السجن"

انتفض الشعب فثار عليه ماضيه:
في ديسمبر 2018، خرج السودانيون كما لم يخرجوا من قبل: لا حزبيين ولا طائفيين، بل شعباً كاملًا خرج يهتف للحرّية والسلام والعدّالة، ويطالب بدولة تُبنى على أنقاض الخرّاب الطويل. بدا وكأن التاريخ نفسه انحنى لهذا الجموح الإنساني، وكأن دماء الشهداء في ميدان الإعتصام أمام القيادّة العامة للجيش، ستُنبت وطناً جديداً من رّماد القهر. لكن ما لم يدرّكه الثّوار، في تلك اللحظة المفصلية الوهّاجة، أن أكثر أعدائهم عنفاً لم يكن العسكر ولا الإسلامويين وحدهم، بل ماضي السودان ذاته! — ذلك الماضي الذي أُعيد بعثه تحت اسم (الثّورة المضادّة). فما إن سقط رأس النظام (البشير)، حتى بدأت قوّى القِدّم تتسرّب إلى جسد المرّحلة الانتقالية في أثوابٍ جدّيدة، وشعارّاتٍ مموّهة، وتحالفاتٍ تُدار في الظل والخفاء!
عادت الطائفية خلف الستار، وتسلّل الإسلام السياسي إلى مفاصل الدّولة، وتقدّم الجيش، لا كحامٍ للثّورة، بل كورّيثٍ لها. وبهذا، انقلب المسّار من (ثّورة شعب) إلى (صفقة سُّلطة)، ومن (حُلم التغيّير) إلى (كابوس التبديد).
الثّورة المضادّة لم تكن حدثاً مفاجئاً، بل عملية بطيئة، منهجية، تتغذّى على ضعف المدنيين، وعلى هشّاشة البناء المؤسساتي، وعلى إرثٍ طويل من العنف البُنيوي والاستقطاب الإثني.
وفي النّهاية، تمكّنت من تقويض الانتقال، وقطعت الطرّيق على تأسيس الدولة المدنية، وأسلمت البلاد إلى حربٍ مفتوحة، بين مراكز القوّى القديمّة، التي لم تتصالح يوماً مع فكرّة (وطن يتسع للجميع). فمتى بدأت قصة الثورة المضادة؟

على ضّفاف الاستقلال: (الديمقرّاطية الأولىٰ):
في التارّيخ، كما في الرّواية، ليست البدايات دائماً بريئة. فحين رّفرف الحُلم بـ"استقلال السودان"، في سماء خمسينيات القرن الماضي، لم يكن ذلك إعلاناً عن "ولادّة وطن للجميع"، بل بدايةً متعثرّة لميلاد دولةٍ عرجاء، جُبلت منذ لحظتها الأولى، على الإقصاء ونفّي الآخر المختلف! وأُديرت بمنطق "استعمارّي دّاخلي"، وإن غاب المستعمِر.
عام 1953، كان بدء ما سُمّي بـ(السودنّة)، التي كانت أقرّب إلى امتحان مبكر (لفكرّة الوطن).. امتحانٌ سقطت فيه (النُخبة المركزّية)، من دون أن تُذّاكر أو تبذل أي مجهود يُذكر. أُعلن وقتها عن (استبدال) الإداريين البريطانيين بسودانيين، لكن معايير "الاستحقاق" لم تكن سوى "امتدادات للتراتبية الإثنية، التي خلّفها الاستعمّار" ورحل، فمن بين 800 وظيفة عُليا، لم يُمنح الجنوبيين سوى أربعة وظائف فقط [1] لم تكن الأرقام إلا انعكاساً لنيةٍ أعمق، نية أن يُبنى الوطن على مقاس (نُخب المركز)، وأن يُقصى "الآخر السوداني" من مشهّد الدّولة، قبل أن يُمنح الفرصة للكلام!
في تلك اللحظة، بدأت (الثّورة المضادّة) تتشكّل وتعمل بهدوء متقنّعة بالقانون، والمبرَّرات بذّرائع "الاستقرار الإداري" [2]. لكن ما كان في نظر الدولة ترتيباً إدارياً، كان في نظر الجنوب نزعاً للكرّامة، وإعلاناً بأن الاستقلال القادّم ليس له فيه نصيب! فاندلع تمّرد الفرقة الاستوائية في (توريت، أغسطس 1955).
لم يكن ذلك "انفجاراً إثنياً" كما زّعمت "نُخب الخرطوم"، بل صرّخة وّعي مبكّر ضد "مشروع أحادي للسلطة"، إذ لم يكن التمّرد فعل عنف بلا مبرر، بل احتجاجاً سياسياً على (ميلاد وطن)، لا يرى في (الجنوبيين مواطنين)، بل (موضوعات تعرّيب وأسلمة). وتم قمع التمّرد بعنف وقسوّة.
استخدم الجيش —الذي ورّث عقيدّة الحكم الاستعمّاري الإنجليزي/ المصّري— العنف المفرّط، ليصمت الجنوب، ويُفهم أن الحديث في السياسة لا يليق بـ"الجنوب البدائي".
ولأن (الثّورة المضادّة)، لا تكتفي بتقويض المقاومّة، بل تسعى أيضاً إلى "احتكار التعرّيف الكامل للوطن والوطنية"، فقد جاء انقلاب الفريق إبراهيم عبود في 17 نوفمبر 1958، تتويجاً لمسار (الثّورة المضادّة)، التي وُلدت من (رّحم السودّنة في 1953).
لم يكن انقلاب عبود مفاجئاً، فقد كانت البلاد تمشي نحو (العسكريتاريا) بخُطى وئيدّة، منذ أن قبلت "النُخبة المدّنية" بمنطق (الإقصاء)، وصمتت عن القمع المفرط لتمرد الجنوب، وتواطأت مع مركزية "النّهر والبحر"، كقدرٍ لا يُناقش!
حين جاء (عبود)، جاء بملامح الجُندية الثقيلة، وبلغة البندقية، التي لا تؤمن بالحوار. أُغلقت الحيّاة السياسية، جُمّدت الأحزاب، واستُبدل الوطن و الدولة بـ"مجلس قيادّة الثّورة"، وهو الاسم الحرّكي الأول لما سيصبح لاحقاً "دولة الأجهزة الأمنية".
وعاد الجنوب من جديد إلى (خانة العدو)، لا المواطن. أُغلقت المدارّس التبشيرّية، و(فُرضت العربية) لغةً للتعليم، وبدأت أولى حملات "أسلمة وتعريب الجنوب قسراً"، ليس كخيارٍ حُر، بل كمشروع محوٍ ثقافي وإداري. محو للهُوّية والتارّيخ والذّاكرة.
وهكذا، بدأت الدولة السودانية رّحلتها اللانهائية مع الانقلابات والانتفاضات الجماهيرية.
ووقتها في ظل سُّلطة منقلبة على الديمقرّاطية، ومذّعورة من التعدُّد، ومطمئنة إلى عنفها المشروع. رقدت حكومة عبود غريرّة العين في حضن أجهزتها الأمنية، متوسدةً إجاباتها السطحية على أسئلة التعدّد الديني والتنّوع الثقافي!
في الحالة السودانية، لم يكن العنف مشروعاً (لأنه قانوني)، بل لأنه (نتاج شرّعية مضادّة)، شرّعية السيطرّة على مجتمع، لم يُستشر في تأسيس دولته.
يقول (فرانز فانون) هنا، إن "النُخبة الوطنية التي ترّث الاستعمّار، غالباً ما تستبطن أدواته" [3] وهذا ما حدث حرفياً، إذ استُبدل المستعمِر بالضابط الوطنّي، لكن السوط لم يتغيّر. ظل هو السوط نفسه، ما يُحيل إلى (إدوارد سعيد) في حديثه عن "الخطاب الإمبراطوري" بوصفه طريقة لتصنيف الشعوب، داخل تصورّات الهيمّنة" [4]. هذا الخطاب نفسه تبناه (السودان).. الدولة الناشئة وقتها في نظرتها للجنوب، فقد كانت تراه غامضاً، بدائياً جاهلاً بحاجة للتمدّين، أي لا يستحق (الحكم الذّاتي)، ما لم يتم (تعريبه وأسلمته) أولاً فيتحضر!
في رواية بناء الدولة السودانية، لم تُكتب الفصول الأولى بالحبّر وحده، بل بالدّم والخدّيعة. ولم يكن الجنوب وحده ضحية تلك (الثّورة المضادّة)، بل كل أمل في دولة تتسع للجميع. وما الانقلابات المتتالية إلا أشكال مختلفة من السردية ذّاتها: كلما اقترب السودان من فرصة للتماسك، خرّجت الثّورة المضادّة من الظّل، لترفع رّايات الدّين والأخلاق و"الاستقرار"، وتقتل الديمقرّاطية في مهدّها.

بين المقصلة والمحرّاب: الديمقرّاطية الثانية
ليس في كل الأحوال تحتاج (الثّورات المضادّة) إلى استخدام السلاح، يكفيها أحياناً خطابٌ يدّعي الطهرانية، أو لحية تُغطي سكيناً، أو ضابط يُقسم على الوطن، فيما يسيل الزّبد من شدقيه، على يديه اللتين ترتجفان من حب السلطة!
في مساء خرّيفي من أكتوبر 1964، خرجت جموع الطلاب والمثقفين والعمال إلى الشوارّع، لا يحملون سوى وّعيهم بكرّامتهم، وحلمهم بدولة لا تقتل أبناءها في الجنوب، ولا تُكمم أفواههم في الشمال. كان ذلك الحدّث التارّيخي، رُغم هشاشته، لحظة صفاء نادرّة في التارّيخ السوداني، تم فيها اقتلاع الجنرال عبود، وفُتح الباب أمام ما بدا — آنذاك — ممكناً: (دولة مدّنية، ديمقرّاطية، تعدّدية). لكن كما في كل الروايات السودانية البائسة، ما إن يُطل الأمل، حتى تُسارع قوّى الظلام إلى خنقه. في دهاليز المساجد، وداخل صالونات الطائفية، وبين ردهات قيادّة الجيش، كانت (الثورة المضادة) تتربص وتقف بالمرصاد، لا لتستعيد السُّلطة فحسب، بل لتجهض الحُلم في مهده!
الحلم السوداني المجهض:
لم يكن أكتوبر 1964 مجرّد لحظة سياسية في عمر السودان، بل نشيداً جماعياً كتبه الشعب بدّمه ووّعيه، وألقاه في وجه الجنرال. سقط عبود، لكن لم يسقط ما زرعه في بُنية الدولة من رُعبٍ واستعلاء. كان الحُلم أكبر من القُدرّة على الاحتواء، وكانت لحظة الثّورة أقصر من إضعاف النظّام القدّيم ودفعه إلى التلاشي.
الجامعات ضجّت بالنقاش، الشوارّع امتلأت بخُطب المارّة، والجرائد تقاذفتها مشارّيع الوطن البديل. لكن في الدروب غير المطروقة، والزقاقات الضيقة، و الزوايا المعتمّة، كانت الطائفية تعيد ترتيب خُططها وخرائطها، وكان الإسلامويون يسنّون نصوص الدستور كما تُسنّ السكاكين، وكان الجيش – كعادته – يتلصص وعينه لا تغادر الباب.
في صالونات السادة، عادت لعبة الكراسي بلا حياء. هؤلاء الذين لم يشاركوا في المظاهرات يوم 21 أكتوبر، والذين لم تُصَب أعينهم بالغاز المسيل للدموع، هاهم عادوا يتحدثون عن "الوحدة الوطنية"، وعن "الشرّعية"، وعن "تقوى الدولة". كان كل شيء يُنذر بأن الثّورة لم تصل بعدُ إلى قلب الدولة، وأن ما سقط ليس سوى رأس من رؤوس الوحش القدّيم.
في الجنوب، لم يسمع أحد أصوات الخُطب المنمّقة، إذ كان يُعامل كما لو أنه (مرفق ملحق بالدولة)، لا جزء من كيانها. اللغة تُفرض، والدين يُفرض، والهُوّية تُصاغ كما يُصاغ البلاغ الرّسمي. في المدارّس، يُعلَّم الأطفال حروفاً لا يفهمونها، وآيات لا تُشرح لهم، وتهديداً مستتراً بأنهم ليسوا "سودانيين بما يكفي".
وفي قلب الخرطوم، ظهرت الحركة الإسلاموية. لا كسؤال فكري، بل كمشروع تسلّطي مستتر باسم الله. قالوا إنهم يريدون (دستوراً إسلامياً)، لكن ما أرادوه حقاً كان أن يُلبسوا الاستبداد جلباب النبوّة.
لم تكن مشكلتهم مع الديمقرّاطية بوصفها (شكلًا)، بل (بمضمونها)، فهي تساوي بين المرأة والرجل، المسلم وغير المسلم، وتساوي بين العربي وغير العربي، ولا يعنيها انك من الجنوب أو دارفور أو (النّهر والبحر)، فأنت في نظرها مواطن! وهذا كله كُفر بواح في عرفهم!
في المجالس البرلمانية، بات النقاش عن "التعدّد" يُتهم بـ"التواطؤ مع الاستعمار الثقافي"، وأصبحت كلمة "العلمانية" شتيمّة. كل صوت خرج على نهجهم سُمّي زنديقاً أو ماركسياً أو عميلًا. كانوا يبنون السجن في هيئة (نص ديني)، والمشنقة في هيئة دعاء.
الطائفية: الأبواب الخلفية للثّورة المضادّة:
لم تكن الطائفية في السودان مجرّد ولاء دّيني، بل (رأسمال سياسي مزّمن)، امتلك الأرض والدين والاتباع/ الرّعايا، وتحكّم في مصير النّاس بـ"بركات السيّد" أكثر من صناديق الاقترّاع. وفي برلمانات ما بعد أكتوبر، انشغلت الطائفية لا ببناء الدولة، بل بإعادة اقتسام الغنيمة:
من يحكم؟
من يُعيّن؟
من يُقصى؟
من يُدجّن؟
كانت معرّكة الولاءات، لا البرامج. وكانت التحالفات تُبنى لا على أساس الوطن، بل على صدى النداء الطائفي. ورأى الشعب برلمانه يتحوّل بالمحاصصات، إلى (سوق نخاسة) يتاجر فيه الزّعماء الطائفيين بأصواته، ويتنافسون على تقويض الحكومة الديمقراطية، باسم الحفاظ على (بيضة الدين)، أو الأخلاق، أو "وحدّة الصف"، وكل ذلك تحت التربيزة نفسها، التي تحدّث عنها (حميدتي) بعد عقود طويلة، فتلك التربيزة هي شاهد العصر على مخازيهم!
الحركة الإسلاموية والدستور—
قناع الله في يد السُّلطويين:
في قلب هذا المشهّد، كما ذكرنا، برز مشروع ما سُمّي بـ"الدستور الإسلامي". بدأ الأمر في ظاهره محاولة لتنظيم الحيّاة العامة، لكن كان في باطنه أكثر خطورّة، إذ كان يعني أدلجة الدولة، و(ربط المواطنة بالإيمان)، و(الهُوّية بالإسلام السياسي). فقد رفع الإسلامويون شعار "الحكم بما أنزل الله"، لكنهم قصدوا به تصفية خصومهم السياسيين، وتحوّيل الدولة إلى (ذراع دعوّية).
استُخدمت (لجان الدستور) كمصيدة للمثقفين، وتحوّلت الخطب إلى سيوف رّمزية، تشكّك في من يطالب (بعلمانية)، أو يُدافع عن (التعدُّد)، أو يرفض (أسلمة الجنوب). كان الدستور الإسلامي، كما وصفه أحد المفكرين لاحقاً ، "مشروعاً أُريد به أن يُدفن حلم أكتوبر تحت عمامة مزيّفة." [5]
الجنوب من جديد—
التعرّيب بالقسر، والأسلمة بالعنف:
رُغم أن انتفاضة 21 أكتوبر 1964، التي أطاحت بعبود، كانت جزئياً احتجاجاً على الحرب في الجنوب، إلا أن السياسات التي تلتها لم تتغير. بل تضاعف العنف الرّمزي باسم "الوحدّة الثقافية". وفُرضت اللغة العربية كلغة رّسمية في الجنوب. وأُعيد فتح المدارّس التي أُغلِقت إبان حكم عبود، لكن بمناهج تُجبر الأطفال الجنوبيين على حفظ القرآن. وتمت عسكرّة الحيّاة المدنية في كل الولايات الجنوبية، بحجة مكافحة "التمرد". ولم يكنً كل ذلك سوى محاولة لإعادة استعمّار الجنوب، بأدوات رمزية وثقافية، فيما كانت في الوقت نفسه بنادق الطائفية، تُهيمن على الحيّاة اليومية في الأطراف.
الجيش: السيف الذي يذبح الديمقرّاطية في كل مرّة:
في الخلفية، ظل الجيش يراقب المشهّد من بعيد. لم يكن بعيداً عن الفوضى، بل كان ينتظرها. وحين تأكد له أن القوّى المدنية عاجزّة عن الاتفاق، وأن الشارع بات منهكاً من "فوضى الحرّية"، تحرّك في 25 مايو 1969.
خرج جعفر النميري، لا من فراغ، بل من رّحم ذلك التواطؤ الطويل بين الطائفية، والإسلام السياسي، ومؤسسة ترى نفسها حارّسة للوطن من الشعب نفسه! لم يكن الانقلاب انقضاضاً مفاجئاً، بل ذُّروة منطق (الثّورة المضادّة)، التي عملت طوال خمس سنوات على إنهاك الديمقرّاطية، حتى أصبحت كأنها عبء.
في الفترة بين أكتوبر 1964 ومايو 1969، لم تفشل الديمقراطية السودانية، بل أُجهضت عمداً. اختنقت بالحبر الطائفي، وخُنقت بعمامة تزعم الحدّيث باسم الله، وقُطعت شرايينها بسكين العسكر. كان ذلك الزّمن لحظة كان يمكن أن يبدأ فيها السودان حكاية أخرى، غير هذه الحكاية التي نحكيها الآن. لكن الحُرّاس القدّامى، أولئك الذين استعمروا البلاد برباطات عنق غردون باشا، أو ببنادق عبد الناصر، عادوا ليقولوا لشعبهم: "الحرية فوضى، والديمقرّاطية كُفر، والتعدُّد والتنوع خطر". فصدّقهم غمار النّاس، وسقط الوطن مرّة أخرى.
وكان الجيش لا يزال ينتظر بصبر الذئب، الذّي يعرف متى تنهار القافلة. الجنرالات لم ينسوا إهانة أكتوبر، ولم يبلعوا فكرّة أن يقود البلاد أناسٌ بلا بدلة عسكرية.
في الليالي التي تلت 21 أكتوبر، حين خرج طلاب جامعة الخرطوم يصرخون في وجه نظام عبود، وبدا أن الوطن — لأول مرّة — استمع إلى أبنائه. كتب محمد أحمد محجوب في مذكراته أن: "الشارع قد سبق الأحزاب، وأن الشعب الذي كان يُظنّه خاملًا، خرج كمن اكتشف صوته فجأة" [6] لكن سرعان ما اتضح أن الصوت وحده لا يكفي. فالدولة، كما وصفها (ماكس فيبر)، "تحتكر العنف الشرعي". لكن في حالة السودان، لم يكن هذا العنف أداة خارجية، بل هواء تتنفسه الطائفية، والمؤسسة العسكرية، وذئاب يرتدون عباءة الدين، يخفون تحتها فسادهم وشرورهم ونهمهم للسُّلطة.
وقتها كان الصادق المهدي، ذلك الشاب الذي بدا لبعضهم إصلاحياً، يُجهد نفسه في التوفيق بين الطائفة والدولة. وحين قيل له إن الجنوب يغلي، أجاب كما جاء في أحد خطاباته في البرلمان:
"لا بد من تعريب الجنوب.. وإلا أصبح وطناً داخل وطن". [7]
كان الصادق المهدي الشاب، يرى التعدد جريمّة، واللغة الأصلية عارٌ لا يُغتفر. أما حسن الترابي الشاب، الذي صعد فجأة في تلك السنوات، وشق طريقه عبر لجان الدستور، ليقنع الناس بأن الشريعة هي مفتاح النهضة، رغم أن الجنوب يحترق. في محاضر جلسات لجنة الدستور، قال بوضوح:
"إن تطبيق الشريعة ليس خياراً، بل فرضاً، والمواطنة تُفهم في ضوء العقيدّة". [8]
هكذا، وباسم الدين، رُسمت خطوط الإقصاء. في الجنوب، لم تُترجم هذه العبارّات سوى بالدّم. أُعيد فتح المعسكرات، وأُغلقت المدارس التي لا تدرس بالعربية، وتحت ستار الوحدة الوطنية، فُرض الأسلام بالعنف. وقتها كتب أحد قادة الجنوب (ويليام دينق) في رسالة إلى رئيس الوزراء:
"أنتم لا تريدون سلاماً، بل استسلاماً ثقافياً. ونحن لم نتمرّد إلا لأننا أردنا أن نكون سودانيون لا عبيداً لهويتكم". [9]
لكن الرسالة ضاعت، مثل كل شيء من الهامش. وفي البرلمان، كان الجدال لا يتوقف. النواب يتشاجرون على صياغات الدستور الإسلامي، فيما المصانع تُغلق، والجنيه يفقد قيمّته، والشارّع يلهث خلف الرّغيف. في تلك اللحظة، كان الجيش قد كف عن الانتظار، وأخذ يُعدّ العدة للاستيلاء على السُّلطة.
حين تنفّس السودانيون هواء الحرية لأول مرة منذ زمن بعيد، بدا أن البلاد تقف على حافة التحوّل التارّيخي: كان هناك وّعي يتشكّل، وكانت الأسئلة تُطرح في الفضاء العام بلا خوف. لكن ما لم يعرفه كثيرون، أن في الغرف المغلقة، وداخل المجالس العتيقة، كانت المؤامرة على التعدد والديمقراطية، تُكتب بحبرٍ طائفي كثيف.
الصادق المهدي، شاب وسيم ببريق إصلاحي، ظهر في البداية كأمل للبلاد، لكنه كان مشدوداً إلى جذور الأنصار البسطاء، الذين لم يخبرهم شخصياً عن التعدد والتنوع، إلا بوصفه تهديداً وجودياً للنهر والبحر! لم يكن الصادق ثورياً، بل راكم وعود التغيير، وهو يعيد إنتاج الامتيازات ذّاتها. وقف أمام البرلمان قائلًا:
"يجب أن نعيد صياغة الهُوّية الوطنية على أساس الإسلام والعروبة، فهي القيّم الجامعة لشعبنا." [10]
لكن من قال إن الجنوب جزء من هذا "الاجتماع؟". من قال إن النوبة والفور والفونج والانقسنا والبجا، وافقوا على أن الإسلام والعروبة هما "القدر؟"
وفي ذّات الوقت، كانت الطائفة الختمّية تهمس في أذن الدولة، مطالبة بنصيبها. لم تكن تهتم كثيراً بالجنوب، ولا بالديمقراطية كفكرّة، بل بالحفاظ على النفوذ وسط جهاز الدولة والإدارة.
فقد كان علي الميرغني، بشيبته الإقطاعية الرّصينة، يرسل مبعوثيه لعقد الاتفاقات داخل البرلمان، يضغط على النواب لتأجيل (قانون الحكم الذاتي للجنوب)، وينسّق مع الإسلاميين لتمرير مشروع (الدستور الإسلامي). لم يكن يريد "شريعة"، بل طوق نجاة لاقطاعي خائف من اضمحلال إقطاعياته ونفوذّه، أمام موجة الوّعي القادّم من الرّيف [11]
لكن رأس الحربة كان حسن الترابي. ذلك الشاب الذي قرأ الفقه كما تُقرأ الخطط العسكرية، وامتلك قدرّة خارّقة على قلب القيّم باسم الدّين. في لجنة الدستور التي انعقدت في 1968، دفع الترابي بكل قوته لتمرّير (الدستور الإسلامي)، الذي نصّ على أن (الإسلام دين الدولة)، وأن (السيادة لله)، (لا للشعب). وحين قال له نائب جنوبي:
"لكن هذا يُقصينا"،
أجابه الترابي بجفاف لاهوتي:
"من أراد المواطنة فعليه أن يقبل بشروطها." [12]
أي شروط الترّابي، لا شروط الوطن. ولم يكن هذا كلاماً نظرياً. فالحكومة نفسها — تحت ضغط الإسلامويين والطائفيين — أطلقت برامج الأسلمة والتعريب القسريين في الجنوب، كما ذكرنا. وأُرسلت حملات وعظية بتمويل من (الأزهر ودوائر سعودية)، تدعو "لإخراج الإخوّة الجنوبيين من ظلمات غاباتهم الاستوائية، وإدخالهم إلى نور إسلام النهر والبحر وصحراء الربع الخالي". هذا النور رآه أهل الجنوب ناراً. ففي إحدى جلسات البرلمان، وقف النائب الجنوبي (بنجامين لوكي)، قائلًا:
"نحن لا نطلب امتيازات، بل نحارب من أجل ألا يُعامل أبناؤنا كمواطنين من الدرجة الثانية. الدستور الإسلامي ليس سوى أداة لنفي وجودنا السياسي." [13]
لكن صوته، مثل أصوات كثيرّة غيره، ضاع في التصفيق الحادّ خلف مقاعد حزب الأمة وجبهة الميثاق الإسلامي. وفي ذات العام، كتب الترابي مقالًا في "الميثاق الإسلامي" يصف فيه العلمانيين بأنهم "أعداء لله"، وأن الديمقراطية لا تُقبل إلا في حدود الشريعة. قال:
"الحكم لله وحده، والناس وكلاء في تطبيق شرعه، وليسوا مخيرين في صنع قوانينهم." [14]
بهذه الفتوى الكارّثية كفتاوى عبد الحي يوسف، خُنقت الديمقرّاطية باسم الله. وبهذه اللغة، مهد الإسلامويون الطريق للجيش كي ينقض على الحكم، لأن السياسة حين تُجرَّد من التعدّد، لا يبقى فيها سوى الطغيان.
كل هذا كان يجري تحت سمع وبصر النخبة. لم يكن المدنيون أبرياء. كانوا يعلمون أن الجنوب يُقصى، وأن الجيش يتربص، وأن الجنيه ينهار، ومع ذلك، انشغلوا بالمحاصصات وتقسيم الحقائب، وصياغة الولاءات. وفي الخفاء، كانت القيادات الإسلاموية والطائفية، تُجري لقاءات سرّية مع ضباط في الجيش، على رأسهم الرائد جعفر محمد النميري، الذي أقسم أمامهم أنه سيحفظ الشريعة، ويحمي وحدة البلاد، ويمنع تمدد الشيوعيين.
جعفر النميري، ضابط المخابرات السابق، الذي قرأ خطب عبد الناصر أكثر مما قرأ كتب السياسة، جلس في غرفته يكتب البيان الأول. لم يكن الرجل شاعراً كياسر العطا، يجيد كتابة القصائد البليغة عن (عرق الكاكي)، لكنه كان يعرّف أن النّاس تعبوا من الأحزاب. ولذا جاء صوته في الخامس والعشرين من مايو حاسماً وقاسياً، ومحبباً في آن:
"لقد قررنا نحن القوات المسلحة، أن نتولى زمام الأمور" [15] وكأن البلاد كانت بلا زمام. خرج النميري من العتمّة. بصوته الجهوري، معلناً نهاية (فوضى الطائفية والاسلامويين). لكن الفوضى لم تكن في الشارع، بل في الدولة ذاتها. وكان في خطابه مثل سائر الانقلابات يعد بالعدل.
في تلك اللحظة، لم يسقط النظام الديمقرّاطي فقط، بل سقط الإيمان بإمكانية قيام دولة لا تلتهم أبناءها باسم الدين، أو الطائفة، أو النّهر والبحر. سقطت فكرّة التعايش، وتأكد أن ما بين (المقصلة) و(المحراب)، تسكن (الثّورة المضادّة)، تغيّر وجوهها، وتُجيد التمثيل، وتنتصر دائماً حين تَفتر قلوب النّاس، أو تُنهكهم المزايدات.
لم يكن انقلاب مايو مجرد عمل عسكري، بل ثمّرة حقيقية، لمشروع (الثورة المضادة)، الذي (صاغته النخبة تحت قبة البرلمان). وهكذا، حين أُعلنت "ثورة مايو"، صفق لها الترابي، وصفّق لها المهدي، وصفّق لها الختمية — كلٌّ بطريقته. وحين بدأ النميري بإقصاء الشيوعيين، ثم مهادنة الإسلاميين، ثم تقليم أظافر الجنوب، لم يحتج أحد. فقد صمت الجميع، لأن الثّورة التي أرادوها، لم تكن ضد القمع، بل ضد التعدد والتنوع.
انطفأت الشموع قبل الفجر: الديمقراطية الثالثة:
المشهد الأول: 6 أبريل، وّهم الفجر: خرج الناس بالملايين يهتفون للحرّية، وللوطن. ظنّوا أن ليل الفاشية قد انقضى بمجرّد سقوط جعفر نميري، الذي أُطيح به تحت ضغط الشارع في أبريل 1985. لم يكن أحد يتوقع أن الثّورة التي أعادت نبض الحيّاة في الفاشر والخرطوم والأبيض وجوبا ومدني وكسلا وبورتسودان وكوستي وسنار، ستُختطف مجدداً، لا على يد الجنرالات هذه المرّة، بل على يد رجال العمائم والمصالح الطائفية والإسلام السياسي.
تشكّلت الحكومة الانتقالية برئاسة المشير عبد الرحمن سوار الذهب، رجل الجيش الذي وعد بأنه لن يحكم، ثم حكم. لكنها لم تكن حكومة ثّورية، بل هدنة مع الماضي. وكان أول شبحٍ يتسلل إلى الميدان هو تحالف غير معلن بين حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي، والحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة محمد عثمان الميرغني، والجبهة الإسلامية القومية بقيادة حسن الترابي [16] الثلاثي الذي سيكتب لاحقًا أسوأ فصول التواطؤ.
الطائفية: الولاء أولًا، لا الوطن!
لم تنشأ الطائفية السياسية في السودان بعد 1985، لكنها في تلك اللحظة التارّيخية، بلغت ذروتها كأداة (ثّورة مضادّة). كانت الطائفة تمسك بالنّاس من رّقابهم، ليس باسم السياسة، بل باسم الدين والميرّاث والأسرّة. كان على المواطن أن يكون تابعاً، قبل أن يكون حُراً، وكان على الحُرّية أن تمر عبر باب السادة. حزب الأمة، عوض أن يعيد بناء الدولة بعد انتفاضة 6 أبريل، دخل في مساومات فئوية مع العسكر. دعم قوانين سبتمبر سيئة السمعة على استحياء، صمت عن تجاوزات الإسلامويين، ثم عاد يتحالف معهم في صفقات برلمانية، بينما كانت الحرب في الجنوب تزداد ضراوة، والاقتصاد ينهار [17]
أما الحزب الاتحادي، فقد تقافز بين المواقف بلا بوصلات. أراد "الوحدة مع مصر" دون رؤية، وصمت عن مشروع الأسلمة القسرية، مقابل مكاسب انتخابية [18] وكان الأفق الوطني كله يُساوَم عليه في دهاليز السادّة.
الجبهة الإسلاموية: المكر خلف الكواليس:
كانت الجبهة الإسلامية تُراكم مكاسبها. تحالفت، ناورت، اشترت الذمم، تغلغلت في الخدّمة المدّنية، والبنوك، والإعلام. تحوّلت إلى "دولة داخل الدولة"، واستبقت كل انتخابات بمشروع فوضى، وكل تحالف سياسي بأزمة مصنوعة.
كانت الثّورة بالنسبة للترّابي لحظة عبور لا أكثر. فمجتمع الغنيمّة لا يَصلح لبناء دولة، لكنه كافٍ لبناء سلطة. وحين جاء عام 1986، جرت الانتخابات في أجواء غير متكافئة! فالجنوب مشتعل والاقتصاد منهار، والإعلام مُحتكر والمال السياسي يبذل للانتهازيين والطفيليين دون حساب [19] ومع ذلك، لم يفز الإسلامويون بالحكم. فقرروا أن يسلكوا طريقاً آخر، كما قال الترابي لاحقاً:
"إذا لم نبلغ السلطة عبر الديمقراطية، فلنمنع غيرنا من بلوغها." [20]
المشهد الثاني: الخرطوم، خريف 1988:
اجتمع البرلمان. طُرح اتفاق الميرغني–قرنق للسلام. اتفاق نادر، واعد، كان من الممكن أن يوقف الحرب، ويطلق عملية تحوّل تارّيخي. لكن الجبهة الإسلاموية وحزب الأمة قررا أن هذا الاتفاق "خيانة للشريعة". نُظّمت المظاهرات، هوجم الاتفاق في المساجد، حُرق في بعض المناطق. وفي الكواليس، كانت الترتيبات تجري لانقلاب يُنهي هذا الحلم إلى الأبد.
خيانة الفجر:
في فجر 30 يونيو 1989، نفّذ الجيش بقيادة العميد عمر البشير، والمدعوم سراً من الجبهة الإسلاموية، انقلاباً أطفأ آخر شموع الانتفاضة. لم يكن انقلاباً على الديمقرّاطية فحسب، بل على إمكان أن يكون للسودان وجهٌ غير وجه الطائفية والقمع. حُلت الأحزاب، اعتُقل الوزراء، فُصل القضاة، أُغلقت الصحف، وانتُهكت كرامات النّاس، وأُعيد تأسيس جهاز الأمن على صورة الجبهة الاسلاموية. والأسوأ: أن كثيراً من الذين غضّوا الطرف عن الإسلامويين في البرلمان، هلّلوا للانقلاب صامتين، أو سكتوا كمن لا يريد أن يعترّف أنه شارك في الجريمّة.
الثورة المضادة: تفكيك البنية وإعادة إنتاج السُّلطوية
وبعد مرور ثلاث عقود، حين سقط رأس النظام الإسلاموي في الحادي عشر من أبريل عام 2019، بدا للمراقبين أن صفحة جديدة قد انفتحت في تارّيخ هذا البلد المثقل بالتنازع، وأن الشارّع السوداني الذي أنجز ثورته عبر "حراك شعبي سلمي واسع"، امتد لأشهر طويلة، قد قطع مع ماضي الاستبداد.
إلا أن الوقائع التي تكشفت خلال العامين التاليين، كشفت مرّة أخرى عن قوّة "الثورة المضادة"، لا بوصفها انقلاباً فجّاً فقط، بل كممارسة طويلة الأمد، متعددة الأدوات، ومركّبة، هدفت إلى تفرّيغ الثّورة من مضامينها، وإعادة هندسة المجال السياسي، لمصلحة القوّى التي أطاح بها الحراك الشعبي.
لقد مثّل المشهد الانتقالي في السودان، منذ لحظة سقوط البشير، ساحةً مفتوحة للصرّاع بين (قوّى التغيّير) و(قوّى النظّام القدّيم)، التي ارتدت لبوساً جديداً، تارةً عبر المؤسسة العسكرّية، وتارةً عبر تحالفات قوّى المصالح الإقليمية، ومرّات عديدّة عبر الخطاب المموّه، والإعلام، والقضاء، بل وحتى أدوات الحرّاك المدّني ذّاتها.
ومن هذا المنطلق، فإن تحليل هذه المرّحلة، لا يمكن أن يتم إلا عبر أدوات منهجية نقدية، تضع في الاعتبار ديناميات السلطة، والتكوّين التارّيخي للدولة السودانية، وتناقضات المشروع الوطني نفسه.
سنحاول هنا أن نقدم تفكيكاً مفصلًا لممارسات الثّورة المضادة بين عامي 2019 و 2021، مستخدمين في ذلك مقارّبات مستمدّة من دراسات الثورة، والتحليل ما بعد الاستعماري، لنناقش كيف أعادت النخبة العسكرية والسياسية إنتاج السُّلطوية عبر أدوات الدولة، وكيف سُيّج المجال العام ضد التغيير، وصولًا إلى لحظة انقلاب 25 أكتوبر 2021، التي مثلت التتويج الرّسمي لجهود الثّورة المضادّة.
جذور الثورة المضادة في الدولة السودانية: إرث ما بعد الاستعمار
إن فهم ممارسات الثورة المضادة في السياق السوداني يتطلب أولًا العودة إلى الطبيعة التكوينية للدولة نفسها. فالدولة السودانية، كما يشير عدد من الباحثين (عبد الله علي إبراهيم [21] الطيب زين العابدين [23] محمد محمود [22] وغيرهم، تأسست في سياق استعماري حافظت فيه النخب الوريثة، على بُنية استبدادية، احتكارّية، مركزية، ذات طابع عسكرّي بيروقراطي.
وقد جرى توظيف المؤسسة العسكرية والأمنية منذ الاستقلال، كأداة لضبط المجال السياسي والاجتماعي، لا كحامية للدستور أو الأمة. هذا الإرث ما بعد الاستعماري، كما يُحلله (طلال أسد)، هو الذي جعل من العسكر والبيروقراطيا القديمّة، شركاء طبيعيين في إعادة إنتاج السُّلطوية، حتى بعد سقوط النظام الظاهر [24]. فالسلطة هنا لا تُفهم فقط باعتبارها سيطرّة مباشرّة، بل باعتبارها نسقاً مؤسسياً وذهنياً وخطابياً، يعمل على إعادة إنتاج ذّاته.
التموضع العسكري في مشهد الثّورة: احتواء لا انتقال
منذ لحظة خلع البشير، بدت المؤسسة العسكرية حريصة على الظهور بمظهر الحامّي للثّورة. لكن هذا الظّهور كان في حقيقته إعادة تدوير للسُّلطة القديمّة. فالعسكر، وعلى رأسهم الفريق عبد الفتاح البرهان والفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لم يأتوا من خارج النظام، بل من قلبه، وورِّثوا أجهزته القمعية ومؤسساته الرّيعية.
يمكن القول إن الثّورة المضادّة، بدأت فعلياً منذ تشكّل المجلس العسكري الانتقالي، حيث تم احتواء المطلب الشعبي بالدولة المدنية، عبر ما يشبه المناورّة السياسية، بمنح المدنيين نصيباً محدوداً من السلطة التنفيذية، مقابل احتفاظ العسكر بمفاصل السيادة، الأمن، والاقتصاد. ومنذ هذا التشكّيل بدأت عملية التفرّيغ التدرّيجي للثّورة من داخلها. ففي هذه المرحلة، ظهرت أدوات الثّورة المضادّة في أشكال متعدّدة:
استباق تشكيل السلطة المدنية عبر المراوغة والتسويف، و تنظيم المجزرة في ساحة الاعتصام في يونيو 2019، وهي لحظة فاصلة أُريد بها كسر هيبة الشارّع، وإرهاب القوّى الثّورية. و تفعيل التحالفات الإقليمية، التي تسند الحكم العسكري، وتمنع التشكّل الديمقرّاطي في الإقليم (الإمارات، مصر، السعودية).
وبحسب تحليلات (ميشيل فوكو)، فإن السلطة الحدّيثة لا تمارَّس فقط بالعنف، بل بـ"تكنولوجيات التحكم" أيضاً، أي تنظّيم المجال العام، توزّيع الخوف، السيطرة على الخطاب [25] وهذا بالضبط ما مارسته الثّورة المضادّة عبر أدوات الإعلام، والتشكّيك، والتفتّيت الرمزي للحرّاك.
إعادة تدوير النظّام القدّيم: من تفكيك التمكين إلى تمكين جديد
أُنشئت لجنة إزالة التمكين، بوصفها أداة لتفكيك الدولة الإسلاموية. لكنها، وبسبب ضعف التشرّيعات، وانقسام الحاضنة السياسية، وغياب الإصلاح المؤسسي الموازي، تحوّلت من أداة إصلاح إلى موقع للمعرّكة السياسية. وبمجرد أن بدأ الخطاب الرّسمي يصورّها كأداة انتقام، سهل على القوّى المضادّة للثّورة تفكيكّها لاحقاً عبر القضاء.
في هذه الأثناء، عاد رموز النظام السابق إلى مواقعهم في القضاء، النيابة، المؤسسات الاقتصادية، والجامعات. وجرّت إعادّة تشكّيل أجهزّة الإعلام، لتنتج سّردية جديدّة عن فشل الفترّة الانتقالية، وتكرّيس فكرّة أن الثّورة، لم تكن أكثر من فوضى شبابية، غير راشدة. وهنا تظهر بجلاء هيمنة ما سماه غرامشي بـ"القوة الناعمّة للثّورة المضادّة"، أي السيطرة على المعنىٰ، وعلى الرؤية الجماعية للمجتمّع.
السلام كرّافعة للهيمّنة: اتفاق جوبا نموذجاً
بينما كانت قوّى الثّورة تناضل، من أجل إعادة بناء الدولة، استُخدم ملف السلام، لتوسيع قاعدّة المكوّن العسكرّي. إذ فتح الاتفاق الطرّيق، أمام الحركات المسلحة، للانخراط في الحكم عبر صفقات فوقية، أُبرمت دون إشراك المجتمعات المحلية. وبدلاً من أن يعالج اتفاق جوبا جذور الحرب والتهميش، أعاد تشكيل السُّلطة نفسها، وأنتج "سلاماً نخبوياً"، منح العسكر مزيداً من الشرّعية السياسية.
هكذا تحوّلت مطالب الهامش، إلى أورّاق تفاوض بيد المكوّن العسكري، في ما يشبه سياسة (فرق تسد) الاستعمّارية، حيث تُمنح الامتيازات لبعض النخب مقابل سكوتها عن الهيمّنة.
الانقسام الاجتمّاعي كأداة: تفكيك الحاضنة الثّورية
أدركت قوّى الثّورة المضادّة، أن الحاضنة المدّنية ليست متماسكة. فبدأت في تغذّية التناقضات الإثنية والطبقية والجهوية. وتم تضخيم خطاب "الخُرطوموية"، وتصوير الثّورة كحركة من النُخب "المتعلمة" المعزولة عن هموم الشعب، بينما جرى الترويج لحميدتي بوصفه "ابن الهامش"، في محاولة لشرعنة سيطرته على السلطة. وقد أسهم الإعلام مدفوع الأجر في تغذّية هذا الخطاب، مما قاد إلى تآكل تدرّيجي للثقة داخل المكوّن المدّني، وتفكيك مراكز القوّى الثّورية، الأمر الذي سهل على العسكر التمدُّد، والانفراد لاحقاً بالسُّلطة.
من الاحتواء إلى الانقلاب: تتوّيج الثّورة المضادّة
في 25 أكتوبر 2021، أعلن الفريق البرهان عن انقلاب عسكري ألغى بموجبه الوثيقة الدستورية، واعتقل رئيس الوزراء المدّني عبد الله حمدوك. لكن هذا الانقلاب لم يكن سوى تتويج علني، لمسار طويل من تفريغ الانتقال من مضمونه، بدأت أولى خطواته يوم تشكّيل المجلس السيادي.
لقد أدت ممارسات الثّورة المضادّة إلى تقويض سُّلطة الشارّع. وتهميش قوّى الثّورة، وإعادة تدوير السلطة الأمنية، وإعادة إنتاج أدوات الدولة القمعية. تماماً كما تشير (حنة آرندت)، فإن الثّورة تفشل، حين تعجز عن إنتاج نظام جديد، يؤسس للحرّية [26] أما (بول ريكور)، فيُشير إلى أن الثورة الحقيقية، تتطلب إعادة تأويل الذّات السياسية الجمعية، لا مجرد تغيّير الوجوه [27] وهذا ما فشلت فيه قوى الانتقال، أمام مدّ الثّورة المضادّة.
وآخيراً، في كل مرّة يُولد فيها الحلم السوداني، يُذبح على عتبة الوطن نفسه. لا يموت لأنه هش، بل لأنه يُحاصر من الداخل. من مسجدٍ لا يُوظف لله، ومن زعيمٍ يسكر بالمجد، ومن ضابطٍ يتكلم بلغة الطاعة، ويُقسم على العلم فيما قلمه يوقع على البيان رقم واحد.
وهكذا، نعود — كما كل مرّة — إلى ذات السؤال القديم: هل هناك وطنٌ يُكتب بالحبر، أم أنه لا يُولد إلا بالدّم؟
الذين أسقطوا حكومة عبود لم ينجحوا في بناء الدّولة، لأنهم لم يتفقوا على سؤال بسيط: من هو المواطن؟ وبينما ظل الجنوب يطالب بالاعترّاف، كانت النُخبة في الشمال، تحاول إعادة صياغة الوطن ليشبهها هي.
فشلت الديمقراطية، لا لأن الشعب لم يفهمها، بل لأن الذين تولّوا أمرها، أرادوا أن يُقصوا الآخر باسم الله، وباسم الزّعامة، وباسم الأمة. وهكذا، حين ارتفع صوت دبابات النميري في فجر الغدر، لم يُفاجأ التاريخ. كان ينتظر فقط اللحظة المناسبة، ليُغلق أبواب الأمل من جديد.
لم يكن انقلاب نميري حتمية من حتميات التارّيخ. لكن القوّى التي كان يفترض أن تحمّي الديمقرّاطية، أضعفتها باسم الدين تارّة، وباسم الزّعامة تارّة أخرى. الشريف حسين الهندي، آنذاك، كتب: "الديمقراطية لا تسقط لأن العسكر يريدون الحكم، بل لأنها تُفرّط بنفسها حتى تغدو مستباحة." [28] وهكذا كان. أُسُقطت حكومة الديمقراطية الثانية، ودُفنت آمال أكتوبر، وسُمّي الانقلاب الذي قضى على هذا الحلم "بثورة مايو المجيدة"، رغم أن انقلاب نميري، لم يكن سوى ذروة (الثّورة المضادة)، التي بدأت لحظة إسقاط عبود.
ولذا، ظلّت تلك الأعوام الخمسة بين أكتوبر ومايو، كما لو كانت زمنًا معلقًا في حلق التاريخ، حُلماً لم يُكمل فقرّته الأخيرّة، وموسيقى بُترت قبل أن تبلغ ذروتها، وطناً قال "أنا هنا"، لكن أحداً لم يصغِ، فأُعيد إلى صمته الأول، في انتظار فرصة لا تأتي أو تأتي، فتموت.
هكذا خُذلت الديمقراطية لا مرة، بل مرّات. خذلها رجال الدين، ورجال الطوائف، ورجال الدولة. وكانت النتيجة أن "الوطن" ضاق بمعناه، حتى لم يعد يتسع إلا لعرق واحد، ودين واحد، وصوت واحد. أما الأصوات الأخرى والأعراق الأخرى والثقافات الأخرى والأديان الأخرى، فقد أُجبرت على الصمت، أو على حمل السلاح.
ومع ذلك كانت لانتفاضة 6 ابريل فرصة حقيقية.،لكنها لم تُستغل، كما انها لم تُغتال فجأة. لقد خُنقت ببطء، في المكاتب، وفي المساومات، وفي صمت النخب.
كان رأس رمح الثورة المضادة الطائفية والجبهة الإسلاموية — لا لأنهم انقلبوا وحدهم، بل لأنهم شكّلوا تحالفاً ضمنيّاً ضد أي مشروع (وطني تعددي علماني ديمقراطي). لم يختلفوا إلا على من يحكم، لا على كيف يُحكم السودان.
وهكذا، عاد السودان إلى سجنه. لكن هذه المرّة، لم تكن القضبان من حديد، بل من شريعة زائفة، وطائفية عمياء، وعسكرٍ لا يملكون وجهًا للهوية سوى البندقية!
ما بعد الثورة المضادة
لم تكن الثورة المضادة في السودان لحظة انقلاب عسكري وحسب، بل كانت عملية بطيئة، متعددة الوجوه، اشتغلت على تقويض الوّعي، والهياكل، والعلاقات. وهي بذلك تتطلب مقاومة لا فقط من خلال الاحتجاجات، بل عبر إعادة تأسيس المشروع الوطني على أسس مختلفة: ديمقراطية، لا مركزية، عادلة.
إن تفكيك الثورة المضادة لا يكون بإزاحة العسكر فقط، بل بإعادة بناء الدولة من أسفل، وتحقيق عدالة انتقالية حقيقية، وإعادة كتابة العقد الاجتماعي بطريقة تستوعب الهامش والمركز في آنٍ معاً.
————————
هوامش:
[1]. دكتور منصور خالد، النخبة السودانية وإدمان الفشل: دراسة في أسباب انهيار السودان، دار الساقي، بيروت، 2014، ص: 56
[2]. السابق، ص: 61
[3]. معذبو الأرض، ترجمة: سامي الدروبي، دار الفارابي، بيروت، الطبعة الثانية، 2004، ص: 113
[4]. فرانز فانون، جلد أسود وأقنعة بيضاء، دار الآداب، بيروت، ترجمة: كمال أبو ديب، 1997، ص: 33
[5]. دكتور منصور خالد، السابق، ص: 301
[6]. محمد أحمد المحجوب، الديمقراطية في الميزان، دار جامعة الخرطوم للنشر، الخرطوم، الطبعة الثانية، 1987، ص: 202
[7]. منصور خالد، السابق، ص: 141
[8]. نفسه، ص: 140
[9]. نفسه، ص: 120
[10]. نفسه، ص: 138
[11]. نفسه، ص: 130
[12]. نفسه، ص: 305
[13]. نفسه، ص، 315
[14]. نفسه، ص: 310
[15]. نفسه، ص: 350
[16]. نفسه، ص: 380
[17]. نفسه، ص: 400
[18]. نفسه، ص: 410
[19]. نفسه، ص: 445
[20]. نفسه، ص: 430
[21]. أبو القاسم حاج حمد، السودان: المأزق التاريخيّ وآفاق المستقبل (جدلية التركيب)، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الثانية، 1996، ص: 40
[22]. دكتور الطيب زين العابدين، الديمقراطية التوافقية: الطريق إلى الاستقرار السياسي في السودان، مجلة الدراسات السودانية، جامعة الخرطوم، معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية، العدد 20، 31 اكتوبر 2014، ص: 43
[23]. دكتور أحمد محمود القرآن والتاريخ: رؤية نقدية جديدة، منشورات مركز الدراسات النقدية للأديان، لندن، الطبعة الأولى، 2010، ص: 179
[24]. أبو القاسم حاج حمد، السابق، ص: 20
[25]. ميشيل فوكو، المراقبة والعقاب، ولادة السجن، ترجمة: جورج أبي صالح، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى، 1990، ص: 125
[26]. حنة آرندت، عن الثورة، ترجمة: ميشيل كيلو، دمشق: دار قدمس للنشر والتوزيع، دمشق، الطبعة الأولى، 1990، ص: 290
[27]. بول ريكور، الذاكرة، التاريخ، النسيان، ترجمة: جورج زيناتي، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، الطبعة الأولى، 2009، ص: 86
[28]. منصور خالد، السابق، ص: 315



#أحمد_ضحية (هاشتاغ)       Ahmed_M.d._Ahmed#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلامويين ودولة المرابطين في السودان (١)
- رِوَّايات العبودية: التخييِّل التارِّيخي والسَّرد
- جماليات الطيف والصمت في صهيل الصمت لكلثم جبر
- مزيج رائحة القهوة والتاريخ
- حرب المعنى: بروفايل ثائر مهمل!
- آلام ذاكرة الطين
- على هامش الثورة السودانية و بدء العد التنازلي لسقوط النظام ( ...
- هل سيعبر الرئيس السوداني المطلوب للجنائية الأطلسي بسلام آمنا ...
- الثورة السودانية المتنامية: جرائم الماضي والحاضر.. ورؤى وآفا ...
- الثورة السودانية المتنامية: جرائم الماضي والحاضر.. ورؤى وآفا ...


المزيد.....




- أنصار الله: دعم قائد الثورة الإسلامية الإيرانية حسم المعركة ...
- المفكر الماليزي عثمان بكار: الكونفوشية والإسلام يشتركان في ا ...
- “متابعة جيدة” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على النايل سا ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى
- يهود الغرب والضغط الخانق على إسرائيل
- فرنسا: إصلاحات تشريعية للحد من -خطر- الإخوان المسلمين؟
- -غرفة انتظار الجنة-..هذه البلدة تحتضن المقر الصيفي للبابا لا ...
- الاحتلال يدرس إعادة الوجود اليهودي الدائم في قبر يوسف بنابلس ...
- مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
- مدينة -بني براك- الإسرائيلية المركز الديني اليهودي الأكبر عا ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد ضحية - السودان: الثورة والثورة المضادة