أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ليث الجادر - الطفل الذي يسقيك تأنيبًا..البعد النفسي لاشراك الاطفال في الشعائر الدينيه














المزيد.....

الطفل الذي يسقيك تأنيبًا..البعد النفسي لاشراك الاطفال في الشعائر الدينيه


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8397 - 2025 / 7 / 8 - 01:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في زاوية الطريق، يقف طفل صغير يحمل أقداح الحليب ويوزعها على الزوار والمارة، وهو يردد بلهجة حزينة وقوية:
«اشرب حليب يا زاير بثواب عبد الله الرضيع».
وفي مكان آخر، طفل يشبهه يقف عند باب بيته، وقد وضع أمامه قناني ماء بارد يمدّها لكل عابر ويتمتم بكلمة واحدة: «ثواب… ثواب…»، لكن حينما يتناول أحدهم قارورة ماء، يسرع الطفل بسؤال محمّل باللوم:
«كيف تشرب الماء وسيدي الحسين مات عطشانًا؟»

البنية النفسية لفعل الطفل

من منظور نفسي، الطفل هنا لا يقوم فقط بعمل خيري أو طقسي، بل يُدمَج منذ نعومة أظفاره في تجربة ذنب غير شخصي. فهو يتعلّم أن عطائه يجب أن يكون مقرونًا بتذكير الآخر بذاكرة ألم الماضي، وبذنب مستعاد. هذا يُزرع في داخله وظيفة نفسية مزدوجة: أن يكون كريمًا وفي الوقت نفسه "حارس ضمير" يُذكّر الآخرين بتقصيرهم، وهذا ليس سلوكًا واعيًا بل يتكرس تدريجيًا كجزء من هويته النفسية.

أثر الطقس على الطفل والمتلقي

هذا الدور يُشكّل صورة أخلاقية مشوّشة لدى الطفل، يجعل العطاء فعلًا غير نقي لأنه محمّل بلوم مستتر، وقد ينمو لديه شعور ضمني بالاستعلاء الأخلاقي: "أنا أذكرك بما نسيتَه". في المقابل، المتلقي يتعرّض إلى إيحاء بالذنب من شخص بريء، وهو طفل، ما يجعل تأثير الرسالة أعمق. شرب الماء أو الحليب يصبح هنا فعلًا مشروطًا بتحميل الذكرى شعورًا بفقد مستمر.

الامتناع كسيناريو مضاد وطقس

يتخيّل النص مشهدًا مختلفًا: ماذا لو امتنع الناس عن الشرب احترامًا لذاك العطش المقدس؟ هنا يتحول الذنب إلى مقاومة صامتة، ويصبح العطش ذاكرة جسدية متواصلة. عند توسع هذا الامتناع ليصبح طقسًا منظّمًا، تتحول أقداح الماء وأكواب الحليب إلى أشياء موجودة للرؤية فقط، غير مسموح بالمساس بها. الأطفال يصبحون حُراسًا لهذا الامتناع، والجموع تتحول إلى مشاركين صامتين في شعيرة عطش لا ينطفئ. في هذا الطقس، لا يُروى الظمأ، بل يُكرس باستمرار كهوية جماعية دائمة.

التأثير النفسي والاجتماعي طويل المدى

تكرار هذه البنية جيلاً بعد جيل يولد ظاهرة نفسية واجتماعية معقدة:
- نزعة للوم متبادل داخل المجتمع.
- تعلّق مزمن بالمظلومية كجزء أساسي من الهوية الجماعية.
- حساسية مفرطة تجاه محاولات فكّ علاقة الذنب التاريخي بالحاجات الحاضرة.

هذه الظاهرة تمثل نوعًا من التنشئة النفسية المبنية على الذنب، حيث تتحول أبسط الأفعال – مثل شرب الماء – إلى بوابة تستدعي لومًا مستمرًا، ما يولد قلقًا وجوديًا طويل الأمد ويؤثر على الصحة النفسية للأطفال والبالغين على حد سواء.

الخلاصة

الطقوس الرمزية التي تتضمن توزيع الماء والحليب ليست مجرد ممارسات دينية أو اجتماعية عابرة، بل هي أداة نفسية معقدة لتكريس ذاكرة ألم تاريخية عبر أجيال. الطفل الذي يسقيك تأنيبًا يحمل دورًا مزدوجًا هو العطاء واللوم، والمتلقي يعيش بين حاجته إلى الماء ووزر الذنب. وعندما يتحول الامتناع عن الشرب إلى طقس، تُخلق دائرة مغلقة من الذنب والعطش لا يجد لها المجتمع مهربًا، ما يعمّق شعور المظلومية ويثبّتها كجزء من الهوية الجمعية.

هذه الظاهرة تستحق دراسة نفسية واجتماعية معمقة لفهم آثارها على الأفراد والمجتمعات، وكيف يمكن تفكيكها لتحقيق توازن صحي بين الحفاظ على الذاكرة والعيش بحرية نفسية



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عاشوراء العراقيين ...حسين يقتل حسينا
- تفاصيل الحياة اليومية في غزه..تغيب مقصود أم ماذا؟
- نقد جذري للذكاء الاصطناعي الرأسمالي وخطة عودة إلى الأرض
- حينما تفقد الملكية معناها: تفكيك النقد الميكانيكي للاشتراكية
- العداله الاجتماعيه..حتم التناقض الثنائي
- لا جدال في اشتراكية الاتحاد السوفياتي..
- في محاكاة العشرة التوراتية وطقس عاشوراء الشيعي
- مقتل الحسين والتسيس التكتيكي العباسي
- التغيير (( العراقي ))..من الافتراضي الى الممكن..ج3
- التغيير ((العراقي )).. من الأفتراضي الى الممكن ..ج2
- الانتخابات البرلمانيه ..ترتيب اوراق الخراب
- التغيير ((العراقي))..من الافتراضي الى الممكن
- حالة( اسكات النيران ) ..مهله مراجعه النظام الايراني
- الانتصار الكاذب وصناعة الوهم المدفوع
- إيران كقوة كولونيالية ناعمة: الاقتصاد المقاوم بوصفه أداة إخض ...
- حول نضج شروط الانتفاضه الشعبيه الايرانيه..
- كفة ميزان الحرب..بين الاسد الصاعد وبين الوعد الصادق 3
- رقصة على حافة الانفجار: صراع أميركا وإسرائيل في كبح إيران
- الهلال الخصيب المأزوم..بممكنات التأزيم
- رهينة اليورانيوم المخصب..هدنه تكتيكيه وملامح تموضع جديد


المزيد.....




- المفكر الماليزي عثمان بكار: الكونفوشية والإسلام يشتركان في ا ...
- “متابعة جيدة” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على النايل سا ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى
- يهود الغرب والضغط الخانق على إسرائيل
- فرنسا: إصلاحات تشريعية للحد من -خطر- الإخوان المسلمين؟
- -غرفة انتظار الجنة-..هذه البلدة تحتضن المقر الصيفي للبابا لا ...
- الاحتلال يدرس إعادة الوجود اليهودي الدائم في قبر يوسف بنابلس ...
- مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
- مدينة -بني براك- الإسرائيلية المركز الديني اليهودي الأكبر عا ...
- الأردن يحاصر الإخوان.. إجراءات ضد -واجهات مالية- للتنظيم


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ليث الجادر - الطفل الذي يسقيك تأنيبًا..البعد النفسي لاشراك الاطفال في الشعائر الدينيه