|
الديانة الإبراهيمية ولاعتقاد الأركيولوجي- الزخرف
طلعت خيري
الحوار المتمدن-العدد: 8397 - 2025 / 7 / 8 - 10:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في القرن السادس الميلادي تبنى التحالف المكي الرأسمالي مشروع الديانة الإبراهيمية ، ضاما الاعتقادات والديانات والأديان السياسية الى دين إبراهيم ، مستغلا الطوائف الوثنية المنشقة عن بعثة الأنبياء والرسل ، في اليمن وبلاد الشام ومصر لإنتاج ثقافة الاعتقاد الأركيولوجي ، حاصرا إياها في البيت ومقام إبراهيم ، مؤسسا تحالفا سياسيا وثنيا تجاريا منضوي تحت اعتقاده الملائكة بنات الرحمن ، الملاحظ ان التحالف المكي الرأسمالي لم يتعامل مع الدين السياسي لأهل الكتاب على ان أنبيائه من ذرية إبراهيم ، إنما تعامل مع طوائف وثنية منشقة عن الكتاب المقدس تدعي أنها على ملة إبراهيم ، كاليهود والنصارى وبني إسرائيل ، ومن هنا استطيع القول ان المزاعم التي ادعت ان إبراهيم أبو الأنبياء لا صحة لها ، وفي خطوة استباقية للحفاظ على ديموغرافيا المصالح السياسية والاقتصادية ، توجه التحالف المكي الرأسمالي الى جمهور حلفائه اليهود وبني إسرائيل ، مفبركا لهم تزامنا تاريخيا تراثيا بين موسى وبين بنات الرحمن لإقناعهم على ان موسى كان على دين إبراهيم وأبيه وقومه يعبد الملائكة بنات الرحمن ، وبهذه الفبركة السياسية التاريخية اكتسبت طوائف الدين السياسي الأهل الكتاب الديانة الإبراهيمية ، والملاحظ أيضا ان التحالف الغربي الأمريكي الامبريالي لم يلجا الى موسى في طرح مشروع الديانة الإبراهيمية الجديد ، لان الثقافة القرآنية أعطت تفصيلا كاملا عنه وعن اليهود وعن بني إسرائيل ، لذا لجأ الى الجغرافيا الإبراهيمية المقدسة المدونة في الكتاب المقدس التوراة الذي نقلته طوائف الدين السياسي لأهل الكتاب الى أوربا بعد الخروج من المنطقة العربية في القرن العاشر الميلادي ، وعلى تلك الجغرافيا الإبراهيمية المقدسة بنا المجتمع الغربي ثقافة الاعتقاد الأركيولوجي ، استطيع القول ان الديانة الإبراهيمية في القران السادس الميلادي عبارة عن مشروع وثني سياسي تقوده البنات كالملائكة بنات الله وبنات الرحمن ، ويضم طوائف الدين السياسي لأهل الكتاب ، بينما يقود المشروع الجديد الأبناء كالمسيح ابن الله ويهوه ابن الله ، ويضم طوائف الإسلام السياسي وكلا المشروعين لا يخرج عن ثقافة الاعتقاد الأركيولوجي
قلنا في مقالة سابقة ، زعم الفكر المكي التراثي ان إبراهيم وأبيه وقومه كانوا يعبدون الملائكة بنات الرحمن ، ولما توجه الى مكة لبناء البيت أقام لهن تماثيل وأصناما اعتزازا بتراث آباءه وأجداده ، ونحن أيضا نعتز بهن لأنهن امتداد لتاريخنا وتراثنا الديني ، كشف الله زيف مزاعمهم ، ناقلا ما قاله إبراهيم لأبية وقومه من الماضي الغيبي الى حاضر الدعوة القرآنية ، قال الله وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون ، مستثنيا الله ، إلا الذي فطرني فانه سيهدين ، وفي خطوة استباقية باشر التحالف المكي الرأسمالي بمنارة فكرية سياسية مع جماهير حلفائه من أهل الكتاب كاليهود والنصارى لضمان وحدوية الكتلة ، منحدرا الى عمق التاريخ لضم موسى وعيسى لاعتقاد الملائكة بنات الرحمن ، نستنتج من هذا ان المصالح السياسية والاقتصادية هي من ترسم شكل التحالفات ، قال الله لمحمد ، وأسال من أرسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ، كيف سيسأل محمد رسل ماتوا من قبل ، هذا يعني ان التنزيل استعد للمناورة الفكرية التاريخية السياسية التي سيطرحها التحالف المكي الرأسمالي على أهل الكتاب بخصوص ضم موسى وعيسى لعبادة الملائكة بنات الرحمن
وبالفعل فبرك التحالف المكي الرأسمالي مناورة سياسية تاريخية تراثية جديدة ، لضم موسى الى الديانة الإبراهيمية متوجها الى جمهور الطائفة الموسوية الرافض للوثنية المكية ووثنية أهل الكتاب ، مدعيا ان موسى كان على ملة إبراهيم ، وهو من دعا فرعون وملئه لعبادة الملائكة بنات الرحمن ، وبناءا على قول الله ، وأسال من أرسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ، نقل التنزيل ما قله موسى لفرعون وملئه من الماضي الغيبي الى حاضر الدعوة القرآنية ، لتكذيب مزاعم التحالف المكي الرأسمالي ، قال الله ولقد أرسلنا موسى بآياتنا الى فرعون وملئه ، فقال إني رسول رب العالمين ، فلما جاءهم بآياتنا إذا هم يضحكون ، الضحك هو الاستهزاء
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ{46} فَلَمَّا جَاءهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ{47}
كان فرعون براغماتيا إقطاعيا يعتمد اقتصاديا على الزراعة وسياسيا على الطبقة الفلاحية ، فالزراعة كانت تشكل الاقتصاد السياسي لتراكم رأس المال الذي به يعزز قدراته السلطوية والمؤسسة العسكرية ، فالآيات عبارة عن آفات زراعية أضرت بالاقتصاد الفرعوني ، منها الدم أو الدفن أو الطمي وتعني سد قنوات الري الزراعي بالرواسب الطينية ، والجراد والقمل والضفادع آفات متلفة للمحاصيل والثمار، فالآيات عبارة عن انهيارات اقتصادية متتالية ، قال الله وما نريهم من آية إلا هي اكبر من أختها ، وأخذناهم بالعذاب انهيارات اقتصادية متتالية لعلهم يرجعون
وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{48}
قلنا في مقال سابق عنوانه البراغماتية بين موسى وفرعون ، ان فرعون أباد السحرة بعد إيمانهم بالله واليوم الأخر لأن سحرهم لا يتطابق مع الجانب العملي للبراغماتية ، ولما رأى البراغماتية العملية في عصا موسى المتحولة الى ثعبان ، تركه يدعو بحرية بين ملئه ، لان ذلك لا يتعارض مع توجهاته السياسية ، فأطلق عليه المجتمع الفرعوني لقب الساحر ، قال الله وقالوا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك ، بان يرفع عنا الآفات الزراعية اننا لمهتدون ، ولما كشف الله عنهم العذاب إذا هم ينكثون
وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ{49} فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ{50}
كانت مكة في القرن السادس الميلادي مركزا تجاريا عالميا ، تسيطر عليه الزعامة الرأسمالية المكية ، التي يرتكز نشاطها الاقتصادي على بضائع الوافدين من بلاد الشام واليمن ، وعلى النذور والقربان والهدايا التي تقدمها الديانات والاعتقادات لأوثان الكعبة ، ولسير متطلبات المصالح السياسية والاقتصادية كانت الرأسمالية المكية تقدم أفضل الخدمات للوافدين كالطعام والسقاية في موسم الحج ، وفي نفس الوقت تروج لبضائعها الصناعية كالهدايا والقلائد والتماثيل والرموز المعدنية ، وفق تلك المعطيات الرأسمالية استخف التحالف المكي بعقول الرأسماليين والزعماء والكهنة والأسياد واضعا أمامهم مقارنة سياسية طبقية تعكس مدى التدني المعيشي للطبقة الفقيرة والكادحة ، مدعيا ان ما هو عليه من ترف رفاهية اقتصادية ومالية هو بفضل عبادة بنات الرحمن ، وان الذين كفروا بهن من المؤمنين الفقراء والكادحين ، سيبقى مستواهم المالي والمعيشي في أردى المستويات ، وعلى نفس الوتيرة السياسية ستخف فرعون بالطبقة الفلاحية والطبقة الرأسمالية وقادة المؤسسة العسكرية ، واضعا أمامهم مقارنة براغماتية سياسية إقطاعية ، ليعكس الفارق الرأسمالي بينه وبين موسى ، قال الله ونادى فرعون في قومه ، قال يا قوم اليس لي ملك مصر، وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون ، أم أنا خير من هذا الذي هو مهين موسى ، ولا يكاد يبين ، لا تظهر عليه ملامح هيمنة إقطاعية ولا رأسمالية
وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ{51} أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ{52}
البراغماتية والفسوق المجتمعي وللاوعي والحريات الشخصية المباحة دون قيود ، جعلت المجتمع الفرعوني يرفض أي تغير عقائدي جديد ، وعلى ايدولوجيا البراغماتية أسس فرعون نظام سياسي توتاليتاري شمولي متقوقع حول أفكاره المستبدة وقوانينه الصارمة ، محققا دوغمائية الطاعة العمياء ، محجما الفكر ومستخفا العقول بعدم الأخذ بجدية عواقب العذاب الدنيوي المهدد للوجود الفرعوني ، من قال ، فرعون البراغماتي الذي حارب الدين يستعين بمصطلح ديني كالملائكة ، أين البراغماتية أين الميتافيزيقا ، ولكن عند المصالح السياسية والاقتصادية تندثر المبادئ ، قال فرعون فلولا القي عليه أي على موسى أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين ، ولقد أتت التوتاليتارية والدوغمائية والطاعة العمياء أكلها في المجتمع الفرعوني ، فاستخف فرعون قومه فأطاعوه أنهم كانوا قوما فاسقين ، فلما اسفونا تعذروا متأسفين عن إتباع تحذيرات موسى المهددة للوجود الفرعوني ، انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين
فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ{53} فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ{54} فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ{55} فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ{56}
#طلعت_خيري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرأسمالية بين الراديكالية ودوغمائية البنات - الزخرف
-
الرأسمالية وميثولوجيا بنات الرحمن - الزخرف
-
ميثولوجيا بنات الرحمن- الزخرف
-
لماذا قرأنا عربيا - الزخرف
-
الظلم والاستبداد الطبقي الرأسمالي - الشورى
-
الكادحون بين الرأسمالية والتنزيل - الشورى
-
الله والمال والشريعة - الشورى
-
الاستاتيكية وعلمية الماضي الغيبي - الشورى
-
الوجودية بين التراجيديا والرفاهية - فُصِّلَتْ
-
النشأة التاريخية للإلحاد الوجودي - فُصِّلَتْ
-
الكون بين الوجودية والدين - فُصِّلَتْ
-
النشأة التاريخية للاعتقادات الكونية - فُصِّلَتْ
-
دراماتيكية الشيطنة والعلوم الدينية - غافر
-
المقدسات والشرك بالله - غافر
-
المصير الأخروي للتبعية السياسية - غافر
-
اليسار بين الوجودية واليمين الديني - غافر
-
الدكتاتورية بين البراغماتية والدين السياسي – غافر
-
أيديولوجيا الخطيئة والمقت السياسي - غافر
-
ديالكتيكية التوبة والعقاب - غافر
-
انثروبولوجيا المجتمعات والحساب الأخروي - الزمر
المزيد.....
-
المفكر الماليزي عثمان بكار: الكونفوشية والإسلام يشتركان في ا
...
-
“متابعة جيدة” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على النايل سا
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى
-
يهود الغرب والضغط الخانق على إسرائيل
-
فرنسا: إصلاحات تشريعية للحد من -خطر- الإخوان المسلمين؟
-
-غرفة انتظار الجنة-..هذه البلدة تحتضن المقر الصيفي للبابا لا
...
-
الاحتلال يدرس إعادة الوجود اليهودي الدائم في قبر يوسف بنابلس
...
-
مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
-
مدينة -بني براك- الإسرائيلية المركز الديني اليهودي الأكبر عا
...
-
الأردن يحاصر الإخوان.. إجراءات ضد -واجهات مالية- للتنظيم
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|