أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ميشيل الرائي - في سوسيولوجيا الدولة والهويات القاتلة














المزيد.....

في سوسيولوجيا الدولة والهويات القاتلة


ميشيل الرائي

الحوار المتمدن-العدد: 8396 - 2025 / 7 / 7 - 17:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في زمن تتكاثر فيه مفردات مثل "الحرية" و"الديمقراطية" و"العدالة"، تصبح الكلمات أقنعة لا مفاهيم، طقوسًا لغوية تؤدي دورها الرمزي بينما تغيب دلالاتها الواقعية. في الشرق الأوسط، تبدو "الدولة" مؤسسة معلّقة بين حداثة لغوية وحدود طائفية، بين الشعارات الغربية والولاءات الغيبية. هنا، لا تعني الهوية الطائفية مجرد انتماء ديني، بل تتحول إلى بنية سياسية مستقرة، يُعاد إنتاجها بوسائل تبدو حداثية، لكنها تخدم نظامًا "قبل-دولتي"، يعيد بناء القبيلة داخل البرلمان، ويُحوّل الطائفة إلى عقد سياسي، والدين إلى وظيفة عامة.

من هذه المفارقة يولد سؤال مركزي:

> كيف تُسهم البنى الطائفية والسياسات الهوياتية في شرعنة الفساد وتقويض فكرة الدولة الحديثة في العراق وسائر دول الشرق الأوسط، وهل يمكن اعتبار هذه النماذج إعادة تدوير مبتكرة للاستعمار الداخلي، تحت قشرة من الشرعية الدينية؟
التمييز بين الدين كعقيدة فردية، والطائفية كبنية سياسية، ليس ترفًا فكريًا بل ضرورة تحليليّة. فحين تُفرغ العقيدة من بعدها الإيماني، وتُعاد هندستها لتكون هوية سياسية، ننتقل من فضاء المقدّس إلى مسرح الصفقات. في العراق ولبنان، بل حتى في البحرين وسوريا، لم تعد الطائفة مسألة إيمان بل تقسيمًا إداريًا ـ نظاميًا للموارد والنفوذ.

الطائفية لا تدافع عن "الحق"، بل عن "الحصة". والكفاءة تتحوّل إلى تهديد لبنية الحصص، لأنها تنتمي إلى معيار خارج القسمة الطائفية. فالدولة في هذه النماذج لم تعد تعرّف نفسها كمؤسسة سيادية تُنظّم العلاقات بين مواطنين متساوين، بل كـ"شركة قابضة" تديرها طوائف بوصفها "مجلس إدارة"، يملك كل منها مقعدًا يحدد بمقدار الضجيج السياسي لا بالشرعية الوطنية.
في الدولة الطائفية، الفساد ليس جريمة بل امتياز. إنه وجه من أوجه "التمكين الطائفي"، بلغة ذات قداسة. لا يُدان الفعل بل تُدان الجهة التي ارتكبته: "فسادنا" مقاومة وطنيّة، أما "فسادهم" خيانة. يصبح النهب مؤسَّسًا باسم "حقوق المكوّن"، ويتحوّل اختلاس المال العام إلى حق شرعي، كأن الطائفة تملك حصة موروثة من خزينة الدولة.

بهذا المعنى، لا يُسرق الوطن، بل يُقنّن سلبه باسم "التمثيل". كل طائفة تستبطن أنها في حالة "ظلم تاريخي"، وتحوّل الظلم الرمزي إلى رأس مال سياسي، تُبرر به الغنيمة. في هذا السياق، الفساد لا ينهار أخلاقيًا، بل يُشرعن ثقافيًا.

تُمارَس الانتخابات، وتُحتَرم النسب، وتُعدّ الأصوات... لكنها جميعًا طقوسٌ لمسرح بلا دولة. فالحاكم الفعلي هو المرجع الديني، أو زعيم الطائفة، أو شيخ القبيلة. يُعاد إنتاج "الجاهلية" بمصطلحات حديثة: سيادة القانون تذوب أمام "السيادة الطائفية"، والمساءلة تُلغى حين يتقدّس الزعيم، ويُعصم عن النقد.

بهذا الشكل، تتحول الديمقراطية إلى ما يسميه إيكو "فراغ الدال"، حيث يُقال الشيء ونقيضه. يُعلن الجميع الالتزام بالقانون، لكن يُصاغ القانون بما يضمن استمرار السلطة ذاتها. إنه نظام يخادع نفسه، ويصنع مرآة لا يرى فيها إلا صورته المقدّسة.

لا يمكن تبرئة الخطاب الغربي من تعزيز صورة "الشرق كفسيفساء طائفية". غير أن المفارقة المزدوجة تكمن في أن الشرق نفسه تبنّى هذا المنظور، بل وراح يُعيد إنتاجه وتصديره إلى المحافل الدولية. حين تطالب مكوّنات الشرق الأوسط بحقوقها، فإنها لا تطالب بها كـ"بشر" أو "مواطنين"، بل كـ"أقليات".

المواطنة تُفرغ من معناها لصالح خطاب "الحماية الدولية"، الذي يُخاطب العواصم الغربية لا برؤية قانونية بل بمنطق الطائفة المضطهدة. وهنا، يجد الغرب نفسه أمام مشهد يبرّر تدخّله، ويعزز مقولاته الاستشراقية، بينما يفقد الشرق قدرته على بناء سردية قومية ـ إنسانية جامعة.

من المثير للسخرية أن بعض الحركات التي ترفع راية "المقاومة"، تمارس داخل مجتمعاتها شكلاً من أشكال الاحتلال. حزب الله في لبنان، والفصائل الشيعية في العراق، أمثلة صارخة. تحت شعار "تحرير الأمة"، يتم عسكرة المجتمع، وتحويل الطائفة إلى كيان أمني واقتصادي، يدير مناطقه بسلطة موازية للدولة، بل وفي مواجهتها أحيانًا.

> أي مقاومة لا تبدأ من تحرير الداخل من طائفيته، ليست تحررًا بل تكريسٌ لقيد آخر.

الغرب يدين أنظمة الشرق الأوسط لفسادها وطائفيتها، لكنه نفسه يدعمها حين تتقاطع مع مصالحه. كما أن الديمقراطية الغربية، رغم إعلانها عن حياد ديني، تنتج هي الأخرى أشكالاً من التمييز البنيوي. إسرائيل مثلًا، تُدان على أساس كونها "دولة دينية"، لكنها تحصل على شرعية كاملة من أنظمة غربية تدّعي رفض الديني في السياسة.

لكن يجب ألّا نكتفي بلوم الخارج. فبينما يعترف الغرب، ولو شكليًا، بثغراته الأخلاقية والعلمانية، الشرق الأوسط لا يزال يؤلّه مشكلاته، ويحوّل الطائفية إلى هوية مقدّسة، لا يجوز نقدها دون اتهام بالخيانة.


نحن لا نعيش في دول، بل في كيانات ما قبل الدولة، مقنّعة بمؤسسات شكلية. الطائفية ليست مجرد خلل في التمثيل، بل هي منطق النظام ذاته. وفي هذا النظام، لا وجود للمواطن كفرد قانوني ـ بل كمكوّن طائفي.

ما نحتاجه ليس فقط إصلاحًا تقنيًا، أو انتخابات عادلة، أو تداولًا سلميًا للسلطة. ما نحتاجه هو ثورة معرفية وأخلاقية ضد منطق التمثيل الطائفي نفسه. نحتاج دولة لا تسأل المواطن: "من تمثّل؟" بل تسأله: "ما مشروعك؟". نحتاج علمانية لا تُعادي الدين، بل تُخرجه من السوق السياسية، وتُعيد له مكانته كقيمة روحية لا كهوية سياسية.

> كل نظام لا يعترف بالمواطن إلا من خلال طائفته، هو مشروع انقراض للدولة.



#ميشيل_الرائي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل ماتت الفلسفة؟
- في مدح قابيل
- فصلٌ مفقود من -اسم الوردة-
- السفنُ تفكّ رموزنا
- أقنعةٌ لم تُجرّبْها القصيدة
- في أنساق التغريب البريشتي
- السلفية المعولمة حين يتخذ التنوير شكل فتوى / نقد الحداثة
- الطائر الأسود لا يظهر إلا حين يكون البياض خانقًا
- الحداثة كصليب جديد /نقد الحداثة
- الحاشية السفليّة
- التطبيع مسرحيا مع إسرائيل
- ملحوظات هامشية :الجملة ككائن ميتافيزيقي
- كتاب الحجر الرابع: تعاويذ المادة الأولى
- أنا تمثالٌ بزيٍّ غريب
- تأملات في البنية الكلية
- سيرة أدونيس تمثال من دخان، أو كيف تُصنع أسطورة من ورق الجرائ ...
- الرواقية
- العُري السماوي
- حاشية ثانية على جزيرة اليوم السابق
- الجسد المؤنث كفضاء للسلطة والمقاومة: في تشكيل الهوية الجنسية ...


المزيد.....




- المفكر الماليزي عثمان بكار: الكونفوشية والإسلام يشتركان في ا ...
- “متابعة جيدة” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على النايل سا ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى
- يهود الغرب والضغط الخانق على إسرائيل
- فرنسا: إصلاحات تشريعية للحد من -خطر- الإخوان المسلمين؟
- -غرفة انتظار الجنة-..هذه البلدة تحتضن المقر الصيفي للبابا لا ...
- الاحتلال يدرس إعادة الوجود اليهودي الدائم في قبر يوسف بنابلس ...
- مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
- مدينة -بني براك- الإسرائيلية المركز الديني اليهودي الأكبر عا ...
- الأردن يحاصر الإخوان.. إجراءات ضد -واجهات مالية- للتنظيم


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ميشيل الرائي - في سوسيولوجيا الدولة والهويات القاتلة